عاد السيد رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا الى تشديد لهجته في انتقاد المحتجين المطالبين برحيله عندما اتهمهم بانهم ‘رعاع′ و’متطرفون’ مع دخول المظاهرات يومها الثاني عشر، ولكن هذا الاتجاه التصعيدي قد يؤدي الى صب الزيت على نار الازمة.
لا شك ان استمرار الاحتجاجات يلحق اضرارا كبيرا بالاقتصاد التركي والشق المتعلق منه بالسياحة، فالانطباع السائد في اوروبا ان تركيا لم تعد آمنة ومستقرة، وهو انطباع خاطئ لان معظم المناطق السياحية بعيدة عن اماكن الاحتجاجات.
السيد اردوغان الذي قدم لتركيا الشيء الكثير على مدى السنوات العشر الماضية فوجئ فيما يبدو بحدة المظاهرات، والشعارات التي تتردد فيها وتطالب برحيله، ولذلك لجأ الى الخطابات التهديدية العنيفة مثل القول بان ‘من لا يحترمون الحزب الحاكم سيدفعون الثمن غاليا’، و’ان لصبره حدودا’، مما يعكس نفاد صبره فعلا وتفكيره باللجوء الى استخدام القوة لتفريق هذه الاحتجاجات، وانزال انصاره الى الشوارع في مظاهرات مضادة.
حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه السيد اردوغان هو الاكثر شعبية في تركيا وحصل في الانتخابات البرلمانية الاخيرة على نصف اصوات الناخبين، وافادت استطلاعات الراي المستقلة انه لو جرت انتخابات الآن سيحصل على 62% مما يعني انه سيفوز بولاية رابعة اذا ما تم الاحتكام الى صناديق الاقتراع.
من الواضح ان المعارضة تريد جر السيد اردوغان وحزبه الى حرب شوارع من خلال شعاراتها الاستفزازية، ودفعه دفعا الى اللجوء للحلول الامنية، والاستخدام المفرط للقوة لقمع الاحتجاجات، وهناك مؤشرات انه على وشك الوقوع في هذه المصيدة التي قد يكون اعدادها له جرى باحكام.
ليس لدى المعارضة التركية ما تخسره من جراء استمرارها في الاحتجاجات فهي عجزت عن اطاحة حكم اردوغان عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات الثلاث الاخيرة، ولكن هناك الكثير الذي يمكن ان يخسره السيد اردوغان الذي حقق معجزة اقتصادية لبلاده جعلتها تحتل المرتبة السابعة عشرة كأقوى اقتصاد في العالم، فالبورصة التركية في هبوط، واسهمها خسرت يوم امس فقط ما يقرب من الثلاثة في المئة من قيمتها.
صبر السيد اردوغان يجب ان لا ينفد، بل ان يكون اكثر طولا، وصدره اكثر اتساعا، فالديمقراطية تعني حرية التعبير بما في ذلك الحق في التظاهر، طالما كان هذا التظاهر سلميا ولا يتحول الى تخريب للمؤسسات العامة والمصالح الشخصية.
تجارب الدول المجاورة، وخاصة سورية ومن قبلها مصر وتونس، اثبتت ان الاستخدام المفرط للقوة لقمع المظاهرات ادى الى زيادة اشتعالها، ولذلك لا بد من الاستفادة من هذه التجارب واستخلاص العبر منها.
مشكلة اردوغان الرئيسية في نظرنا هي اطمئنانه المطلق الى ضخامة شعبيته المستندة الى انجازات اقتصادية ضخمة لا يمكن تجاهلها، واعتقاده ان هذه الشعبية تشكل حصانة له من خطر اي معارضة، مما دفعه الى عدم قراءة حركة الشارع التركي قراءة صحيحة تؤهله للتعاطي بشكل مختلف مع المعارضة او معظم احزابها، من حيث اقامة جسور اكبر من الحوار بدلا من خيار المواجهة خاصة من وسائل الاعلام.
تركيا اردوغان قدمت للشعوب العربية مثالا مشرفا حول تعايش الاسلام المعتدل مع الديمقراطية، وآخر حول كيفية تحقيق انجازات اقتصادية ضخمة تجعل متوسط دخل المواطن التركي يرتفع من ثلاثة آلاف دولار في السنة الى اربعة اضعاف هذا الرقم في اقل من عشر سنوات.
هذه الانجازات معرضة للخطر اذا لم يتم التعاطي مع مشكلة المحتجين بالحوار والحكمة والابتعاد كليا عن الحلول الامنية، وهي الحلول التي جرى استخدامها في بداية الازمة وادت الى مقتل ثلاثة اشخاص واصابة ثمانية آلاف شخص في مختلف انحاء تركيا.
السيد اردوغان الذي افرط في تقديم النصائح للرئيس بشار الاسد في بداية الازمة السورية، عليه ان لا يكرر خطأ الاخير، وان يستمع الى المحتجين ويتحاور معهم، ويتفهم بعض او كل مطالبهم، للوصول الى حلول وسط لان البديل مرعب بكل المقاييس.

التعليقات