لم تعرف الأسواق، خلال الفترة الأخيرة، أيّ شكل من أشكال الاستقرار، سواء من ناحية الأسعار أم من ناحية تطبيق القوانين التي تتناسب مع حال هذا السوق، الذي استمر وقتاً طويلاً يتأرجح بين الانخفاض والارتفاع، وفي أكثر الحالات اتجه نحو الارتفاع.
يشير معنيون بحال الأسواق، في هذا السياق، إلى نقطة لا بدّ من أخذها في الاعتبار، عند العمل مجدداً على تطبيق أيّ سياسة جديدة تتعلق بعمل الأسواق، وهي التعريف بشكل أكبر بهذه السياسة للمستهلك والبائع والمستورد، حتى لا تعاد التجربة السابقة عندما تمّ السماح بتحرير الأسعار قبل سنوات، وتحوّل الأمر إلى فوضى، بسبب أنّ التنافس تحوّل، ليس نحو توفير السلعة بالسعر الأنسب، بل نحو رفع الأسعار كلّ على هواه، وبالتالي هذا الأمر يجب أخذه في الاعتبار، عندما سيتمّ الاتفاق على تطبيق التسعير الإداري.

 

نقل السوق من مرحلة إلى أخرى بشكل مدروس


يقول رئيس جمعية حماية المستهلك، عدنان دخاخني، إنّ الأسعار لم تشهد الانخفاض الكبير الذي كان متوقعاً، ولم تتجاوز نسب الانخفاض 5-10 %، وهذا ليس كافياً أمام انخفاض سعر الصرف إلى النصف، في حين كان من المفترض أن تنخفض الأسعار بما يقارب نسبة 30 %، لكنّ الانخفاض مازال محدوداً جداً، وربّما السبب في ذلك أنّ بعضهم يترقّب من جديد كيف سيتحرّك سعر الصرف؛ أي هناك حالة من الجمود، حتى المستهلك، الذي كنا نطالبه بترشيد استهلاكه، أصبح يقوم بهذا الأمر من تلقاء نفسه، وبشكل طبيعي، بسبب ارتفاع الأسعار، فتنحصر مشترياته في الضروري منها.
 

 

ويضيف دخاخني: فيما يتعلق بدور كلّ من القطاع العام والخاص في تأمين السلع، دور القطاع الخاص كان أكبر بسبب قدرته وإمكاناته من جهة، وانتشار المحال التجارية التي تبيع السلع بعدد أكبر من فروع مؤسسات التدخل الإيجابي من جهة أخرى، وبالتالي، القدرة على الوصول إلى المستهلك تؤدي دورها في هذا المجال، والجميع يعرف الصعوبات التي واجهت القطاع الخاص في مسألة تأمين السلع، وفي مقدّمتها الحصار المفروض، ما أدى إلى عزوف بعض التجار عن استيراد السلع بسبب صعوبة الاستيراد ومشكلات النقل، وارتفاع تكلفة المواد، يضاف إليها تبدّل أسعار صرف العملات، الذي قد يؤدي إلى انخفاض كمية بعض المواد في الأسواق، لكن ليس بالقدر الذي يحوّلها إلى مشكلة أو حالة طارئة.

 

وما يشير إليه دخاخني، أيضاً، أنّ مسألة توفير السلع والمواد كانت محور نقاشات وجدال في الفترة الماضية، لكنّ ما علينا أخذه في الاعتبار، أنّ انتقال السوق من مرحلة إلى مرحلة أخرى، ومن نظام إلى آخر، مسألة تتطلّب بعض الوقت، ويجب العمل عليها بالشكل المطلوب، وسبب قولنا ذلك تجربة تحرير الأسعار التي اتّبعت العام 2001، وفي ذلك الوقت كانت العملية مفاجئة للأسواق، وبدأ تسعير المواد والسلع كلّ على هواه، بعد أن كان هناك تسعير إداري لمدة 30 عاماً، وعندما حرّرت الأسعار في ذلك الوقت أدّى ذلك إلى حالة من الاستقرار في الأسواق، وتمّ تسعير السلع والمواد بأسعار غير مناسبة لطبيعة السوق، وأصبح التنافس محصوراً في من يضع السعر الأعلى، ونتيجة لذلك، ولأنّ التوجه العام اليوم هو نحو تطبيق التسعير الإداري، اقترحنا التريّث في تطبيقه، وأن يسبق ذلك توضيح الفكرة لعدّة أطراف هي: المستهلك والبائع والمستورد، والعقوبات التي يمكن أن تترتّب على هذا التعديل، فما يهمّ المستهلك هو أن يجد سلعة متناسبة مع احتياجاته حتى لو تأخر تطبيق التسعير الإداري فترة من الزمن، وليس من السهل الانتقال بالسوق من مرحلة إلى أخرى، خاصة أنّ التسعير سيطبّق على المواد الغذائية بشكل أساسيّ، وسيكون بهوامش ربح محدّدة، والاستمرار في ترك الأسعار محررة ليس أمراً مناسباً للمستهلكين.

 

 

بعضهم له مصلحة في إبقاء الأسواق كما هي
 

في هذا الإطار، يوضح الخبير الاقتصادي، مظهر يوسف، أنّ التجار مازالوا، إلى الآن، قادرين على توفير السلع والمواد في الأسواق، ويبدو أن بعضهم يحتفظ بمخزون من السلع، والدليل على ذلك أنّ بعض السلع تباع بأسعار أعلى بكثير ممّا يظهر على أغلفتها، بينما المشكلة التي تواجه مؤسسات الدولة هي أنّها ليست بمنتجة، وبالتالي عندما تحتاج إلى سلع وخضار وغيرها لعرضها في صالاتها تقوم بتأمينها من خلال الأسواق وبيعها بأسعار أقل.
 

 

وحول تطبيق عدد من السياسات المتعلقة بتحسين واقع الأسعار، يشير يوسف إلى أنّ الكثير من القرارات، التي كان من المفترض تطبيقها، توقفت، أو لم تصل إلى مرحلة التطبيق، فعلى سبيل المثال، عندما تقرّر توسيع سلة الدعم الذي لم يطبق أكثر من أربعة شهور، أصبحت أسعار السلع التي كان سيشملها القرار أقل من أن تكون مدعومة، وبالتالي ألغي القرار لأنّه فقد مضمونه، ومن المتوقع أن يكون التجار وراء تأخير صدور مثل هذه القرارات، والحال كذلك بالنسبة إلى التسعير الإداري.. ويضيف يوسف: أنا، شخصياً، اقترحت، منذ أن بدأ الحديث عن تطبيق التسعير الإداري، ألا يكون شاملاً عدداً كبيراً من السلع، بل أن يتم العمل على تسعير سلعة واحدة تتوافر الظروف المناسبة لتسعيرها بالشكل المطلوب، وهناك كميات كافية منها، ثمّ ننتقل إلى سلعة أخرى وهكذا، لكن المشكلة، كما يبدو، ليست عند أصحاب القرار، بل هناك أطراف أخرى تتحكّم في هذا القرار، ويبقى المتضرّر الوحيد من ذلك هو المستهلك، وحتى بعد انخفاض الدولار، وتحسّن الأوضاع السياسية، وبالتالي اختفاء الذرائع حول رفع الأسعار، لاحظنا مقاومة من بعض الأطراف في اتجاه تخفيض الأسعار، بينما لم تكن هذه المقاومة موجودة أمام ارتفاع الأسعار التي كانت ترتفع بين ساعة وأخرى.

 

ويضيف يوسف إذا استمرّ الحال في تأجيل موضوع التسعير الإداري، أو في الإصرار على تطبيقه بشكل مباشر على عدد كبير من السلع، فإنّ الأمر سيطول، وسنصل إلى مرحلة ينخفض فيها السعر في السوق أقلّ من التسعير الإداري، وهذا ما يسعى إليه بعضهم حسب ما نرى.

Syriadailynews - Baladna


التعليقات