لا يمر شهر على وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية دون أن تصدر قراراً أو قرارين بخصوص منع استيراد مواد والسماح بتصدير أخرى، ورغم أن هذه القرارات تمر مرور الكرام أحياناً كالسماح باستيراد اللوز علماً بأنه لا توجد طلبات على استيراد هذه المادة كما أوضح مصدر مسؤول في وزارة الاقتصاد فإن هناك قرارات أخرى تحدث أثرها الكبير في الوسط الصناعي والتجارة كالسماح باستيراد الحليب السائل والأجبان والألبان والبقوليات. وأخرى يكون لها أثرها الإيجابي في مؤسسة الدولة كمنع استيراد الاسمنت مثلاً لتصريف مخازين المؤسسة العامة للإسمنت ومنع استيراد المياه المعبئة تجنباً لزيادة خسائر شركة بردى.

 

خلاف صناعي.. لغة المصالح

أحدث قرار وزارة الاقتصاد القاضي بالسماح الحليب السائل حتى 30 نيسان 2014 ضجة في الأوساط الصناعية وخاصة أنه تزامن مع قرار آخر صدر عن اللجنة الاقتصادية تم بموجبه تخفيض الرسوم الجمركية على استيراد الألبان من 50 إلى 5% وعاد النقاش ليحتدم مع صدور قرار آخر باستيراد اللبنة المعلبة مؤخراً، فرئيس لجنة صناعة الأجبان والألبان في غرفة صناعة دمشق ضد هذه القرارات، في حين أن الصناعيين المستفيدين منها يؤكدون أن خروج المعامل من الخدمة تقتضي السماح بالاستيراد.

وبينما يؤكد نائب رئيس غرفة صناعة دمشق الممثل عن الصناعات الغذائية عصام زمريق أن هذه القرارات اتخذت بالتوافق مع الفعاليات التجارية والصناعية، فإن رئيس اتحاد الغرف الزراعية محمد كشتو يؤكد أن استيراد البقوليات والحليب والألبان مسألة زراعية بحتة لم تستشر غرف الزراعة بها رغم أنها المعنية الأولى بها وأكثر من الصناعيين والتجار معاً، لأن تبعاتها تنعكس على المزارع بالدرجة الأولى لأنه الحلقة الأولى بزراعة هذه المواد وتوريدها.

ولا يرى زمريق أن هذه القرارات تضر بالمصلحة الصناعية لأن هناك الكثير من المصانع التي توقفت أو احترقت فكان لابد من رفد السوق بأصناف بديلة مستوردة لضمان توافر المواد، معتبراً أن الخلاف في غرفة الصناعة حول السماح بالتصدير أو منع الاستيراد هو خلاف مصالح، ولكن مصلحة المواطن أهم من الصناعي كما يقول، حيث إن الاستيراد يسهم بتخفيض الأسعار وتوفير المادة.

 

القطع الأجنبي.. حجر الأساس

تقف مسألة تمويل المستوردات وارتفاع التكاليف عقبة أمام المستورد المحلي، حيث يتحدث تاجر المواد الغذائية برهان الحفار عن أن وزارة الاقتصاد تصدر قرارات الاستيراد متذرعة بنقص المواد في السوق، دون أن تحاول حل مشاكل التجار الذين ارتفعت عليهم تكاليف الاستيراد فأحجموا عن العملية من الأصل، مشيراً إلى أن تذبذب سعر الصرف يعتبر عقبة أساسية أمام التاجر، إضافة إلى أن المركزي لا يمول أغلبية المستوردات ويقف بوجه التاجر إن لجأ للسوق السوداء ما يجعل البدائل أمامه محدودة جداً.

وأشار إلى القول إن السماح بالاستيراد جاء بغرض تخفيض الأسعار أيضاً غير دقيق لأنه يغض النظر عن كيفية تقديم التسهيلات أمام التاجر الذي ارتفعت التكاليف عليه، فأجرة شحن البضائع ارتفعت من 400 ليرة للطن إلى 6000 ليرة للطن، وارتفعت أجور التنزيل 5 أضعاف أيضاً، وفي حين كان التاجر يضع بضائعه في المستودعات مجاناً، فإن أجرة المتر صارت تكلفه حالياً 6000 ليرة هذا ماعدا الرسوم الأخرى التي زاد عليها رسم إعادة الإعمار.

ويعتبر الحفار أن المشكلة ليست في ترشيد الاستيراد، فالاقتصاد تمنح موافقات بالجملة للتجار، لكنها توازن بين كميات البضائع، حيث إنها تخفض كميات الاستيراد لتوازن بين التجار. ورأى أنه في حال لم تحل مشكلة القطع الأجنبي فإن قرارات السماح بالاستيراد ستزداد فالاقتصاد ستشعر بنقص المواد في السوق لقلة الاستيراد ما يدفعها لإصدار قرارات بالسماح.

 

بلا أرقام دقيقة

ويشير كشتو إلى أن الخطأ في قرارات السماح والمنع بالاستيراد أو التصدير تكمن بالدرجة الأولى في تقدير الإنتاج وعدم معرفة إن كان هناك وفرة بالمواد الغذائية أم نقص فيها لعدم وجود أرقام إحصائية دقيقة، كما أن صعوبات نقل المواد بين المحافظات تسبب تخمة مواد في أسواق المحافظات المنتجة لها ونقصاً في المحافظات غير المنتجة، ما يضطر التجار في تلك المحافظات للاستيراد من الخارج رغم توافر ذات المواد المستوردة في البلد بمحافظات أخرى.

ولفت كشتو إلى أن السماح باستيراد المواد الغذائية ينعكس سلباً على المزارع في حال كان من الدول لتي تربطنا بها اتفاقيات تجارة حرة، وأيضاً فإن الاستيراد مضر في ظل الواقع الحالي حيث يقوم بعض التجار بتغيير شهادات المنشأ إلى الدول العربية لتدخل إلى البلد معفاة من الرسوم الجمركية. وشدد على أن ما يتحكم بقرارات السماح أو منع الاستيراد بالدرجة الأولى هو مصالح التجار والصناعيين، وتساءل: كيف يسمح باستيراد البقوليات والألبان وتصديرها بذات الوقت... فالسماح باستيرادها يعني أن هناك نقصاً، أما السماح بتصديرها فيعني أنه لدينا فائض منها، وهذه المعادلة لا تتوافق مع سوق نظامية.

 

«الاقتصاد» ترد

مصدر مسؤول في وزارة الاقتصاد يؤكد أن الاستيراد والتصدير يتمان بناءً على دراسة احتياجات السوق، وهذا الأمر يتابع بشكل دوري ودائم وبشكل دقيق، وأن قرارات السماح والمنع تتخذ بناء على توافر المادة وسعرها في الأسواق فحسب،  رغم أن هذه القرارات قد تفيد تجار أو صناعيين فعلاً وتضر بآخرين، لكن هذا الأمر لا يؤخذ بحسبان وزارة الاقتصاد لدى إصدار مثل هذه القرارات وهي تنظر لمصلحة المستهلك وحاجة السوق بالدرجة الأولى. كما تحاول من جهة أخرى التوفيق بين مصالح واحتياجات المستوردين أنفسهم من خلال التحكم بمنح إجازات الاستيراد وتحديد كميات المواد بحيث لا يحصل تاجر واحد على 1000 طن وآخر على 100 طن.

Syriadailynews - Alwatan


التعليقات