الجولة الثالثة من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد بدأت، وانتقلت هذه المرة إلى مواضع حساسة. فبعد أن فرض ترامب بتاريخ 24 أيلول تعرفات جمركية على البضائع الموردة إلى الصين بمقدار 200 مليار دولار، ردت الصين بتعرفات جمركية بقيمة 60 مليار دولار، ولكنها أغلقت أفقاً أمام قطاع الطاقة الأمريكي.
أعلنت الصين إيقافها لشحنات النفط الأمريكية بشكل كامل، وفرضت تعرفة جمركية على واردات الغاز المسال الأمريكي بنسبة 10%، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 25% لاحقاً. الأمر الذي يعني أن صادرات الغاز والنفط الأمريكية الواعدة سدّت أمامها الأفق الأهم المتمثل بالمستورد الصيني الأكبر عالمياً.

ازدادت علاقات تصدير منتجات الطاقة الأمريكية إلى الصين خلال العامين الأخيرين بنسب كبيرة، بعد أن وسعت الولايات المتحدة من صادراتها بمستويات كبرى وتحديداً في الغاز، ووسعت الصين مستورداتها من الطاقة لتصبح المستهلك الأكبر عالمياً.
المستورد الأكبر والمنتج الأكبر متخاصمان
الصين هي المستورد العالمي الأول للنفط الخام بنسبة 17% من السوق العالمية، ولكنها أيضاً تحولت إلى المستورد الثاني عالمياً للغاز الطبيعي، بعد اليابان، مزيحة كوريا الجنوبية عن هذا الموقع.
وبالمقابل فإن الولايات المتحدة، هي المنتج العالمي الأكبر في قطاع النفط، منذ عام 2013 حيث سبقت روسيا إلى هذا الموقع. وقد رفعت صادراتها من النفط الخام 24 ضعفاً خلال سبع سنوات، لتصل إلى 1,1 مليون برميل مصدر في عام 2017. إن توقف صادرات الخام النفطية الأمريكية إلى الصين، يعني خسارة هذه الصادرات لنسبة 20% من سوقها، ولقيم تقارب 11 مليار دولار سنوياً.
الولايات المتحدة هي المنتج الأكبر أيضاً للغاز الطبيعي، وهو إنتاج متسارع النمو بمستوى قياسي: حيث ضاعفت أمريكا كميات إنتاجه بنسبة 40% بين عامي 2005-2015.
ودخلت سوق التصدير من أوسع أبوابه، لترتفع الصادرات الأمريكية للغاز المسال بمستويات قياسية خلال فترة قياسية: لتضاعفها 25 ضعفاً خلال عامين! (بيانات eia).
ارتبطت هذه الزيادة التصديرية، بعمليات استثمارية كبرى في سوق الغاز، مبنية على ارتفاع الطلب المتوقع في آسيا عموماً، وفي الصين خصوصاً. تلك التي تجري عملية انتقال سريعة في طبيعة استهلاكها للطاقة، لتتخلص من الفحم، وتتجه إلى الغاز، لأغراض بيئية موضوعة في الخطة الخمسية الأخيرة الصينية.
فبينما لم تكن الولايات المتحدة تصدر للصين أي غاز مسال في عام 2015، فإنها قد زادت صادراتها لها بنسبة 600%، وأصبحت الصين المستورد الثاني، من الولايات المتحدة بعد المكسيك.
بدائل الصين في آسيا الكبرى
في عام 2018 بدأت التعرفات الجمركية الجديدة، بتخفيض شحنات الغاز المسال، بل وتهدد عمليات توسيع الإنتاج الأمريكية، التي كانت ترتبط بالاستثمارات الصينية في القطاع الأمريكي. حيث يبدو أن الصين ستستثمر في الغاز المسال في موضع آخر، والولايات المتحدة ستكون مضطرة للبحث عن جهة أخرى تستورد هذه الزيادة الكبيرة في إنتاجها للغاز المسال، الذي تنوي الولايات المتحدة أن ترفعه بمستويات إضافية قياسية.
الحرب التجارية ستضر قطاع الطاقة بين البلدين بشكل واسع، ولكنها تشكل خطراً أكبر على الولايات المتحدة، من الصين. فالصين التي ألغت واردات النفط الخام تعتمد على مشاريع التوسع في المصادر البديلة، من آسيا تحديداً. وكذلك الأمر في الغاز رغم أنه يأخذ وقتاً أكبر.
حيث إن أكبر المستفيدين من تراجع الدور الأمريكي سيكون منتجي آسيا، وتحديداً روسيا وإيران، والمصدرين الكبار على المستوى العالمي أي قطر وأستراليا.
روسيا ستوصل أنبوب غاز سيبيريا لمد الصين بالغاز الطبيعي في شهر 11 من العام القادم، وسيؤمن 38 مليار متر مكعب سنوياً، وهو ما يعني نسبة 40% من حاجات استيراد الصين في عام 2017. ولكن المصادر الأخرى المتوقعة، هي من إيران التي قد تكون أكبر المستفيدين، وتحديداً بعد أن حصلت شركة cnpc الصينية النفطية على استثمار حقل جنوب فارس الإيراني، بعد خروج شركة توتال الفرنسية إثر العقوبات الأمريكية. وهذا الحقل، هو واحد من أكبر حقول الغاز العالمية، وإيران عموماً تمتلك أكبر احتياطي غاز مؤكد وغير مستثمر بعد، ومن الممكن أن تتحول سريعاً بالاستثمار الصيني إلى مصاف المنتجين الكبار.
يضاف إلى هذا وذاك الغاز من تركمانستان عبر انضمام الصين إلى مشروع خط أنابيب يعرف باسم tapi ويضم تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند، ليدخل خط الأنابيب هذا ضمن مشروع الحزام والطريق. بالإضافة إلى إمكانات توسيع العقود الموجودة حالياً للتوريد من قطر وأستراليا.

ستخسر أمريكا الصين باعتبارها سوق الطاقة الأهم، وتتيح المساحة لغيرها للاستفادة من نمو استهلاك الصين للطاقة. حيث تشكل السوق الصينية المتوسعة، حافزاً لتوسيع الاستثمار الصيني في مشاريع الغاز في آسيا ورفع مستوى الربط بين دولها، ما يشكل رافعة لكل من روسيا ودول أوراسيا الأخرى، بالإضافة إلى إيران.
سيتبقى للولايات المتحدة سوقي اليابان وكوريا، وهي المرشحة لتراجع استهلاكها مع الاستثمار في الطاقة النووية في اليابان تحديداً. بالإضافة إلى السوق الأوروبية التي تنازع الولايات المتحدة لإبقائها ومنع تحولها إلى روسيا، حيث يشكل خط السيل الشمالي الروسي- الأوروبي، تهديداً للولايات المتحدة، إذ أنه سيوصل 110 مليار متر مكعب سنوياً إلى أوروبا، ما يعني نسبة 24% من الواردات الأوروبية العالمية.
الحرب التجارية الأمريكية على الصين، تقدم خدمة لسوق النفط والغاز الروسية، حيث أصبحت روسيا المصدر الأول للنفط الخام إلى الصين، وستؤمن 40% من واردات الصين من الغاز في عام 2019، و24% من حاجات أوروبا، بعد تطبيق أنبوبي سيبيريا، والسيل الشمالي.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات