ينطوي الحديثُ عن "ما بعد الحرب" في سورية على مفارقتين: الأولى، هي أنه حديث عمّا بعد اللحظة الراهنة، وفي ما لم يأت بعد، وقبل أن تظهر مؤشرات حاسمة على نهاية قريبة للحرب؛ والثانية، هي أنه "تَطَلُّع" نحو المستقبل، رغم غموض الواقع وفقدان اليقين فيه. إنَّ المهم في الخطاب السياسيّ ومقولاته هو "ما يتبدَّى بالفعل"، أو ما يحاول الفاعل أن يُصَيِّرَه فعلاً أو واقعاً، ومن ثم فإنَّ التحدّي الرئيس الكامن في مفهوم "ما بعد الحرب" هو تحدّي "الخروج من الحرب" و"إعادة إنتاج" أو "إعادة تأهيل" أو "تجديد" مفهوم سورية المجتمع والدولة، والقطع مع رهانات فواعل الخصوم في الحرب منذ آذار/مارس 2011. تحاول الورقةُ البحثَ في المعاني الكامنة في مفهوم أو مقولة أو خطاب "ما بعد الحرب"، والقصدية الكامنة فيه، ومفارقاته، وأنماط تلقيه من قبل الفواعل الرئيسة على جانبي الحرب، وأنماط الاستجابة له، وكيف أصبحت مقولة "ما بعد الحرب" ممكنة في سياق الحدث وتعقيداته ورهاناته.  يحيل تعبير "ما بعد الحرب" إلى "إرادة القوة" وروح المبادرة والإقدام في "حروب المعنى" و"استراتيجيات التأويل" بوصفها نمطاً من الحروب الدائرة اليوم، ذلك أن حديث كل طرف عن القرار 2254 مثلاً يحيل إلى معانٍ مختلفة إلى حدّ التناقض، كما لو أن المتلقي أمام قرارين أو أكثر تحت رقم 2254 وليس قراراً واحداً. وينسحب ذلك على نصوص البيانات الختامية للمؤتمرات ولقاءات القمة واجتماعات مجلس الأمن حول سورية.  إنَّ "ما بعد الحرب" هو تعبير لغوي بلاغيّ، يُظهر أن اللغة أداة في السياسة وفي الحرب أيضاً، وهو تعبير عن تطلع النظام السياسي والدولة إلى مشروع سياسي لديهما حول مستقبل البلاد. وهو تعبير إجرائي، بمعنى: أنه افتتاحي، وأولي، وإطاري، وتأشيري، ومؤقت، وينطلق من أن "ما بعد الحرب" يجب أن يستند إلى فكرة "الممكن". كما أنَّ الحديث عن "ما بعد الحرب" هو فعل سياسي في العمق، يتمثلُ في جانبٍ منه قيمَ المقاومة والتحدي من جهة، والمبادرة والإقدام من جهة ثانية، والتدبير أو الفطنة من جهة ثالثة، هذا يذكر بـ "رَبَّات" نيتشه العليا، منها: "الأوان والفطنة والإقدام"، بمعنى: اغتنام الفرصة السانحة، بكل ما يتطلبه ذلك من نباهة ووعي ومعرفة وهِمَّة وجرأة في مقاربة الواقع، وفي التفكير بمقتضيات النهوض بالبلد والمُضي به إلى المستقبل. أخذت "الشخصية الوطنية السورية" و"فكرة سورية" بعد سنوات من الحرب معنى جديداً، ارتقت عن أن تكون جزءاً من سجالٍ داخليّ أو ثقافيّ أو حزبيّ، وأصبحت بداهة تقريباً، أو يفترض أن تكون كذلك. وقد يكمن المعنى الرئيس لفكرة "ما بعد الحرب" في هذه النقطة ذاتها. وهكذا فإنَّ خطاب "ما بعد الحرب" يمثل استراتيجية تفكير في الواقع من جهة، وتدخُّل عليه من جهة ثانية؛ وهو استراتيجية حرب بالمعنى الرمزيّ والتأويليّ، وحتى بالمعنى المادي أيضاً؛ واستراتيجية لاستعادة "المعنى المسروق" أو "المخطوف" من قبل الخصوم، و"المعنى المهدور" من قبل فواعل النظام السياسي والدولة، واستراتيجية لـ "إعادة بناء" الفكرة والمجال والإمكان والفضاء لمستقبل سورية. تتألف الورقة من مقدمة وتسعة محاور، أولاً- في المقاربة، ويتضمن: المعاني الكامنة، ما أولويات سورية اليوم؟ ميتافيزيقا الحدث!؛ ثانياً- استراتيجيات المعنى؛ ثالثاً- في مفهوم "ما بعد الحرب" ويتضمن: لغويّ، بلاغيّ؛ سياسيّ، إجرائيّ، تداوليّ؛ رابعاً- رَبَّاتُ نيتشه؛ خامساً- إغراق وتعجُّل!؛ سادساً- الدوافع المخيالية؛ سابعاً- تلقي "ما بعد الحرب" ويتضمن: الموالون، الخصوم؛ ثامناً- بين كلاوزفيتز وفوكو؛ تاسعاً- الإشارات والتنبيهات؛ وأخيراً خاتمة.   مقدمة يكون طرحُ السؤال أحياناً بقصد "الهروب" من الموضوع أكثر منه "دخولاً" فيه! على ما يقول جيل دولوز . وعندما لا يكون "الهروب" أو "الخروج" ممكناً، يتم تغيير السؤال أو تغيير المقاربة والرؤية، وقد لا يكون ذلك محض هروب إنما نتيجة تدبير عقليّ وسياسيّ بالفعل. ويمكن النظر إلى أسئلة "ما بعد الحرب" في سورية على هذا النحو.  هنا يبرز السؤال: هل يُعَدُّ الحديث عن "ما بعد الحرب" في سورية تعبيراً عن: "هروب" من استغلاق المشهد الراهن واصطدامه بجدران كثيرة من التفاهمات والتوازنات والإكراهات الداخلية والإقليمية والدولية، وبخاصّة ما كان منها بين الولايات المتحدة وروسيا، وبين تركيا وإيران، وبين الفواعل المذكورة و"إسرائيل"، والكرد وميليشياتهم، والجماعات الجهادية الإرهابية، إلخ، أم يُعَدُّ الحديثُ نفسه تعبيراً عن تأمل استباقي في مرحلة "ما بعد الحرب"، ومحاولة رسم ملامح مشروع مستقبلي لسورية، بكل المعاني والدلالات التي تتناولها هذه الورقة، من باب التأكيد على استمرار النظام السياسي والدولة في مواجهة خصومهما.  إذا كان الخطابُ السياسيُّ في الحدث السوريّ "يسكتُ عن أشياء أكثر مما يُفصح"، فإن المطلوب من المقاربات المعرفية والبحثية اليوم هو أن "تُفصح" عمّا "يسكت عنه" الخطاب في الحديث عن "ما بعد الحرب"، وأن تكشف أو تفكك "ما يفصح عنه" أو "ما يدّعيه" في الحديث نفسه، وهي مهمة بالغة الصعوبة في ظاهرة مُعقّدة مثل الحرب السورية. إنَّ المهم في الخطاب السياسي ومقولاته هو "ما يَتَبَدَّى بالفعل"، أو ما يحاول الفاعل أن يُصَيِّرَه فعلاً أو واقعاً، ومن ثم فإنَّ التحدي الرئيس الكامن وراء مفهوم "ما بعد الحرب" هو تحدي "الخروج من الحرب" و"إعادة إنتاج" أو "إعادة تأهيل" أو "تجديد" مفهوم سورية المجتمع والدولة، والقطع مع رهانات فواعل الخصوم في الحرب منذ آذار/مارس 2011. تتألف الورقة من مقدمة وتسعة محاور، أولاً- في المقاربة، ويتضمن: المعاني الكامنة، ما أولويات سورية اليوم؟ ميتافيزيقا الحدث!؛ ثانياً- استراتيجيات المعنى؛ ثالثاً- في مفهوم "ما بعد الحرب" ويتضمن: لغويّ، بلاغيّ؛ سياسيّ، إجرائيّ، تداوليّ؛ رابعاً- رَبَّاتُ نيتشه؛ خامساً- إغراق وتَعَجُّل!؛ سادساً- الدوافع المخيالية؛ سابعاً- تلقي "ما بعد الحرب" ويتضمن: الموالون، الخصوم؛ ثامناً- بين كلاوزفيتز وفوكو؛ تاسعاً- الإشارات والتنبيهات؛ وأخيراً خاتمة.    أولاً- في المقاربة ينطوي الحديثُ عن "ما بعد الحرب" في سورية على مفارقتين: الأولى، هي أنه حديث عما بعد اللحظة الراهنة، وفي ما لم يأت بعد، وقبل أن تظهر مؤشرات حاسمة على نهاية قريبة للحرب، وهذا على غير العادة، إذ إنَّ المعروف لدى شعوب ودول المنطقة العربية والشرق الأوسط هو أن الاهتمام يأتي متأخراً وغالباً بعد فوات الأوان! والثانية، هي أنه "تطلُّعٌ" نحو المستقبل رغم غموض الواقع وفقدان اليقين فيه، وهذا على غير العادة أيضاً، إذ إنَّ التطلُّع –على ما يبدو– هو نحو الماضي وما قبل أكثر منه نحو المستقبل أو ما بعد!  المعاني الكامنة تحاول الورقةُ البحثَ في المعاني الكامنة في مفهوم أو مقولة أو خطاب "ما بعد الحرب"، والقصدية الكامنة فيه، ومفارقاته، وأنماط تلقيه من قبل الفواعل الرئيسة على جانبي الحرب، وأنماط الاستجابة له، وكيف أصبح "ما بعد الحرب" مقولة ممكنة في سياق الحدث وتعقيداته ورهاناته، وكذلك الأمر مع "إعادة الإعمار"، و"عودة سورية" إلى النظام العالمي أو "عودته" إليها. السؤال هو: كيف يمكن الخروج بتعابير ومقولات مثل "ما بعد الحرب"، فيما لا تزال الحرب ورهاناتها على أشدها؟ هل هذا من باب إعلان النظام السياسيّ والدولة عن "استعادتهما" المبادرة في الحرب الرمزية أيضاً، إلى جانب حرب الميدان، وبخاصّة على صعيد الخطاب والتسميات والرموز والتعابير وحتى التفكير وطرح المشروعات السياسية، ومن باب التأكيد على ما يمكن أن يخلق واقعاً، أو يعزز واقعاً؟  ما أولويات سورية اليوم؟ إنَّ السؤال عن "ما بعد الحرب" لا يعني بأي حال أن الحرب انتهت، كما لا يمكن تأجيل التفكير في مرحلة "ما بعد" إلى حين أن تتوقف الحرب بصورة كلية، لكن ذلك لا يعني أن يتم إطلاق العنان والأذهان للحديث عن "ما بعد الحرب" أكثر من التفكر في ما يتم قوله، وحتى لو كان التفكير أكثر عمقاً واتساعاً مما يتم كشفه والتعبير عنه. وهكذا فإن الأولوية بالنسبة لسورية هي:  - التفكير في مرحلة "ما بعد الحرب"، وإعداد الخطط والبرامج وتدبير السياسات الممكنة حيالها.  - التفكير في "واقع الحرب" اليوم، وتداعياتها، والإكراهات التي تَحُولُ دون إنهائها، وتقصّي الفواعل والعوامل المرجحة لتطورات الأمور اليوم، ولمساراتها المحتملة في ما بعد، وتدبير السياسات الممكنة حيالها أيضاً.    لا شك في أن التفكير في تحديات اللحظة التالية هو أمر لازم، ولو أنه من الصعب القيام به ما لم يكن مستنداً إلى قراءة دقيقة، ومطابقة ما أمكن، للواقع الراهن. أولويتان متلازمتان متداخلتان، مع أسبقية زمنية وموضوعية للأولى.  وهنا يجب الإشارة إلى أن أكثريّة القراءات والتقديرات في بدايات الحرب رَجَّحَت –بما يشبه اليقين– أن الأمور سوف تذهب باتجاهات تبيّن لاحقاً أنها لم تكن حقيقية ، وهنا لا يقع اللوم على قراء الحدث السوريّ وكتّاب السيناريوهات بناء على ميزان الواقع والفواعل، ذلك أن الـ "لا متوقع" كان أكثر حضوراً وتأثيراً ، وقد "كذَّبَ" أكثر نظريات السياسة والعلاقات الدولية . وهذا ما ينبغي التدقيق فيه.  ميتافيزيقا الحدث! ثمة نوع من "ميتافيزيقا السياسة" في الحدث السوريّ عاكست كل أو معظم التقديرات حوله ، وحتى اليوم رغم صعوبة بناء تقديرات متفائلة بناء على مؤشرات الواقع والميدان، إلا أن الأمور تسير بشكل يعاكس كل ذلك، ثمة ما يشير إلى أنَّ "سورية الله حاميها" بالفعل، وإلا من الصعب تفسير ما يجري! دعنا نشير إلى ذلك من باب المفارقة، لا من باب الإيمان. هذا، ومن باب التأكيد، فإنَّ فقدان جزء كبير من الرأسمال البشريّ، والرأسمال الماديّ، والموارد، ووجود تجاذبات لدى الحلفاء والخصوم ، والهدر والفساد، وضعف الأداء، والتردد والإخفاق في السياسات، والأهم هو وجود حالة من "الفصام" أو "الانفصال" من حيث الرؤية والأداء بين المستويين العسكري والسياسي في سورية، كلّ ذلك يُشعر المتابع بأنَّ ديناميات الحرب والعسكَرَة والمواجهة تحكمها مدارك وأولويات واعتبارات مختلفة قليلاً أو كثيراً عن ديناميات السياسات العامة (الإدارة الحكومية وبيروقراطية الدولة)! وهذا ما يتطلب المزيد من التدقيق والتقصي.   ثانياً- استراتيجيات المعنى وقع النظامُ السياسي والدولة في سورية تحت تأثير هجوم رمزي فائق القوة والكثافة، قبل أن يكون الهجوم ماديّاً أو عسكريّاً مباشراً، معركة رمزية افتراضية غير متكافئة! لكن الأمور تغيرت، ولم يعد أحد يتحدث عن معركة بين دولة وشعب، أو بين نظام حكم وثوار. ثمة تغير أيضاً في لغة الخطاب وتعابيره وفي مبررات وذرائع التدخل في الحرب السورية، وأصبحت الرهانات الإقليمية والدولية أكثر صراحة وأكثر حضوراً . يحيل تعبير "ما بعد الحرب" إلى "إرادة القوة" بتعبير كل من نيتشه وفوكو ، وروح المبادرة والإقدام في "حروب المعنى" والرموز والتسميات في الحدث السوري، وفي الوقت الذي يركز فيه خصوم سورية على "الانتقال السياسي" و"اللجنة الدستورية"، فإن بعض فواعل الفكر والسياسة في سورية نفسها تركز على إعداد خطط ومشروعات ومقولات وعناوين لمرحلة "ما بعد الحرب"، بصرف النظر عن مدى صحة أو دقّة منظور ورؤى تلك الخطط، وما إذا كانت تنطلق بالفعل من اعتبارات احترافية ومحض وطنية وتتطلع إلى المستقبل، وما إذا كان بعض فواعل إعداد تلك الخطط على مستوى التحدي.  وتدخل في هذا الباب "استراتيجيات التأويل" بوصفها نمطاً من الحروب الدائرة اليوم، يمكن الحديث هنا عن "حروب التأويل" في المفردات والعناوين والنصوص التي يتم التوافق حولها، ذلك أنَّ حديثَ كلِّ طرفٍ عن القرار 2254 مثلاً يحيلك إلى معانٍ مختلفة إلى حد التناقض، كما لو أن المتلقي أمام قرارين أو أكثر تحت رقم 2254 وليس قراراً واحداً.  وينسحب ذلك على نصوص البيانات الختامية لمؤتمرات أستانة وسوتشي وجنيف، ولقاءات القمة، واجتماعات مجلس الأمن، وإحاطات المبعوث الأممي إلى سورية، والوثائق التي يتم تبادلها، وأكثر ما يتجلى ذلك اليوم في السجال حول موضوع "اللجنة الدستورية".  هناك منطقان مختلفان يركز كل منهما على استراتيجيات مختلفة للمعنى والتأويل، يعتقد كل منهما أنها استمرار للحرب، ولكن بوسائل أخرى؛ ومن ثم فهي تمثل سبيلاً مناسباً لتحقيق مكاسب في معركة القوة الرمزية والمادية والعسكرية. وهكذا، فقد تراجع إيقاع المواجهات العسكرية في الحرب، إلا أن فواعلها لا تزال متحفزة، كما أن رهانات ما حاولته تزداد حدَّة وخطورة، هنا تبدو السياسة استمراراً للحرب، على ما يقول ميشيل فوكو ، بما في ذلك سياسات الخطاب والتسميات والمفاهيم المطروحة للتداول في فضاء الحدث السوريّ، ذلك أن الكلمات والتعابير –وهذا ما تتكرر الإشارة إليه– هي أدوات حرب أيضاً.    ثالثاً- في مفهوم "ما بعد الحرب" تكررت الإشارة إلى سيولة كبيرة في استخدام تعبير "ما بعد الحرب"، غير أنَّ ذلك لا يعني أنَّ الخطاب السياسيّ يحيل تلقائياً إلى معان ودلالات متفق عليها أو مستقرة بهذا الخصوص، ثمة ما يمكن وصفه بأنه "إحالات شذرية"، ليس بمعنى التقطّع والانفصال والتبعثر فحسب، وإنما بمعنى انقطاع وتشتت واختلال المعنى أيضاً، ومن المهم الإشارة هنا إلى "ما بعد الحرب" لم يتم تبنيه بصورة رسمية أو مفاهيمية مباشرة من قبل النظام السياسي والدولة في سورية، إنما يرد في وثائق رسمية وشبه رسمية، كما يتكرر في الخطاب السياسيّ والإعلاميّ والثقافيّ والاقتصاديّ، إذا أمكن إطلاق صفة "خطاب" على ما نشير إليه. "استهلكت" الحرب السورية الكثير من التسميات والرموز والمعاني والمفاهيم، مثل "ثورة" و"حراك مدني" و"العدالة" و"الحرية" و"الجماعات الجهادية" و"خطاب الطائفية" وغيرها، كما مثلت حيزاً لاختبار مفاهيم أخرى في مجال العلوم الاجتماعية والسياسات والشؤون العسكرية والتفاعلات الاجتماعية وسوسيولوجيا التغيير الاجتماعي (الثورات والاحتجاجات، إلخ)، و"العلمانية"، و"دور الدين في السياسة"، و"اليسار"، و"اليمين" و"الليبرالية"، إلخ.  ولا بدَّ من توضيح أنَّ المقصود بـ "استهلاك" هو "الإفراط" و"إهدار المعنى" في استخدام تلك التسميات والرموز بصرف النظر عما إذا كان السياقُ مناسباً أم لا، وبكل الفوضى الدلالية، والريعية الملازمة، بل الراعية؛ بل المولدة لكثير منها. ومن المحتمل أن يواجه مفهوم "ما بعد الحرب" مصيراً قاسياً أيضاً، ولو بعد حين، لجهة الإفراط في الاستعمال والفوضى الدلالية والمعرفية، والإخفاق في تدبير خطوط ومسارات مناسبة له، لكن سيرة الحدث السوري لا تساعد على توقع ما يمكن أن تؤول إليه الأمور. ومع ذلك فإن عمارة المفهوم ممكنة، مع التخفيف ما أمكن من المخاوف حول خطاب "ما بعد الحرب"، إذ يمكن أن تكون عمارة المفاهيم مؤقتة أو إجرائية، وليس ثمة في العلوم الاجتماعية مفاهيم تامة ونهائية، كل المفاهيم إجرائية ابتداء وربما انتهاء، وهذا يخفف من الهواجس الملازمة لمحاولة هذه الورقة رسم صورة أولية أو وضع تقدير أوليّ لمفهوم "ما بعد الحرب"، يحيل إلى أبعاد ومضامين ورسائل مركبة يمكن تركيزها في النقاط الرئيسة الآتية:  لغوي، بلاغي إنَّ "ما بعد الحرب" هو تعبير لغوي، يُظهر أنَّ اللغةَ أداةٌ في السياسة وفي الحرب أيضاً، وأنها ممارسة اجتماعية وسياسية وثقافية، إلخ، وقد دخل تعبير "ما بعد الحرب" في لغة التواصل السياسي والإعلامي وغيرها بسهولة ويسر نسبيين. و"ما بعد الحرب" هو تعبير بلاغي، بما فيه من استعارة ومجاز، وبخاصّة فكرة الـ "ما بعد" التي صار لها وقع وجاذبية كبيرة في عالم اليوم، ذلك مع تأثير خطاب وعوامل ما بعد الحداثة، وما بعد اللغة، وما بعد القوة، وما بعد الانسان، إلخ.  هذا، والتعابير البلاغية هي نوع من إقامة المعنى وإطلاقه، إذا صح التعبير. وأن تسمي هو أن تكون سيداً، بتعبير نيتشه، أي أن تطلق التعابير والتسميات والمعاني اللغوية، فهذا يعني أنك قوي. إقامة المعنى هي إقامة السلطة، وتعبير "ما بعد الحرب" هو استعادةُ النظام السياسي والدولة لسلطةِ وشرعيةِ التّسمية، هو نوع من "الحكم باللغة" أو "الحكم بالخطاب". وقد شاع في بداية الأزمة السورية تسميات أو تعابير مثل "الثورة" و"الانتفاضة" و"إسقاط النظام" و"اللاجئين"، واليوم تشيع تسميات وتعابير، مثل: "ما بعد الحرب" و"إعادة الإعمار" و"عودة اللاجئين"، إلخ. سياسي إنَّ "ما بعد الحرب" هو تعبير عن إرادة سياسية لدى النظام السياسي والدولة، وتطلعٍ إلى مشروع سياسي لديهما حول مستقبل البلاد. ومن يتحدّث عن "سورية ما بعد الحرب"، أو يفكّر فيها، فإنّه ينطلق من قناعة وإيمان تام بأن المعني هو العودة إلى "سورية" ما قبل الحرب، أو بأقرب معنى ممكن لما كانت عليه. وهو تعبير ينسجم مع ما قاله النظام السياسي منذ بداية الأزمة، ولا يزال يردده حتى اليوم، من أن الحل هو بالسياسة، وأن لديه اليوم إرادة وإمكانية للتفكير في "ما بعد"، وأنه لم يعد غارقاً في الحرب. ثمة ارتياح نسبي هنا، وتعبير عن مسؤولية تاريخية تجاه الراهن والمستقبل.   إجرائي إنَّ التعبير "ما بعد الحرب" هو تعبير إجرائي، بمعنى أنه افتتاحي، وأولي، وإطاري، وتأشيري، ومؤقت، وتمثل الحرب حافزاً لإعادة النظر في كل ما يتعلق بسورية: العقد الاجتماعي، البناء الاجتماعي، النظام السياسي، الدولة، العلاقات الخارجية، إلخ، وباعتبار أن ذلك من الأمور الخلافية، ولا بد أنه كان أحد مدخلات الصراع، فإن من الضروري أن تتسم مقولات "ما بعد الحرب" بالمرونة والدينامية. ينطلق الإجرائي من أنَّ "ما بعد الحرب" يجب أن يستند إلى فكرة "الممكن"، وهو ما يتطلب وضع خطط وسياسات "متبصرة"، ولكن "عاجلة" و"تحت التعديل" و"الاستجابة" بصورة مستمرة. هذا يقارب معنى الإجرائية أو التعريف الإجرائيّ الذي "يبين الطريقة التي نحدّد بها الشيء أو نتعرف بواسطتها على علاقاته بغيره من الأشياء المماثلة، لا حقيقته كشيء في ذاته" .  يمكن بشيء من التعميم الإشارة إلى تقدير كليفور غيرتز، من أن التعرف على ماهية أمر ما، تتطلب ليس التعرف إلى نظرياته ومكتشفاته، وإنما ما يقوله المدافعون عنه، وقبل ذلك ما يقوم به الممارسون له . ولا يخفى أن الكثير من السجالات والمدافعات، وكذلك السلوكيات تركز على الأمور والقواعد الإجرائية. هنا يصبح الإجرائي هو مدخل التعرف على الأساسي.  تداولي قد لا يتردد تعبير "تداولية" في خطاب "ما بعد الحرب" أو في الخطط والوثائق والكتابات والخطب حوله، وهو تعبير مستعار من الدراسات الثقافية واللغوية، وقد يكون مكانه مناسباً هنا أيضاً، ذلك أنَّ خطاب "ما بعد الحرب" هو خطاب تركيب يجمع بين مدارك وتوجهات وأولويات ومقاربات مختلفة، ويحاول أن يتجاوز الاصطفافات والتحيزات وتخندق الفواعل والتيارات في مواجهة بعضها لصالح مشروع لمستقبل سورية، آخذاً بالحسبان خبرة الحرب. الحديث هنا ليس عن تركيب أو توليف "من هنا وهناك"، فهذا ما لا يصح، ولا عن "موزاييك" فهو لا يصح أيضاً، إنما عن رؤية معرفية تعددية ومرنة ومنفتحة على التطورات والتفاعلات المختلفة، لكنها لا تتزحزح عن أولوية سورية وطناً ودولة قوية وبناء اجتماعياً موحداً. وفي البعد التداولي لمعنى "ما بعد الحرب". إنَّ المهم في مفهوم وخطاب "ما بعد الحرب" هو التركيز أو التأسيس على التفاعلات والاتجاهات والعلائق أكثر من البنى والتكوينات، ونسبية وتعددية المعرفة والحقيقة، واحتماليتها؛ ذلك أنّه يتعلق بحدث راهن ومفتوح، ولا بد أن تكون مدارك وخطاب "ما بعد الحرب" مفتوحة على المحتمل واللامتوقع والمفاجئ واللايقيني. وأن تكون قراءة "ما بعد الحرب" خلّاقة، تصنع موضوعها (أو مجالها) بقَدْر ما يصنعها هو . عندما بدأ النظام السياسي والدولة يتحدّثان عن "ما بعد الحرب"، فقد كان ذلك بمثابة استعادة المبادرة في التفكير في "ما بعد"، ذلك أن المشهد أمسى أكثر وضوحاً، ولم يعد لـ ما بعد" مرادف واحد هو "ما بعد إسقاط النظام" كما كانت تروج فواعل المعارضة وحلفاؤها. هذا يعني أن خطاب "ما بعد الحرب" رد على ما كان من قِبَلِ الخصوم. لكن الأمور لا تنحصر بهذا المعنى، ولا تقف عنده. إنَّ خطاب "ما بعد الحرب" يحاول أن يقدم رؤية أو مقاربة لما حاولت فواعل أخرى، مثل: مؤسسات بحثية تابعة للمعارضة أو لدول غربية أو مؤسسات أممية كالإسكوا أن تقوم به منذ عدة سنوات، ومن غير الواضح إن كان ذلك يدخل في حوار مباشر أو غير مباشر مع تلك الرؤى والمقاربات، هل تعترف بها وتشير إليها وترد عليها صراحة أم تقوم بذلك بكيفية غير مباشرة؟   رابعاً- رَبَّاتُ نيتشه إنَّ الحديث عن "ما بعد الحرب" هو – كما سبقت الإشارة– فعل سياسي في العمق، يتمثل في جانب منه قيم المقاومة والتحدي من جهة، والمبادرة والإقدام من جهة ثانية، والتدبير أو الفطنة من جهة ثالثة، هذا يذكر بـ "ربات" نيتشه العليا وهي : "الأوان والفطنة والإقدام"، ويضيف إليها الربة الرابعة وهي "خلو البال"، لكننا أعرضنا عن ذكرها هنا، إذ من الصعب أن تجدها في الحدث السوري، وقد نجد صعوبة في تقصي وجود متواصل للربة الثانية وهي "الفطنة"!  كلام نيتشه سياقه مختلف، لكنه ذو دلالة تعبيرية قد تكون مناسبة للموضوع، ذلك أن نيتشه يتحدث عن لغز أو سر موت التراجيديا لدى الإغريق، ولماذا فقد الإغريق فجأة إيمانهم بأنفسهم وحاضرهم وماضيهم وحتى مستقبلهم! ولكن ما تحاوله الورقة هنا هو أن تستند إلى إشارات أو ربات نيتشه ليس بما قدمه وأراده صاحبها، وهو تفسير تراجع الإغريق، إنما العكس، أي الإشارة أو الإحالة إلى ربات لازمة للسوريين من أجل "إعلاء الهمة"، إذا أمكن التعبير على هذا النحو. وهكذا يمكن أن يكون الكلام على "الأوان والفطنة والإقدام"، مناسباً لما نحن بصدده، بمعنى:  - اغتنام الفرصة السانحة، والحرص على عدم فواتها، وتدبر اللحظة (الأوان). - بكل ما يتطلبه ذلك من نباهة ووعي ومعرفة وقدرة على فهم الواقع وتفاعلاته واتجاهاته الممكنة والمحتملة، (الفطنة). - وما يتطلبه من همة وجرأة في مقاربة الواقع، وفي التفكير بمقتضيات النهوض بالبلد والمضي به إلى المستقبل (الإقدام).   خامساً- إغراق وتعجل! أخذ الكلام عن "ما بعد الحرب" يحتل موقع الصدارة في قائمة التسميات والاستعارات والمفاهيم المستخدمة في فضاء الحرب والعسكرة ومشروعات التسوية/الحل والإعلام والسياسات الحكومية وبيروقراطية الدولة وفواعل السياسة والكتابة السياسية والتحليل السياسي في سورية. وغالباً ما يكون الحديث عن "ما بعد الحرب" من دون اهتمام كبير بتحديد وتأطير المعاني والدلالات القائمة أو الممكنة للمفاهيم المستخدمة، بل إنَّ ما يجري في الواقع هو استخدام عبثي وفوضوي وبلا تحديد أو تعيين –يمكن الركون إليه– لمعنى "ما بعد الحرب" في البلاد.  أدى الاستخدام المفرط نسبياً لتعابير وتسميات، مثل "ما بعد الحرب" إلى استجابات ربما لم تكن مقصودة بذاتها، ومن الصعب في مثل هذه الأمور التنبؤ أو التحكم في أنماط التلقي، وقد كانت فواعل خطاب "ما بعد الحرب" تركز على استهدافات معينة، مثل التعبير عن انتصار النظام السياسي والدولة ضد أعدائهما، مع افتراض أن التداعيات الأخرى (غير المقصودة) يمكن احتواؤها أو تكييفها، مثل رفع سقف التوقعات لدى جمهور الموالاة، أو ازدياد موجة الإحباط لدى جمهور المعارضة، ما يمكن أن يدفعهم إلى المزيد من الرهان على الخارج أو المغامرة بالانضمام إلى الجماعات الإسلاموية المتطرفة.  الحديث عن "ما بعد الحرب" يحيل إلى مدارك جدية أو مخيالية وإيديولوجية قصدية بأن الأمور تغيرت بالفعل، وأن من الواجب الحديث عن اللحظة التالية، كنوع من التأمل أو التفكير أو الاستجابة الاستباقية، وعندما يكون الحديث عن "ما بعد" من قبل فواعل السياسة والحكم الآن، فهذا يعني –من منظورها ووفق رسالتها المعلنة– أن اللعبة انتهت تقريباً. قرأ أصحابُ تعبير "ما بعد الحرب" الموقف على النحو الآتي: بما أن العمليات العسكرية تراجعت إلى حدٍّ كبير، وعادت سلطة الدولة إلى مناطق جغرافية واسعة من سورية، فإن ذلك مؤشر على قرب انتهاء الحرب، وهذا يبرر الحديث عن ما بعدها. ربما كان الحديث عن "ما بعد الحرب" هو نتيجة خطأ أو تَعَجُّل في توصيف أو تسمية ما يريدُ أصحابُ المفهوم التعبير عنه والإحالة إليه، أو نتيجة "التباس جماعي" تقريباً لدى كثير من فواعل الرأي والسياسة في سورية، ومن ضمنها جزء من بيروقراطية النظام السياسي والدولة، وقد أشار الرئيس بشار الأسد إلى هذه النقطة، في كلمة له أمام مسؤولي الإدارة المحلية:  «علينا أولاً ألا نعتقد خطأ كما حصل خلال العام الماضي أن الحرب انتهت. وأقول هذا الكلام ليس للمواطن فقط، أيضاً للمسؤول، نحن نحب بطبعنا أحيانا العنتريات. وكأن الحرب أصبحت من الماضي. ولدينا الرومانسية أحيانا أننا انتصرنا».  ثمة على الدوام فارق طبيعي وتلقائي في الخطاب بين "الوصف" وبين "ما يصف"، لكنه كان يزداد ربما من دون أن يُلحَظ أو يُوعَى بالتمام، وفي الوقت الذي كان السوريون يتحدثون فيه عن قرب "انتهاء الحرب"، كانت الوقائع والمواقف تتغير: تعقّدَ ملفّا إدلب وشرق الفرات، وتراجعت التفاهمات بين روسيا والولايات المتحدة، كما أخذت فكرة "إخراج إيران" من سورية تحتل موقع الصدارة في السياسات، وزادت الاعتداءات الإسرائيلية على مواقع عسكرية سورية، عودة فكرة "المنطقة الآمنة" في شمال سورية، تعقيدات ملف اللاجئين، وملف إعادة الإعمار، وتشديد العقوبات أحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ضد سورية. وهكذا فإن القراءة المذكورة أعلاه، ربما كانت صحيحةً لبعض الوقت، ما يعني أن تعبير "ما بعد الحرب" كان مُبرَّرَاً نسبياً، لكن إصرار خصوم دمشق على استهدافها ومواصلتهم الحرب ضدها، هو الذي "أعاد تعريف" الموقف.   سادساً- الدوافع المخيالية إنَّ مفهوم "ما بعد الحرب" يكثف أو يحاكي المخيال والمأمول لدى الناس ، ولكنه ينطوي على مخاطر، كل إفراط هو مخاطرة، ذلك أن اللعب على القوى والدوافع المخيالية لدى الموالين ينطوي على مخاطر كبيرة أيضاً، وبخاصّة إذا لم يشعر المتلقي بأي قيمة سياسية ومادية لما يتم الترويج له، هنا المخيالي لا يخلق واقعاً مطلوباً بالضرورة، إنما قد يخلق واقعاً مرفوضاً، إذ إنَّ رفع سقف التوقعات من الناس من دون استجابة مناسبة لها قد ينقلب إلى دوافع مخيالية معكوسة، ويزيد في أعباء اللحظة ويعيق تدبيرها.  شهدت سورية في شتاء 2018-2019 أنماطاً من الاحتجاج الاجتماعي والميديائي على أداء السياسات الحكومية، وبخاصّة فقدان مصادر الطاقة: الكهرباء والغاز المنزلي ومازوت التدفئة ، وقد عزتها فواعل سياسيّة معيّنة إلى تأثيرات خارجية ، في محاولة لتخفيف النمط. وليس ثمة مؤشرات جدية على أن ذلك حدث بالفعل، على الأقل في ما يتعلق بما نتحدث عنه بالذات، ولو أن ذلك أمر محتمل، غير أن أكثر أنماط التعبير والاحتجاج كانت من مصادر أو دوافع وعوامل داخلية حقيقيّة، ومن الملاحظ أن التعبير الاحتجاجي الميديائي غالباً كان عالي النبرة بصورة غير مسبوقة.  بالمقابل إن تحريك الدوافع المخيالية لدى الخصوم المحليين، سوف يدفعهم لتدبر سبل مواجهة أخرى، ومن الواضح أن فواعل المعارضة أظهرت استجابة غريبة ربما بأكثر مما كان متوقعاً، إذ ظهر أنها مستعدة للدخول في رهانات الآخرين، وبخاصّة تركيا و"إسرائيل" والولايات المتحدة ، بما "يتناسب طرداً" –إذا أمكن التعبير– مع استعادة النظام السياسي والدولة السيطرة على الجغرافيا والمجال السياسيّ، وتحقيق مقبولية إقليمية ودولية. لا نتحدث هنا عن علاقة سببية مباشرة، بما يعني أن هذا أدى إلى ذاك، إنما عن علاقة ارتباط متعددة الأبعاد، ولا شك في أنَّ السببيّة فيها بعدٌ من أبعادها.  في الاستجابات المخيالية والعملية لدى الخصوم، يظهر أن استعادة الاستقرار في النظام السياسي والدولة هو أصعب من الحرب، ولذا فإن استمرار الحرب –من منظورهم– أفضل، هنا تحتل الإيديولوجيا –بما هي وهم– مقام العقل، ويحتل المتخيّل مقام الواقعي. ويبدو أن في ذلك "عوداً على بدء".    سابعاً- تلقّي "ما بعد الحرب" لا يستطيع صاحب الخطاب أن يحدد بالتمام جهة خطابه، إذ إنَّ ما يوجهه للخصم يتلقاه الموالي والحليف أيضاً، والعكس صحيح؛ كما لا يستطيع أن يتحكم بديناميات التلقي والاستجابة لخطابه. وثمة على الدوام "لا متوقع" في السياسة وغير السياسة، ما يمكن أن يمثل تحدياً تصعب مواجهته أو تكييفه. الموالون فَهِمَ الموالون أن الحرب دخلت فصولها الأخيرة، الأمر الذي رفع سقف التوقعات لديهم تجاه النظام السياسي والدولة، وأخذوا يفكرون ويطالبون بالموارد والخدمات كما لو أن الحرب انتهت بالفعل. وهكذا قامت مسافة أخذت تتزايد بين مدارك الناس في وقت الحرب ومداركهم وتوقعاتهم في ما بعدها، أي أن ثمة مسافة أو فجوة بين منطق تحمل الأعباء والتبعات والأخطاء والإخفاق في السياسات، وبين منطق التعويض والترميم وإعادة البناء وتصحيح السياسات، إلخ.  الخصوم فَهِمَ الخصوم أنَّ النظام السياسي والدولة أخذا بالتصرّف كما لو أنهما تجاوزا أكثر مخاطر الحرب حدة، وأرادا الانتقال إلى مرحلة "ما بعد الحرب" من دون أيِّ انتقال سياسي أو حتى من دون أي تغييرات جدية في السياسة، كما لو أن "آلة الزمن" تعود بسورية إلى ما قبل آذار/مارس 2011؛ وإذا قبل الخصوم بذلك، فهو تسليم منهم بخسارة الحرب، وهذا ما يصعب عليهم القبول به.   ثامناً- بين كلاوزفيتز وفوكو المشكلة في هذه القراءة أنها ركَّزَت على العامل العسكري في الموقف، وبنت على المتغير وليس على الثابت، ونسبت الأصل إلى الفرع، وربما غاب عنها أمرٌ رئيسٌ هو أن الجانب العسكري هو نتيجة لعوامل سياسية أساساً، بمعنى: أن الحرب هي استمرار للسياسة، لكن بوسائل أخرى، بتعبير شهير لـ كلاوزفيتز؛ وغاب عنها (ربما تجاهلت!) أن ثمة فواعل دولية وإقليمية تريد احتواء أي إمكانية لتحويل الانتصار العسكري للدولة إلى انتصار سياسي. تريد تلك الفواعل أن تعكس مقولة كلاوزفيتز المذكورة، لتقول –وهو ما تتكرر الإشارة إليه– إنَّ السياسة هي استمرار للحرب، لكن بوسائل أخرى، بتعبير ميشيل فوكو.  إنَّ الحرب لن تستمر إلى ما لا نهاية، كما أن الخط العسكري والخط السياسي ليسا منفصلين، وإنما متداخلان ومتواشجان، وعندما يجري الحديث عن "ما بعد الحرب" فهذا رد على مقولة الخصوم من أنهم لن يسمحوا بتحويل النصر العسكري إلى نصر سياسي.  هنا يستعيد (أو يسترد) النظام السياسي والدولة مقولات الخصوم من أن النظام الذي لا يسيطر على جغرافيا الدولة ليس شرعياً، وأن فقدان السيطرة العسكرية يجب أن يكون له مقتضى سياسي؛ ليقول النظام السياسي والدولة: إن السيطرة العسكرية أو استعادة السيطرة لا بد أن يكون لهما منعكس سياسي، هذه مفارقة أخرى من مفارقات الحدث السوري.   تاسعاً- الإشارات والتنبيهات - يكون طرحُ السؤال أحياناً بقصد "الهروب" من الموضوع أكثر منه "دخولاً" فيه! وعندما لا يكون "الهروب" أو "الخروج" ممكناً، يتم تغيير السؤال أو تغيير المقاربة والرؤية، وقد لا يكون ذلك محض هروب، إنما نتيجة تدبير عقلي وسياسي بالفعل.  - هل يُعَدُّ الحديث عن "ما بعد الحرب" في سورية تعبيراً عن: "هروب" من استغلاق المشهد الراهن واصطدامه بجدران كثيرة من التفاهمات والتوازنات والإكراهات الداخلية والإقليمية والدولية، أم يُعَدُّ الحديثُ نفسهُ تعبيراً عن تأمل استباقي في مرحلة "ما بعد الحرب"، ومحاولة رسم ملامح مشروع مستقبلي؟ - إن المهم في الخطاب السياسي ومقولاته هو "ما يتبدى بالفعل"، أو ما يحاول الفاعل أن يُصَيِّرَه فعلاً أو واقعاً، ومن ثم فإن التحدي الرئيس الكامن وراء مفهوم "ما بعد الحرب" هو تحدي "الخروج من الحرب" و"إعادة إنتاج" أو "إعادة تأهيل" أو "تجديد" مفهوم سورية المجتمع والدولة، والقطع مع رهانات فواعل الخصوم في الحرب منذ آذار/مارس 2011.  - ينطوي الحديثُ عن "ما بعد الحرب" في سورية على مفارقتين: الأولى، هي أنه حديث عما بعد اللحظة الراهنة، وفي ما لم يأت بعد؛ والثانية، هي أنه "تطلُّع" نحو المستقبل غموض الواقع وفقدان اليقين فيه. - إنَّ الأولوية بالنسبة لسورية هي: إما التفكير في مرحلة "ما بعد الحرب"، أو التفكير في "واقع الحرب" اليوم، وتداعياتها، والإكراهات التي تَحُولُ دون إنهائها، وتدبير السياسات الممكنة حيالها أيضاً. - ثمة نوع من "ميتافيزيقا السياسة" في الحدث السوري عاكست كل أو معظم التقديرات حوله، وحتى اليوم رغم صعوبة بناء تقديرات متفائلة بناء على مؤشرات الواقع والميدان، إلا أن الأمور تسير بشكل يعاكس كل ذلك، ثمة ما يشير إلى أن "سورية الله حاميها" بالفعل!  - يحيل تعبير "ما بعد الحرب" إلى "إرادة القوة" بتعبير كل من نيتشه وفوكو، وروح المبادرة والإقدام في "حروب المعنى" والرموز والتسميات في الحدث السوري. وتدخل في هذا الباب "استراتيجيات التأويل" بوصفها نمطاً من الحروب الدائرة اليوم. - "ما بعد الحرب" هو تعبير لغوي، يُظهر أن اللغة أداة في السياسة وفي الحرب أيضاً، وأنها ممارسة اجتماعية وسياسية وثقافية، إلخ، وهو تعبير بلاغي لجهة إقامة المعنى وإطلاقه، إذا صح التعبير. وإقامة المعنى هي إقامة السلطة، وتعبير "ما بعد الحرب" هو استعادةُ النظام السياسي والدولة لسلطةِ وشرعيةِ التّسمية، هو نوع من "الحكم باللغة" أو "الحكم بالخطاب". - إن التعبير "ما بعد الحرب" هو تعبير إجرائي، بمعنى أنه افتتاحي، وأولي، وإطاري، وتأشيري، ومؤقت، وتمثل الحرب حافزاً لإعادة النظر في كل ما يتعلق بسورية: العقد الاجتماعي، البناء الاجتماعي، النظام السياسي، الدولة، العلاقات الخارجية، إلخ.  - إن اللعب على القوى والدوافع المخيالية لدى الموالين ينطوي على مخاطر كبيرة أيضاً، وبخاصة إذا لم يشعر المتلقي بأي قيمة سياسية ومادية لما يتم الترويج له، هنا المخيالي لا يخلق واقعاً مطلوباً بالضرورة، إنما قد يخلق واقعاً مرفوضاً، إذ إنَّ رفع سقف التوقعات من الناس من دون استجابة مناسبة لها قد ينقلب إلى دوافع مخيالية معكوسة، ويزيد في أعباء اللحظة ويعيق تدبيرها. - إنَّ تحريك الدوافع المخيالية لدى الخصوم المحليين، سوف يدفعهم لتدبُّر سبل مواجهة أخرى، ومن الواضح أن فواعل المعارضة أظهرت استجابة غريبة ربما بأكثر مما كان متوقعاً، إذ ظهر أنها مستعدة للدخول في رهانات الأخرين وبخاصّة تركيا و"إسرائيل" والولايات المتحدة، بما "يتناسب طرداً" –إذا أمكن التعبير– مع استعادة النظام السياسي والدولة السيطرة على الجغرافيا والمجال السياسي وتحقيق مقبولية إقليمية ودولية.   خاتمة أخذت الشخصية الوطنية السورية وفكرة سورية، بعد سنوات من الحرب، معنى جديداً، إذ ارتقتا عن أن تكونا جزءاً من سجال داخلي أو ثقافي أو حزبي، وأصبحتا بداهة تقريباً، أو يفترض أن تكونا كذلك. وقد يكمن المعنى الرئيس لفكرة "ما بعد الحرب" في هذه النقطة بالذات. هذا هو مقتضى "الأوان والفطنة والإقدام"، في مواجهة الحرب بوصفها حدثاً غير مسبوق وتحدياً وجوديّاً لا مثيل له في تاريخ سورية الحديث. إنَّ الشخصية الوطنية السورية وفكرة سورية وأولوية الدولة في سورية أمورٌ ليست حديثة العهد ولا وليدة الحرب، إذ إنها سابقة على ذلك، ولكنها أصبحت اليوم ملازمة لمعنى سورية ما بعد الحرب ومعنى المستقبل. ويمكن القول –مع شيء من الأمل– إنَّ ثمة انخراطاً عموميّاً أو "استعمالاً عموميّاً للعقل"، في بناء فكرة الشخصية الوطنية وأولوية الدولة. وهكذا فإن خطاب "ما بعد الحرب" يمثل استراتيجية تفكير في الواقع من جهة، وتدخُّل فيه من جهة ثانية؛ وهو استراتيجية حرب بالمعنى الرمزي والتأويلي، وحتى بالمعنى المادي أيضاً؛ واستراتيجية لاستعادة "المعنى المسروق" أو "المخطوف" من قبل الخصوم، و"المعنى المهدور" من قبل فواعل النظام السياسي والدولة، واستراتيجية لـ "إعادة بناء" الفكرة والمجال والإمكان والفضاء لمستقبل سورية.   المراجع الكتب 1. الجابري، محمد عابد. مدخل إلى فلسفة العلوم: العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 3، 1994.  2. دولوز، جيل. المعرفة والسلطة: مدخل لقراءة ميشيل فوكو. ترجمة: سالم يفوت. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1987.  3. دولوز، جيل، كلير بارني. حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة. ترجمة: عبد الحي أزرقان وأحمد العلمي. الدار البيضاء: دار أفريقيا الشرق، 1999. 4. العيادي، عبد العزيز. ميشيل فوكو: المعرفة والسلطة. بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، ط1، 1994.  5. غليون، برهان. عطب الذات: وقائع ثورة لم تكتمل. بيروت: الشبكة العربية للأبحاث، 2019. 6. غيرتز، كليفورد. تأويل الثقافات: مقالات مختارة. ترجمة: محمد بدوي. بيروت: المنظمة العربية للترجمة، ط 1، 2009. 7. فوكو، ميشيل. يجب الدفاع عن المجتمع. ترجمة: الزواوي بفورة. بيروت: دار الطليعة، ط1، 2003. 8. محفوض، عقيل سعيد. خط الصدع؟ في مدارك وسياسات الأزمة السورية. بيروت: دار الفارابي، 2017. 9. المسكيني، فتحي. الدين والإمبراطورية: في تنوير الإنسان الأخير. الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 2016. 10. نيتشه، فريدريك. إرادة القوة: محاول لقلب كل القيم. ترجمة وتقديم: محمد الناجي. الدار البيضاء: دار أفريقيا الشرق، 2011. 11. نيتشه، فريدريك. مولد التراجيديا. ترجمة: شاهر حسن عبيد. اللاذقية: دار الحوار، 2008.      الدراسات 1. محفوض، عقيل سعيد. إعادة التفكير في الدولة: قراءة في ضوء الأزمة السوريّة. دراسة. دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2019. 2. محفوض، عقيل سعيد. الحدث السوري: مقاربة تفكيكية. دراسة. الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012. 3. محفوض، عقيل سعيد. ضفدع نيتشه: مقاربات معرفية في قراءة الأزمة السورية. دراسة. دمشق: دمشق مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017. المواقع الإلكترونية 1. "كلمة الرئيس الأسد خلال استقباله رؤساء المجالس المحلية من جميع المحافظات السورية"، سانا، 17 شباط/فبراير 2019. https://www.sana.sy/?p=897175 2. محفوض، عقيل سعيد. "عودة حبلى بالمخاطر"، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 21 آب/أغسطس 2018. http://bit.ly/2Jtxfsu 3. محفوض، عقيل سعيد. "ما بعد الحرب هو الحرب"، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 15 آذار/مارس 2019. http://bit.ly/2Q0PUOR   عقيل سعيد محفوض o كاتب وأستاذ جامعي.  o تتركز اهتماماته العلمية حول المنطقة العربية وتركيا وإيران والكرد. o عضو الهيئة العلمية في مركز دمشق للأبحاث والدراسات – مِداد. o يكتب تحليلات ومقالات رأي في عدد من المنابر الإعلامية والسياسية والبحثية. o صدر له: o كتب • جدليات المجتمع والدولة في تركيا: المؤسسة العسكرية والسياسة العامة، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2008). • سورية وتركيا: الواقع الراهن واحتمالات المستقبل، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009).  • السياسة الخارجية التركية: الاستمرارية – التغيير، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012). • تركيا والأكراد: كيف تتعامل تركيا مع المسألة الكردية؟ (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012).  • تركيا والغرب: "المفاضلة" بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2013). • الأكراد، اللغة، السياسة: دراسة في البنى اللغوية وسياسات الهوية، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013). • خط الصدع؟ في مدارك وسياسات الأزمة السورية (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017؛ بيروت: دار الفارابي، 2017). • كورد نامه: في أسئلة السياسة والحداثة لدى الكرد (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018؛ بيروت: دار الفرقد، 2018).    o  مخطوط:  • الأمن في عصر الحداثة الفائقة: المفاهيم، الأبعاد، التحولات، (مخطوط تحت النشر). • ليفياثان المشرق: حول نشوء "الدولة الوطنية" أو "دولة ما بعد الاستعمار" في سورية، مقاربات تفسيرية، (مخطوط). o دراسات وأبحاث • سورية وتركيا: "نقطة تحول" أم "رهان تاريخي"؟ (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012). (إلكتروني). • الحدث السوري: مقاربة "تفكيكية"، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012). (إلكتروني). • الخرائط المتوازية: كيف رسمت الحدود في الشرق الأوسط؟ (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016). • دروس الحرب: أولويات الأمن الوطني في سورية، مقاربة إطارية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016). • صدوع الجزيرة: في تحديات وتحولات المسألة الكردية في سورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016). • مفهوم الأمن: مقاربة معرفية إطارية، (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات، 2016).  • مراكز التفكير: المحددات، الكيفيات، التحديات، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017). • القنفذ والثعلب: الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017). • العنف المقدس: في الأسس الثقافية لعنف الجماعات التكفيرية، (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات، 2017). • ضفدع نيتشه؟ مقاربات معرفية في قراءة الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017). • حيث يسقط الظلّ! الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018). • عودة المسألة الشرقية تحولات السياسة والدولة في الشرق الأوسط، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018). • سُوريّة والكُرد: بين المُواجَهَة والحوار، أي أَجِندة مُمكِنَة؟، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018). • الجبهة الجنوبية: هل تسعى إسرائيل لتعديل اتفاق الفصل 1974؟،(دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018). • رايات بيضاء: حول سياسة المصالحات والتسويات في الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018). • استلابُ الكُرد: صورةُ مشروعِ "قوات سوريا الديمقراطيّة"، ولادتها وموتها!، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018). • إعادة التفكير في الدولة: قراءة في ضوء الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2019). • التفكير في الجَوْلان: المدارك النمطيَّة، وإكراهات الحرب، والمقاومة الممكنة؟، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2019). • الإِيالة والعِيَالة: الثّقة والأَمل والجَهالة والمُخَاطرة في الحرب السُّورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2019).  o أوراق بحثية في مؤتمرات أو كتب جماعية: • "العرب في تركيا": محور تواصل أم تأزيم؟ بحث في مؤتمر العرب وتركيا نُشِرَ في كتاب جماعي (2012).  • سياسات إدارة الأزمة السورية: "الإدارة بالأزمة"؟ بحث في كتاب جماعي، (2013). • الشرق الأوسط بعد 100 عام على الحرب العالمية الأولى: من "المسألة الشرقية" إلى "الدولة الفاشلة"، هل هناك سايكس-بيكو جديد؟ (مؤتمر بيروت 19 -22 شباط/فبراير، 2015). • من المظلومية إلى الفعل: تحديات فواعل المقاومة في عالم ما بعد الأحدية الغربية، في مؤتمر: (غرب آسيا في عالم ما بعد الأحادية الغربية: تحديات المرحلة الانتقالية، بيروت، 7 أيلول/سبتمبر 2017). • في ثقافة الكراهية: الظاهرة الدينية، الحرب، التوحش، (المؤتمر الدولي الأول لحوار الأديان، بيروت، 12-13 أيلول/سبتمبر 2017). • العبور إلى الهوية: في الاستجابة الممكنة لتحديات ما بعد الحرب في سورية، (مؤتمر الهوية الوطنية: قراءات ومراجعات في ضوء الأزمة السورية، دمشق، 20-21 كانون الثاني/يناير 2018). • إعادة التفكير بالدولة في حالات ما بعد الحرب: قراءة في ضوء الأزمة السورية، (المؤتمر الثقافي السوري، دمشق، 16-17 كانون الأول/ديسمبر 2018).   

سيريا ديلي نيوز _ مركز دمشق للأبحاث والدراسات /مداد


التعليقات