صرّح مدير التأمين الصحي في وزارة الصحة الدكتور ماجد عارف الحجي أن الجهة الأولى التي تتحمّل مسؤولية إخفاق مشروع التأمين الصحي هي المؤسسة العامة السورية للتأمين، لأنها بوضعها الراهن غير مؤهلة لإدارة مشروع التأمين الصحي، بسبب قبولها أن يكون دورها مجرد وسيط ومعقب معاملات ليس أكثر.

 

موضحاً أن المؤسسة لا تملك كادراً طبياً في ملاكها قادراً على إدارة مشروع التأمين الصحي أو على الأقل مراقبة أداء شركات إدارة النفقات الطبية، كما أنها لا تملك مقراً مركزياً موحداً للإدارة، ما جعلها تتخبّط إدارياً وتتأخر بالردّ على المراسلات وإنجاز المعاملات التأمينية.

 

وبتابع الحجي كاشفاً أن الجهة الثانية التي تتحمّل مسؤولية إخفاق مشروع التأمين الصحي هي هيئة الإشراف على التأمين لأنها غير مؤهلة وغير قادرة على مراقبة أداء شركات إدارة النفقات الطبية، فهي لا تملك أي كوادر أو كفاءات طبية في ملاكها، كما لا تملك أي رؤية لبرنامج رقابي طبي، لذلك -والكلام للحجي- تخلّت عن مسؤولياتها، وإنّ مجلس إدارة هيئة الإشراف على التأمين مكوّن من 9 أعضاء بعضهم جاء من رحم المؤسسة العامة السورية للتأمين والبعض الآخر مازال يحتفظ بتمثيله، وهناك ممثّل واحد من الكادر الطبي ليس له دور ملموس لأن قرارات الهيئة تؤخذ بالإجماع وبالتصويت. ويبيّن الحجي في حديثه لـ«الوطن» أنه لم يتم تمثيل وزارة الصحة في مجلس الإدارة حتى الآن، رغم أنها الجهة التي تسأل دوماً عن الخدمات الصحية بما فيها الخدمات ذات الطابع التأميني وكان آخرها في مجلس الشعب. كاشفاً أن التراخيص قد منحت لشركات إدارة النفقات الطبية دون تنسيق مع وزارة الصحة، ودون التأكد من أن الكوادر الطبية في هذه الشركات حاصلة على التراخيص الطبية اللازمة لممارسة العمل والتفرغ من أجله.

 

أتعاب تستنزف الميزانية..!!

ويتابع الحجي موضحاً أن الجهة الثالثة والتي تتحمل إخفاق مشروع التأمين الصحي هي شركات إدارة النفقات الطبية لكونها تستنزف ربع ميزانية التأمين الصحي من خلال الأتعاب والعمولات الكبيرة التي تحصل عليها، وهي -والكلام للحجي- تفرض عمولات ونسب اقتطاع كبيرة على مقدّمي الخدمات، وتتأخر بتسديد المستحقات المالية لمقدّمي الخدمات لأكثر من 5 أشهر، وهي ذات إمكانيات محدودة تدير عملها من خلال شقق في دمشق وبرنامج طبي على شبكة الانترنت، وليس لمعظمها أي حضور حقيقي على الأرض في المحافظات كافة، كما أنها تعتمد في إدارتها على كوادر غير مؤهلة من الصف الثاني بعد أن تخلّى مديرو هذه الشركات عن مسؤولياتهم بحجة اضطرارهم للسفر خارج القطر بسبب الظروف.

 

ويضيف الحجي بأن تلك الشركات لا تعتمد معايير موحدة للإجراءات الطبية والاستقصائية والعلاجية والدوائية، والأمر متروك للجدال والسجال، فما مقبول إجراؤه لشركة إدارة نفقات طبية مرفوض من الأخرى، وما مقبول إجراؤه لمريض مؤمّن مرفوض لآخر، والحجة ونقيضها متوافرة عند الطلب عند هذه الشركة وتلك، ولم تقم بوضع خطة لتقييم العدد الحقيقي لمقدمي الخدمات في كل محافظة، ولم تقم بوضع خطة لتقديم الخدمات الطبية والدوائية والاستشفائية لمرضى التأمين الصحي في المحافظات التي تشهد أوضاعاً ساخنة.

 

تخلي عن المسؤوليات..!!

والجهة الخامسة التي تتحمل إخفاق مشروع التأمين الصحي هي النقابات المهنية الطبية، التي يرى الحجي أنها تخلّت عن مسؤوليتها في مراقبة أداء شركات إدارة النفقات الطبية وتدقيق وتحصيل المستحقات المالية لمصلحة مقدّمي الخدمات، حيث كان المنتظر والمأمول من هذه النقابات المهنية أن تشكّل مع فروعها في المحافظات من خلال بنيتها التحتية والمتمثلة بكادرها الإداري والمالي للصندوق المشترك فريقاً للعمل في استلام المطالبات المالية لمقدّمي الخدمات وتسليمها لشركات إدارة النفقات الطبية وتحصيل المستحقات وتسديدها لأصحابها أصولاً.

 

على حين يرى الحجي أن الجهة الخامسة المسؤولة عن فشل المشروع هي وزارة المالية لعدم قيامها بوضع نظام صارم للمراقبة والمحاسبة المالية من أجل التدقيق فيما إذا أنفقت الأموال المرصودة للتأمين الصحي حسب الاتفاق والأصول، والتأكّد من أن الخدمات الصحيّة ذات الجودة المناسبة قد قدّمت إلى المرضى المناسبين وبالتكلفة المناسبة، وتحديد نسبة الإنفاق الصحي على كلّ مؤمّن له والتحقق من ذلك، وتحديد مبالغ الاحتيال والإنفاق الوهمي من خلال المطالبات الوهمية لخدمات طبية لا توجد إلا على الورق وتحميل المسؤولية للمخالفين أصولاً.

 

حرب ظالمة

أما الجهة السادسة التي تتحمل إخفاق مشروع التأمين الصحي من وجهة نظر الحجي فهي الحرب الاقتصادية على سورية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني نتيجة ارتفاع قيمة سعر صرف الدولار، وهذا ما دفع بالمشافي الخاصة لوقف استقبال مرضى التأمين الصحي نتيجة ارتفاع تكلفة تقديم الخدمات الطبية، وحرصاً من وزارة الصحة على استمرار المشافي ومعامل الأدوية بتقديم الخدمات الطبية قامت برفع تعرفة الوحدة الطبية للأشعة والمخبر وأجور المبيت في المشافي وثمن بعض الأدوية وثمن الوحدة الطبية للأعمال الطبية والجراحية.

 

وحسب الحجي فإن وزارة المالية والمؤسسة العامة السورية للتأمين تعتبران أن القسط التأميني السنوي (8000) ليرة سورية لم يعد يكفي لتغطية نفقات التأمين الصحي عن كلّ مؤمن، في حين يقول الحجي: «إنّ القسط التأميني كافٍ نسبياً، وهذا إذا جعلنا لغة الأرقام وحدها تتكلم من خلال الإفصاح والتحقق من نسبة الإنفاق السنوي على كلّ مؤمن وإلى أين ذهبت الأموال المهدورة».

 

ولم ينس الحجي أثر ظروف الحرب على سورية، والتعدّيات على العديد من المشافي الخاصة وخروجها من الخدمة، ما حرم الكثير من الأطباء من إجراء العمليات الجراحية والاستقصاءات الطبية، والتعدّي على العديد من معامل الأدوية وخروجها من الخدمة، ما أدى إلى نقض بعض أصناف الأدوية، وكذلك الصعوبة في نقلها من المعامل والمستودعات وتوزيعها على الصيدليات. كذلك التعدّي على الصيدليات والعيادات والمراكز الطبية الخاصة بمقدّمي الخدمات، وخوف مقدّمي الخدمات على حياتهم من الخطف والتهديد، وصعوبة التنقّل من منطقة لأخرى حتى ضمن المحافظة الواحدة، كل ذلك من وجهة نظر الحجي دفع الكثيرين من مقدّمي الخدمات الطبية إمّا إلى الهجرة أو إلى النزوح إلى أماكن أكثر أمناً، ما أخلّ بالتوزّع الجغرافي لمقدّمي الخدمات، أو إلى تقليص ساعات العمل للحدّ الأدنى والاكتفاء بالعمل لمدة ساعتين يومياّ وبالفترة الصباحية أو فترة الظهيرة.

 

وما زاد في تفاقم هذه المشكلة من وجهة نظر الحجي؛ عدم إبرام عقود لتعاقد الهيئات العامة للمشافي العائدة لوزارة الصحة ووزارة التعليم العالي وإدارة الخدمات الطبية وبعض المراكز الصحية والتخصصية، وكذلك عدم افتتاح صيدليات ضمن الهيئات العامة للمشافي قادرة على تخديم مرضى التأمين الصحي والعيادات الخارجية.

 

 

بلغة الحلول

ويقترح الحجي عدة حلول لإخراج التأمين الصحي من فشله، حيث إن هناك ضرورة لوضع آليّة تعاون مشتركة بين جميع القائمين عليه تُسهم في تبديد السمعة السيئة لتجربة مشروع التأمين الصحي والتي طُبعت في أذهان الكثيرين من المؤمّن عليهم وهذا يتطلب الإسراع بسحب ملف التأمين الصحي من عهدة وزارة المالية ليصبح في عهدة وزارة الصحة وهذا يتطلب تطوير البيئة التشريعية والتنظيمية والفنية التي تحكم القطاع الصحي، وذلك من خلال إحداث هيئة مستقلة للضمان الصحي تسمى «الهيئة الوطنية للضمان الصحي» تتولى إدارة تمويل الضمان الصحي وضبط وتنظيم وتقديم الخدمات الصحية المتاحة لكافة شرائح المجتمع وبشكل تدريجي، وإحداث صندوق مستقل لتمويل خدمات التأمين الضمان الصحي تؤول إليه محفظة التأمين الصحي وصناديق التعاون والتكافل الصحي بكافة مسمياتها، وتشكيل مجلس إدارة موسّع من خبراء يضم أعضاء من جميع الجهات المعنية في تقديم وإدارة الخدمات الطبية، وأن يُعهد إدارة صندوق الضمان الصحي إلى شركة إدارة النفقات الطبية المسمّاة «شركة الرعاية الطبية» العائدة للنقابات المهنية (نقابة أطباء سورية - نقابة الصيادلة - نقابة أطباء الأسنان) وذلك بعد أن تقوم هذه الشركة بالاستقلال التام والذاتي بعملها، وإلغاء كافة الاتفاقيات المبرمة مع (إحدى شركة إدارة النفقات الطبية).

 

ويرى مدير التأمين الصحي الدكتور ماجد الحجي ضرورة أن يتم تشجيع نقابة المعلمين ومؤسسة التأمينات الاجتماعية والاتحاد العام لنقابات العمال ليكونوا شركاء في إدارة هذه الشركة والمساهمة في زيادة رأس مالها، وإعطاء كل ذي حق حقه من خلال إلغاء نسب الحسم والعمولات المفروضة على مقدمي الخدمات لصالح أي جهة كانت ما لم يكن لها نص قانوني ناظم لذلك، وضرورة الالتزام بتسديد المستحقّات المالية لمزودي الخدمة خلال /15/ يوماً من تاريخ تسليم المطالبات، وهذا يتطلب من شركات إدارة النفقات الطبية أن تسدد لمزودي الخدمة مستحقاتهم المالية من صندوقها الخاص دون إبطاء على أن تسترد مبالغها من المؤسسة العامة السورية للتأمين لاحقاً.

 

إلى جانب ذلك، التعاقد مع الهيئات العامة للمشافي العائدة لوزارة الصحة ووزارة التعليم العالي وإدارة الخدمات الطبية العسكرية وبعض المراكز الصحية والتخصصية كمقدمي خدمات (عيادات خارجية - مخبر - أشعة - عمليات جراحية ـ استقصاءات طبية - معالجة فيزيائية - تشريح مرضي)، وافتتاح صيدليات تعمل على مدار الساعة قادرة على تخديم مرضى التأمين الصحي ومرضى العيادات الخارجية.

Syriadailynews - Alwatan


التعليقات