يلفت بالفعل ما اجترحه أعضاء غرف التجارة من عبارة «الشنق لم يستطع منع جرائم القتل» كـ«أيقونة لغوية» عنونوا بها حملتهم المضادة على ما تضمنه قانون حماية المستهلك من روادع لاستمرار حال الأسواق على ما هي عليه من فوضى في التسعير والاحتكار، والرقابة.

 

فزيادة عما استمرؤوه في رنتها من أبعاد عاطفية وما تنطوي عليه مفرداتها من إيحاءات صادمة، أثار التجار في شعار حملتهم تلك سؤالا أزليا ما زال صداه يتردد في كتب المشرعين والفلاسفة، محاولين التعويل على غموضه في دفع «مفهوميتنا» لنحت تتمته المرادفة: لا تحلموا بأن عقوبة السجن التي ينطوي عليها القانون ستنجح في وقف استغلالنا وجشعنا المتغول»؟!.

 

ليس أجمل من أن يرنم التجار «تقاسيمهم الملائكية» الرافضة لـ «شنق القاتل»، ولكان الأجمل أن نتجنب وإياهم كل هذا السجال الفلسفي لو تمكن اتحاد غرف التجارة من كبح جماح أعضائه ومنتسبيه الموغلين في «شنق» كرامة المواطن مذ امتطوا صهوة «الدولار المجنح» وصعدوا معه  إلى قمم الأسعار الملتهبة، رافضين الهبوط إلا وفق فلسفتهم الخاصة إياها، صحيح أنهم يقدسون الأحصنة المجنحة في رحلات الصعود، إلا أن لهم كائنا مفضلا آخر للهبوط: السلحفاة المصابة بداء المفاصل؟!.

 

وبغض النظر عما إذا كان «شنق» التجار يعني عقوبة، فيما نفهمه «قصاص»، هذا حديث يمكن أن نختلف حوله في أيام «البحبوحة»، أما اليوم فلم يعد مقبولا الاستمرار في ذلك الخلط الفاحش الربحية بين «حابل» الكلفة و»نابل» الأسعار، فأساطير النقل والمصاريف المستورة التي يصر التجار هذه الأيام على تحويلها  إلى «أحصنة مجنحة» بديلة، قبلتها وزارة التجارة الداخلية بكل رحابة صدر مفردة لها 5% تضاف على سعر المنتج، وبالمناسبة، فهذا رقم يعادل فائدة سنوية مصرفية لدورة رأس مال تعد طويلة قياسا بدورة رأسمال السلع التي أخضعتها الحكومة للتسعير.. وأما لجيب المواطن الذي لم يعد يكفي ما فيه لشراء الأساسيات، فتعادل مأكل أحد أفراد أسرته لعشرة أيام على الأقل.

 

لكل ذلك، وإلى حين عودة الاقتصاد السوري  إلى حركيته الطبيعية وانتفاء الحاجة  إلى التسعير الإداري، لا يجدر بالحكومة أن تنزع عن قانون المستهلك روادعه، وفي مقدمها «قصاص الحبس» من المتلاعبين الذي يفهمه بعض التجار–خطأ- على أنه عقاب لهم، فيما نفهمه كمواطنين حماية لنا من جشع شريحتهم الأوسع، فلئن كانت العقوبة قاسية كما يراها البعض، إلا أنها ستبقى رهناً بالفعل، ولئلا يقع العقاب على أحد التجار جراء «لغو» أو جهالة، يمكن لبعض المرونة أن تتمثل في عفو عن عقوبة الحبس في المرة الأولى واستبدالها بتعويض مالي كبير في الثانية دون إسقاطها من سجله العدلي، حينها، وحتى إن لم يفلح ما يراه بعض أعضاء اتحاد غرف التجارة «شنقا» في تقليص الجشع المتسمر بالأسواق، فليذهبوا  إلى ما وعدونا به من «رشوة» لعناصر الضابطة التموينية، ولندعهم يقلعون أشواكهم هناك، حيث سيتكلفون على «رشاهم» قدرا كافيا لتنمية شعورهم بمواطنيهم، وسيدركون حينها أن «إيمانهم العميق» بأن المستهلك «جيباً يسير على قدمين» محض خطأ، وإنما مواطن له من يدافع عنه.

Syriadailynews - Alwatan


التعليقات