د. مدين علي

مقدمة

بدأت نتائجُ مقدّمات الحربِ الاقتصاديّةِ على سوريّة تظهرُ على نحوٍ واضح؛ ذلك بسببٍ من الظّواهرِ الاقتصاديّة والمؤشرات المختلفة، تحديداً لجهة ما يتعلق بتوافر المشتقات النفطيّة (المازوت والبنـزين والغاز.... وغيـر ذلك)، وبعض السلع الأخرى التـي باتت تخضعُ لبرنامج تقنين مشدّد، وإعادة هيكلة صارمة، وفق سلّم بدائل وأوليات، ليس على مستوى القطاع العائليّ فحسب، بل الحكوميّ أيضاً، إذ تم تصدير بعض القرارات التـي تستهدف تخفيض حجم الإنفاق العام، بشقّيه الجاري والاستثماري لعام ألفين وتسعة عشر.

هذا، وبغض النظر عمّا يُثار في الإعلام، ومدى الاستثمار فيه، لجهة ما يتعلق بتأثيرات أزمة المشتقات النفطية والتداعيات المترتبة عليها، وارتفاع عدد ساعات تقنين الكهرباء، وانخفاض مستوى حركة وسائط النقل، والأنشطة الاقتصادية والخدمية المرتبطة بها، فإن التبِعات الاقتصادية والمالية لأزمة المشتقات النفطية مؤلمة إلى حدٍّ كبيـر، ولا يمكن تبسيطها أو التخفيف منها، ونتائجها ستكون خطيـرة إذا ما طالت أكثـر، وستظهر مؤشراتها بصورة أشدّ إيلاماً، جرّاء تطورات سلبية دراماتيكيّة، في مسار المتغيـرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكلية على مستوى الدولة والمجتمع في سورية.

لن نتناول في الأحوال كافةً تحليل الأزمة الاقتصاديّة الراهنة من منظور الصراع الدوليّ، ولا من مدخل الصّراع المحتدم على سورية منذ سنوات، سواء أكان ذلك من قبل الحلفاء وفي ما بينهم، أم بين حلفاء الدولة السورية من جهة وأعدائها من جهة أخرى، رغم أهمية ذلك ومسؤوليته المباشرة، عن تعميق مسار الأزمة السورية، وإطالة أمدها ومداها.

لكن سيتم تناول هذه الأزمة نفسها من منظور تحليليّ، يُعنـى بدايةً بأداء المنظومة الداخلية، والرؤى التـي حددت مسار البرمجة والتخطيط لمواجهة فصول الأزمة، ومدى الاستعداد لاستيعاب جولاتها المقبلة، لا سيما الاقتصادية، ومدى الأخذ بالحسبان احتمالات تضييق الخناق الاقتصادي على سورية، ومحاصرتها بصورة أشدّ.

وعليه، تبقى أسئلةٌ قيد الطرح من قبيل: كيف تعاملنا مع مفاعيل الأزمة وجولاتها المختلفة؟ ما الخطط والبـرامج الاحتياطية البديلة؟ وهل أعددنا البـرامج والأدوات اللازمة لمواجهة سيناريو حرب اقتصادية بدأت الآن؟ وهل كنا نتوقع من الحلفاء أكثـر من ذلك؟ وهل راهنّا على المزيد من برامج المساعدات والتسهيلات والاستدانة؟ وهل راهنّا كثيـراً أيضاً على أن تكون مواقف الحلفاء محكومة بقواعد المبادئ والأخلاق التـي غالباً لا تحكم قواعد اللعبة السياسية وتوازنات المصالح الاستراتيجية الدولية؟

إنَّ محاولة تقديم إجاباتٍ عن هذه الأسئلةِ ووضع مقاربةٍ مناسبةٍ لها يعدّان هنا مدخلاً إطاريّاً، يتيحُ بشفافيّةٍ اقتـراح تصورات وأفكار عمليّة لبرنامج عمل تنفيذي قصير الأجل، لإدارة الأزمة الاقتصادية الراهنة.

 

 

أولاً- الأزمة الاقتصادية الراهنة: جدليّة الدَّاخل والخارج

مربع نص: إن معالجة الأزمة الاقتصادية الراهنة ومتطلباتها، لم تعد ممكنة بأدوات بعض المناهج التقليدية، لأن متطلبات الحلِّ الاستراتيجيِّ للأزمة الاقتصادية وشروطه أمورٌ باتت أكثـر تعقيداً.إنَّ مظاهر الأزمة الاقتصاديّة في سوريّة ومؤشراتها ليست حديثة، ولا تحتاج إلى تحليلٍ علمـيٍّ معمّقٍ، ولا إلى تأصيلٍ فكريٍّ/نظريٍّ ومفاهيميٍّ، لأنها معروفة للجميع، بحسبانها واقعاً مُعاشاً وملموساً، وقد امتدت لسنوات طوال، بدأت مع سنوات الحرب الأولى، لكن الجديد فيها هو أنها تعمّقت أكثـر، ودخلت منعطفاً نوعيّاً جديداً مع بدء التشدّد أكثـر في تطبيق إجراءات الحصار الاقتصاديّ، وتضييق الخناق على الدولة السورية، ما جعل صُنَّاع القرار الاقتصاديّ ومنفذي السياسات الاقتصادية والبـرامج أمام استحقاقات كبـرى، لجهة ما يتعلق بطبيعة البدائل والسياسات الاقتصادية الداخلية والخارجية التـي يتعين على الحكومة السورية أن تتبناها كمدخل إطاريٍّ متكامل، يتضمن حزمة واسعة من البـرامج والسياسات الضرورية والمُستحقة، لإخراج الاقتصاد السوري من غرفة العناية الاقتصادية الفائقة أو المشددة التـي دخلها إثر الانخفاض الكبيـر في سعر صرف الليـرة السورية، وارتفاع مستويات العجز في موازين السلع الاستراتيجية كالمازوت والغاز والبنزين، وبعض السلع الاستراتيجية الأخرى.

وفي الواقع، إن معالجة الأزمة الاقتصادية الراهنة ومتطلباتها، لم تعد ممكنة بأدوات بعض المناهج التقليدية (أدوات إسعافية نقدية... وغيـر ذلك)، لأن متطلبات الحلِّ الاستراتيجيِّ للأزمة الاقتصادية وشروطه أمورٌ باتت أكثـر تعقيداً، تتجاوز من حيث الاستحقاقات حدود مفاعيل أدوات السياسة الاقتصادية التقليدية، والأخطر في هذا السياق، هو أنَّ عامل الزمن لم يعد يساعد كثيـراً في المُضي قُدُماً بسيناريو إدارة الأزمة ومن الممكن أن يعرقل إمكانيات حلّها، ما يعنـي أن التخطيط لإدارة الشأن العام لم يعد صالحاً من داخل المنطقة الرماديّة، ولا يمكن الاستمرار بأدواته التقليدية التـي أصبحت عاجزة وضعيفة، جراء ضعف مؤسسات الدولة ذاتها، وتعاظم مظاهر استباحتها، وازدياد نفوذ  بعض القوى الاقتصادية غيـر المنظمة، واستحكام قبضتها على مفاصل الاقتصاد، ما جعل هذه المؤسسات، ترزح تحت وطأة مشكلات بنيوية، باتت على غاية من التعقيد، وقد فاقم من حدّة مفاعيلها السلبية استحكام بنية الفساد وتمكّنها، وضعف الكادر البشريّ وهجرة الكفاءات، وترهل الإدارة، وضعف الحوافز، والإحباط، ما ولّد الظروف المنتجة كافةً لحالة من الاحتجاج الصامت الذي بات يعبّـر عن نفسه بهدوء عن طريق مظاهر عديدة منها: عدم الرغبة في العمل، وسيطرة حالة من اللامبالاة، وعدم الاكتـراث، وانتشار حالة من الفوضى والاغتـراب النفسيّ والمعنويّ،... وغيـر ذلك. كل ذلك يجري بالتزامن مع بيئة سياسية إقليمية ودولية ضاغطة بقوة، ذات تأثير مباشر ونوعي، في الحرب/الأزمة السورية، يمكن إجمالها وفق الآتي:

  1. استحقاق تاريخ الدفع المؤجل على روسيا لـ "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية، لجهة ما يتعلق بإنجاز مهمة تحجيم الدّور الإيراني، وإعادة النظر في مداه، ما أسهم في خلق تناقضات جوهرية بين مصالح الحلفاء (روسيا وإيران)، يمكن الاستدلال عليها بمواقف عديدة ومؤشرات مختلفة لا تعد موضوعاً للبحث الآن، ولا يتسع الإطار لمناقشتها، الأمر الذي انعكس بصورة مباشرة على العلاقات الاقتصادية مع الدولة السوريّة.
  2. المستوى المتقدّم لطبيعة الروابط الجدلية المكثفة التـي أصبحت تحكم بقوة العلاقة بين الاقتصاد والسياسة والأمن في الحرب الدائرة في سورية وعليها.
  3. مربع نص: إن الأوضاع الاقتصادية الكارثية والمؤلمة في سورية، لا يمكن أن تكون نتاج تأثيرات العوامل الخارجية فقط، بمقدار ما هي نتيجة طبيعية لتأثير مجموعة من الأسباب والعوامل الداخلية.التناقض الحادّ بين رؤى مختلف الأطراف الإقليميّة والدوليّة (الحلفاء والأعداء) لجهة ما يتعلق بصياغة الإطار العام لجيوبولتيك الإقليم وصورته، وإعادة تعريف المصالح الإقليمية والدولية، ورسم الأدوار الأساسية والثانوية، للفواعل الإقليميّة والدوليّة. الأمر الذي أسّس لصراعٍ دوليٍّ شديدِ القسوة (شرس)، بهدف السيطرة على سورية، وتحديد ملامح الدور والقرار والوظائف للدولة السورية لمرحلة ما بعد الحرب، في محيط جيوبولتيكي قلق، غيـر مستقر ولن يستقر كما نعتقد، شديد التعقيد، يُولد الآن من جديد.
  4. التشدد في تطبيق الحصار الدوليّ، وتضييق الخناق الاقتصاديّ على سورية، ما تسبّب باختلال كبيـر في الموازين الاقتصادية لصالح الطلب الكليّ (الاستهلاك والاستثمار، والإنفاق الحكومي العام الجاري والاستثماري، على حساب العرض الكلي المتمثل في الإنتاج والمخزون والاستيراد).

هذا، ويُلاحَظ في الأحوالِ كافةً، أنَّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة والمؤلمة في سورية، لا يمكن أن تكون نتاج تأثيرات العوامل الخارجية فقط، بمقدار ما هي نتيجة طبيعية لتأثير مجموعة من الأسباب والعوامل الداخلية، يمكن إجمالها وفق الآتي:

  1. الإرث الثقيل لمجموعة كبيـرة من الأخطاء المتراكمة، في توجُّهات السياسة الاقتصادية وإجراءَاتِها، منذ بداية الحرب وطوال سنواتها، ما تسبّب في نتائج وخيمة، ألقت بثقلها المتزايد ككرة الثلج على كاهل الحكومات السوريّة المتعاقبة، إذ تسببت في استنزاف الخزينة ومحفظة الاحتياطيّ من العملات الاستراتيجية، وأسّست لبنية اقتصاديّة لا تدعم مقومات الصمود، ولا تعزز متطلبات تقوية المناعة الذاتية للاقتصاد السوريّ، ولا تساعد في تأمين شروطها.
  2. الصراع الشرس والمحتدم بقوة بين بعض مراكز القوى الاقتصادية والطغم المالية الأوليغارشيّة في الداخل والخارج التـي استولت جراء السياسات الاقتصادية، تحديداً السياسة النقدية والتجارية التـي طُبقت منذ بداية الحرب، على سيولة مالية هائلة بالقطع الأجنبـي وبالعملة السورية، وبات لديها القدرة والنفوذ الكبيـر للتحكم بمجريات العرض الاقتصاديّ على المستوى الكلي، بصورة شبه مطلقة، في ظلِّ دور محدود التأثير، وربما غياب شبه كامل للسلطات والمؤسسات التدخلية ذات الصلة.
  3. سياسة إدارة السوق أثناء الحرب، وعدم التدخل الحكوميّ بالكم والنوع المطلوبين، وترك القرار لقوى السوق تتلاعب بمجريات العرض والطلب.
  4. استحكام قبضة الفساد الكيانية بطريقة غير مسبوقة، إذ أصبحت جذورها تضرب عُمقيّاً في طول الاقتصاد السوريّ وعرضه، وازدادت شراهتها لقضم قاعدة الدولة السورية ومرتكزاتها الاستراتيجية، الاقتصادية والاجتماعية.
  5. طبيعة القانون الاقتصادي العامّ الذي حَكَمَ مسار الاقتصاد السوريّ طوال سنوات الحرب، وحدّد الإطار العام لعلاقات الإنتاج والدخل والتوزيع والاستهلاك في الاقتصاد السوريّ، وقد أسس هذا الأمر في الواقع لانزياحات بنيوية واختلالات هيكلية داخلية كبـرى، انعكست مفاعيلها بقوة على موازين القوى الاقتصادية الداخلية، وأثّرت على نحوٍ مباشر في شروط ومتطلبات إعادة إقلاع المنظومة الاقتصادية وإمكانيات استعادة المسار الطبيعي للاقتصاد.

 

 

ثانياً- تنازع الحقوق في زمن الحرب بين الدولة والمواطن

ليس من حقّ المواطن في زمن الحرب، أو في ظروف الأزمات الاستثنائية الكبـرى، أن يحصل على كلِّ ما يريد، لأنَّ الموارد والإمكانيات بالتأكيد لا تسمح بذلك، ولأن الأولويات والبـرامج يجب أن تكون مرتبة ومبرمجة، بصورة مختلفة، لا تتلاءَم غالباً مع الأولويات والطموحات في زمن الرفاه، بل من الواجب على المواطن أن يلتـزم بخطط الحكومة التقشفية. ومن حق الدولة أن تطالب المواطن بواجبه بضرورة التحلّي بالصبر والتحمل والتضحية لأجل المصلحة الوطنية العليا.  لكن في مقابل ذلك يُعَدُّ حقّاً للمواطن أن يكون شريكاً في الحصول على ما يحصل عليه أيّ مواطن آخر في الوطن. وينبغي علينا أن نعلم بداهةً أن من أهم مبادئ المواطنة، ومن أبرز متطلبات تعزيز الشعور بالانتماء، كمدخل للارتقاء إلى مستوى شرط التكوين الجمعي للأمة، وتحييد مفاعيل تأثير الانتماء إلى الهويات الصغرى، والانتقال إلى الهويات الجامعة الكبرى: هو أن يكون جميع المواطنين شركاء في الغُرم والغُنم، وبخلاف ذلك، يصبح نسيج المجتمع  مفخخاً وقابلاً للانفجار والتشظي، وتصبح فرص تنفيذ المشاريع الخارجية ممكنة وقائمة، كما تصبح عملية استنزاف الدولة، وإطالة أمد الحرب، وزعزعة الاستقرار، وضرب حوامل الاستقرار الاستراتيجية للدّول والمجتمع، عملية ممكنة وسهلة، بحسبان أنَّ البنية جاهزةٌ ومفخخةٌ، ولا تحتاج إلى أكثر من شرارة لإشعال الفتيل.

مربع نص: من حق المواطن السوري أن يتساءل: كيف تحولت القوى الاقتصادية غيـر المنظمة إلى قوة تتجاوز بإمكاناتها قدرات الدولة السورية الاقتصادية والتمويلية، وكيف أصبح بإمكانها استباحة المصالح العليا للدولة والمجتمع؟ربما لا يكون من حقّ المواطن في سوريّة، أن يحصل على احتياجاته كلّها من البنـزين والمازوت، بسبب عدم كفاية القطع الأجنبـيّ والموارد، ولكن من حقّه أن يحصل على إجابات عن سؤال هو: كيف تتوافر الإمكانية في السوق دون عناء للحصول على آخر موديلات السيارات في العالم، وكيف تتوافر إمكانية الحصول على آخر المعروضات من الأزياء والماكياجات والوجبات؟ ومن حقه أن يسأل عن حجم القيمة المضافة في صناعة السيارات في سورية. ومن حقه أن يحصل على إجابات عن البضائع الأجنبية الموجودة في الأسواق، لا سيما التركية التـي تقدر بملايين الدولارات التـي لا تعد من الأولويات الاستراتيجية في زمن الحرب، ويمكن للمواطن السوري أن يستغني عنها، ومن حقه أن يعرف مصدر الثـروات الهائلة لمُحْدَثي النعم، ومن حقه أن يتساءل عن طبيعة مستقبل الكثيـر من الأطراف التـي باتت تسيطر بصورة شبه مطلقة على أرصدة القطع الأجنبـي، وأرصدة العملة السورية، ومن حقه أن يتساءل عن دور السياسة الاقتصادية التـي أسهمت في إعطاء الفرصة للقوى الاقتصادية غيـر المنظمة للاستحواذ على أرصدة النقد السوري والقطع الأجنبـي، ومن حقه أن يتساءل: كيف تجاوزت هذه القوى بإمكاناتها قدرات الدولة السورية الاقتصادية والتمويلية، وكيف أصبح بإمكانها أن تتحكم بالتشريعات والقوانين، وتستبيح المصالح العليا للدولة والمجتمع؟ ومن حقه أن يحصل على أجوبة عن التساؤلات المتعلقة بالكثير من السوريين الذين يمضون عطلة نهاية الأسبوع في دبي وبيـروت والقاهرة وأنقرة، ليعودوا مع بداية الأسبوع الذي يليه إلى سورية، كأبطال قادمين من ميادين القتال، ليحدثونا عما فعلوه في الخارج لصالح الدَّولة السورية والشعب السوريّ، والجميع يعلم أنهم عائدون لاستنزاف رصيد آخر، لتمويل عطلة نهاية أسبوع آخر من جديد، في بيـروت أو القاهرة أو دبي وأنقرة. ومن حقه أن يعرف مصدر الأموال للكثيـر من الصفقات الكبـرى التـي تُعقد بعشرات المليارات.

 

 

ثالثاً- رجال أعمال، لكن...

مربع نص: إن تزايد مساحة السّوق السّوداء والاقتصاد غيـر المنظم في الاقتصاد السوريّ، وارتفاع وتيـرة دور رجال اقتصاد الظلّ، كان لهما دور كبيـر في إعادة توزيع الدَّخل والثـروة في سورية، بطريقة مخلّة بالقواعد المتعارف عليها.لقد استنزفت الحرب الدائرة في سورية الكثيـر من مقدرات الدولة السورية، وأنهكتها واستهلكت كثيـراً من رصيدها المادي والمعنوي، ما أثّر بصورة سلبية في المرتكزات التاريخية لبنية الدولة الاقتصادية والسياسية والثقافية والتعليمية والاجتماعية، وأسهم بقوة في زيادة العجز في موارد الدولة، وعدم قدرتها على تأمين الكثيـر من المتطلبات، عبـر قنوات التجارة الخارجية التقليدية، ما دفعها للاعتماد بقوة على الأسواق غيـر النظامية التـي تتحكم بها عادة شركات اقتصاد الظلّ التـي تجيد استغلال ظروف الأزمات، وتستثمرها بقوة، مقابل تقديم بعض الخدمات والتسهيلات التمويلية والإمدادية، وهذا ما أثّر بصورة سلبية في موارد الدولة وإيراداتها الطبيعية، في الوقت الذي تسبب فيه بإلحاق المزيد من الخسائر في خزينة الدولة، كما أدّى إلى انخفاض سعر الصرف، وتراجع القوة الشرائية لليـرة السورية، جراء عمليات التحويل من وإلى الدولار (المضاربة) في الأسواق غير النظامية.

إن تزايد مساحة السّوق السّوداء والاقتصاد غيـر المنظم في الاقتصاد السوريّ على حساب السوق النظاميّة، وارتفاع وتيـرة دور رجال اقتصاد الظلّ على حساب مؤسسات الدولة التقليديّة ومقدراتها، كان لهما دور كبيـر في إعادة توزيع الدَّخل والثـروة في سورية، بطريقة مخلّة بالقواعد المتعارف عليها، ما سهّل إلى حدٍّ كبيـر عملية الاستقطاب والتركُّز الشديد للثـروة والمال، في أيدي قلة قليلة من تجار سوق السوداء وتجار القطع والسماسرة والمضاربين، إضافة لإثراء الكثيـرين من المغتـربين ومن غادر سورية جراء الانخفاض الشديد في سعر صرف الليـرة السورية، ما يعنـي أن آليات السياسة الاقتصادية طوال سنوات الحرب، أسهمت بقوة  في إعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية الاجتماعية، وبالتالي السياسية لسورية، بصورة مختلفة، على حساب شرائح معينة ومكونات مجتمعية باتت أكثـر تهميشاً وهامشية، اضطلعت بتسديد القسم الأعظم من فاتورة الحرب، إذ قدمت الشهداء لمواجهة الإرهاب، ودفعت الكثيـر من مدخراتها ومستوى معيشتها وكرامتها، لتمويل الأثرياء القدامى، ومن ثم الأثرياء الجدد الذين أنتجتهم الحرب، وعززت دورهم قوانين السوق السوداء، والرهانات المتزايدة على دور القطاع غير المنظم وخدماته؟!

هذا، وفي الأحوال كافةً لا يحقّ لأحد مهما بلغ شأنه في قطاع الأعمال غيـر المنظم داخل سورية وخارجها أن يتمنن على الدَّولة السوريّة، ولا على الشعب السوري، بتأمين بعض المواد أو المستلزمات. فمعظم ثرواتهم المالية، وإمبراطورياتهم الاقتصادية المترامية الأطراف في الداخل والخارج، هي من مال الشعب السوريّ، وليست من عبقرياتهم الاستثمارية، ولا من رياداتهم في قطاع الأعمال، أو عالم الابتكار والاستثمار.

 

 

رابعاً- دور الطابور الخامس في الأزمة الاقتصاديّة

لا يمكن لعملية حلّ الأزمة الاقتصاديّة الراهنة في ضوء تعقيداتها وإشكالاتها، أن تُختـزل بقدرة بعض الأشخاص وإمكانياتهم، ولا تتوقف على عملية استبدال شخص بآخر مع الأخذ بالحسبان أهمية وضرورة إعادة النظر في مواقع الأشخاص، وتقييم أدائهم، ومدى قدرتهم على اتخاذ القرار، وتحملهم المسؤولية في ذلك.

تُعَدُّ هذه القضيّة جوهريّاً قضية خطأ في النموذج الاقتصادي وسياساته، ما أنتج منظومة مرتبكة ومتآكلة، باتت بحكم القوانين الاقتصادية المعاصرة، وبفعل الحرب الشرسة خارج سياق العصر الاقتصادي، تعيش لحظة تاريخية مصيرية، ينبغي علينا أن نعي خطورتها، ونستوعب مضامينها، كما يتعيُّن علينا أن نعي استحقاقاتها ومتطلباتها. ويبقى الأبرز هو أن ندرك دور الطابور الخامس في الاقتصاد (الرسمي وغيـر الرسمي)، إذ يحاول أن ينتهز الفرصة في ظروف الأزمة، ويستغل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعيّ (الفيس بوك والواتس أب ....) للتهويل والتشكيك وإثارة الرعب، مع الأخذ بالحسبان أن قسماً كبيـراً من أفراد هذا الطابور، كانوا في مواقع المسؤولية، وقد جُرِّبوا، فكان منهم الناجح والشريف، والوطن يسأل عن عودتهم، ومنهم الفاشل والفاسد، والوطن يطلب محاسبتهم بشدة، دون تردد أو مواربة، ومنهم المخرب والمتآمر، والوطن يريد البحث عنهم، وتحديد موقعهم، وحدود دورهم في مضمون الأزمة، ومدى مسؤوليتهم عنها، ليُبنـى على الشيء مقتضاه. والمسألة ليست عصية على الفهم بالنسبة للمجتمع السوري الذي يدرك بدقة أن هؤلاء في غالبيتهم ليسوا جزءاً من الحل، بل يُعَدّون جزءاً أساساً من المشكلة الاقتصادية الراهنة، التـي تعود في قسمٍ كبيـر من أسبابها إلى تراكم سياسات اقتصاديّة وغيـر اقتصادية لا تعدّ صائبة في الكثيـر من جوانبها، إضافةً إلى ممارسات خاطئة ليست وليدة اللحظة الراهنة، والخبـراء الاقتصاديون يدركون أن نتائج السياسات الاقتصادية والقرارات تحتاج لبعض الوقت كي تظهر مفاعيلها وتتوضح نتائجها.

 

 

خامساً- المضمون السياساتي لبرنامج عمل اقتصادي بديل

لا يمتلك أحد مفاتيح الحلّ السحريّ للمشكلة/الأزمة الاقتصادية السورية الراهنة في سورية، فالأمر ليس يسيراً ولا سهلاً، ومن غيـر الجائز أن نلقي باللائمة ونسأل: أين الحلفاء؟ وإن كان التساؤل مشروعاً، ولا يجب أن ننتظر برامج إنقاذية تأتينا من هذا الطرف أو ذاك، لأن الجميع محكوم بأساسيات مصالحه، وأولويات أمنه الاستراتيجي. والسؤال الأبرز يبقى ماذا نحن فاعلون؟ ما جديد سياساتنا لمواجهة تجليات الحرب الجديدة؟

في ضوء ما تقدم، وفي محاولة متواضعة، سنحاول اجتـراح بعض الأفكار التـي نعتقد أنها يمكن أن تندرج في سياق برنامج عمل سياساتي، يتكون من ثلاث مستويات، يمكن إجمالها وفق الآتي:

المستوى الأول: مستوى استنهاض الدولة واسترداد هيبة المؤسسات والقانون

إنَّ عملية مواجهة الحرب الاقتصادية التـي بدأت بقوة على سورية، تتطلب اتخاذ إجراءات نوعية، رادعة وصادمة، للحيلولة دون الاستمرار في استباحة هيبة الدولة، والإساءة لصورتها في المخيال أو الوعي الضمني/الجمعي، يمكن الإشارة إلى أهمها وفق الآتي:

  1. التعاطي وبحزم وقوة مع المافيا الاقتصادية والمالية، وإلزامها بكل الأدوات والسياسات، للانضواء دون تردد أو خيار تحت سقف الدولة، وتوجهاتها الاقتصادية والتمويلية أياً كانت. وهذا مدخل أساس لا بد منه لإعادة الأمور إلى سياقها الطبيعي، ووضعها في النصاب الصحيح.
  2. مربع نص: إنَّ عملية مواجهة الحرب الاقتصادية التـي بدأت بقوة على سورية، تتطلب اتخاذ إجراءات نوعية، رادعة وصادمة، كالقضاء على جميع المظاهر والسلوكيات التـي تلحق الأذى والضرر المادي والمعنوي بصورة الدولة وهيبتها.  الإطاحة بعروش رموز الفساد، ممن تثبت ممارساتهم الفاسدة، واسترداد المال العام الذي استولوا عليه، وتحويله لصالح الخزينة العامة للدولة، مع الأخذ بالحسبان أن تنفيذ ذلك لا يمكن أن يتم بواسطة قرارات تصدر عن بعض الأشخاص، لأنَّ المسألة باتت أكبـر من طاقتهم، مهما كانت سلطتهم، ومهما بلغت مستويات نظافة الكف لديهم، ولا عن طريق بعض التدابير والإجراءات المحدودة، لأن المشكلة باتت بنيوية وكيانية، ما يعنـي أن مواجهتها يجب أن تكون مشروع دولة ومؤسسات، يأتي في مقدمتها مجلس الشّعب.
  3. العمل بقوة لتـرميم صورة المؤسسة الحكومية، وموظف الخدمة العامة (المدير والأستاذ الجامعي وغيـر الجامعي والموظف الشريف) الذي انكسرت هيبته وتصدعت صورته في زمن الحرب، جراء الحاجة والعوز .... وغيـر ذلك، في الوقت الذي ينتصر فيه الفاسدون، وأصبحوا يتصدّرون واجهة المجتمع، وصدارة الأروقة، ويجب أن نعلم بقوة أن هيبة الدولة من هيبة قانونها ومؤسساتها وموظفيها.
  4. محاسبة المتسببين بإنتاج عوامل الأزمة الاقتصادية التـي تهدد الاستقرار والسلم المجتمعي، ومحاكمتهم بوصف مخالفاتهم وارتكاباتهم جرائم واقعة، تلحق الأذى والضرر بأمن الدولة السياسي والاقتصادي، وتساعد في تصدع البنية الاقتصادية والاجتماعية في سوريّة.
  5. القضاء على جميع المظاهر والسلوكيات التـي تلحق الأذى والضرر المادي والمعنوي بصورة الدولة وهيبتها. 

المستوى الثاني: مستوى السياسات العامة وإعادة الهيكلة

يتطلب العمل على مستوى السياسات العامّة للدَّولة وعمليّة إعادة الهيكلة تنفيذ مجموعة من الإجراءات والتدابير العاجلة التـي تندرج في سياق الإجراءات والتدابير قصيرة الأجل، يمكن توضيحها وفق الآتي:  

  1. إعادة النظر في واقع التخطيط الاقتصاديّ ودوره، وإعداد الخطط والبـرامج الاقتصادية الحقيقية، وابتكار السياسات الكفيلة بوضعِ المنظومةِ الاقتصاديّة في المسار الصحيح الذي يساعد في الوصولِ إلى نقطة التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
  2. تشكيل خلية لإدارة أزمة اقتصادية تحت إشراف جهة وصائية عليا، تتكون من خبـراء وطنيين لديهم الحس السليم، والعقل البارد، يتمتعون بحالة من التوازن والانسجام النفسيّ والأخلاقيّ والمهنـيّ، مهمتها تقديم المقترحات والأفكار ورصد الواقع، ضمن تقارير يومية تُرفع لصناع القرار.
  3. إعادة هيكلة الكثيـر من الهياكل والبنـى الإدارية والمالية، في ضوء تقييم دورها ودراسة جدواها، إذ إنَّ الكثيـر منها كان قد أُنشئ في ظروف معينة، وفي ضوء متطلبات سياقٍ تاريخيٍّ مختلف، ما يعنـي أنها فقدت معناها في ضوء التحولات والمعطيات المتلاحقة، وأصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على الدولة والمجتمع في سورية.
  4. إعادة النظر في واقع الاتحادات والنقابات والأحزاب ودورها في الحياة العامة، تحديداً لجهة ما يتعلق بإدارة الأملاك، وآليات الصرف والإنفاق، ومصادر مواردها وإيراداته، وكيفية توزيعها والتصرف بها.
  5. شنّ حرب حقيقية على المهربين وعمليات التهريب، واعتماد عقوبات جزائية رادعة بجرم تهديد الأمن الوطني والإضرار بالمصلحة الوطنية العليا.
  6. المراجعة وإعادة النظر بصورة جذرية في سياسات التجارة الخارجية، أي (سياسة الاستيراد والتصدير، وسياسة إدارة القطع الأجنبـي، والتعامل مع السوريين المقيمين في الخارج)، ووضع رؤى متكاملة، تقوم على قواعد وأسس معينة، يمكن تحديدها وفق الآتي:
  • وضع حدّ لسقوف الاستيراد، شريطة ألا تتجاوز الطاقة الاستيرادية للاقتصاد السوريّ التـي يجب أن تتحدد في ضوء معدل النموّ الحقيقيّ للناتج ولحجم الإنتاج وبنيته.
  • مربع نص: يجب العمل بصورة مكثفة وعاجلة لتحسين واقع إيرادات الدَّولة المالية. وهذا يتطلب وضع برنامج عمل إطاريّ/تنفيذيّ عاجل وسريع، يستهدف ملاحقة المتهربين من الدفع ومعاقبتهم جزائياً، ومكافحة هدر المال العام.تحديد أولويات الاستيراد وتمويل المستوردات، لجهة التركيـز على تأمين حاجات ومتطلبات القطاع الزراعيّ، وبحسب الأهمية النسبية والضرورة الاقتصادية على مستوى القطاع، وكذلك الأمر بالنسبة للقطاع الصناعيّ وبحسب الأهمية النسبية والضرورة أيضاً، بحيث يتم استبعاد تمويل الأنشطة ذات المحتوى الدولاري الكبير التي تستنزف الرصيد المحدود.
  • الإقلاع عن سياسة سعر الصرف الوحيد، وتبنـي نظام سعر الصرف المتعدد (مع العلم بأن ذلك الإجراء لن يلقى الترحيب وسيواجه بقوة، لكنه ضرورة في الوقت الراهن)، بحيث يكون هناك سعر صرف مدعوم أو مُغالى به لليـرة السورية للمتعلق بتمويل المستوردات الأساسية أو الضرورية، والصادرات من المواد الأولية. أما بالنسبة للسلع الصناعية المحلية التـي تتجه نحو التصدير والواردات غير الأساسية (غير الضرورية) فتخضع لسعر صرف منخفض.
  • تحفيـز الأنشطة ذات الترابطات المحورية، وتلك التـي يمكن أن تتسبب بدفع خلفي أو أمامي كبيـر، أو خلفي وأمامي في آن، وتساعد في تعميق قنوات التشابك الاقتصاديّ بين القطاعات والأنشطة والفروع*.
  1. العمل بصورة مكثفة وعاجلة لتحسين واقع إيرادات الدَّولة المالية. وهذا يتطلب بدوره وضع برنامج عمل إطاريّ/تنفيذيّ عاجل وسريع، يستهدف ملاحقة المتهربين من الدفع، سواء أكانوا متهربين من دفع الضرائب أم الرسوم، ومعاقبتهم جزائياً، ومكافحة هدر المال العام، ووضع جدول أولويات محدد بدقة بالنسبة للإنفاق العام، ووضع الأطر التنفيذية اللازمة لعمل إدارة جمارك قادرة على حماية الاقتصاد السوريّ.
  2. وضع خطة تمويلية وإقراضية متكاملة تعطي الأولوية المطلقة للقطاع الزراعي وقطاع الصناعات الزراعية، ومستلزمات صناعة وتصنيع الأدوية.
  3. وضع خطة محكمة ومتشددة لإدارة القطع الأجنبـيّ، يعدها مصرف سورية المركزي بالتعاون والتنسيق مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وهيئة التخطيط والتعاون الدولي.
  4. قيام الدولة بتشكيل موازنة مخزونية للكثيـر من السلع القابلة للتخزين؛ ذلك عن طريق قيام الدولة بشراء الفوائض من المعروض، عندما تكون الأسعار منخفضة، وتخزينها لأوقات ينخفض فيها العرض.
  5. بناء هيكلٍ جمركيّ مرن ذي طابع حركيّ، يتمتع بالقسوة والشدة في قمع ما يهدد المنتجات المحمية المندرجة في خطة الإنقاذ الاقتصاديّ، تحديداً لجهة ما يتعلق بحماية المنتجات الزراعية، ومنتجات الصناعات الزراعية والصناعات الدوائية بصورة مؤقتة، مع الأخذ بالحسبان ضرورة ألا تتحول السوق إلى سوق احتكارية في الأجل الطويل.
  6. فرض ضريبة على المصدّرين، يمكن أن تساعد في ترميم العجز في ميـزان القطع الأجنبـي، وهذه الضريبة لا يمكن أن يترتب عليها أي نتائج سلبية، لأن انخفاض سعر صرف الليـرة السورية، يشكل فرصة لتعزيز القدرة التنافسية، وتحقيق ربح إضافي للمصدّرين يعوضهم عن الضريبة المسددة.
  7. تغييـر بعض فئات النقد السوري، بهدف الضغط لإخراج النقد السوري المحتبس، والمغيب لأسباب وغايات مختلفة، خارج دورة النشاط الاقتصادي.
  8. مراجعة بعض القرارات والبلاغات التـي تتعلق بإدارة الأزمة الاقتصادية الراهنة كمدخل لإلغائها، أو تعديلها قبل فوات الفرصة.

المستوى الثالث: مستوى العلاقة مع الحلفاء

لا يمكن البحث عن حلول للأزمة الاقتصادية الراهنة دون التعرض لدور الحلفاء، تحديداً الروسي والإيراني. فمن حق إيران أن تبحث عن مصالحها وعوائد مواقفها واستثماراتها في الحرب والسياسة، إذ إنها دفعت كثيـراً في زمن الغرم، ولذا تسعى لأن تجنـي في زمن الغُنم. لكن المسألة تحتاج بالمقابل إلى مراجعة سياسية، وإعادة تدوير للزوايا الاستراتيجية، وإعادة قراءة المعطيات التاريخية والمستقبلية، بمنظور مختلف، يأخذ بالحسبان ممكنات الحل والتسوية، والتحولات الكبـرى في موازين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية الدولية والإقليمية، بعيداً عن المحمولات الإيديولوجية. أما بخصوص العلاقة مع الجانب الروسيّ. فلا شك في أنَّ لروسيا مصالح استراتيجية كبـرى في المنطقة، وهي ترى في الأزمة السورية مدخلاً تاريخياً، وفرصة ربما لن تتكرر، عليها أن تنتهزها لوضع ترتيبات معيّنة، تضمن مصالحها الاستراتيجية في الإقليم، لكن ذلك يتطلب من الروس العمل بمنظور متوازن ينطلق من تفاهمات كبـرى، لإرساء الأسس المتينة لعلاقة استراتيجية أكثـر توازناً، تأخذ بالحسبان مصالح جميع الأطراف (الحلفاء) وتضحياتهم طوال سنوات الحرب.

 

 

خاتمة

إن محنة سورية الحقيقية ومأساتها الكبـرى تنبعان من جرح غيّب الذاكرة، وغار في أعماق الكيان، حتـى بلغ القلب، وضرب قاعدة البيانات التـي تأسس عليها الوعي الجمعي السوريّ.

وفي الواقع، إن سورية لم يرحمها أحد، لا من أبنائها التائهين، ولا من أصدقائها، وبالتأكيد لن تأتيها الرحمة من أعدائها المتربصين الذين يجدون في مأساتها الفرصة والأمل، وفي محنتها الوسيلة، ما يعنـي أنه لا بد من العمل المكثف لأجل استنهاض الدولة من جديد، على أسس متينة، تنطلق من وعي حقيقيّ (غيـر مزيف) يمكن بواسطته أن يخرج الجميع من حالة الغيبوبة/المحنة التـي جعلت من واقع السوريين، وأوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مسرحاً خصباً للابتـزاز الشائن، والاستثمار الرخيص.

 

 


* من بعض المقترحات التنفيذية:

  • السماح بإدخال سيارات سياحية وشاحنات للمغتـربين الذين أمضوا حسب الأصول والقوانين أكثـر من خمس سنوات على الأقل خارج القطر، على أن يتم دفع الرسوم الجمركية ورسوم الترخيص ومختلف الرسوم والضرائب بالدولار.
  • استيفاء مبلغ معين بالدولار كرسم اغتـراب، يُسدد من قبل المغتـربين حين عودتهم إلى سورية.
  • إعادة النظر في الإجازات الإدارية الخارجيّة، وإيقافها، نظراً لما يترتب عليها من عمليات تهريب للدولارات وللأموال السوريّة إلى خارج سورية، يُستثنى من ذلك الإجازات والسَّفر لدواعي العلاج والتعليم والمشاركة في المؤتمرات العلمية.

 

مركز دمشق للأبحاث والدراسات

مِداد

سيريا ديلي نيوز


التعليقات