تتكلم السلطات الاسرائيلية في الآونة الاخيرة عن قرار تعتزم بموجبه تبوء منصب دولة غير دائمة العضوية في مجلس الأمن بين عامي 2019 و2020.

 

واعتبر السفير الاسرائيلي لدى الأمم المتحدة أنه بالرغم من كون الخطوة قد جاءت متأخرة، الا أن سعي "دولته" حثيث للفوز بهذا المقعد من خلال منافسة ألمانيا وبلجيكا على المقعدين المخصصين لمجموعة بلدان غرب اوروبا.

 

وتأتي هذه الخطوة الرامية الى تعزيز مكانة الكيان المحتل بالأمم المتحدة، في ظل استمرار الدولة الفلسطينية المحتلة بمحاولاتها للحصول على اعتراف أممي بها كدولة، بعد أن استحدثت هذه المنظمة صفة " عضو مراقب " في الجمعية العامة للأمم المتحدة،المنصب الذي لا يعطيها حق التصويت والمشاركة بالقرار الدولي، منصب شرفي لم يأتي الا مقابل تنازل فلسطيني عن جزء من أراضي الدولة...

 

•           مجلس الامن وقرارات السلم الدولي.

يشكل مجلس الأمن الهيئة التنفيذية في منظمة الأمم المتحدة ، ويعهد أعضاء الهيئة العامة للأمم المتحدة بموجب الميثاق التأسيسي الى مجلس الامن "بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي"، وذلك بحسب مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة المرتبطة بشكل مباشر بمفاهيم السلام واستبعاد الحروب ومنع استخدام القوة العسكرية الا في حالتين ينص عليهما الميثاق، تتعلق بحق الدفاع عن النفس واستخدام القوات الدولية بأمر من مجلس الامن بهدف حفظ الأمن والسلم الدوليين بعد استنفاذ الطرق السلمية، في اطار ما نص عليه الفصل السابع.

 

ويتألف هذا المجلس من خمسة عشر عضواً، خمسة منهم دائمي العضوية والعشر الباقين دول غير دائمة العضوية تنتخب لمدة سنتين، وبشكل دوري، من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يتوجب على الدولة، التي يتم اقتراحها من قبل المجموعة الاقليمية التي تنتمي اليها، أن تحصل على أغلبية ثلثي أصوات الدول الأعضاء في الهيئة العامة ال193.

 

•           دولة العسكر تشارك في قرارت مجلس الأمن؟

لم يحدد الفصل الخامس من ميثاق الامم المتحدة المتعلق بمجلس الأمن شروط يجب توافرها في الدولة التي يتم ترشيحها للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، فيبقى الشرط الوحيد بالتالي أن تكون الدولة عضو في الامم المتحدة وبالتالي خاضعة لشروط العضوية في الهيئة.

 

وبعيداً عن الغوص في مدى شرعية عضوية الدولة العبرية في الأمم المتحدة في الاساس، ومدى شرعية استمرار هذه العضوية بعد الكم الهائل من الانتهاكات التي ارتكبها هذا الكيان والحروب التوسعية التي شنهتها، حيث خاضت إسرائيل في سنوات عمرها الستين حروباً أكثر من أي دولة أخرى في العالم، وغيرت حدودها الجغرافية عبر العقود الماضية بوتيرة أسرع من أن تضاهيها فيها أي دولة في العصر الحديث.

 

انطلاقا من هذا الواقع،لا بد من التدقيق في امكانية مشاركة هذه الدولة في قرارات السلم والأمن الدوليين المسؤول عنهما مجلس الامن.

 

في هذا المجال تثار العديد من النقاط التي تتعلق بالميزات الخاصة بالدولة العبرية، انطلاقاً من قوانينها وصولاً الى التنفيذ الواقعي للنصوص.

 

•           النظام السياسي العسكري الاسرائيلي

يقوم النظام السياسي في "الدولة الاسرائيلية" على أكتاف رئيس الحكومة الذي يمتلك الحق باقالة الوزراء، كما وتؤدي استقالته الى حل الحكومة، كما ويتمتع رئيس الحكومة بصلاحيات أخرى واسعة، بعضها مرتبط بشكل مباشر بما يسمى "الأمن القومي الاسرائيلي" باعتباره المسؤول المباشر عن اهم جهازي استخبارات في الكيان الصهيوني (الموساد) و(الشاباك)، كما أنه المسؤول المباشر عن كل من ملف السلاح النووي والكيميائي والبيولوجي التابع "لاسرائيل".

 

بالمقابل، تربط رئيس الحكومة شبكة علاقات رسمية وغير رسمية واسعة بالأجهزة العسكرية، تؤثر مباشرةً في قراراته. يشكل السكرتير العسكري لرئيس الحكومة الرابط المباشر بينه وبين الأجهزة الأمنية. لا تقف العلاقة بين الأجهزة العسكرية والحكومة عند هذا الحد، فان قمة السيطرة العسكرية على القرار السياسي تتبلور في المشاركة والحضور الدائم لرئيس الاركان الاسرائيلي اجتماعات الحكومة ومناقشاتها والتصويت فيها، سواء أكان الاجتماع يعالج مسألة امن قومي اسرائيلي أم أي شأن اخر، أما في الاجتماعات المتعلقة بالشؤون القومية، فيحضر الى جانبه مجموعة من الجنرالات في الجيش، حيث يقدموا للحكومة المعلومات والقرارات العسكرية بلهجة حاسمة لا تحتمل الشك، مقابل غياب أي مصدر اخر للمعلومات أمام الحكومة، ما يجعل التوجه الحكومي مقود بالتوجه العسكري.

 

ولا مجال لأي خلاف في الرأي بين رئيس الأركان والجنرالات المشاركة في الاجتماع ذلك أن القانون يبيح لرئيس الأركان أن يأمر هؤولاء بعدم معارضته القرار أمام الحكومة، ويلزمهم بالخضوع لهذا الأمر.

 

رئيس الاركان وهو المسؤول المباشر عن القوات المسلحة في ظل غياب منصب " قائد أعلى للقوات المسلحة" عن النظام العسكري الاسرائيلي، وبينما ينص القانون على خضوعه لوزير الدفاع الا أنه وفي ظل غياب أي تحديد لصلاحياته ومسؤولياته، ما يعزز قوة رئيس الأركان ويفسح في المجال أمامه لتفسير معنى خضوعه لوزير الدفاع وللحكومة، ويجعل العلاقة بين المؤسسة العسكرية الاسرائيلية والمؤسسة السياسية علاقة خضوع من الثانية لمصلحة الأولى، وليس علاقة توازن.

 

•           اسرائيل كيان " الأمن القومي ":

منذ نشأتها، يتعامل الكيان الاسرائيلي مع وجوده انطلاقاً من حالة الحرب المستمرة التي يعيشها والتي يجدد شنها باستمرار تحت عنوان" الضربات الاستباقية" للحفاظ على أمنه القومي من الدول المجاورة له، في هذا السبيل يؤمن هذا الكيان بضرورة التمركز في صدارة الامكانات العسكرية بالنسبة للدول المجاورة له.

 

ان هذا التوجه الايديولوجي الاسرائيلي المتعلق بالامن القومي اتخذ العديد من الاشكال والممارسات على أرض. فنموذج "الشعب المسلح" التي ينفرد فيها الكيان الاسرائيلي، من أهم اشكال تعميم الحالة العسكرية وسيطرتها.

 

وفقاً لهذا النموذج، تعتبر الدولة نفسها في حالة حرب دائمة، ما يستدعي الاستعداد لها بشكل مستمر ،من خلال ايجاد الطريقة المثلة لتجنيد أفراد الشعب، ويعبر عن هذه الحالة قانون الخدمة العسرية في الكيان الصهيوني، حيث يخدم الفرد الذي يبلغ الثامنة عشر من عمره لمدة سنتين ونصف في الجيش، ثم يخدم لمدة شهر من كل سنة حتى يبلغ ال45 من عمره، ما يشكل أطول مدى خدمة عسكرية على صعيد جميع الجيوش. يشكل هذا النموذج صورة مزدوجة تعكس عسكرة المجتمع من جهة، وتمدين العسكر من جهة أخرى ما يلغي الحدود كلياً بين الجيش والمجتمع المدني.

 

أما النوذج الاخر، والذي لا يعدو كونه تطور للأول، فهو "الشبكة الامنية" التي تناولها الباحثان أورن براك وغابي شيفر، الذين نفيا وجود مؤسستين منفصلتين في الكيان الصهيوني، احداهما مدنية والثانية عسكرية أو أمنية، حيث اعتبروا أن كل الشؤون الاسرائيلية تخضع لشبكة أمنية واحدة تأثر في جميع القرارات سواء الاقتصادية أو السياسية أو المجتمعية منها.

 

يثبت جميع ما تقدم كون اسرائيل "دولة" عسكرية تهدف للدفاع عن أمنها القومي في جميع توجهاتها، انطلاقاً من افتراضها لحالة من الحرب المستمرة التي تواجهها وتشكل خطر على وجودها.

 

تجتمع هذه العوامل، وما هي الا عينة قليلة من ممارسات الهيمنة العسكرية ذات الطابع الهجومي والتوسعي الاسرائيلي، لتشكل عناصر واضحة للتضاد بين المفاهيم الاسرائيلية المرتبطة بالحرب وبين أهداف مجلس الأمن لحفظ الامن والسلم الدوليين، فكيف لدولة مثل الدولة الاسرائيلية أن تشارك في صنع هذا القرار؟ وهل لعنصر صراع تاريخي في منطقة اقليمية واسعة كالكيان الصهيوني أن يرفع يده مصوتاً على هذه القرارات.

 

•           حظوظ اسرائيل بالفوز في هذا المنصب

اعتبر الديبلوماسيون في الامم المتحدة أنه من الصعب على الدولة اليهودية الفوز بمقعد غير دائم في مجلس الأمن، الا ان هذا الحديث يبقى في خانة التوقعات ولا يأتي جازماً في هذا المجال.

 

وفيما لم تشكل هذه المرة المرة الاولى التي تعلن فيها الدولة العبرية عن عزمها الترشح لعضوية مجلس الأمن، الا أن قرارها الأخير جاء كردة فعل على القرار الالماني بالترشح لهذا المنصب، بعد ما تعهدت بعكس ذلك فيما قبل... بالتالي فان هذا الأمر يلقي الضوء على موقف حرج لاسرائيل في مجموعتها" غير الاقليمية" التي تنتمي اليها، في حين أنها بحاجة لرضى دول غرب أوروبا لتحقيق منالها، هذا الرضى الذي يرتبط مباشرة بالمصلحة التي يمكن أن تحققها من ترشيح "الدولة العبرية" التي تنتمي بموقعها الى الاقليم الشرق أوسطي، بالتالي عن المصالح الأوروبية في الشرق الأوسط، ومدى تأثير الاشراك الاسرائيلي في قرارات مجلس الامن انطلاقاً من هذا الموقع، على المصالح الأوروبية خلال السنوات القادمة.

 

أما على صعيد التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فالتوسع السياسي الاسرائيلي في أبهى حالاته خلال الفترة القادمة، فيما يتعلق بشبكة العلاقات التي تمدها وتستحدثها، انطلاقاً من القارة الافريقية، صاحبة العديد الأكبر في الأمم المتحدة، وصولاً الى محاولة في تحسين علاقاتها مع الجمهورية الشعبية الصينية، في ظل المحافظة على العلاقة الودية مع الولايات المتحدة الأميريكية، عملاقي الصراع الدولي الحالي.

 

•           تأثير الوجود الاسرائيلي المحتمل في مجلس الأمن عاى الهيبة الأممية

ليس من الخفي أن مجلس الأمن في جميع الاحوال يخضع لمعايير السياسة الدولية، وقرارات الدول العظمة، وأن الدول ذوي العضوية غير الدائمة ليسو بصانعين لقرارات السلم والحرب، وما بيده حيلة لاخضاع السلم والأمن الدوليين، في ظل وجود ما يسمى بحق النقض الممنوح للدول دائمة العضوية.

 

وليس من الخفي أن الدول دائمة العضوية هي تلك التي تتمتع بالقوة العسكرية التي سمحت لها بحسم معركة الحرب العالمية الثانية وانشاء عصبة أممية تحمي موقعها الدولي وتمنع تكرار مثل هذه الحرب، التي أهدرت الاف الأرواح وأخرت التطور الانساني سينين كثيرة في جميع المجالات.

 

الا أنه بالرغم من ذلك، فانه لا مجال للتشكيك بأن هيئة الأمم المتحدة وليدة ميثاق واتفاق أممي ساع للسلام بنشأته، ما يجعل دخول كيان قائم على مبادئ الحرب والعدوان، يمتلئ تاريخه بالخروقات، الى حيز المشاركة بقرارات السلام العالمي، وهو الذي يبحث في هذه الأثناء قرار انسحابه من معاهدة سلام (داخلي)، يضع الأمم المتحدة امام مفترق طرق، ما بين البقاء أو الانهيار أمام الواقع الدولي الذي وصل الى حافة حرب عالمية ثالثة، فتيل اشعالها دول الحدود "الاسرائيلي" .

Syriadailynews - الديار


التعليقات