خاص سيريا ديلي نيوز- دسلام سفاف
بشكلٍ عام, يعتبر فعل التفاوض وسيلة للتنسيق و التفاهم حول المصالح المختلف عليها سواءً بين الأفراد في إدارة شؤوونهم الخاصة أو في حال القيادة والإدارات السياسية التي تعنى بإدارة الشأن العام و تحقيق المصلحة العامة للدولة.
بمعنى آخر, إن التفاوض هو إعادة قولبة هذه المصالح بشكلٍ تصبح مرضية لكافة الأطراف. و يكون الجميع أمام اتخاذ قرارحول شكل التعاطي مع تلك المصالح المتنازع عليها مع الآخر سواء أكان فرداً أو جماعة أو مؤسسة اعتبارية أو حزباً....
فإما السلوك التنافسي حيث يتوصل المفاوض إلى بلوغ أهدافه في حال عدم تمكن الخصم من بلوغ أهدافه, تكشف هذه التبعية عن حالة مفاوضة سلبية غالباً ما تكون فيها جميع الأطراف خاسرة.
أو السلوك التعاوني, الأمر الذي يفرض على جميع المفاوضين الانتقال إلى التسوية من أجل تحقيق أهدافهم و منافعهم المتبادلة, و تكشف هذه التبعية عن المفاوضات الإيجابية التي تكون فيها جميع الأطراف رابحة.
في الحقيقة, أدرك المجتمع الغربي مبكراً أهمية النمط التعاوني في إدراة الاختلاف حول شؤونهم العامة و ضرورته في بناء الدولة و المجتمع على الرغم من تبنيهم النظام الرأسمالي و مبدأ المنافسة الحرة, فقد جعل باراك أوباما من النمط التعاوني أساس برنامجه لإدارة الشؤون العامة خلال حملته الانتخابية الأولى للسباق على كرسي الرئاسة حيث أكدَّ في معرض خطابه في Pennsylvanie عام 2009, قائلاً:
" هناك نوعان من الأجيال في أمريكا الجيل (من مرحلة طفرة المواليد) الذي يلعب دائماً: عرق ضد عرق أخر.... شباب ضد كبار السن.... جنوب ضد شمال.... ويتم ذلك دائماً في إطار لعبة محصلتها صفر، يكون فيها تحقيق أحلام واحد على حساب تحقيق أحلام الآخرين، و الخاسر الوحيد دوماً هو أمريكا.
أنا أدعوكم أنتم , أيها الشباب, من الجيل الثاني في كل مكان نكون فيه غير متفقين, على ابتكار تسوية و حلاً وسطاً, لأن الفوز لا يعني واحد ضد الآخر لكن هو بناء أمريكا الجديدة حيث يستطيع كل واحد أن يحقق أحلامه...
نعم من الممكن! نعم نستطيع! "
لقد جسد باراك أوباما , الذي لم يصبح آنذاك رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية, الموقفين الرئيسين لنظرية الألعاب التفاوضية: لعبة "رابح – رابح" ذات المحصلة الإيجابية في مواجهة لعبة "رابح - خاسر" ذات المحصلة السلبية حيث تأخذ الأخيرة الولايات المتحدة الأمريكية نحو النمط التنافسي الذي سيقودها إلى حالةٍ من الدمار و الخراب يكون فيها "الجميع خاسر", بينما كان التوجه السياسي للمرشح الرئاسي هو على النقيض تماماً يقوم على بناء ثقافة من لعبة ذات النمط التعاوني, الأمر الذي أسس عرضاً سياسياً جديداً تمَّ توليفه بموهبة عالية إلى الشعار الشهير: « ! Yes, wecan » "نعم نستطيع".
في الواقع, يتوقف بناء المجتمع و ازدهاره على تبني مفاهيم لعبة "رابح-رابح" أو ما يطلق عليها المفاوضة التكاملية في إدارة الشأن العام الذي يبدأ من مستوى القمة إلى مستوى القاعدة من خلال خلق ثقافة مجتمعية بأهمية الفوز المشترك, و هنا يكمن مفتاح الحراك الإيجابي للمجتمع في حين تشكل محور اللعبة التنافسية ذات المحصلة الصفرية: " لا يهم إذا خسرت ما دمت ستخر" بوابةً للتراجع و التفكك لاحقاً, فقد انتظمت المجتمعات المختلفة حقيقةً في إحدى هذين الاتجاهين بفعل تراكم الخبرات السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الدينية و الأيديولوجية و غيرها...عبر الصيرورة التاريخية لتكوينها فكان لكلٍّ منها نصيبه الحلو أو المر.
أخيراً, إن اللعبة الشهيرة "رابح ـرابح " لا تعني على الإطلاق المطالبة بالتالي: " أنا أرغب فعلاً بأن تربح شرط أن أربح أيضاً " بل هي تبادل الرغبة و القناعة بفوز الآخر, و يمكن مقارنة هذا مع العبارة الشهيرة لـ جون كيندي: " لا تقولوا ما الذي تستطيع أمريكا فعله لأجلي؟! لكن ما الذي يمكنني فعله لأجل أمريكا؟
فماذا عنكم أيها السوريون؟ ألا يتوجب علينا فعلُ شيءٍ لأجل سورية ؟....
ملاحظة :
*لا يجوز نشر أو اقتباس جزء من هذه السلسلة أو استخدامها كمنهج دراسي أو تدريبي إلا بموافقة الكاتبة و "الأكاديمية السورية الدولية" على ذلك مسبقاً.
د.سلام سفاف - سيريا ديلي نيوز
2014-01-17 18:01:52
التعليقات
أكرم محمد
أكرم محمد