«نافذة السياحة الواحدة» لحماية المستمرين من الابتزاز والتعقيدات........

 

لم توفر الحرب الدائرة على أراضينا الغالية الحجر ولا البشر.. وكأنما المقصود حضارتنا قبل أي شيء آخر، فقد تضرر قطاعنا السياحي بكل مقوماته بشكل كبير، ولا سيما الأضرار التي لا تقدر بثمن بسبب عمليات نبش وتخريب للمعالم والرموز الضاربة في عمق أدبياتنا التراثية والحضارية، والمسؤولة عن حفظ هويتنا المتنوعة.

 

في سياق آخر لا ننسى الألم المتأتي من عمليات الإهمال المتتالية لمقوماتنا السياحية، فنحن بلد العشرة آلاف معلم أثري.. المتحف المفتوح عبر الأراضي السورية في الهواء الطلق، توزع رهبة للحجر وتختزن ذاكرة التاريخ الذي مرّ عبر 65 قلعة أثرية.. لا يتم استثمارها بنصف الإمكانات المتاحة، فمساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي بعد الاهتمام والعناية الخاصة سجل 14% فقط في حين يمكنه تسجيل 25% وفق تقديرات دقيقة.. وهذا ما يدل على مستوى الفرص الاقتصادية الضائعة على مر السنين.

وبسبب الحرب نامت وزارة السياحة ريثما تهدأ الأمور فتعاود دورها من جديد.. هذا ما يقوله البعض، ولكن الحقيقة مختلفة كلياً، فالوزارة اليوم تعمل على تأسيس بنى تحتية متينة لبدء إعمار القطاع من جديد، فتعد لخريطة سياحية، وتعمل على إطلاق نافذة سياحية واحدة تحمي المستثمر من الابتزاز العلني من قبل بعض الموظفين، كما تفكر جدياً في توظيف أموال بعض الجهات الحكومية، وتدرس إنشاء ذراع للتطوير السياحي تعمل بعقلية القطاع الخاص.. وغيرها العديد من الرؤى والمخططات والهموم والشجون التي تختصر واقع وطموح قطاعنا السياحي التي حدثنا بها وزير السياحة بشر رياض اليازجي بالتفصيل، فكان الحوار التالي:

 

■ ماذا يجري في الكواليس السياحية بالوزارة التي غابت عن الأضواء خلال الأزمة؟

أول ما كلفنا بالمهام وباشرنا كان لدينا إيمان بأن دورنا في وزارة السياحة لن يقل أهمية عن دور وزراة الدفاع في ظل الحرب الظالمة التي طالت التراث والحضارة وكل ما هو جميل بالبلد حتى طبيعة الانسان السوري، والدليل الأخير على ذلك ما حدث وتكشف من تشويه للمعالم الحضارية في مدينة معلولا، كما تم استهداف حلب والعديد من المناطق.

ومن هنا كان السؤال عن الدور الذي يمكن أن نقوم به من أجل سورية التي تمتلك كل المقومات السياحية، فوجدنا أن هذه فرصة ذهبية لإعادة تقويم كل الأخطاء التي تراكمت خلال الفترات السابقة، لذا بدأنا بتحديد النقاط الايجابية والسلبية، لنبني على الايجابية وخاصة بعد الاهتمام الكبير من القيادة بالسياحة فوصلت مساهمتها في إجمالي الناتج المحلي إلى 14% في العام 2010، في حين كانت أقل في السابق.

لكننا رأينا أن هذه النسبة قليلة ويمكنها أن تصل إلى 25% في ظل المقومات المتوافرة التي يمكننا العمل عليها لتطويرها واستثمارها كما يجب، كما بدأنا نبحث عن أسباب ضعف تلك النسبة، والتي تعوق الاستثمار السياحي، لنجد العديد من الثغرات في الأنظمة والقوانين وصيغ العقود ودفاتر الشروط إلى جانب مشاكل التمويل التي كانت تقف عائقاً أمام المستثمرين في القطاع السياحي.

ومن هنا عدنا إلى نقطة الصفر في دورنا بوزراة السياحة، من قواعد أساسية، تتمثل بمنع خروج المال السوري من البلد وجذب رأس المال الأجنبي للاستثمار في قطاعنا السياحي والتعامل مع المستثمر كأنه شريك، وثانيهما تعزيز دور ومكانة السياحة الداخلية، بتأسيس منشآت وخدمات سياحية على مستوى الخدمات في باقي الدول، واستثمار المقومات الموجودة لجذب السياح من كل أنحاء العالم.

لذا باشرنا بإعداد قاعدة معلومات دقيقة وشاملة لكل المقومات والمعالم السياحية الموجودة في البلد وكيف يجب التعامل معها لاستثمارها بأفضل صورة، على شكل خريطة سياحية وصلنا فيها إلى المراحل الأخيرة، لتكون المؤشر الحقيقي في عملنا، وتمكننا من بناء القرارات الصائبة والفعالة من حيث النتائج على أرض الواقع، وتهيئة البيئة المناسبة للاستثمار السياحي وعودة واستئناف واستمرار البناء في القطاع السياحي.

 

■ هل تتواصلون مع المستثمرين لاطلاعهم على الواقع والمخططات الجديدة؟

بالتأكيد، ومنذ أيام قليلة، تحديداً خلال الأسبوع الماضي، عقدنا اجتماعاً موسعاً مع المستثمرين المحليين، حضره أكثر من 30 مستثمراً، جميعهم جادون ولديهم مشاريع. وكان اللقاء صريحاً وشفافاً يناقش المعوقات التي تضيق على نشاطهم الاستثماري، حيث تركزت العقبات حول تداخل عمل الوزارة مع العديد من الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، وتعرض المستثمرين للاستغلال من بعض الموظفين، الذين يرون في المستثمر فرصة لـ«الهبش»، وهنا قلنا للمستثمرين إننا لن نسمح بابتزاز واستغلال المستثمرين ابداً.

وكان هدف الاجتماع إشراك القطاع الخاص بملتقى الاستثمار السياحي الداخلي الذي سيعقد في أيار القادم، المخصص للمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة، وإشراك المستثمرين حتى في دفاتر الشروط لمراعاة رؤيتهم، كي نصل إلى حل يتناسب مع رؤية الدولة بما يحفظ حقوقها، ورؤية المستثمر وحقوقه، إلى جانب مشاركة القطاع الخاص في التشريعات والقوانين بشكل مسبق كي تراعي مصالح جميع الطراف المعنية ذات المصلحة. وكل ذلك يصب في سياق الاستعداد للانطلاق السياحي الجديد، فنحن اليوم في المراحل الأخيرة من الأزمة، ويجب أن نكون جاهزين على أكمل وجه لانطلاق سياحي مميز، وهذا ما نقوم به حالياً في الوزارة.

 

■ هل هناك إمكانية لحل التشابك والتداخل في عمل الوزارة مع باقي الوزارات والمؤسسات؟

طبعاً ممكن، وهذا ما نعمل عليه حالياً إلى جانب إعداد الخريطة السياحية، حيث نحضر لإنشاء النافذة السياحية الواحدة، ضن أكثر من خيار موجود، لتكون الواجهة الوحيدة أمام المستثمر السياحي للحصول على جميع الموافقات والقيام بجميع الإجراءات الضرورية للعمل السياحي، حتى تلك المتعلقة بعمل وزارات ومؤسسات وهيئات حكومية أخرى كون النافذة ستضم مندوبين من جميع الوزارات، ما يمنع قيام أي موظف في أي وزارة أخرى بعرقلة العمل للحصول على الموافقات والتراخيص.

■ ما الإجراءات الاستثنائية المتعلقة بالتطوير السياحي والاستملاك؟

بخصوص الإجراءات الاستثمارية الاستثنائية، انطلقنا في الوزارة من التطوير السياحي مع التأكيد على وجود تقصير في موضوع الاستملاك وخاصة في المنطقة السياحية، حيث نقول بصراحة إننا لن نرفع الاستملاك، بل إننا نعمل على تطويره من رفع الإمكانيات والعائد لمصلحة الجميع، المستثمر والخزينة، لذا رؤيتنا اليوم تقوم على التطوير وفق أسس جديدة علمية، علماً أن مشروع إدارة التطوير غير محصورة بالساحل السوري، وإنما يمتد ليشمل جميع المناطق السورية، ولكل منطقة إجراءات خاصة بها، تقوم الوزارة اليوم بتأمين جميع الموافقات المتعلقة بكل الوزارات المعنية لتجهيز التراخيص اللازمة للاستثمار السياحي في تلك المناطق، ولجميع المستثمرين، ما يسهل العمل أمام المستثمر الراغب بالاستثمار السياحي ليحصل على الترخيص خلال أيام.

فالوزارة اليوم بدأت تلعب دور المطور، دون أن ننتظر المستثمر ليأتي أولاً كي نبدأ بالعمل، مع التأكيد أن الفترة المقبلة ستكون قائمة على أساس التشاركية بين الوزارة وجميع النقابات والمؤسسات والهيئات المعنية، والحديث جار اليوم عن ضلوع الوزارة في توظيف أموال بعض الجهات الحكومية في القطاع السياحي ضمن ضوابط محددة، عن طريق تأمين تمويلات بصيغة الشراكة للاستثمار السياحي.

 

■ ما الضمانات الحقيقية التي تطمئن المستثمرين للعمل في قطاعنا السياحي؟

التشريع هو الضامن، وهو الرابط بين المقومات السياحية والوزارة والجهات الحكومية وبين المستثمرين، فالتشريع هو الأهم في تلك العلاقة الثنائية ليكون الضامن لحقوق الجميع، وهو الباقي مع تغيير الوزراء وتوجهاتهم.

 

■ بتقديراتكم، كم تبلغ قيمة الفرص السياحية الضائعة، التي لم يتم استثمارها بشكل صحيح في ظل وفرة في الإمكانيات؟

بالنسبة للمقومات الموجودة، في بلد يملك أكثر من 10 آلاف موقع أثري و65 قلعة وشواطئ دافئة.. وغيرها، يفترض أن تكون السياحة هي المساهم الأكبر في إجمالي الناتج المحلي للبلد، وبما لا يقل عن 25% منه، علماً أن النسبة كانت تبلغ 14% في 2010 وهو رقم يفوق السنوات السابقة.

والمطلوب وجود نشاط ترويجي قائم على أسس علمية من أجل الاستقطاب السياحي من مستثمرين وسياح بعد التعافي والخروج من الأزمة، وبتقديري نحتاج حتى 4 سنوات لبدء التعافي في القطاع على جميع المستويات في ظل وجود تشريعات ضامنة لاستقطاب المستثمرين، ونشاط ترويجي وخدمات سياحية تستقطب السائح.

وهنا نعمل في الوزارة لرفع كفاءة الإدارات السياحية استعداداً للمرحلة المقبلة.

 

■ هل يمكن أن نشاهد قريباً وجود لصندوق وطني للاستثمار السياحي بدلاً من المساهمات في التوظيف؟

لدينا الآن موضوع صندوق التمويل السياحي قيد الدراسة من أجل تأمين تويل للمستثمرين الجادين الراغبين بالاستثمار السياحي، وليس من يريد الحصول على المال وتوظيفه في قطاعات أخرى، أو الهرب بالتمويلات، حيث يتم توظيف أموال الجهات الحكومية في القطاع السياحي ضمن ضوابط ومحددات خاصة تضمن حقوقها.

ويهمنا في الموضوع وجود رؤية واضحة للصندوق بمشاركة الجهات الراغبة بتوظيف أموالها، وأحد الأمور المهمة في الموضوع وجود هيئة التطوير السياحي التي ندرس أسسها التنظيمية الآن كي تكون الذراع التطويرية لوزارة السياحة، بحيث يكون دورها مطوراً حكومياً للقطاع السياحي بعقلية القطاع الخاص.

■ هل من تقديرات لأضرار قطاع السياحة بسبب الإرهاب والتخريب؟

هناك أضرار لا تقدر بثمن، تتجلى بعمليات النبش والتخريب للمعالم الموجودة على الأراضي السورية، إلى جانب الأضرار المادية التي تكبدتها الوزارة وباقي منشآت القطاع السياحي.

أما وزارة السياحة فتقدر الأضرار بحدود 5 مليارات ليرة سورية تقريباً، وتتضمن جميع المنشآت والفنادق التابعة للوزارة وللقطاع المشترك، أما أضرار القطاع، فهناك أضرار مباشرة وغير مباشرة.

وعن الأضرار غير المباشرة فقد تعرض نحو ربع مليون شخص عامل في القطاع السياحي لفقدان العمل، إلى جانب أضرار فوات المنفعة، وهي كبيرة، نذكر مثالاً على ذلك السياحة الدينية التي كانت تدر نحو 100 مليار ليرة سورية سنوياً، تم فقدانها خلال الأزمة. وبشكل إجمالي تقدر إجمالي أضرار القطاع السياحي بحدود 330 مليار ليرة سورية.

 

■ كيف تتعامل الوزارة مع ملف المتضررين؟

نقوم في الحكومة بدراسة المنشآت السياحية المتضررة وتقدير حاجاتها كل حسب نوع الضرر وما يحتاجه، وعرض الاقتراحات المناسبة لتعويضهم.

وانطلاقاً من ذلك عملنا على موضوع جدولة القروض للمستثمرين المتضررين المقترضين، وتقسيط فواتير الكهرباء للمستثمرين المستمرين بالعمل، إلى جانب إعفاء المستثمرين من المدد الزمنية، مع مراعاة الواقع، من حيث المستثمرين المستمرين بالعمل، وأولئك الذين اضطروا إلى إيقاف مشاريعهم وأعمالهم بسبب الظروف القاهرة.

 

■ كيف تتعامل الوزارة مع المتضررين بشكل غير مباشر، والاستفادة من خبرة العاملين في القطاع بشكل خاص بعد أن فقدوا أعمالهم؟

نقوم في الوزارة باختيار العناصر ذات الخبرة المهمة في القطاع، لاسيما الأدلاء السياحيين، والاستفادة من خبرتهم في إعداد الخارطة السياحية، إلى جانب تكليف بعضهم في العمليات الترويجية للمعالم السياحية والأثرية، والاستفادة من خبرتهم في مواضيع الترجمة، فخطتنا أن نشغلهم من جديد ضمن الإمكانات المتاحة.

 

■ ما الدروس التي تعلمتها وزارة السياحة من الأزمة؟

الدروس كثيرة، ولعل الدرس الأهم هو موضوع الوقت، فاليوم ليس لدينا متسع من الوقت للنظر إلى الوراء، في حين يجب الاستفادة من نقاط القوة والإيجابيات التي تعطينا تفاؤلاً حيال مشاركتنا جميعاً ببناء القطاع السياحي الذي تضرر بشكل كبير بسبب الأزمة.

سيريا ديلي نيوز- الوطن


التعليقات