أوضحت "وزارة الصناعة" في تقريرها حول واقع القطاع العام الصناعي المتضمن رؤية الوزارة لتطوير هذا القطاع ووافقت الحكومة عليه، أن هناك العديد من المشكلات والعقبات التي تواجه هذا القطاع، منها افتقار المسؤولين عن القطاع العام للخبرة والكفاءة الإدارية والاقتصادية الكافية والتي تسبب عقبة رئيسة في وجه تقدم القطاع العام من جهة والفساد الإداري في معظم إدارات هذا القطاع من جهة ثانية، وتشكل هذه العقبة حوالي70% من إجمالي الصعوبات والتحديات التي يعاني منها القطاع العام الأمر الذي أدى إلى ظهور أمراض مستفحلة نتيجة اتخاذ القرارات والقوانين المتعارضة والمتضاربة، وغياب مبدأ العقاب والثواب. بالإضافة إلى التخلف التكنولوجي وعدم القدرة على المنافسة تتمثل في قدم الآلات المستخدمة في العملية الإنتاجية والتي يعود عمر معظمها إلى أكثر من ثلاثين عاماً، ما يخلق ارتفاع كلف الإنتاج وغياب معايير الجودة وصولاً إلى تراكم المخازين وتراجع العوائد والأداء. ولفت التقرير وفق صحيفة "الوطن" المحلية، إلى ضعف الكوادر البشرية المؤهلة، حسب متطلبات سوق العمل والقادرة على إدارة القطاع فنياً واقتصادياً، يبلغ عدد العاملين في "وزارة الصناعة" نحو67 ألف عامل من مستوى تعليمي متفاوت "نحو65% من العاملين من مستوى الإعدادية ومادون منها نسبة 10% عمالة فائضة، و27% تعليم متوسط ومهني و8% فقط من خريجي الجامعات"، فالتناقض في هذا القطاع يجمع بين وجود عمالة فائضة في شرائح العمل ذات الفئات الدنيا، ويحتاج لعمالة مؤهلة من الفئات العليا، كما أن القوانين لا تسمح ولا تعطي المرونة في تعيين الإدارات الكفؤة المؤهلة. كما أن هناك افتقاراً إلى وجود مراكز تدريب متخصصة تحقق عملية تأهيل وتدريب مستمرة، تواكب التقنيات والتكنولوجيات الحديثة، وغياب الاهتمام بموضوع البحث والتطوير والجودة لرفع القدرة التنافسية وتحقيق قيم مضافة، تستطيع شركات القطاع العام من خلالها دخول الأسواق والمنافسة، الأمر الذي يتطلب ضرورة إعادة النظر بآلية انتقاء الإدارات العاملة في هذا القطاع بدءاً من الإدارات التنفيذية في الشركات وانتهاء بإدارة المؤسسات ومجالس إدارتها، حيث تبنى على معايير وأسس علمية واضحة وإعادة تقييم جميع الأصول الثابتة والمتداولة في الشركات الصناعية، للوقوف على الوضع المالي الحقيقي لهذه الشركات واحتساب تكلفة الإنتاج على أساس التكلفة المعيارية للعاملين، وبما يتوافق مع النورم العالمي للنشاط الصناعي مع تحميل أجور العمالة الفائضة على حساب الأرباح والخسائر. كما أنه من الضروري والمفيد وضع إطار عام إستراتيجي عن منهجية عملية الإصلاح، ورؤية توافقية تعتمدها جميع الجهات المعنية بهذا القطاع تعمل بداية على تقييم أداء الشركات الصناعية، حسب أوضاعها الاقتصادية، طبقاً لمعايير تقييم أدائها إضافة إلى رصد الاعتماد اللازم لإعادة تأهيل شركاتها من الموازنة العامة للدولة، وخاصة أن هناك شركات خاسرة، تتصف بالعمل التقليدي وتتكبد بسببها الخزينة العامة للدولة ضياع أموال طائلة من دون عائد اقتصادي، مع التأكيد على توحيد الإطار القانوني الناظم لعمل جميع الشركات الصناعية في البلد، وذلك بهدف توفير بيئة مناسبة للمنافسة بين الشركات المنتجة العامة والخاصة. وأشار التقرير إلى أن مهمة إعادة هيكلة قطاع الصناعة التحويلية/ مهمة ليست سهلة على الإطلاق، فهي تتطلب تغييرات جوهرية في الأطر التشريعية والقانونية والسياسات، والهياكل، والعمليات الناظمة لعمل القطاع العام الصناعي وتطويرها بما ينسجم ويتلاءم مع الظروف الحالية والتي توفر للصناعة المرونة الكافية، والتي تساهم بدورها في رفع القدرة التنافسية لهذا القطاع، وكذلك في طبيعة أفكار الأشخاص ذوي العلاقة بالتغيير، الأمر الذي يولد نزاعات واضحة بين مصالح المجموعات والأفراد، وعادةً ما يثير مشروع الإصلاح مقاومة عنيفة من المجموعات المرتبطة بالقطاع العام والتي تخشى من محاولات إصلاحه وتأثير ذلك على مصالحها الشخصية. إلا أنه وباعتراف الصناعة، تبين أن معظم التجارب الإصلاحية السابقة كانت غير مكتملة النجاح، كما أخفق الكثير منها بصورة دراماتيكية لأسباب عديدة أولها غياب الرؤية الواضحة والمحددة عن مستقبل القطاع الصناعي، ومحاولة طرح الحلول بشكل جزئي مع إسقاط تجارب مماثلة خارجية، من دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الاقتصاد السوري، إضافة إلى ضعف العمل المؤسساتي في الجهات ذات الصلة، وغياب الإجماع والتوافق التام على الحلول المقترحة. وفي السياق ذاته ذكر التقرير أن وجود القطاع العام ضمن أي اقتصاد وطني أمر لا يمكن تجنبه، والاستثمارات الحكومية المباشرة لا يمكن الاستغناء عنها، والدليل على ذلك أنه لا توجد دولة واحدة على وجه الأرض لا يوجد فيها قطاع عام "حكومي" يساهم بإنتاج السلع وتقديم الخدمات، ويساهم في الناتج المحلي الإجمالي. والأهم من ذلك فقد برزت أهمية هذا القطاع في ظل الأزمة الراهنة/ في تأمين الصناعات الإستراتيجية والأساسية التي لعبت دوراً كبيراً في تحقيق التوازن في السوق السوري بين العرض والطلب من جهة وتأمين بدائل المستوردات من جهة ثانية، ولا بد في سبيل إصلاح القطاع العام من البحث عن نظام إداري جديد للقطاع العام يرفع من قدرته الإنتاجية والتنافسية ويرفع من عائديته، ويخلصه من شوائبه، ويحوّله إلى قطاع يساهم في تعظيم الثروة الوطنية بدلاً من وضعه الحالي، وهذا الوضع يفرض شعار التغيير أو الإلغاء. وتطرق التقرير إلى ضرورة بذل كل الجهود الممكنة للمحافظة على البنى التحتية الأساسية لهذا القطاع، من موارد اقتصادية وبشرية وإمكانات متاحة وخاصة جهوزية العملية الإنتاجية واستمراريتها، في القطاعات الإستراتيجية والعمل على تخفيض كلف الإنتاج وبذل كل الجهود الممكنة لتخفيف الهدر. وفيما يخص القطاع الخاص أشار التقرير إلى التوجه نحو دعم القطاع الخاص بشكل مباشر وغير مباشر، والتركيز على قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة كشبكة أمان اجتماعي، وبما يساهم في تخفيض كلف الإنتاج وضمان حسن سير العملية الإنتاجية فيها، إلا أن الوزارة عمدت مؤخراً إلى إعداد لائحة أولويات لمعالجة أوضاع القطاع الخاص الصناعي، منها إعادة رسم الأدوار بين الوزارة والغرف الصناعية، حيث يكون دور الوزارة مساعدة القطاع الخاص في تنفيذ ما هو مطلوب منه ضمن إطار السياسة الصناعية المعتمدة من الوزارة. وضمن هذا السياق فقد تمت مراسلة جميع الوزارات المعنية لمعالجة الصعوبات التي يعاني منها الصناعيون، في ظل الظروف الراهنة من أجل إعادة تطوير هذا القطاع وتنميته، ورفع قدرته التنافسية. وترى الرؤية الجديدة لـ"وزارة الصناعة" النور والتنفيذ الفعلي للإقلاع بالصناعة من جديد، وتحقيق المساهمة الفعالة في زيادة الناتج الإجمالي المحلي والوطني، وزيادة قدرتها التنافسية والبقاء ليس في السوق المحلية، فحسب بل العودة بسرعة لمكانتها الكبيرة في الأسواق الخارجية، وتكثيف الجهود لضمان الحفاظ على البنية التحتية والموارد المادية والبشرية واستمرار العملية الإنتاجية وخاصة في القطاعات الإستراتيجية، بما يحقق استغلال أمثل للموارد المتاحة.

التعليقات