خلال السنوات الماضية كتبت العديد من المقالات والتحقيقات الصحفية التي تناولت فيها استخدامات أكياس البولي بروبلين في تعبئة الدقيق التمويني بدلاً من أكياس الطحين المصنوعة من القطن السوري الذي يشهد العالم بجودته ومواصفاته الفريدة. إلا أن هذا لم يشفع لأكياس الطحين القطنية المنشأ من حياكة المؤامرة تلو الأخرى لتدميرها وتدمير منشآت وشركات صناعية تقوم بإنتاجها منذ عشرات السنين ومحاولة استبدالها بمواد تدخل فيها المواد المسرطنة والضارة بصحة الوطن والمواطن.

 

إضافة للآثار السلبية التي تتركها على البيئة وغيرها من الآثار الضارة التي تتركها استخدامات البولي بروبلين، وذلك بالتعاون مع القطاع الخاص وبعض القائمين على القرار الاقتصادي والمتنفذين في وزارة الصناعة لاستبدال القطن النظيف بأكياس النايلون التي تؤذي البشر والحجر وغير ذلك كثير..؟

 

ولكن هذه المشكلة ليست بالجديدة فهي متجددة مع قدوم وزير وخروج آخر لإعادة طرحها لعلهم يصلون لقرار يطفئ ظمأهم وينهي الصراع على مقوم اقتصادي كبير قيمته تقدر بعشرات المليارات من الليرات..! والسؤال الوحيد الذي يطرح نفسه بقوة على ساحة الصناعة الوطنية: من المستفيد من طرح المشكلة في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها القطر..؟ وما مبررات ذلك، ومن يقف وراء هذا الطلب الذي يثير الشكوك في الهدف والغاية والتوقيت..؟

 

اوضحت دراسة خاصة من وزارة الصناعة قدمتها المؤسسة العامة للصناعات النسيجية تتضمن الآثار السلبية لاستخدامات أكياس البولي بروبلين في تعبئة مادة الدقيق التمويني والاسمنت.

 

الدراسة باختصار

تؤكد الدراسة في أول بنودها أن الكميات المخصصة من أكياس الطحين تبلغ 50 مليون كيس وهي تحتاج إلى 65 مليون متر طولي من الأقمشة, إذ تعادل 50% من الطاقات الانتاجية لشركات النسيج.

والبند الثاني من الدراسة يحدد الآثار السلبية الناتجة عن توقف انتاج أكياس الطحين والتي تتمثل في عدة قضايا أساسية في مقدمتها:

- عدم تحقيق الطاقات الانتاجية نتيجة توقف حوالي 850 من الأنوال القديمة لاتمكن الاستفادة منها سوى إنتاج أكياس الخام القطنية.

- زيادة تكلفة الانتاج نتيجة عدم إمكانية تحقيق الطاقات الانتاجية.

- خروج حوالي ثلاثة آلاف عامل يعملون في إنتاج أكياس الطحين إضافة للعمالة الفائضة الحالية.

- في حال تشغيل الأنوال القديمة في انتاج الأقمشة سيؤدي ذلك الى تراكم مخازين في إنتاج نمطي وجودة متدنية وتالياً عدم تحقيق الخطة السنوية.

هذا فيما يتعلق بالنسيج أما فيما يتعلق بأقسام الغزل فالخطورة لاتقل عما ذكرناه من آثار سلبية نذكر منها على سبيل المثال:

- توقيف قسم الغزل في الشركة الخماسية بنسبة 60% .

- وتوقف قسم الغزل في شركة الشهباء في حلب بشكل كامل.

- توقيف قسم الساتان في الشركة الصناعية لخيوط النايلون والجوارب بنسبة 85%، إذ تقوم الشركة بتزويد شركة المطاحن وشركات النسيج التابعة للمؤسسة النسيجية بخيوط الساتان لزوم خياطة أكياس الطحين.

 

النتيجة بالأرقام 

مما تقدم تتضح نتيجة لا تحمل شوائب أو شكوكاً بها تتضمن خروج اكثر من ثلاثة آلاف عامل من العملية الانتاجية تزيد أجورهم السنوية على المليار ليرة, وانخفاض استهلاك السوق الداخلية من الغزول بحدود 11 ألف طن أي بحدود 10% من الطاقة الانتاجية لشركات الغزل و20% من الغزول التي تسوقها المؤسسة للسوق الداخلية.

إضافة لتخفيض الطاقة الانتاجية للنسيج بنسبة 50% من الطاقة الانتاجية للنسيج, وارتفاع تكلفة الاستبدال والتجديد بما يزيد 6 مليارات ليرة لتعويض الطاقة الانتاجية المفقودة بسبب توقف 850 نولاً قديماً.

أيضاً بسبب توقف شركات حلب بشكل كامل وشركات الخماسية والمغازل في دمشق بشكل مؤقت، فقد اقتصرت العملية الانتاجية على شركات الدبس في دمشق بكمية لا تتجاوز 10 ملايين كيس وشركة نسيج اللاذقية بكمية 5 ملايين كيس في الظروف الطبيعية وبكمية اجمالية تبلغ 15 مليون كيس أي بنسبة 30% من حاجة المطاحن السنوية.

التكلفة وحسابات الفرق

وهنا لابد حسب(الدراسة) من التنويه إلى أهمية تحديد التكلفة الصافية لقاء استخدام أكياس الخام ومقارنتها مع التكلفة الصافية لقاء استخدام أكياس البولي بروبلين من خلال دراسة اقتصادية تفصيلية توضح العديد من النقاط في مقدمتها:

ان القيمة الاجمالية لأكياس الخام والبالغ عددها 50 مليون كيس وحسب السعر الحالي والبالغ فعلياً 135 ليرة للكيس الواحد فإننا نجد قيمتها تتجاوز سقف 6.75 مليارات ليرة.

أما فيما يتعلق بمخفضات القيمة فالأمر مختلف تماماً عن استخدامات البولي بروبلين وذلك لعدة أمور نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

- إمكانية إعادة استخدام الأكياس مرة ثانية بمعدلات تتراوح بين 50- 75% وفي حال إعادة استخدام 50% من الأكياس أي يتم استخدام 25 مليون كيس وتكلفة إجمالية قدرها 2.9 مليار ليرة محسوبة على 75 مليون كيس فإننا نجد 50 مليون كيس جديد + 25 مليون كيس يعاد للاستخدام = 75 مليون كيس وبقيمة اجمالية تزيد على 6.75مليارات ليرة وتالياً يصبح سعر الكيس الفعلي (6.75 مليارات ليرة / 75 مليون كيس = 90 ليرة.

- أيضاً إمكانية بيع الأكياس بعد الاستخدام بسعر 20 ليرة للكيس وتالياً تكون النتائج وفق الآتي:

• قيمة الأكياس بعد الاستعمال للمرة الثانية = 50 مليون كيس * 30 ليرة= 1.5 مليار ليرة.

• صافي قيمة الأكياس البالغة 75 مليون كيس بعد تخفيض قيمة الأكياس المبيعة بعد الاستعمال = 6.75 مليارات ليرة – 1.5 مليار ليرة = 5.25 مليارات ليرة.

• قيمة كيس البولي بروبلين الافتراضية = 60 ليرة.

• قيمة 75 مليون كيس = 4.5 مليارات ليرة. (50 مليون كيس قطني تعادل 75 مليون كيس بولي بروبلين بسبب إعادة استخدام 25 مليون كيس قطني للمرة الثانية).

• الوفر المحقق للمطاحن لقاء استخدام أكياس الخام = 5.25 مليارات ليرة – 4.5 مليارات = 750 مليون ليرة. وتالياً هذا المبلغ هو العجز الذي سوف تتحمله الموازنة العامة للدولة لقاء استخدام أكياس الخام القطنية.

• أما عجز الموازنة في حال التخلي عنها فهو يعادل تكلفة أجور العاملين على خطوط إنتاج أكياس الطحين والذي أصبح بعد الزيادة الأخيرة على الرواتب والأجور يتجاوز سقفها المليار ليرة.

ويتبين مما سبق ذكره أن عجز الموازنة في حال استخدام كيس الخام القطني يبلغ 750 مليون ليرة وفي حال استخدم كيس البولي بروبلين فإن العجز سوف يتجاوز سقف المليار ليرة سنوياً.

 

خلاصة اقتصادية

- من الناحية الاقتصادية فإننا نجد جدوى الاستمرار باستخدام أكياس الطحين محققة على صعيد موازنة الدولة, وذلك بمقارنة خسارة المؤسسة النسيجية التي تزيد على مليار ليرة بالقياس الى وفر شركة المطاحن البالغ:

 750 مليون ليرة.

- الأكياس القطنية لا تنتج مخلفات ضارة بالبيئة أو الصحة إذ يعاد استخدام الأكياس بعد الاستعمال إلى ألبسة ولادية شعبية تباع على البسطات في الاسواق الشعبية (تي شرت) وفي أسوأ الحالات تعاد إلى معامل عوادم القطن من أجل تدويرها لتصبح غزولاً قطنية تستخدم في العديد من الصناعات التي توفر آلاف فرص العمل.

- أما بالنسبة لمخلفات لقاء استخدام أكياس البولي بروبلين فيمكن توقعها من المعطيات الآتية:

- وزن كيس البولي بروبلين 120 غراماً

- وزن 50 مليون كيس يعادل 6000 طن بشكل سنوي للمطاحن.

- خلال خمس سنوات يكون وزن مخلفات الأكياس بحدود 30 ألف طن.

وتالياً لابد من حساب التكلفة التي ستتحملها خزينة الدولة لقاء معالجة الآثار السلبية الناجمة عن الأضرار البيئية لقاء طرح مخلفات أكياس البولي بروبلين والتي ستزيد بعد خمس سنوات من بدء الاستخدام على 30 ألف طن(أي بمعدل يزيد على 1 كغ لكل مواطن سوري) كما أن احتمال عدم تطبيق معايير الاستخدام الأمثل لأكياس البولي بروبلين في المخابز أو المطاحن من جهة أو عدم متابعة الالتزام بالمعايير والمواصفات القياسية من جهة أخرى سوف يحمل وزارة الصحة المزيد من التكاليف (التي تقدر بعشرات المليارات سنوياً) لقاء تأمين الأدوية لمعالجة الأمراض التي سوف تنجم عن استخدام أكياس البولي بروبلين.

هذا إضافة للخسارة الأكيدة للمؤسسة العامة للصناعات النسيجية والصناعة الوطنية والتي تزيد وفقا لمعطيات الدراسة من قيمة الاستبدال والتجديد والمقدرة بمبلغ يزيد على 6 مليارات ليرة ومبلغ آخر قيمته 6.75 مليارات ليرة قيمة انتاجية ومليار ليرة أجور العمال وبذلك يكون مجموع الخسائر المباشرة لشركات المؤسسة النسيجية تتجاوز سقف 13.75 مليار ليرة سنوياً.

 

أسئلة تستحق الاهتمام

من خلال ماتم ذكره سابقا يتشكل لدينا جملة من الأسئلة تحتاج المزيد من الاهتمام من الجهات المعنية والمسؤولة والإجابة عنها لأنها تتعلق بمسألة غاية في الخطورة (صحة الوطن والمواطن) من جهة, والخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تتكبدها الصناعة والخزينة العامة للدولة من جهة أخرى لأنها وحدها من يتحمل الخسائر وتالياً هذه بدورها تذهب مباشرة إلى قلة قليلة مستفيدة من القطاع الخاص وبعض المتنفذين من أصحاب القرار سواء في وزارة الصناعة أو جهات القرار الاقتصادي الأخرى..! وفي مقدمة هذه الاسئلة :

- من يضمن تطبيق معايير الاستخدام الأمثل لأكياس البولي بروبلين في المخابز والمطاحن على السواء..؟

- من سيراقب ويتابع الالتزام بالمعايير والمواصفات القياسية..؟

- في حال إعادة تدوير المخلفات ولاسيما عندما تكون تكلفة جمع ونقل المخلفات تقل عن تكلفة المادة الأولية (الحبيبات) ما الضمانة لعدم إعادة استخدام الأكياس المهدورة في تعبئة الطحين أو الاسمنت..؟

- من يستطيع أن يلزم المعامل بجمع المخلفات لتدويرها واستخدامها في المجالات المسموح بها ..؟

- هل هناك ضمانة بعدم رفع أسعار أكياس البولي بروبلين بعد توقف تصنيع الأكياس القطنية أو الورقية..؟

- ما البديل عندما تتعرض الدولة إلى عقوبات اقتصادية تحول دون امكانية استيراد المادة الأولية كما الحال بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية..؟

- ما رأي وزارتي الصحة والبيئة بخصوص الاثار البيئية والصحية..؟

- والسؤال الأهم: ما التكلفة الفعلية التي تتحملها الخزينة العامة للدولة للتخلص من هذه المخلفات؟

 

هذه الاسئلة تستحق الاهتمام والتفكير بها جيداً قبل اتخاذ أي قرار من شأنه أن يضر بالمصلحة العامة ولاسيما أن سورية تمتلك المادة الاولية التي تتمكن بها ومن خلالها الاستقلال بقرارها وإنتاج حاجتها من الأكياس المطلوبة من دون أن تضع رقبتها في أيدٍ لاهم لها إلا جمع المال والتبعية لجهات، الله وحده يعرف من هي والعاملون في نطاقها..؟؟!

 

Syriadailynews - Tishreen


التعليقات