لم يمض الكثير من الوقت على ” الصفعة ” الأولى التي وجهها الرئيس السوري بشار الأسد لعراب الخصخصة في سورية النائب الاقتصادي السابق لرئيس مجلس الوزراء ” عبد الله الدردري”.

 

كان ذلك في حزيران الماضي عندما رفض الأسد عرضاً «سخيّاً» من البنك الدولي لمنح دمشق قرضاً قيمته 21 مليار دولار بهدف “إعادة الإعمار” حمله معه الدردري في أول زيارة له لدمشق بعد مغادرته لها ولمنصبه مع بدايات الأزمة السورية.. يومها رفض الرئيس السوري العرض جملة وتفصيلاً، طاوياً بذلك ملف القروض الدولية المشروطة سياسياً.

 

المراقبون اعتبروا الرسالة سياسية أكثر منها اقتصادية.. و رقص الفرح في عيون شيوعي سورية ” شماتة” حينها.

 

الأسد كان أكثر وضوحاً منذ أيام في حديثة لصحيفة الأخبار اللبنانية -في الشق الاقتصادي منها- بتوصيف مشكلة الاقتصاد السوري بأن” عجلة الإنتاج والتوزيع والتجارة جامدة، وهي وإن بدأت بالدوران في الشهرين الأخيرين إلا أنها لا تزال بطيئة. الحصار والإرهاب أرهقا الاقتصاد السوري، وأضرا بمستوى معيشة المواطنين”.

 

وأما عن “صفعته الثانية ” فقد أقر أن دمشق خطت نحو الخصخصة والتحرير الاقتصادي بخطوات أسرع من اللازم والتي كان يرسم خطوطها العريضة ” الراحل الدردري” حيث أكد أن سورية ” لم تتخلَّ ـــ ولن تتخلى ـــ عن القطاع العام، إلى جانب القطاعين الخاص والمشترك. هذه هي التركيبة التي وضعنا لها عنوان اقتصاد السوق الاجتماعي لم تكن متوازنة دائما، فنحن تسرعنا أكثر مما يجب في سياسات وإجراءات تنحو نحو الخصخصة والقطاع الخاص، ولم نحقق تطوير القطاع العام الذي تراجعت كفاءته، كذلك ركّزنا في الفترة السابقة للازمة على الاستثمارات الكبيرة بينما ما يحتاجه الاقتصاد السوري لزيادة النمو وخلق فرص العمل وتوزيع مكاسب النمو هو التركيز على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. اهتمامنا الأول ـ الآن ـ الحفاظ على القطاع الزراعي وتطويره، ففي النهاية أكثر من 60 في المئة من الشعب فلاحون، وربما أكثر من 80 فلاحون وعمال.” ( الأخبار، الاثنين ١٤ تشرين الأول ٢٠١٣).

 

الكلام يبدو واضحاً لجهة العودة إلى الوراء باتجاه سياسات ” البعث ” الاقتصادية و ربما ” الشيوعية ” الأكثر تطرفاً، فحديث “العمال والفلاحين” عاد إلى الواجهة اليوم بعد أن كانت تحتلها أسماء القائمين على الشركات الخدمية غير المنتجة فعلياً، كالمصارف وشركات التأمين وغيرها.

 

بين السطور أيضاً ” لطشة ” للبعث ومؤتمره العاشر الذي أقر التوجه نحو ” اقتصاد السوق الاجتماعي” و فشل في تطوير القطاع العام الذي علت أصوات معظم اقتصاديي سورية حينها لإنقاذه من الفساد والموت البطيء، إلا أن الصوت لم يكن مسموحاً له أن يعلو كفاية ربما!.

 

يرسم الأسد اذاً ملامح الاقتصاد السوري القادمة التي تركها الدستور الأخير بلا تحديد، دون أن يغلق الباب على القطاع الخاص الذي ربما لن تعود كؤوس أصحابه لترن كثيراً في بارات دمشق بعد توقف الحرب الدائرة.

 

في الحقيقة تبدو العبارات منسجمة بشكل واضح مع توجهات النائب الاقتصادي الحالي ” قدري جميل ” وحديثه الدائم عن الإنتاج الحقيقي لا الاقتصاد الوهمي، ويبدو الخط العام متقاطعاً أيضاً مع المبررات التي قدمها العديد من السياسيين والاقتصاديين للحراك السوري في بداياته لجهة توفر بيئة فقيرة حاضنة له ولدتها السياسات الاقتصادية الماضية.

 

في سياق الحديث عن السياسات “الدردرية “الماضية، يتبادر إلى الذهن مباشرة السؤال عن أسباب السير بها واللجوء إليها طالما أن الرئيس الأسد هو ذاته من كان يعطي الموافقة النهائية عليها باعتباره الأمين العام لحزب البعث الحاكم والمتحكم بكل مفاصل الحياة السورية دون شريك؟

 

من الناحية الاقتصادية كان الأمر مبرراً لجهة ضرورة اندماج سورية مع الاقتصاد العالمي، وانفتاحها تجارياً على دول وقوانين جديدة تخرجها من الزجاجة التي حشرتها بها السياسات المركزية وضعف البيئة التشريعية والاستثمارية ، وأيضا لجهة الصيغة التي طرح الأمر بها حينها تحت مسمى” التشاركية بين القطاعين العام والخاص” لا تهميش القطاع العام كما حصل في الواقع، هذه الصيغة التي دافع عنها الكثيرون والتي ما يزال يرى البعض حتى اليوم أنها كانت تحتاج مزيداً من الوقت لتأتي ثمارها وآثارها الإيجابية على المواطن.

 

وأما عن المبررات الأخرى فهي لا تبدو مقنعة – اقتصادياً على الأقل – حيث أوردت الصحيفة في مادة سابقة لها نقلاً عن الرئيس الأسد قوله أن سورية نحت باتجاه السياسات الاقتصادية الليبرالية نتيجة ” الضغوط الهائلة التي مورست عليها عقب افتعال قضية الحريري ضدَّها “، ما معناه أن الاقتصاد طأطأ ظهره لجبروت السياسة.

 

اليوم يتفق معظم المراقبين من أطراف النزاع السوري أن دمشق أقوى سياسياً وأن أحداً لا يستطيع إرغامها على تقديم تنازلات لا تريدها في السياسة ولا في الاقتصاد، فيما ترجح الاحتمالات أن تدفع سورية فواتير الفيتوهات الروسية والصينية في ملفات إعادة الإعمار و استخراج النفط، لتبقى أجوبة كثيرة لأسئلة كبيرة عن الحقبة ” الدردرية ” معلقة في حناجر قاطني “أطواق الفقر” التي أحاطت بدمشق وحلب، قد تكشفها قادمات الأيام وقد يدفنها إلى غير رجعة ركام الحرب ومآسيها.

Syriadailynews -Syriasteps


التعليقات