بعد رزمة من الإجراءات الإسعافية التي تمت مراكمتها في ملف «الغاز المنزلي» تبعا للوقائع الطارئة والتدمير الممنهج الذي طال شركات التعبئة الحكومية وأنابيب التغذية وشبكات النقل السككية منها والبرية، وما برز خلالها من إشراك للقطاع الخاص ولأول مرة في «التعبئة»، بات المشهد ينطوي على كثير من الضبابية والمعلومات المتناقضة وخاصة لجهة أسعار التعبئة المتعددة التي تعاقدت عليها الحكومة مع تلك الشركات وسط ظروف مختلفة مع كل منها..

 

أسهل التناول الممكن لهذه القضية يمكن أن يتم من خلال الطلب إلى وزارة النفط بالعودة إلى قانون العقود الذي تم تنحيته جانبا خلال التعاقد مع الشركات إبان تعمق أزمة تعبئة الغاز ونقله حكومياً ووصول سعر الاسطوانة لبضعة آلاف من الليرات.

 

لكن الأمر ليس بمثل بساطة السؤال: أيهما يدفع الثمن؟ الحكومة التي يجب أن تدفع فرق السعر أم المواطن الذي ستطوله أي أزمة.. فالخوف من شبح أزمة غاز خبرتها جيوب المواطنين، لا يجب أن يدفع وزارة النفط للقبول باستمرار عقود تدفع فيها لشركة أو أكثر، ما يزيد على هوامش الربح المنطقية التي تقبل بها شركة أخرى تعمل في السوق.

 

إذ يجب على وزارة النفط عدم تجاهل ظروف التعاقد مع الشركات الذي ولد في واقع اتسم بالتغير اليومي في تلك الآونة، وخاصة في المنطقة الجنوبية وحلب حيث واظب مسلحو عصابات المعارضة التابعة لتنظيم «القاعدة» على محاولات عدة لخنق المدن والأحياء «بالغاز»، وهو ما يفسر تفاوت سعر التعاقد هبوطاً، فالعقد الأول كان في ظروف استثنائية جاءت بالسعر الأعلى وبالدولار، وفي مرحلة لاحقة بدأ السعر بالهبوط مع تزايد الانفراج في الإمدادات والنقل والظروف التعاقدية وغيرها من التسهيلات.

 

لكن في الواقع ليس الظرفان الأمني والاقتصادي وحدهما من حكما سعر التعاقد، فثمة معطيات مؤكدة عن تفاوت في ظروف التعاقد بين مختلف الشركات، فبعضها لا يزال ملتزما بعقود استيراد القسم الأكبر من الغاز من الخارج تبعا للظروف التي حكمت لحظة تعاقده مع الوزارة، على عكس شركات أخرى التزمت الوزارة بتزويدها بالغاز إبان مرحلة انطلاقها، كما أن إحدى الشركات حظيت بأرض «ملكية عامة» لإقامة منشآتها عليها خلافا للأخريات، إضافة إلى عن تورط هذه الشركة بمخالفات عقدية لها علاقة بالحماية من التفجيرات ووسائل الأمان المترابطة مع مخاطر الحرب القائمة في محيطها، كل ذلك إلى جانب مخالفات موثقة في وزن الاسطوانة التي تنتجها، وهو ما يبرر بكليته -على ما يبدو- قبولها بسعر تعاقدها الأدنى تبعا لمحدودية استثمارها.

 

وبغض النظر عن رزمة من الاختلافات الأخرى في ظروف التعاقد بين الشركات وما يضيفه ذلك من تباين مؤكد في تكاليفها وبالتالي عائديتها الاستثمارية، فإن أي قرار يتخذ يمكن أن يكون مربكا في نتائجه، إن على مستوى تعريض المواطن لأزمة ما، أم على الشركات الوطنية التي يتطلب الأمر من وزير النفط التوقف عن استسهال فكرة وقف شركاته عن العمل لحساب أخرى دون دراسة مسؤولة.

 

في سيناريوهات الحلول الممكنة للمشكلة التي سترتد إلينا كل 4 أشهر تعاقدية مهددة الشركات بالتوقف والمواطنين بأزمة، يمكن لوزير النفط أن يدفع نحو تحرير قطاع تعبئة الغاز بالكامل مع اعتماد شركات القطاع العام كمؤسسات تدخل إيجابي.. وهذا أمر غير وارد في الوقت الراهن أقله، وإما، هو مطالب بمنح جميعها ما منحه لبعضها من امتيازات كشرط لازم لمطالبتها جميعاً بما فرضته العقود الموحدة من واجبات، ذلك أن كلا الأمرين يشكل الموقف الاستثماري والسعري لكل منها.

التعليقات