يبدو أن للأزمة والأحداث الجارية في البلاد منذ أكثر من عامين وجملة العقوبات الاقتصادية والمالية الجائرة التي فرضتها دول عربية وغربية على سورية أثراً بالغاً في قطاع السيارات وتعرض هذا القطاع لخسائر مادية ومالية كبيرة وخاصة في مجال تجارة السيارات الجديدة التي زاد من حدتها توقف الكثير من المصارف العامة والخاصة عن تمويل السيارات والارتفاعات في سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية وهو ما أسهم في دخول هذا القطاع في مرحلة من الركود في بداية الأزمة ووصوله إلى حالة شبه الشلل والتوقف حالياً وكل هذا دفع باتجاه عودة النشاط لتجارة السيارات المستعملة وزيادة الطلب عليها وارتفاع أسعارها خلال الأشهر الأخيرة وعودة جديدة لتشكيل مكاتبها وأسواقها التي خسرتها في الحجر الأسود وحرستا.

 

وبحسب صحيفة "تشرين" لدى الاستطلاع على مكاتب بيع السيارات المستعملة في دمشق وريفها والتي بات معظمها يتوزع ضمن مدينة دمشق في منطقة المزرعة والزاهرة الجديدة والمنطقة الصناعية وخلف مشفى المجتهد وبعض المناطق الآمنة في ريف دمشق مثل الكسوة وجرمانا وصحنايا، تبين أن هناك حالة ارتفاع كبيرة تشهدها أسعار السيارات تصل في بعضها إلى 150% وخاصة لدى السيارات الكورية التي تعد الأكثر مبيعاً في الأسواق السورية نظراً لتوسط سعرها واقتصادها في صرف المحروقات، وعلى سبيل المثال نجد أن السيارة المستعملة من نوع كيا ريو وصل سعرها إلى حدود 1.3 مليون ليرة بينما كان يتراوح سابقاً بين 650-750 ألف ليرة بينما وصل سعر السيارة المستعملة من نوع كيا فورتي إلى 1.6 مليون ليرة بعد أن كان يتراوح سعرها بين900 ألف و المليون ليرة وكذلك سيارات الهونداي مثل سيارة فيرنا أصبح سعرها بين 800-900 ألف بعد أن كانت من 500-600 ألف ليرة وكذلك الأفانتي التي وصل سعرها الآن إلى حوالي 1.5-1.6 مليون ليرة بعد أن كانت من 800-900ألف ليرة  

 

بينما يشير معظم الأرقام التي حصلنا عليها من أصحاب المكاتب إلى أن أقل نسبة في زيادة الأسعار كانت للسيارات المستعملة قديمة الصنع حيث بلغت نسبة الزيادة حوالي 50% ومنها على سبيل المثال سيارة النيسان موديل 1983 أصبح سعرها حوالي 450 ألفاً بعد أن كان بحدود 300 ألف وكذلك سيارة المازدا من موديل 929 أصبح سعرها ما بين 450-500 ألف بعد أن كان بحدود 350 ألف ليرة.

 

ويعزو بعض أصحاب مكاتب بيع السيارات الارتفاع الكبير الحاصل على أسعار السيارات المستعملة إلى التراجع الحاد في عدد السيارات الجديدة بسبب توقف عمليات استيراد السيارات من الخارج  وتعرض أغلب صالات بيع السيارات الجديدة إلى التخريب والسرقة ولا سيما أن أغلبها كان يوجد في المناطق الساخنة مثل الحجر الأسود وحرستا.

 

إضافة لتوقف معظم البنوك عن منح قروض السيارات بحجة أنها لا تضمن تحصيل أموالها من المقترضين في حال تفاقمت الأوضاع الحالية كما أن لقرار زيادة الرسوم الجمركية على السيارات ذات المحركات الكبيرة الأثر الكبير في ارتفاع أسعارها وكانت حجة الحكومة آنذاك في اتخاذ هذا القرار ترشيد استهلاك الوقود من قبل هذه الفئة من السيارات.

 

وتعليق استيراد بعض المواد التي يزيد رسمها الجمركي على 5% ومن بينها السيارات السياحية.

 

بينما يرى عدد آخر من أصحاب المكاتب أن الأمر يتعلق بارتفاع أسعار صرف الدولار أمام الليرة السورية وبالتالي فإن ارتفاع الأسعار طبيعي ومنطقي، وذهب البعض إلى عدّ عمليات تهريب السيارات التي أصبح يشاع عنها الحديث مؤخراً إلى الدول المجاورة سبباً في نقص أعداد السيارات وبالتالي زيادة الأسعار.

 

الدكتور ياسر المشعل في كلية الاقتصاد جامعة دمشق عد أن استقرار أسعار صرف الدولار أمام الليرة ونجاح الحكومة في شبه تثبيته عند مستوى معين خلال الأشهر الماضية ساهم بشكل فعال في تحريك الحياة الاقتصادية بشكل عام ومنها قطاع السيارات الذي تضرر كثيراً خلال المرحلة الماضية فالكثير من مدخري الدولار لم يعودوا يلقون جدوى كبيرة في العوائد التي كانوا يجنونها بسبب ارتفاع أسعار صرف الدولار وبالتالي أصبح شراء السيارة أمراً معقولاً على اعتبارها تحافظ على رأس المال وربما تزداد قيمتها إضافة إلى أن السيارة لم تعد سلعة ترفيهية بل حاجة ضرورية خلال الظروف الحالية.

 

ويرى المشعل أن ثمن السيارة الذي بات يتراوح بين 500 ألف و2 مليون يناسب شريحة واسعة من الطبقة الوسطى الذين يرغبون في الادخار خاصة أن أسعار العقارات والتي عادة ما يفضلها السوريون لدى رغبتهم في الاستثمار والادخار شهدت ارتفاعات كبيرة في الفترة الأخيرة وخاصة في المناطق الآمنة، كما يرى أن انخفاض العرض مقابل الطلب بسبب التوقف عن استيراد السيارات الجديدة شكل حافزاً موضوعياً لارتفاع الأسعار.

 

كما يرى أنه لابد من عدم إنكار الدور البارز الذي لعبته حالة الاستقرار النسبي في الآونة الأخيرة وتراجع حدة الأزمة وحالة الخوف والقلق التي سادت مع بداية الأزمة وقدرة الناس على التكيف والتعايش مع الظروف الحالية.

 

وفي محاولة لمعرفة عدد السيارات والمركبات المفقودة والمتضررة بسبب الأحداث الجارية لم نستطع الحصول على أي أرقام أو إحصاءات من وزارة النقل، واكتفى مصدر في الوزارة بالقول: يجري العمل على وضع إطار بشأن منح بعض التعويضات التي ربما تكون على شكل إعفاءات من الرسوم الجمركية لأصحاب المركبات المتضررة وفق ضوابط وشروط محددة.

 

معظم الذين التقيناهم في محال بيع السيارات ويرغبون في شراء سيارة مستعملة يتخوفون من حالات الغبن التي قد يتعرضون لها أثناء شراء السيارة وخاصة منهم الذين لا يملكون خبرة كافية لفحص السيارة، وعدم وجود عقد بيع واضح وكاف يضمن حقوق المشتري ولاسيما أن معظم تجار السيارات لا يلتزمون بالسيارة بعد بيعها، في حال تبين أن هناك خللاً في شروط البيع أو اكتشاف أعطال أو غش في عملية البيع، وهنا يلجأ معظم هؤلاء الزبائن إلى الاستعانة بشخص لديه خبرة في مجال السيارت (ميكانيكي -حداد - دوزنجي) وربما يضطر البعض للاستعانة بكل هؤلاء ليكون مطمئناً أكثر أثناء عملية الشراء لقاء أجر يتفق عليه بين المشتري والخبير. لكن الطامة الكبرى تكون عندما لا يفلح بعد كل هذا الحرص من خلال شطارة البائع في إغراء الخبير بمبلغ مالي لينقلب دوره إلى تطبيق الزبون وإقناعه بالسيارة. وهذا ما رواه لنا صالح أحمد حيث كان قد استعان بشخص لديه خبرة في مجال السيارات لكنه قبض المعلوم وباع أمانته فتعرض لعملية غش كبيرة حيث تبين له لاحقاً أن السيارة فيها الكثير من الأعطال والمشاكل المخفية أهمها أن السيارة مقصوصة (تعرضت لحادث وتطلبت صيانتها القص وإعادة التلحيم والمعجنة والطلاء من جديد ). ‏

 

ولدى سؤالنا صاحب أحد محلات تصليح السيارات عن حقيقة هذا الأمر أكد أنه صحيح وأن هناك البعض ممن يبيعون ضميرهم مقابل إكرامية (رشوة) يتقاضاها من صاحب المحل ،  وعادة لا يكتشف المشتري الغش الذي تعرض له إلا بعد مضي وقت على شرائه السيارة واستخدامه لها وأنه أصبح من الصعب إعادتها أو مراجعة البائع بذلك ولا يبقى أمامه إلا اللجوء للقضاء وهو الأمر الذي لا يفضله الكثيرون بسبب المصاريف وطول مدة التقاضي والخوف من عدم القدرة على إثبات حقه.‏

 

بالمقابل عد أبو زهير صاحب محل لبيع السيارات في منطقة الزبلطاني سابقاً أن هناك مبالغة في ذلك لأنه عند بيع أي سيارة يتم توضيح الحالة الفنية والقانونية لها ويتم توثيق ذلك ضمن عقد البيع وأما مسألة تحديد السعر فقال إن طبيعة العرض والطلب وحركة السوق هي ما يحدد سعر السيارة بعيداً عن رغبة البائع الذي يطمح لتحقيق أعلى قيمة ورغبة المشتري الذي عادة ما يحاول الشراء بأقل ثمن، وذلك حسب نوع السيارة وسنة الصنع والحالة العامة للسيارة. ‏

 

ومن جانبه أفاد مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق جمال شعيب إن أسواق السيارات المستعملة هي خارج نطاق عمل المديرية بسبب غياب تسعيرة محددة لهذه السلعة أو مواصفات واضحة، إضافة إلى أن عمليات البيع والشراء في هذه الأسواق يحكمها العرض والطلب و رغبة الزبون في الشراء، مبيناً عدم ورود شكاوى تتعلق بذلك لمديرية حماية المستهلك وأن عمل المديرية ينحصر ضمن إطار بيع وشراء السيارات الجديدة  وترى حماية المستهلك أن الضامن الوحيد في مثل هذه الحالات هو عقد البيع الذي لابد من تطويره وتعديله بحيث يتضمن حقلاً خاصاً يوضح ويوثق حالة السيارة بمختلف جوانبها وبشكل مفصل.

 

وفي النهاية إذا كان لابد من التسليم بأن للأزمة الحالية التي تمر بها البلاد الدور الواضح والأبرز في  تراجع قطاع السيارات وتضرره فإننا نرى أنه لا يجب التسليم بهذا الواقع والعمل على اتخاذ كل الإجراءات والتدابير والآليات التي تمكن من إدارة الأزمة الحالية في هذا القطاع وحمايته والمرور به بأقل الخسائر الممكنة. ومن المعروف أن السوق السورية متعطشة للسيارات السياحية، فحسب العديد من الأرقام والإحصاءات لكل 1000 مواطن في سورية 28 سيارة سياحية فقط، وهو أقل بكثير مما هو عليه الحال في الدول المجاورة ولا سيما في لبنان.

التعليقات