يحتاج تطبيق الاصلاح دائماً إلى كوادر مؤهلة قادرة على القيام بهذا العمل، وهذا الأمر يتطلب أخذ الكثير من القضايا في الاعتبار، وفي هذا الإطار يرى خبراء في قضايا الإدارة، أن هناك تسرعاً واستعجالاً من الحكومة الحالية في اقتراح الاصلاحات، دون الأخذ في الاعتبار المشكلات المؤسسية الموجودة في سورية، والتي تعوق تنفيذ الإصلاحات بصفة يومية، وترك السياسات تخضع لسيطرة الفساد وآليات المؤسسية السيئة والأنظمة القانونية المبهمة وآليات تنفيذ القوانين الضعيفة ونقص الشفافية في الإدارة، والعجز عن إدارة الخدمة العامة وتقديمها للناس بشكل حضاري وسريع وغير مكلف.

 

بالاستناد إلى ما يراه الخبراء الفرنسيون، يكون مفتاح الانتقال الناجح إلى الإصلاح والنظام القائم على أساس السوق، الحكم الديموقراطي الصالح الرشيد، أساس المؤسسات الرئيسية القابلة للمحاسبة.

 

¶ العلاقة بين السلطات

يوضح الخبير في الإدارة والعلاقات الاقتصادية الدولية، عضو الخبرة الاستشارية في شركة الاتصالات السورية عبد الرحمن تيشوري، أن خلق سياسة إدارية فاعلة في الدولة، يتطلب إيجاد صيغة جديدة للعلاقة بين السلطات، ولو أخذنا العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فإنه لا بد من ايجاد صيغة جديدة للعمل والارتباط بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؛ وعلى سبيل المثال، الوزير وهو الرئيس الإداري الأعلى في وزارته، لايملك فريق عمله الخاص عند قدومه إلى الوزارة، بل هو محكوم بالتعاون مع فريق عمل مكون من مكتبه ومعاونين كانوا يعملون مع الوزير السابق أو الوزراء السابقين، ما يفقده أية إمكانية حقيقية للتغيير، والوزير مسؤول سياسياً أمام مجلس الشعب، تحت طائلة السؤال والاستجواب وحجب الثقة، لذا لابد من إعادة هيكلة الوزارات وتغيير أساليب عملها انطلاقاً من هذه المسؤولية

 

على مستوى مجلس الشعب والتشريع، وما نراه أن مجلس الشعب ليس أكثر من أداة لتصديق مشروعات القوانين المقدمة من السلطة التنفيذية.

 

ويضيف تيشوري؛ لأن معظم النواب لا يملكون المقدرة الذاتية لمناقشة القوانين بسبب مستواهم الثقافي، وحتى من يملك ذلك، فإنه لايمكنه المساهمة والمناقشة لأنه لايملك المعلومات أو أنه لايعلم بمحتوى مشاريع القوانين إلا عند التصويت عليها، مع الإشارة هنا إلى مبادرة الحكومة مؤخراً إلى فتح موقع سورية التشاركية، الذي يسمح للمهتمين وأصحاب الرأي والمختصين للإدلاء بدلوهم في هذا المجال. وعلى المستوى الرقابي، فإن النائب لايملك المعلومات الخاصة به لمناقشة الحكومة، سوى المعلومات التي تزوده بها الحكومة ذاتها، وخاصة في ظل غياب الشفافية ونشر المعلومات، ما يجعل من هذه الآلية الرقابية على العمل الحكومي عقيمة. هذا الأمر، حوّل النائب إلى مجرد وسيط، وأصبحت العلاقة بينه وبين ناخبيه معدومة أو كعلاقة الراكب بسائق التكسي، تنتهي بمجرد وصوله أو دخوله البرلمان.

 

لذلك لابد من إيجاد صيغ عمل وآليات جديدة للعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، تخرج النائب من دور الوسيط إلى دور فاعل في مجال التشريع والرقابة، وعن طريق أمور أخرى؛ من تعديلات في كيفية اختياره أو انتخابه، ووضع شروط جديدة كالسوية العلمية المحددة باختصاص الإدارة والحقوق والاقتصاد، مع إيجاد آليات عمل جديدة تنسجم مع دور النائب أو عضو مجلس الشعب.

 

كذلك يرى تيشوري في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، حيث لابد من إيجاد صيغ وحدود، مما يعطي استقلالية حقيقية للسلطة القضائية، وينهي وصاية الحكومة عليها، وذلك نظراً لأهمية وجود قضاء مستقل بمنأى عن الضغوط، والذي يعتبر عاملاً حاسماً في ثقة المحكومين بالدولة، وخاصة المستثمرين؛ فالمتتبع لعمل وزارة العدل في السابق، يجد أن وزير العدل كأنه يمارس سلطة توجيهية وصائية على القضاة من خلال التعاميم الموجهة إليهم والتفسيرات التي كان يصدرها في ما يتعلق بالقوانين، وهذا الامر يعتبر دون أدنى شك تدخلاً سافراً في عمل القضاة من قبل شخص ينتمي إلى السلطة التنفيذية، لذلك لابد من توحيد التشريعات في المواضيع المشابهة في العمل الوظيفي، لابد من إعادة النظر في دور الأجهزة الرقابية مالياً وإدارياً ومسلكياً، وتفعيلها من خلال إيجاد الآليات المناسبة، لاسيما إحداث نيابة عامة إدارية وإحداث محاكم إدارية في جميع المحافظات، وإصدار قانون أصول محاكمات إدارية فعال، أيضا لابد من تحسين العلاقة بين المواطن والإدارة من خلال سهولة حصوله على المعلومات والوثائق، وإيجاد صيغ جديدة لحل الخلافات بينهما قبل اللجوء إلى القضاء، كإحداث مايسمى مؤسسة الوسيط الجمهوري، إلى جانب تحديد دور الدولة والإدارة والمرافق التي تتولاها الدولة، حيث ليس من المعقول أن تبيع الدولة الرز والسكر.

  

¶ مؤسسات تخضع للمساءلة والإصلاح

يتطلب إنشاء مؤسسات قابلة للمساءلة وتنفيذ برنامج الإصلاح زيادة الشفافية عبر إتاحة المعلومات للجميع، وخاصة معلومات حديثة دقيقة، لها علاقة بالموازنة والإنفاق وتقييم الموظفين العموميين، وإطلاع الجمهور على كل شيء، وتأسيس وحماية حرية الإعلام، وفق ضوابط وقوانين وسياسات حماية حرية الإعلام، وتشجيع التغطية المحايدة للأخبار في وسائل إعلام الدولة، عبر تكوين لجان مراقبة مستقلة، زيادة المشاركة العامة في صنع القرار، الحد من هيمنة المسؤول الحكومي عبر إجراءات محددة، أهمها عدم تركيز قرارات التراخيص لأي أمر، وعبر إصدار قوانين واضحة غير معقدة وغير متضاربة، ووضع إرشادات للإفصاح عن كل شيء، تقليل الأعباء القانونية والرسوم المفروضة على كثير من الأمور، وضم المواطنين الى هيئات المراقبة الحكومية، وتقوية قدرات الأجهزة الحكومية الإدارية والتنفيذية، عبر تطوير قاعدة الموظفين، وفق مستويات مهنية مؤكدة، وتقديم التدريب المهني على أحدث التكنولوجيات، ودفع رواتب كافية لجذب الكفاءات المؤهلة جداً، وجعل الترقية على أساس الأداء بدلاً من أن تكون حسب الأقدمية، إصلاح السلطة القضائية، بحيث يكون القضاء عادلاً قريباً غير مكلف وحيادياً.

 

 ويتم ذلك أيضاً، من خلال تعزيزمبادئ حوكمة الشركات داخل شركات ومؤسسات القطاع العام، كما فعلت الهند في تطبيق المبادئ الأولى لحوكمة الشركات العامة.

 

¶ كيف نصنع إدارة رشيدة؟

إن وجود الموظفين المحفزين، والذين لديهم المعرفة، لهو مفتاح رئيسي في صنع الإدارة الرشيدة

 

 كما أن شحن الناس للعمل ضد بعضهم، وعدم المساواة بينهم، وتجميع القوة والسلطة في يد المديرين وحدهم، يخرب الإصلاحات. عند غياب مؤسسات المساءلة، تصبح الموارد عرضة للضياع، تتمتع الدول ذات الآليات الجيدة للتعبير عن الرأي والمساءلة بمستويات أعلى من الدخل، وبحماية للموارد وبنسب نمو اقتصادي دائمة وثابتة ومتنامية، يستطيع أي مواطن في إيرلندا أن يشرح لك كل الإجراءات المطلوبة لأي أمر، ويعرف كل الناس حقوقهم بوصفهم مواطنين ودافعي ضرائب ومستفيدين من المرافق العامة، ينفي الفسادَ وجودُ الإدارة الرشيدة.

Syriadailynews - Baladna


التعليقات