شكل استغلال العامل الديني غطاءً رئيسياً لما يجري من أحداث على امتداد الأرض السورية، فاستبيحت المساجد، وباتت الفتنة والتفرقة والتحريض على القتل تمر عبر الشعارات الدينية، فيما التطرف والفكر الوهابي التكفيري يشوه حقيقة الدين الإسلامي الوسطي المعتدل الذي كان سمة بلاد الشام، فاختلطت المفاهيم، وتاهت الأمة من كثرة الفتاوى التي أصدرها شيوخ الفتنة " جهاد النكاح- السلفية الجهادية – التكفير والقتل – اغتيال العلماء ورجال الدين" حتى أصبحت أرض الفيحاء الموئل والوجهة الجديدة للجهاد، متناسين أن هناك مقدسات منتهكة ومغتصبة في فلسطين، كل هذا تم بتحالف واضح وعلني بين الوهابية السعودية والصهيونية العالمية لتدمير سورية الحضارة والتاريخ..

 

في ظل هذا الواقع المرير والفكر المتطرف الإلغائي الوافد تحتم على وزارة الأوقاف، ومن خلفها السادة العلماء ورجال الدين، أن تتحرك باتجاه وضع الأمور في نصابها الحقيقي، وأن تفنّّد هذه الادعاءات، وتظهر الأصل الشرعي الحقيقي الذي يدحضها، والمستند إلى كتاب الله عز وجل وسنّة نبيّه المصطفى، فكانت باكورة هذه الأعمال كتاب "فقه الأزمة .. الإسلام بين المفاهيم والمصطلحات" الذي يضاف إلى المكتبة الإسلامية الشامية التي طالما نادت بالوسطية والاعتدال، واضعة بين أيدي أبنائها المنهج الصحيح، والطريق الواضح لمواجهة هذه الهجمة الشرسة التي تريد النيل من ديننا الحنيف.

 

"البعث" ولتسليط الضوء على عمل وزارة الأوقاف، والمشروع الجديد الذي تطرحه، التقت السيد الوزير الدكتور محمد عبد الستار السيد في الحوار التالي:

 

حاوره - سنان حسن

 

>  قبل بداية الأزمة التي يتعرض لها بلدنا، كانت سورية رمزاً للتآخي الديني بين كل المذاهب والطوائف، ولكن مع بداية الأحداث خرج علينا نوع من التطرف الذي تستّر بغطاء الدين.

 

برأيك، سيادة الوزير، كيف تمكّن هذا النوع من التطرف من التغلغل في المجتمع.. بصراحة: هل يمكن القول إنه تمدّد في ظل تقصير الوزارة، وعدم قدرتها على تقديم الإسلام الحقيقي، الذي أنزله الله سبحانه وتعالى؟

 

>> طبعاً، الحديث عن الفكر الإسلامي، وعن انعكاساته على المواطنين في أي بلد من البلدان العربية والإسلامية، لايتعلق بعمل مؤسسة أو عمل وزارة، وإنما يتعلق بمجموعة من العوامل التي يكون من ضمنها عمل هذه المؤسسة، ولكن هي ليست كل العوامل المؤثرة في تكوين الوعي الديني في المجتمع.

 

التطرف والغلوّ والتشدد موجود منذ حركة الخوارج، أي منذ ما يقارب 1400 عام، حين خرجت مجموعة من الناس المسلمين على الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وعلى صحابة رسول الله، فكفّروهم بحجة أنه لاحكم إلا لله.

 

طبعاً.. فيما يتعلق بالتاريخ الإسلامي بعد ذلك حدث الكثير من القضايا السياسية التي اتخذت طابعاً دينياً، تم استغلال هذه الظاهرة التي كانت في البداية "الخوارج" نهاية عصر الخلافة الراشدة، منذ ذلك الوقت تطورت حسب الظروف، وحسب المجتمعات، وحسب التوعية الدينية الموجودة في كل بلد من هذه البلدان، لكن سورية وهي من فضل الله سبحانه وتعالى أرض التسامح الديني.. سورية أرض الحضارات، منها انطلقت المسيحية فلم يعرف عن سورية في أي وقت من الأوقات بأنها حملت الفكر المتطرف، بل على العكس تماماً هي حملت الفكر الإسلامي الحقيقي الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام؛  فبلاد الشام تعد ينبوع الفهم الحقيقي لتعاليم الإسلام.

 

أما في شبه الجزيرة العربية فهناك الأعراب الذين وصفهم القرآن الكريم "الأعراب أشد كفراً ونفاقاً" وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله"، هؤلاء كان فهمهم ظاهرياً وسطحياً للنصوص، فالمعروف أن النصوص القرآنية منها ما هو ظنّي الدلالة، ومنها ما هو قطعي الدلالة، وفيها أيضاً المحكم، وفيها المتشابه، فالبعض من ذوي الفهم الناقص لتعاليم الإسلام من الأعراب فهم الآيات المتعلقة بالتكفير بمعنى يختلف عن حقيقته وعن مصطلحه، فهم بشكل آخر أقاموا الحدود غير التي أمر بها النبي، ولعبت عدة عوامل لفعل ذلك منها الدول التي تربّصت بالأمة الإسلامية، واليهود الذين لعبوا دوراً كبيراً في ضرب الإسلام من داخله من خلال إبراز هذه الآيات والأحاديث التي يعتقدون أنها يمكن أن تؤثر على فهم الإسلام؛ فالمتشابه يرد إلى المحكم، والحديث يفسّر بالحديث، والآية تفسر بالآية؛ أي هناك ضوابط لفهم الشريعة الإسلامية..

 

وهذه الأحداث التي وقعت في سورية لها عوامل كثيرة منها: الحشد الهائل لطاقات القوى المعادية من أجل النيل منها، ومن رمز الاعتدال، والوسطية في المنطقة، وهناك أيضاً الكثير من القنوات الفضائية التي عملت ليل نهار على بث أفكار مدمرة ومهلكة بدعم من الأموال القطرية والتركية والسعودية، التي دُفعت من أجل شراء العقول، ومن أجل نشر هذا الفكر المتطرف المتشدد.

 

إذاً، القضية لا تتعلق بمؤسسة أو بوزارة، وإنما بقطر وبلد بأكمله، والدليل على ذلك أن هذا الفكر موجود في كل المنطقة الإسلامية؛ فالرجال يموتون، ولكن الأفكار لا تموت، فخلال الخمسين أو ستين سنة الماضية  كان هناك ضخ مالي كبير لنشر الحركة الوهابية المتشددة، فتسربت هذه الأفكار في الكثير من الدول العربية والإسلامية، وطبعاً منها المناطق التي تعاني من التخلف والجهل، إضافة إلى العمل الذي قاموا به لإشعال الفتنة الطائفية والمذهبية التي ما اعتدنا عليها في سورية ـ بين السنة والشيعة وبقية المذاهب الإسلامية.

 

الموضوع فكري وتاريخي

 

فالموضوع فكري وتاريخي يتعلق بأمة ولا يتعلق ببلد بحد ذاته، ومع ذلك فإن وزارة الأوقاف والسادة العلماء، ومعاهدها الشرعية وأساتذتها كانت لهم رؤية أكثر وضوحاًً لحجم المؤامرة، وقاموا بدور كبير في سبيل منع انتشار هذه الأفكار القاتمة؛ فمنذ اللحظة الأولى للأزمة قام الخطيب الأول في سورية الشهيد العلامة البوطي رحمه الله، وكبـار العلماء في كل الخطب والمحاضرات والندوات التي قمنا بها، بإيضاح هذه الفتنة والمؤامرة التي تحاك على سورية.

 

وهنا أقول إن لدينا ما بين 50 إلى 60 ألف داعية وخطيب مسجد، فإذا وجد لدينا 100 منهم مثلاً خرجوا عن صحيح الدين، كما حدث في بقية القطاعات ممن أغرتهم الأموال واشتريت ذممهم، والعلماء والخطباء فئة من فئات المجتمع يجري عليهم ما يجري على غيرهم من الناس، ويمكن أن يكون منهم من هو مرتبط بتنظيمات سياسية، وقد تكون هناك ارتباط بجماعة الإخوان المسلمين التي لها تاريخ دعوي أسود ودموي في سورية، فهذا لايعني أن عمل الوزارة فاشل، كما أن هناك ناحية مهمة تفوت الكثيرين وهي أن السادة العلماء ليسوا موظفين، وإنما هم دعاة، يعتبرون أنفسهم أنهم يبلّغون رسالة.

 

كما شهد جامع العثمان لقاءات مع الآلاف من الخطباء والداعيات في الدعوة الإسلامية العامة والنسائية، كلها كانت تقول كلمة الحق، وخلال الأزمة استشهد 63 خطيب جامع و3 مديري أوقاف، والخسارة الكبرى كانت بفقدان شهيد المحراب الدكتور البوطي، هذا كله كان بغرض إسكات الصوت الحقيقي للإسلام كما أنزله الله؛ فالأكثرية الساحقة من السادة العلماء والمشايخ إلى جانب الوطن، ولعبوا دوراً إيجابياً في فضح الأفكار السوداء التي أريد لها التغلغل في مجتمعنا.

 

وبالنسبة لعمل الوزارة لايمكن القول إن أي مؤسسة أو أي إنسان أدى دوره على أتم وجه؛ لأن الوطن أغلى وأكبر من الجميع، طبعاًً الوطن بحاجة دوماً إلى المزيد من العطاء والأمل، والدين له قدسية خاصة في نفوس الشعوب، وبالتحديد العرب، والعاطفة الدينية تلعب دوراً مهماًً وكبيراً، وبالتالي نحن عندما قلنا إنها فتنة كنا نعني ما نقول؛ لأن ظاهر الفتنة غير حقيقتها، وهي غرّرت بقسمٍ من العوام، وضلّلتهم تحت هذه الأفكار المطروحة.

 

> تم خلال الأزمة التي نتعرض لها استغلال بعض المساجد من قبل هذه العصابات، وتحت تهديد السلاح، لتمرير المخططات والمشاريع التي تستهدف المجتمع والدولة.. ما هي الإجراءات التي قامت بها الوزارة لإعادة المساجد إلى دورها، وكيف ستقوم بتهيئة الخطباء، وماذا فعلت لإعادة الواقع الدعوي إلى طريقه الصحيح ؟.

 

>> ما حدث في سورية، وبالتحديد في المساجد، يعود بالدرجة الأولى لأن لدينا حرية دينية لا مثيل لها في جميع البلدان العربية والإسلامية، وهنا تم استغلال المساجد باعتبار أن المسجد هو مكان عام وجامع، فنحن يمكن أن نغلق المسجد خارج أوقات الصلاة وأن نضمن ماهي الخطب والدروس التي تتم فيه، ولكن في حالات الفوضى تتغير الأحوال، وتتبدل، وتصبح الأمور معقدة، وهذا ما حصل مثلاً في جامع بني أمية الكبير، حيث كان الخطيب الدكتور البوطي رحمه الله، فأثناء إلقائه لخطبته قامت مجموعة من الغوغائيين بالتسبب في الفوضى، فهل ما حدث بسبب الجامع أو الخطيب؟!!، فالمخطط كان باستغلال العاطفة الدينية من جهة، والجهل من جهة أخرى.. وفي جامع بني أمية أيضاً تكرر ذلك مع الخطيب الذي خلف الشهيد البوطي الشيخ مأمون رحمة فقد قامت مجموعة من الإرهابيين والقتلة بقطع أذنه، وضربت ساقه، لأنه فقط يقول كلمة الحق، وهذا مثال صارخ على التعدي على المشايخ وعلماء الدين، ومنعهم من أداء مهمتهم، وأيضاً هناك الكثير من الخطباء والمشايخ هُدِّدوا بالقتل وتم اختطاف أولادهم، فخاف البعض وانكفأ، لكن البعض الآخر صدح بكلمة الحق، وهذا ما جرى أيضاً بالنسبة لاستهداف الكنائس والسادة رجال الدين المسيحي والراهبات، من خطف، وتهديد، وحرق لهذه الأماكن المقدسة.

 

مراكز متخصصة

 

بالنسبة لموضوع تأهيل الخطباء سابقاًً كانت هناك بعض الأمور تتم بطريقة غير نظامية تم تلافيها، وحالياًً لدينا مراكز تدريب وتأهيل متخصصة منتشرة في كافة المحافظات، ولدينا مناهج محددة، وفحوصات للراغبين بأن يكونوا خطباء جوامع، والأمر ليس كما يصوره البعض وكأنها وظيفة يتقاضى عليها الخطيب الأجرة، أولاً: هناك الكثير من الخطباء يعملون للأجر وليس للأجرة، وثانياًً: هناك مساجد تخضع للجان الشعبية والأهلية حاولت الوزارة بكل طاقاتها أن تضبط هذه المساجد لتكون ضمن المؤسسات الرسمية الوقفية.

 

كما أن مسألة الخطباء تتعلق بعامل تاريخي، وأعراف متّبعة لا تخضع لقرارات وزارية، فهناك جماعات دينية وكبار المشايخ ولديهم تلامذة، وأنت تريد أن تتعامل بما هو ممكن؛ فالأمر النظري شيء والعمل الديني على الأرض يختلف تماماً، والبعيد عنه لا يستطيع أن يقيّمه لأنه لا يعرف مداخل ومخارج العمل الديني، سورية من أكثر الدول العربية والإسلامية انضباطاً في مسألة الخطباء.

 

العملية ضخمة، وهي تحتاج إلى فترة زمنية من العمل، وإلى وعي ونهضة عامة، وعمل دؤوب، ومراكز تدريب وتأهيل، وهذا ما نقوم بها في وزارة الأوقاف، علماً بأن الموضوع الدعوي لا يتعلق فقط بسورية، ولكن بكل العالم العربي والإسلامي.

 

سابقة خطيرة

 

وتابع السيد الوزير موضحاً: إن الواقع الدعوي في سورية والبلدان العربية والإسلامية يمر بفترة عصيبة؛ فالمؤامرة التي تسمى الربيع العربي كبيرة، ونحن في مواجهة علنية وواضحة مع الفكر الوهابي التكفيري، وبالتالي الأمر في غاية الصعوبة؛ فاستغلال السعودية للضغط على العلماء والمشايخ مثلاً في فريضة الحج، الذي هو ركن من أركان الإسلام الخمسة، أثّر بشكل كبير عليهم، فهذا ضغط نفسي ديني على كل مسلم بأن تمنعه من القيام بهذا الفرض، وهي من الأمور الخطيرة، بطبيعة الحال الأفئدة تهوي إلى زيارة الكعبة الشريفة وقبر رسول الله  عليه الصلاة والسلام، والكثير من الناس عندما تتحدث معهم عن هذا الموضوع يقول: أخاف أن أُحرم من زيارة الأماكن المقدسة.. وبالفعل قامت السعودية بحرمان السوريين من الحج. في سابقة خطيرة لم تحدث في التاريخ الإسلامي، فاستغلت السعودية مناسك الحج للضغط السياسي الديني، وهي سابقة غير معهودة.

 

كما تم استحداث معهد الشام العالي للعلوم العربية والإسلامية، وهو أطلق مشروعاً وطنياً لتطوير المناهج الشرعية، وأُنشِئت مديريات تعليم شرعي لها ارتباط مع وزارات التربية والتعليم العالي، وأُحدث اتحاد علماء المسلمين، وافتُتحت قناة فضائية "نور الشام" للمحافظة على الفكر الإسلامي السليم، والمعتدل، والسوي.

 

نحن نواجه مؤامرة كونية تحالفت فيها كل دول العالم ضد بلدنا وإسلامنا، وبالتالي لن أحمّل أخطاء بعض العلماء أو وزارة الأوقاف لأقول إنهم سبب التقصير في العمل الدعوي.. ونحن نخوض معركة كبيرة مع أشرس فكر غريب عرفه الإسلام وهو الفكر الوهابي المدعوم بأموال البترودولار، والذي تقف خلفه الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية، فبروز الخلل هو نتيجة المؤامرة، وليس هو الذي أدى إلى المؤامرة .

 

> ذكرت في إحدى مقابلاتك "إن الدين الإسلامي هو دين تدبير، وليس دين تبرير".. ماهي الإجراءات التي قامت بها الوزارة للتصدي للفتاوى التي صدرت عن مراكز إسلامية معروفة :"رابطة العالم الإسلامي، هيئة كبار العلماء في السعودية "، وهل هناك برنامج واضح للوزارة لتنوير رجال الدين، وتطوير أدائهم لمواجهة هذه الهجمة؟

 

>> يقول الله تعالى في محكم بيانه " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"..فلقد وضع الإسلام لمنهج الدعوة وسائل تعين على أداء الواجب تجاه الوطن والدين، وإننا جميعاً متفقون على أن بلادنا تمر بمرحلة مصيرية، وإن هناك رغبة جامحة من الغرب والشرق معاً في تدمير مقدرات البلاد، وإذلال أبنائه، وجعله رهينة للمخططات والأهداف الصهيونية والأمريكية،  والإسلام بخطابه المعتدل، ومفهومه الشامل، هو الذي يقدم للأمة الإسلامية الفكر السوي الذي يمثل روحه، ويوقظ فيه الطاقة المحركة القادرة على الإبداع والعطاء، ومن أهم الأسباب التي توصلنا إلى هذا الفكر وهذا المنهج، العمل على توجيه أفراد الأمة توجيها واعياً سليماً، وذلك من خلال فعاليات الخطباء على منابرهم، والمدرسين الدينين في مساجدهم، والأكاديميين في جامعاتهم ومعاهدهم.

 

كما أن الدعاة محتاجون إلى فهم واقع أمّتهم، وظروف عصرهم، فهماً لا غموض فيه ولا تحريف، وبعدها يتلمّسون الحلول المناسبة للمشكلات الطارئة بما يتلاءم مع منهج القرآن الكريم والسنة النبوية، والفهم الصحيح لنصوصهما.

 

كذلك مما لاشك أن ثمة صراعاً يكاد يكون أزلياً بين الحق والباطل؛ فالباطل بأجناده لم يستثنِ وسيلة تمكّنه من النيل من الحق إلا استنفدها؛ فتارة بالسلاح، وتارة بالمال، وأخرى -وهي الأخطر- بالتشويه الإعلامي الفكري، فكيف إذا كان دينياً؟!.

 

من المقرر عند علماء الأصول أنه "لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه" فالنازلة إذا حلّت بالأمة، أو المسألة إذا حلّت بالأمة، أو المسألة إذا أثيرت في المجتمع وكثر فيها القيل والقال، وتحدث فيها كل الناس، فهنا وجب على كبار العلماء أن يأخذوا المبادرة، ويساهموا في قيادة الفكر إلى الأمان، وأن يبينوا للناس حكم الله، ورأي الشرع الصحيح.. أما أن يُترك الناس لفتاوى ضالة، ولمحطات فضائية، ولشبكات التواصل الاجتماعي، وأن يأخذوا دينهم في هذه النوازل والحوادث، وخصوصاً ما يجري في سورية من سفك للدماء، وقتل للأبرياء، وتخريب للوطن، تحت عناوين وشعارات دينية، فهناك ضرورة شرعية قصوى لبيانٍ واضحٍ لا يقبل اللبس، ولجوابٍ شافٍ؛ فأي تأجيل أو تعطيل يترتب عليه تحذير الله تعالى في كتابه الكريم " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون"..

 

إن خطورة الأفكار الوهابية التكفيرية لا تقف عند حدود وصف الناس بالكفر، بل تتعداه إلى استباحة ما حرم الله عز وجل من الدماء، ومن ثم الأعراض والأموال، وكان من آخر وصايا رسولنا الكريم للأمة في حجة الوداع " أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" ، كذلك هناك أمر غاية في الأهمية إذا سكت السادة العلماء عن البيان والتوضيح، واستخراج الأحكام الشرعية هو أن ظاهر ما عليه المكفرون كالقرضاوي وغيره رجال  كثر يلتحون ويلبسون ثياباً توحي بالعلم والشرع والإسلام، يوهم عامة الناس، ومن لا فقه لهم أن هؤلاء هم أحق بالدين، لما يُرى عليهم من ظاهر الالتزام بالكتاب والسنة والدعوة إليها، ومن التضحية والفداء، والجهاد لإقامة حكم الله على الأرض، وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، كما يقولون، ولذا كان لزاماً وواجباً على من حمّلهم الله أمانة العلم أن يميطوا اللثام عن هذه الوجوه، وأن يكشفوا أمر أصحاب هذه الدعاوى، وأن يصادروا ما في أذهان الناس مما ليس بوصفٍ لهم، والدليل ما قاله به النبي في وصفهم " يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"..

 

لكل هذه الأسباب تنادى كبار العلماء سورية، ووضعوا فقه الأزمة الذي يؤصّل شرعياً لكل المصطلحات والمفاهيم التي تم تحويرها، واستخدمها بغير ما أراد الله سبحانه وتعالى.

 

انطلاقاً من هذا، فقد صدر عن اللجنة العلمية الفقهية في وزارة الأوقاف، والتي تمثل المؤسسات والهيئات العلمية الشرعية من ثانويات شرعية، ومعاهد متوسطة وعليا، ومجمعات دينية، وكليات شريعة في الجامعات السورية، بإضافة إلى القائمين بالشعائر الدينية من خطباء ومدرسين دينين ومفتين، ومن فعاليات أخرى كالتدريس الديني النسائي، والتوجيه والإرشاد، صدر الجزآن الأول والثاني من سلسلة فقه الأزمة، والتي أطلقنا عليها اسم السلسلة التنويرية "الإسلام بين مصطلحات والمفاهيم"، واللجنة بصدد إصدار الجزأين الثالث والرابع قريباً؛ لمواجهة الفكر التكفيري الهدام، وخطر الوهابية الإرهابية على المفاهيم الإسلامية التي نعتز بها جميعها؛ حيث قامت الوزارة بإعداد برنامج تنفيذي لتأهيل الدعاة والداعيات والكوادر الدينية، منطلقه الأساس هذه السلسلة التنويرية، وستبدأ قريباً في تطبيقه في كل المحافظات، ليكون من أهم المشاريع الوطنية التي تبنّتها الوزارة، بحيث نستطيع تحويل الجهود الفقهية السليمة التي تمثل مبادئ الإسلام الصحيح في أذهان دعاة سورية، بحيث تصبح جهود كبار الفقهاء في الشام مرجعية واحدة .

 

نقلة نوعية

 

فالوزارة انطلقت في هذا المشروع الضخم لفضح الإخوان المسلمين في استغلالهم للدين، وفضح حركات الإسلام السياسية، ولشرح الجهاد في الإسلام والسلفية الجهادية، ومعنى الخوارج، وارتباط الوهابية بهم، كما تم في هذا الكتاب شرح جهاد النكاح، وكل ما يتعلق بالمرأة، ومواضيع السنة والشيعة، بشروحات كبيرة، كان لابد لها من تأصيل شرعي للآيات والأحاديث وتخريجها، ومواضيع مفهوم الثورة في الإسلام، والكفر والتكفير وضوابطهما، والإسلام الوسطي في مواجهة التطرف والتشدد، ووحدة الأمة في ظل احترام أبنائها المتبادل، أهمية المذاهب الفقهية في رعاية الوحدة الإسلامية، فتنة الطائفية في سورية، متى وكيف ولماذا، كي لا تكرر في كل حقبة من الزمن عملية استغلال الدين في أغراض سياسية، وتشويه، وتسميم أفكار الناشئة وخصوصا في ظل ما يسمى بالربيع العربي .

 

> من موقعكم الديني كرجل دين جليل ومعروف، ومن موقعكم الدنيوي كوزير للأوقاف، برأيكم ما هو السبب الحقيقي لحرف البوصلة عن موقعها الطبيعي، وتوجيهها نحو سورية، هل هو هدف سياسي بحت، أم ديني بحت، أم الأمران معاً؟..

 

>> المؤامرة التي تتعرض لها سورية صهيونية يهودية، الهدف الرئيسي منها هو تهويد المسجد الأقصى، ونسيان القضية المركزية فلسطين، فما يحدث حالياً غيّر المنطوق العام في الدول العربية، وبات الجميع يتحدث عن الحرب الدائرة في سورية، ونسوا ما يجري في فلسطين من تهويد للأقصى وللتراث العربي والإسلامي والمسيحي، فما حدث في سورية خلال السنوات الثلاثة من عمر الأزمة عجزت الصهيونية العالمين عن القيام به منذ تأسيسها.

 

ما يتم هو تآمر على سورية، مركز الحضارة، وخطّها المقاوم والممانع، وهنا أقول في مؤتمر جنيف وغيره من المؤتمرات التي ستعقد: إن لم تكن هناك معالجة للإرهاب، وجذوره، وأفكاره، وتمويله وتسليحه، فإن كل الجهود ستذهب سدى.

 

وقد اجتمع علماء دمشق ومدراء المعاهد والتوجيه الديني وأصدروا بياناً بهذا الخصوص، طالبوا فيه المجتمعين في جنيف أن يكون اجتماعهم سبباً لوضع حد لمعاناة الشعب العربي السوري وآلامه؛ بتجفيف منابع الإرهاب، ومنع الدول التي ترعاه وتؤيده وتموله وتسلّحه من ممارساتها المخالفة لكل القوانين، والأعراف الدولية، والقيم الأخلاقية والإنسانية، وذلك لإنقاذ العالم كله من خطر التطرف الإجرامي الخطير، والفكر الوهابي التكفيري الدموي المقيت، وطالب السادة العلماء أن تصدر قرارات تكافح الإرهاب والتطرف والتخريب الممنهج لبلد لم يقدم للعالم سوى الحضارة والخير والسلام .

 

وأعلن السادة العلماء جميعاً أن الشعب السوري ماضٍ في سبيل حماية الوطن.. ببسالة جيشه العربي السوري، وحقن دماء أبنائه، وإعادة بنائه خلف قيادة رئيسه الدكتور بشار الأسد، رافضاً أي وصاية، أو مصادرة لحق الشعب السوري في تقرير مصيره ومستقبله.

التعليقات


محمد
بحثت عن الكتاب في مكاتب الحلبوني لم اجده فهل من مكان لايجاده