سيرياديلي نيوز - عبد الرحمن تيشوري


بعد أن تبين من خلال الآثار والنتائج التي تلت قرار رفع أسعار المازوت والغاز والان البنزين الى 120ل س, أن ما قامت به الحكومة هو رفع جزئي للدعم وليس إعادة توزيعه كما صرحت, يحق لكل مواطن أن يتساءل هل كان هذا هو الحل الأخير والخيار الأمثل لدى الحكومة لتأمين موارد للخزينة العامة للدولة؟ وهل استنفذت الحكومة كل الخيارات الأخرى المتاحة لها؟

من المؤكد أن الحكومة قد اختارت الطريق الأسهل والأقصر لتأمين موارد لخزينة الدولة, مع أن هناك الكثير من الحلول الأخرى التي ترفد خزينة الدولة وتساعد على إصلاح التشوه الهيكلي في الاقتصاد السوري بما ينعكس إيجابا على مستوى المعيشة, منها:

1.  مكافحة التهرب الضريبي, من خلال إصلاح النظام الضريبي وتحقيق العدالة الضريبية ورفع كفاءة الإدارة الجبائية في وزارة المالية, حيث لطالما صرح المسؤولون أن التهرب الضريبي يصل إلى 300 مليار ل.س ( وهذا الرقم هو مقدار العجز المقدر في موازنة 2008).

2.  الإصلاح الإداري, من خلال مكافحة الفساد المستشري في مفاصل الإدارات والمؤسسات العامة والرقابة على الإنفاق العشوائي والهدر لاسيما في السيارات العامة حيث لدى بعض المسؤولين 4 سيارات او 5 وتحتاج الى 200000 بنزين شهريا ؟؟؟؟؟, والذي يعتبر خطوة مهمة على طريق الإصلاح الاقتصادي الذي يهدف إلى بناء وترسيخ اقتصاد ديناميكي ذو إنتاجية اقتصادية عالية, وعدالة اجتماعية واضحة.

3.  إصلاح النظام القضائي المهترئ, كخطوة أساسية على طريق مكافحة التهريب من خلال تشديد العقوبات على المهربين وتطبيق القانون على الجميع بدون تمييز, حيث يمكن لهكذا خطوة أن تحد بشكل كبير من ظاهرة التهريب إذا ما ترافقت بالإجراءات الميدانية واللوجستية المناسبة. وهذا الإجراء لابد منه لحسن تنفيذ البندين السابقين.

إضافة للنقاط السابقة, فإن الإسراع في بناء مصفاة نفط جديدة, بالرغم من تكلفتها المرتفعة, كان سيخفض من فاتورة الدعم بشكل كبير, فالأجدى هو تكرير النفط الخام المنتج محلياً بشكل كامل بدلاً من تصديره وإعادة استيراد جزء منه على شكل مشتقات نفطية بفارق سعر كبير والذي يسرق الان كله ويباع البرميل ب 10 دولار للاوربيين المنافقيين, وحتى لو نضب النفط لدينا يبقى استيراد النفط الخام وتكريره محلياً أجدى اقتصاديا واجتماعياً, من خلال فارق السعر وتشغيل اليد العاملة في مصافي النفط.  

رفع الدعم واقتصاد السوق الاجتماعي:

نعود الى الأسئلة الكثيرة التي تراود كل منا, هل تتناسب سياسة رفع الدعم مع نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي الذي تتبناه الحكومة وهل الحكومة الحالية تبنت اقتصاد جديد وما هو ؟؟؟, مع الإشارة الى عدم وجود حزمة أمان اجتماعي متكاملة قادرة على امتصاص الآثار السلبية لرفع الدعم؟ أم أنه جزء من سياسة إصلاحية ستعمل على تغيير الاقتصاد السوري نحو الأفضل؟

فإذا كان ما تتخذه الحكومة من إجراءات هو للتحول إلى اقتصاد السوق الاجتماعي كما تدعي, هنا يتساءل المستهلك: بأي معيار يمكن قياس التطورات الحاصلة حتى نتبين هل نحن نسير باتجاه جانب السوق أم الجانب الاجتماعي؟

-       باستخدام معايير السوق:

تمكين القطاع الخاص في قطاعات كانت حكراً للدولة (مصارف – تأمين...), تحرير التجارة الخارجية, تحرير الأسعار, تشجيع الاستثمارات الخاصة, تخفيض العبء الضريبي...

-  باستخدام معايير الجانب الاجتماعي:

هي المعايير التي تعزز دور الدولة بأدوات متنوعة مثل تعزيز الإنفاق الحكومي وضبط الأسعار وربطها بالأجور ومكافحة البطالة...

بقياس الإصلاحات التي تمت حتى اليوم وفق المعايير المذكورة نجد أن غالبيتها تمت لمصلحة السوق على حساب البعد الاجتماعي, حيث يبدو من خلال ما نلمسه على أرض الواقع من توسع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية, وتحول الجزء الأكبر من الطبقة الوسطى نحو الطبقة الأدنى, مع ازدياد ثراء الطبقة الغنية على حساب القسم الأكبر من باقي فئات الشعب, أن الحكومة تتجه نحو اقتصاد السوق الحر, وكل ما تصرح به من خطابات حول التحول الى اقتصاد السوق الاجتماعي والطبقة الوسطى هو إما جهل منها بتعريف السوق الاجتماعي, وهذا موضع شك في ظل وجود اقتصاديين مخضرمين فيها, أو أنه للاستهلاك المحلي وتخدير الشعب بالوعود والأمنيات المستقبلية لتمرير نصيحة فلان وفلان, وهو الاحتمال الأرجح.

الواجبات المستجدة للحكومة تجاه المستهلكين:

ما زال بعض الاقتصادييين في الحكومة مصراً على أن اقتصادنا واعد, وأن بلادنا هي الأقل مديونية بين دول المعمورة, وأن نسبة النمو ترتفع بشكل "مضطرد",  وأن العجز في الميزان التجاري ينخفض, وأن الاستثمارات تتساقط علينا كالأمطار في الساحل السوري,  لكن أحداً منهم لم يفسّر لنا حتى الآن: لماذا لم تنعكس كل هذه "الإنجازات" إيجاباً على أوضاعنا المعيشية التي ما زال مؤشرها يتجه هبوطاً ولا ندري إلى أين سيصل؟!.

على كل حال, إذا كانت الحكومة قد بدأت برسم الملامح الاقتصادية في سوريا وفق ذهنية القطاع الخاص, فإن رسم الملامح الاجتماعية يبقى مسؤوليتها الأهم, وبعد أن قامت الحكومة برفع الدعم جزئياً عن البنزين و المازوت والغاز المنزلي وما رافق ذلك من ارتفاع في أسعار العديد من السلع والخدمات, بات لزاماً على الحكومة القيام ببعض الإجراءات التي من شأنها التخفيف من وطأة هذه الأسعار على المستهلكين, ومن أهمها إنشاء بنية أو شبكة ماصة للآثار السلبية المرافقة لرفع أسعار المشتقات النفطية, يمكن أن نسمي هذه الشبكة شبكة الحماية الاجتماعية, وأهم ما يجب أن تحويه شبكة الحماية الاجتماعية تلك:

·  تأمين وسائل نقل عامة لائقة وحضارية في كافة المحافظات تعمل داخل المحافظات وفيما بينها بتسعيرة معقولة, إضافة إلى تفعيل وتحديث شبكة الخطوط الحديدية.

·  اعادة تقييم تجربة المعهد الوطني للادارة واستثمار الخريجين وكل الكفاءات السورية وعدم تعريضهم للتهميش واعادة الحافز وفق فلسفة التجربة ومقاصدها حتى تدار المؤسسات السورية الادارية والاقتصادية بعقل اداري رشيد يوفر المال العام ويحترم الناس

· إحداث صندوق المعونة الاجتماعية ومباشرة مهامه بأسرع وقت ممكن, لدعم الأسر الفقيرة وتقديم إعانات البطالة وإعانات ومساعدات لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

 يجب على الحكومة عدم تخليها عن دورها في دعم الصحة والتعليم, بل زيادة الاهتمام بهذين القطاعين الحيويين في هذا الوقت بالذات, وتأمين الضمان الصحي لجميع المواطنين.
 تفعيل دور المؤسسات الاستهلاكية وصالات الخزن والتسويق, من خلال التدخل الإيجابي في الأسواق, حتى لا يقع المستهلك تحت رحمة السوق وجشع التجار. إضافة إلى مساعدة جمعيات حماية المستهلك ووضع قانون حماية المستهلك موضع التنفيذ الفعلي والمتابعة.

· دعم قطاع الإسكان والجمعيات السكنية بشكل ملموس, من خلال توفير الأراضي اللازمة والمشاركة في تنفيذ بعض المشاريع السكنية الخاصة بمحدودي الدخل, كما يجب الاهتمام بمشاريع التنمية ودعم المشاريع العائلية الصغيرة.

التعليقات