هل تقارير صندوق النقد الدولي الاقتصادية مسيّسة؟ ولمصلحة من يا ترى؟ فالمفترض أن منظمة دولية تخصصية على مستوى الصندوق أن تنشر تقارير اقتصادية علمية موضوعية، تأخذ في الحسبان أصول أنظمة البحث العلمي، فتعرض كل الجوانب المتعلقة بأي «مشكلة بحث» أو قضية اقتصادية تبحث فيها.

 

ما دفعني لكتابة تلك السطور درجة الاستفزازية التي أوصلني إليها تقرير حديث للصندوق، ركز على التداعيات السلبية للأزمة في سورية على دول الجوار، دون أن يلمح لما كسبته تلك الدول على المستوى الاقتصادي، فرغم الآثار السلبية للأزمة السورية على المستوى الاقتصادي، هناك أيضاً مكاسب ليست قليلة حققتها دول الجوار التي ذكرها الصندوق وهي الأردن ولبنان والعراق، وكأن الصندوق يعمل بعقلية خاصة، لمصلحة طرف دون آخر، وهذا ما يتنافى مع جميع الأسس التي يقوم عليها الصندوق.

 

الصندوق يفند

أصدر صندوق النقد الدولي مؤخراً تقريره عن مستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي عن الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، تحت عنوان «الشرق الأوسط وشمال إفريقية وباكستان وأفغانستان: هل توشك على اجتياز المنعطف الحرج؟».

وكان لأثر الحرب على سورية في اقتصاديات دول الجوار (الأردن- لبنان- العراق) إطار خاص، علماً أن التقرير لم يستخدم تعبيراً ثابتاً حيال ما يجري على الأراضي السورية، فأحياناً يصفها صراحة بالحرب وأحياناً أخرى بالأزمة، في حين استخدم تعبير «الصراع» أكثر من مرة.

وتحت عنوان «الإطار 1- التداعيات الإقليمية للصراع الدائر في سورية» قال التقرير الذي أعدته إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق: «أدت الأزمة السورية إلى ارتفاع المخاطر التي يتعرض لها الاستقرار الإقليمي، فالأزمة السورية لها تكلفة إنسانية مأساوية، ومن المقدر أن يكون إجمالي الناتج المحلي انكمش بما يتجاوز40% منذ بدايته».

واستعرض التقرير بعض التفاصيل والأرقام الاقتصادية التي جاءت انعكاساً للحرب على بعض دول الجوار، وكانت البداية من الأردن الذي «يعاني ضغوطاً على الأوضاع المالية والاجتماعية والاقتصادية»، حيث قال التقرير: «تقدر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التكاليف المباشرة لتلبية هذه الاحتياجات الإنسانية للاجئين بحوالي 1% من إجمالي الناتج المحلي لكل من عام 2013 و2014 بالنسبة للقطاع العام، بما في ذلك زيادة مصروفات الأمن والرعاية الصحية، وهي تكاليف مأخوذة بعين الاعتبار في البرنامج الذي يدعمه صندوق النقد الدولي».

ويضيف التقرير الصادر في أيار الجاري: «أدت زيادة الطلب من اللاجئين إلى زيادة تكاليف الإسكان وفرضت ضغوطاً على سوق العمل، وخاصة في القطاع غير الرسمي، في حين انقطعت مسارات التصدير عبر سورية وحدث تراجع في مزاج المستثمرين. وبينما أدت التحويلات من خلال وكالات الأمم المتحدة والمواطنين الأفراد في الخارج إلى تخفيف الأثر الاقتصادي، ما ساهم فيه أيضاً تحوُّل حركة السياح القادمين من مجلس التعاون الخليجي عن البلدان الأخرى في المنطقة».

أما عن خسائر الاقتصاد الأردني بالأرقام فقد أورد التقرير تقديرات لخبراء الصندوق تقول بحدوث خسائر في نمو الناتج بواقع نقطة مئوية واحدة في عام 2013.

وفيما يخص تداعيات الأزمة في السورية على الاقتصاد اللبناني، فقد أشارت التقديرات التي أوردها التقرير إلى تراجع نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي من متوسط 9% في الفترة 2009-2010 إلى 1% في عام 2013.

وهو ما أرجعه التقرير إلى هبوط النشاط الحاد في قطاعي السياحة والعقارات، ومن المتوقع أن يظل على مستواه المنخفض في العام الحالي.

كما كان للقطاع المصرفي نصيب من هذه الآثار السلبية، حيث كشف التقرير عن وجود انخفاض في نمو الودائع المصرفية من متوسط 18% في الفترة 2009-2010 إلى 7-8% سنوياً، في حين تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة إلى لبنان.

ومع ذلك، يرسل التقرير بعض التطمينات عن أداء القطاع المصرفي اللبناني حيث قال: «ظلت تدفقات الودائع الداخلة كافية لتغطية احتياجات التمويل، ولا تزال الاحتياطيات كبيرة، والتأثير المباشر في القطاع المصرفي محدود».

ويعود التقرير للحديث بالأرقام عن خسائر الاقتصاد اللبناني، قائلاً: «تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن تأثير الأزمة في المالية العامة تجاوز ملياري دولار في الفترة 2012-2014، ما يشكل 4.5% من إجمالي الناتج المحلي، مع وجود حاجة لموارد إضافية مقدارها 2.5 مليار دولار لإعادة الخدمات العامة إلى مستوى الجودة السابق على الأزمة».

وبناء على توقعات البنك الدولي، ذكر التقرير أن البطالة سترتفع بمقدار الضعف لتتجاوز 20% هذا العام، كما كشف عن زيادة التفاوت بين الدخول بسبب قبول اللاجئين السوريين أجوراً أدنى بكثير مما تقبله العمالة اللبنانية.

أما عن تداعيات الأزمة على الاقتصاد العراقي، فقد بيّن التقرير وجود زيادة في الإنفاق الحكومي على الجوانب الأمنية والاجتماعية، كما تأثر النمو غير النفطي الذي يتوقع أن ينخفض إلى 4% في عام 2014 من متوسط 8% في الفترة 2009-2013.

وذكر التقرير صراحةً: «أدت الحرب إلى تخفيض واردات العراق سواء من سورية أو عن طريقها حتى شارفت على التوقف، بعد أن كانت تبلغ 15-20% من مجموع الواردات، كذلك تأثرت الإمدادات الغذائية بهذه التطورات، ما ساهم في زيادة تضخم أسعار المواد الغذائية مؤخراً».

 

أرقام «تحت الهوا»..!!

من الجانب الآخر لم يذكر التقرير أي شيء عن رجال الأعمال الذين نقلوا نشاطاتهم التجارية والصناعية إلى تلك الدول، وخاصة الأردن، الذي استقطب أسماء معروفة في عالم الصناعة، وهذا ما له آثار إيجابية لا يمكن تجاهلها في الاقتصاد الأردني، لعل خبراء صندوق النقد الدولي أقدر على توصيفها وقياسها، لكن على ما يبدو أن الأرقام المرتبطة بالنواجي الايجابية بقيت، أو أريد بها، أن تبقى «تحت الهوا» كما يقال في الإعلام، أي دون نشر.

كما لا ننسى حجم رؤوس الأموال التي خرجت من سورية لتستقر في المصارف أو لتوظف في الأنشطة الاقتصادية المختلفة في الدول المذكورة، إلى جانب ذلك، لا يمكن لأحد أن ينسى حجم المعونات التي تلقتها تلك الدول، والحديث عن وجود فساد تم كشفه في بعض الدول، ارتبط بالنشاط الإغاثي.

ولا ننسى أن لبنان مثلاً استفاد من الحصار الاقتصادي، فتضاعفت الصادرات عبره إلى سورية أكثر من مرة، والتي كما ساهمت بتوفير السلع في الأسواق السورية، لكنها استفادت أيضاً من تلك الكميات الخارجة من حدودها النظامية باتجاه الأسواق السورية، وهذا ما تؤكده إحصائيات الجمارك اللبنانية، والتي نشرنا حولها أكثر من مقال في صحيفتنا. كذلك لا ننسى حجم استفادة الاقتصاد غير المنظم- اقتصاد الظل- من الأزمة في سورية. هذا دون أن ننكر وجود آثار سلبية، كما استعرضها تقرير الصندوق، لكننا أردنا التذكير بالجوانب الايجابية أيضاً، وحجم استفادة اقتصاديات تلك الدول من الأزمة.

 

سيريا ديلي نيوز- الوطن


التعليقات