خاص سيريا ديلي نيوز

أفرزت الحرب التي تشنّها مشيخات وعشوائيات المنطقة العربية وأعفن رجعيات العالم من خلال أدواتها المتمثلة في عصابات المرتزقة الفاشية التي تقاتل على الأرض السورية، ومن وراءها قوى دولية وإقليمية في حربها على سورية مجموعة من المظاهر والأوبئة الاجتماعية التي تجدر الإشارة إليها لدورها الهام في التعرّف على حقيقة الواقع الفكري للمواطن العربي بشكل عام والسوري خاصةً في ظل أكبر أكذوبة في التاريخ القديم والمعاصر، أكذوبة ما أطلق عليه (الربيع العربي) أو (الثورات العربية).

مظاهر وأمراض اجتماعية رست على خشبات المسرح العربي، الشارع العربي، العقل العربي، والواقع العربي في ظل غياب وتخبّط في تعريف مصطلح (الثقافة) ومفهوم (المثقف)، في الوقت الذي تاه فيه المواطن العربي (البسيط) في بحار ومحيطات المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بالحدث المشار إليه أعلاه (الربيع العربي)، فأصبح البعض يردد تلك المصطلحات كالببغاء دون أن يعي مضمون هذا المصطلح وأبعاد ذاك المفهوم وخطورة استخدامها والغرض من الترويج لها.    

 

أحد هذه المظاهر هو ظهور ثلّة ممن يسمون أنفسهم أو يطلق عليهم (ناشطون فيسبوكيون)، في إشارة إلى موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، أو (ناشطون إعلاميون) في الوقت الذي لا يحمل فيه هؤلاء حتى شهادة الدراسة الإعدادية، وآخرون حتى لم يتلقوا تعليمهم الجامعي، حتى وإن كان البعض كذلك فهم لم يقرءوا كتاب واحد في حياتهم.

 

كائنات بشرية فيسبوكية أتيح لها فرصة التعبير عن آراءها (بحرّية) من خلال وجود مثل هذه المواقع التي تتيح الظهور إلى مجموعة لا بأس بها من المتابعين لهذه المواقع، وهذا حق طبيعي لكل إنسان وليس من حق أحد أن يمنعهم، لكن الملفت في هذا الإطار هو وجود بعض الشخصيات التي باتت تنشئ صفحات أو ما يُعرف بــ (Pages) بأسمائها وتعرّف عن نفسها بكلمات (ناشط حقوقي، سياسي، إعلامي، كاتب، شاعر، ... الخ) وهم لم يمارسوا العمل السياسي أو الإعلامي يوما،ً أو حتى أنهم لا يحملون إجازة في الإعلام أو العلوم السياسية معتبرين الكتابة على صفحات الفيسبوك (إعلام) بمعناه الأكاديمي، فتراهم ينقلون أخباراً من هنا وهناك بآلية (النسخ واللصق)، فيطلقون على أنفسهم (إعلاميون)!!

البعض الآخر يكون له محاولات متواضعة في كتابة خواطر أو كلمات معينة فيصنّف نفسه على أنه (شاعر) مثلاً، أو (كاتب) أو ما شابه.

 

يتم (بعون الله) وبـما يقارب الخمسة دقائق افتتاح هذه الصفحات الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبدأ رحلة الترويج الشخصي لهذه الشخصيات بعد التعريف بأنفسها بالألقاب الملفتة والجذابة والمثيرة للاستقطاب الشعبي الفيسبوكي من خلال جمع أكبر عدد من المتابعين من خلال ميزة (Share) أو (مشاركة) التي توفرها تلك المواقع، وتبدأ معها مسيرة النفاق الاجتماعي وعرض العضلات الفكرية والشعرية والنثرية، فتارة محلل سياسي، وتارة أخرى مناضل وطني فيسبوكي، وأحياناً شاعر وأديب، كلمات في الحب والوجدانيات وما شابه، وأحيانا أخرى محاضر ومنظّر في الأخلاق ومعلّم في الحكمة، وفي كثير من الأحيان ناشط إعلامي تحت عناوين (مصادر خاصة – خبر عاجل – هااام للنشر).

 

بين الفينة والأخرى لا بد من وضع صورة شخصية في وضعية (Pause) معينة، أو صورة بصحبة أحد الفنانين أو السياسيين أو الشعراء أو المفكرين أو لوجوه إعلامية تكرر ظهورها على الإعلام المرئي، في محاولة لاستقطاب أكبر كم من الإعجاب والمعجبين والمعجبات، وإشباع حالة ناجمة عن عقدة أو عقد نفسية معينة، تنهال معها كلمات المديح والإطراء والغزل، ليتابع بعدها رحلة النفاق الفيسبوكي الاجتماعي !!

 

الملفت أكثر هو حجم القطيع الفيسبوكي أو ما يُعرف بالـ (Fans)، المعلقين بالإعجاب والتهليل لتلك الشخصيات، والتي بعضها يعتبرها مصدر إعلامي معتمَد، ومصدر تحليل سياسي معتمَد، وملهمة للمشاعر والوجدانيات، فتجد أحد تلك الشخصيات تمارس العنف اللفظي وأحياناُ الجسدي داخل أسرتها، في الوقت الذي تحاضر فيه بالأخلاق وقيم الاحترام والحب المتبادل داخل الأسرة أمام قطيع الجمهور الفيسبوكي المتابِع، تجد شخصية أخرى تحاضر بالديمقراطيات والحريات وحقوق الإنسان وفي ذات الوقت تدعو وتحرض على قتل كل من يخالفها الرأي والأفكار، آخرون مثلاً يذرفون دموع التماسيح من خلال وضع صور لأطفال تم قتلهم بطريقة ما وفي ذات الوقت يشمتون ويهللون لقتل أطفال لأناس آخرين بذرائع دينية،  طائفية، عرقية ومناطقية مخالفة لهم.

 

إن صور النفاق الاجتماعي في مجتمعاتنا والتي ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في إظهارها اليوم وخصوصاً في حقبة أكذوبة (الربيع العربي) باتت لا تعد ولا تحصى.

إن طرح هكذا موضوع لم يكن الهدف منه هو الإساءة لشخصيات بعينها أو الانتقاص منها ومن أفكارها، ولم تكن الغاية من ذلك مصادرة حريتها في التعبير عن آراءها، إنما كان إنصافاً للأكاديميين في كل المجالات (سياسية، إعلامية، تاريخية، اجتماعية وغيرها)، إنصافاً للشعراء والكتّاب الحقيقيين، وإنصافاً لمفهوم (المثقف) الحقيقي ومفهوم (الثقافة) التي تمت سرقتها من قبل الكثيرين واستخدامها في الظهور وإرضاء دافع حب الشهرة وإرضاء الذات لدى الكثيرين.

الهدف من طرح هكذا موضوع في هذا الوقت بالذات هو لتسليط الضوء على هذه الفئة المتسلقة المنافقة المستفيدة من الأحداث التي تجري اليوم على الساحة العربية والتي تحتل المساحة الأكبر من مواضيع الإعلام العربي والعالمي، والتي تساهم بشكل أو بآخر بتغييب العقل العربي والتفكير العربي وتثبيطه، وتحويل المواطن العربي إلى مجرد ببغاء مردد لما تطرحه تلك الشخصيات دون محاولة التفكير في مدى صدق وحقيقة وصحة ما يتم طرحه وكتابته على تلك الصفحات.

 

في النهاية، تبقى الأسئلة المطروحة: "إلى متى يبقى البعض أو الكثير من الشعوب العربية مصرّين أن تكون عقولهم أسيرة ما تروجه بعض هذه الشخصيات الانتهازية المنافقة؟ إلى متى يدرك البعض أن لديه عقل مهمته (التفكير والتمحيص) ومن خلاله السعي وراء الحقيقة؟ إلى متى يقاد البعض وفق غريزة القطيع من خلال وسائل الإعلام المهيجة للمشاعر، ومن خلال بعض الشخصيات التي تحاول أن تصنع لأنفسها مجداً واسماً لامعاً (ن لاشيء) سوى احتراف (النفاق) في استخدامها لصفحات مواقع التواصل الاجتماعي واستخدامها للعقول التي أصابها الصدأ؟ إلى متى يبقى البعض ببغاوات مرددة لكل ما يكتب ويقال؟ وإلى متى يستمر البعض في ممارسة دور الكومبارس المطبل والمزمر والمهلل لشخصيات تصنع من أنفسها ويجعلها البعض أبطالاً على مسرح الواقع العربي الهزيل في زمن عربي أقل ما يقال عنه أنه (قبيح)!!

 

الأسئلة كثيرة في هذا الصدد، لكن الأهم من ذلك أنها تحتاج إجابات عملية تتجسد بثورة على العقول لإعادة إحيائها وإعمالها في البحث عن الحقيقة. 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات