عندما تعمّدت الحكومة عن سبق إصرار وتأنٍ تأسيس شركة مساهمة مغفلة باسم الشركة السورية للاتصالات تولد على أنقاض المؤسسة العتيقة، لم يكن بوارد نحو 28 ألف عامل آنذاك - أي منذ أربع سنوات - أن ثمّة مفاجآت ستقع على المدى البعيد، وأن الحلم الوردي بمستقبل دسم يحسدهم عليه نظراؤهم في الدولة سيزول ويتلاشى مع الأيام.

 

قد تكون الحسابات التي انطلقت منها فكرة هذا التحوّل التاريخي في المؤسسة الحكومية مهمّة جداً على صعيد توطين نموذج خاص يجعل واجهة العمل الرسمي أكثر ديناميكية ومرونة، ولا مانع من البدء بأكثر المؤسّسات ربحاً وريعية لدرجة بات يطلق على الاتصالات "نفط سورية القادم"، إلا أن المأخذ الذي بدأ يتجلّى منذ فترة ليست ببعيدة عبر أطروحات وضعت الكوادر في "حقل ألغام" المصير، سبّب الكثير من التوجس والخوف من شبح "المساهمة" التي يبدو أنه يقصد بالمغفلة حسب معظم الموظفين في الشركة بأنهم عبارة عن "مغفلين" في سياق الحلاوة التي أكلتها الحكومة بعقلهم؟!.

 

عبر سنوات التسويق للشركة المحدثة بموجب قانون الاتصالات الجديد، كان الكلام منصباً على غايات اقتصادية "نرجسية" تقول بتقديم كافة خدمات الاتصالات بضمانة الدولة التي تكفل أن أموالها وموجوداتها هي بالأصل من جيب الدولة الخاصة، ولم يكن الحديث عن مستقبل العاملين صادماً، بل ودياً بحيث لم يشعر سوى القلة بالخطر لتبدأ الحقائق بالتكشف والانجلاء ليجد نحو 21 ألف عامل أنفسهم خارج التركيبة المحضرة للشركة المدللة، وهؤلاء مطلوب أن يبقوا موظفين عاديين يتقاضون رواتبهم "ع الناشف" بلا حوافز وطبيعة عمل، أي وفق قانون العاملين الأساسي ليصار إلى إيجاد تخريجة لهم مستقبلاً، بالمقابل هناك 7 آلاف عامل تمّ انتقاؤهم للعمل في الشركة وحسب التسريبات جلّهم من المدراء وذوي الحظوة!!.

 

ما يدعو للعجب في هذه القضية إجراء مسابقات واختبارات كانت حكراً على البعض، في الوقت الذي تنقل فيه المصادر معلومات عن وضع العاملين الذين يرغبون بالانخراط في الشركة تحت الأمر الواقع عبر فرض شرط الاستقالة من المؤسسة، والتقدم للمسابقة التي تنصّ على إجراء عقود وليس توظيفاً بالمعنى التقليدي للكلمة، وهنا كانت الورطة التي خلقت توتراً وهرجاً ومرجاً بين أوساط العاملين كافة؟.

 

هو شرخ فرضته آليات تنفيذ توجهات إحداث الشركة، إذ يصرّ حتى المعارضون للمشروع على أنه اقتصادي ومهم، ولكن ليس على حساب آلاف العمال الذين كانوا لعقود محطّ حسد، لتأتي النهايات بهذا الشكل الأسود الذي يسيء اجتماعياً ومهنياً من حيث التمييز الذي يراه البعض غير منصف، في حين يستسيغه آخرون بحجة الكفاءة أولاً وأخيراً؟!.

علي بلال قاسم - البعث


التعليقات