العدد السادس عشر: 3 أيلول 2018

 

"ملاحظات حول الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه مرتفعات الجولان"[1]

مركز أبحاث (التحالف الإسرائيلي من أجل الجولان) عدد 2018

بقلم: المحامي تسفي هاوزر سكرتير الحكومة الإسرائيلية السابق[2]، ايتسيك تسارفاتي مدير مركز (ياحدا) من أجل الجولان

 

يستهل البحث الصادر بالعبرية مقدَّمته بالاستشهاد بما قاله تيودور هيرتزل رئيس الحركة الصهيونية ومؤسسها عام 1902 في كتابه "الأرض القديمة الجديدة" Alten Neue Land بالألمانية: "لا بدَّ من بناء سكك حديدية تمتد من لبنان إلى البحر الميت، ومن ساحل المتوسط إلى الجولان وحوران، وكأنها قناة من القوة البشرية اليهودية".

وتحت عنوان: "تجزئة سورية من المنظور الإسرائيليّ: انعكاس لواقع أثنيّ ولمصلحة أمنية جيو-استراتيجية إسرائيلية" يؤكد الباحثان أن "سورية شكلت منذ نشوئها عام 1946 تجمُّعاً لشعوب عاشت ضمن معادلة توازن هش، لكنها نجحت في البقاء لسبعين سنة تقريباً، رغم الأزمات الكثيرة التي شهدتها بعد الحربين العالميتين إلى أن نالت الاستقلال، ولم تكن مسيرة سورية كدولة مستقلة سهلة؛ بل تعرضت لانقلابات كثيرة حتى عام 1970 بدأ فيها ترسيخ سلطة حافظ الأسد على الدولة، وضمنت القيادة سلطتها عن طريق تحالفات وائتلافات ضمت مختلف الأقليات والطوائف إزاء أغلبية سُنِّيَّة تشكل 60% من السكان. وفي ظل تركيز العداء على الصهيونية وإسرائيل تمكن النظام من خلق وحدة وطنية على قاعدة قواسم مشتركة محدودة ضد عدو مشترك، وكان الجيشُ السوريُّ طوال مدّة وجوده موجَّهاً للحرب ضد إسرائيل، وعَرَّضها لأخطار كثيرة كان أكبرها حرب تشرين 1973، لكن تعطَّل مرجل الانصهار، وبلغ نقطة الغليان في عام 2010 إلى أن انفجر الوضع عام 2011.

ويضيف الباحثان: "وفي وقتنا الراهن ومن وجهة نظر أمنية استراتيجية تستشرف المستقبل، هناك مصلحة استراتيجية إسرائيلية في تفتيت وتقسيم أي وجود لقوة عسكرية معادية مقبلة في جبهة الغد الشرقية؛ ذلك أنَّ ميزان القُوى في مفاهيمه الأساسية لن يتغيّر لمصلحة إسرائيل إلى حين أن تتجزأ المنطقة السورية-العراقية إلى عدة كيانات سياسية كيلا تضطر إسرائيل إلى مجابهة قوة عسكرية واحدة وموحدة تخصص كل مصادرها لمحاربة إسرائيل التي تفضل مجابهة قوات مبعثرة مجزأة، فمواجهة حشد من قوات تدعمها إيران أو تم إعدادها من قِبَل الجيش الإيراني أو مقاتلين من حزب الله وقوات سورية وميليشيات شيعية ستشكل بالنسبة إلى إسرائيل تحدياً أمنيّاً جديداً ومعقداً. ولذلك تصبح عملية تأسيس كيانات مستقلة قديمة جديدة تنعكس عن الانقسام الديني والأثنيّ في المنطقة السورية  قادرة على خلق توازن قوة جديد؛ بل وقادرة بالضرورة على تغيير ميزان القوى الجيو-الاستراتيجي في الحدود الشمالية لإسرائيل، كما لن يكون هناك ما يمنع جزءاً من هذه الكيانات الجديدة من رؤية نفسها شريكاً في تحالف أقليات جديد في المنطقة مع إسرائيل؛ بينما يضطر جزء آخر من هذه الكيانات الصغيرة إلى خوض مجابهة في ساحة متعددة الجبهات المستثيرة للنزاعات، وبهذه الطريقة يجري توجيه غاياتها الهجومية والعدائية نحو أعداء آخرين وليس نحو إسرائيل فقط. وباختصار لا بد من تفتيت الدولة السورية، لأن مصلحة إسرائيل تتطلب تفكيك وحدة سورية المعادية لإسرائيل بطريقة تؤدي إلى إضعاف التهديد الموجه من الحدود الشمالية لإسرائيل بشكل استراتيجي وعلى المدى البعيد".

وتحت عنوان: "إيجاد منظومة تحالفات"، يوضح الباحثان في خطتهما أنه: "في الظروف التي نشأت في المنطقة في السنوات الست الماضية ظهرت برامج تدعو إلى تأسيس كيانات سياسية على شكل دويلات أو مناطق حكم ذاتي جديدة لا يكون لسكانها أي نزاع دينيّ أو تاريخيّ مع دولة اليهود بشكل خاص ولا مع الغرب بشكل عام. ويمكن أن نعدَّ أحد هذه الكيانات للأقلية الكردية في سورية وكذلك للدروز والمسيحيين، وفي بعض الظروف المناسبة لطائفة العلويين أيضاً، وفي حالة كهذه ستتحقق لإسرائيل نتائج إيجابية بشكل خاص وللغرب وللولايات المتحدة بشكل عام؛ ذلك عن طريق التعاون مع هذه المجموعات وتقديم الدعم لها والاستمرار في متابعة إعداد وبناء كياناتها في المستقبل. وإذا كان هناك ما يدل على أن الأسد قد استعاد سلطته على مناطق واسعة في سورية بدعم روسيٍّ-إيرانيٍّ مكثف، فإنَّ هذا الوضع مصطنع وهش، ويعتمد على وجود قوات من خارج حدود سورية.

وفي موضوع التعاون بين إسرائيل والأقليات في المناطق السورية والعراقية يتوجب أن يقوم على القاعدة التي وضعها ديفيد بن غوريون في خطته "لحلف الأقليات مع إسرائيل في الشرق الأوسط"، وحين تقوم القيادة الإسرائيلية بالنظر في هذا التعاون عليها إدراك ما يتوافر فيه من إمكانات على المدى الطويل مع هذه الأقليات، ودراسة قدرة تأثير كياناتها في المحافظة على أمن إسرائيل وحدودها مع سورية؛ بل ومدى قدرتها على تشكيل ثقل موازٍ للأطراف المتشددة في عدائها لإسرائيل في المنطقة. ومع ذلك يكتنف التعاون القائم مع إسرائيل في إطار "حلف الأقليات " عدداً من الأخطار:

  1. يمكن أن يؤدي التدخل العلني الإسرائيلي في ساحة أطراف الحرب الأهلية داخل سورية إلى تعريض هذه المجموعات أو الأقليات للخطر ويولد ضدها أعداءً آخرين.
  2. يمكن أن يؤدي تعاونها العلني مع إسرائيل إلى إلحاق الضرر بشرعيتها من قبل دول في الشرق الأوسط. 
  3. يمكن أن تظهر صعوبة في بلورة علاقات استراتيجية بين هذه الأقليات مع إسرائيل، لأن معظمها غير منظم ضمن نظام سياسي؛ بل مجرد منتمِ لمجموعة أقلية قابلة لتبديل ولاءاتها بحسب التغيرات على الأرض، لكن التعاون الذي تتوافر فيه إمكانية تشكيل تحالف مع إسرائيل هو مع مجموعة الأكراد، لأنَّ الشعبين الإسرائيليّ والكرديّ مرفوضان في المنطقة، ويجمعهما تصميم ومصالح مشتركة وتعاون تاريخيّ ولا وجود لنزاع دينيّ أو ثقافيّ بينهما.

وفي واقع الأمر لا يُعَدُّ تحالف المصالح بين إسرائيل ومجموعات الأقليات في الشرق الأوسط فكرة غير مسبوقة، فقد أقامت القيادةُ الإسرائيليةُ بطرق وبمستويات متعددة تحالفاتٍ وتعاوناً استراتيجيّاً مشتركاً مع شاه إيران حتى سقوطه عام 1979، ومع أكراد العراق في الستينيات والسبعينيات، ومع المسيحيين الموارنة في السبعينيات والثمانينيات وكذلك مع تركيا. ورغم ذلك لا يتوجب أن يكون وقوف إسرائيل مع أي أقلية، سواء أكانت كياناً، أم مجموعة على طريق التحول إلى كيان سياسيّ علنيّاً بالضرورة؛ بل يمكن أن يجري ذلك على نحوٍ سريٍّ تتحدّد مهمة إسرائيل على أساسه بتقديم العلم والتكنولوجيا والمعلومات الاستخباراتية والخبرة في المسائل الدبلوماسية؛ ذلك  مقابل اعتراف هذه الكيانات بإسرائيل وحقها في تقرير مصير الشعب اليهوديّ، وتجسيد وجوده بدولة يهودية ذات سيادة في الشرق الأوسط وضمان أمنها ومن أجل تطوير مصالح إضافية، مثل: الاعتراف بضمها للجولان بموجب القانون أو الأمر الواقع. وإجراء كهذا لم يكن ممكناً في واقع المنطقة قبل اندلاع نار الحرب الأهلية في سورية، ولذلك على إسرائيل الآن تثبيت إجراءات كهذه والنظر إليها، بصفتها فرصةً تاريخية، من أجل تشكيل واقع جديد يتعلق بمكانة إسرائيل والاعتراف بها وبحدودها الآمنة في المنطقة".

ويضيف الباحثان أن "الحرب في سورية ولّدت نتائج قاسية على المستويين البشري والتاريخي، بما يتعلق بالخسائر البشرية والإضرار بالأنفس والممتلكات، وولدت حركة هجرة وجرائم حرب ضد المدنيين. وهذه النتائج التي يصعب احتمالها نتج عنها وضعٌ ثابتٌ يتصف بعدم الاستقرار ونشوء العداوات والنزاعات الدموية بين مختلف المجموعات السكانية، وفقدان الإمكانية الفعلية للمصالحة على مدى سنوات كثيرة، وهناك افتقاد تام لأدنى مستوى من القواسم المشتركة بين الناس الذين يشكلون سكان سورية، وعبّر هذا الواقع عن نفسه على شكل انقسام، وتشتت السكان إلى مجموعات وشبه مجموعات تدعم بعضها دول ترفض السلام مع إسرائيل. وواقع معقد كهذا يؤكد بشكل متزايد مصلحة المجتمع الدولي من استمرار السيادة الإسرائيلية على مرتفعان الجولان. ويتضح للجميع أن الواقع السائد في المنطقة سيُعَدُّ فيه انسحاب إسرائيل من الجولان بمثابة التخلي عن أراض أخرى في الشرق الأوسط وتسليمها للنظام الإيراني أو للمجموعات والمنظمات الداعمة للإرهاب. وفي ظل هذا الوضع يصبح استمرار السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان هو الذي يتطابق مع المصالح الدولية الحيوية لاستقرار وتقدم المنطقة.

وإنَّ واقع التشتت وتجزئة الأراضي السورية-العراقية وطول مدّة الحرب المستمرة وتزايد عدد القتلى واللاجئين وتصاعد وتيرة الإرهاب والفوضى في المنطقة، كلّ ذلك يضع المجتمع الدولي أمام أكبر تحد في هذا الوقت.

كما أن استمرار تحديد سورية كدولة ذات حدود دولية  "بحكم القانون" De jure   بينما هي تقوم بوظيفتها بحكم الأمر الواقع  De Facto كدولة مجزَّأة إلى كيانات مختلفة بعضها على شكل قبلي أو على شكل حكم ذاتي أو على شكل دويلة داخلها غير معترف بها، أصبح تحديداً غير مسبوق  تقريباً؛ بل إنَّ هذا الوضع ربما بات يشبه بدرجة ما الوضع الذي ساد في البلقان أثناء حرب عام 1995 التي انتهت باتفاقية "خط دايتون" لتقسيم البوسنة وهيرتسغوفينيا،  فما جرى في السنوات الماضية في سورية والعراق لم يؤد إلا إلى نتيجة مركزية واحدة وهي: لا أفق آخر في موضوع الجولان إلا الأفق الإسرائيليّ، فسيطرة إسرائيل على الجولان هي التي تؤمن المحافظة على الهدوء والاستقرار والطمأنينة التي تعد شروطاً للسلام، وإن السيادة الإسرائيلية هي التي تخدم المصلحة الاستراتيجية لدول كثيرة في العالم بشكل عام  ودول المنطقة بشكل خاص، ذلك لإيقاف استمرار سيطرة إيران على الشرق الأوسط. فالانسحاب الإسرائيلي سوف يتولد عنه فراغ يعرض دولة إسرائيل للخطر. ويمكن أن يزعزع استقرار دولة الأردن المتاخمة في حدودها للجولان. وفي ظلّ واقع كهذا تصبح مطالبة إسرائيل بالانسحاب من الجولان غير معقولة، ولذلك يتوجب على واشنطن وموسكو إجراء محادثات بناءة حول كل ما يتعلق بالشرق الأوسط، وكذلك بالوضع الخاص للأسد وارتباطه بروسيا، لكي تتمكّنا من التوصل إلى صيغة لتوافق المصالح بينهما كدولتين من الدول الكبرى وبينهما وبين إسرائيل حول تسوية لما بعد الحرب في سورية. ويجب أن تتضمن تسوية من هذا القبيل موافقتهما على أن يكون الجولان جزءاً من دولة إسرائيل، وينبغي على العالم أن يقوم بتحديد أهداف واتجاهات الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الحرب في سورية. وإذا كان المطلوب هو المحافظة على الهدوء وتعزيز حقوق الإنسان والتصدي للأطراف المتطرفة كأهداف عليا، فإنَّ انسحاب إسرائيل من الجولان لن يساعد على تحقيق هذه الأهداف؛ بل سيولد وضعا عكسياً".

ويؤول البحث إلى استنتاج أنه "لأول مرة منذ خمسين سنة تتولد فرصة ممكنة لتغيير الحدود في الشرق الأوسط، وتجد إسرائيل في ذلك فرصة لنيل الاعتراف بسيادتها على الجولان كمنتج تحصل عليه من منتوجات الحرب التي جرت في سورية. كما أن مفهوم الدولة بدأ يفقد جزءاً من أهميته في مناطق معينة في الشرق الأوسط، ويبدو أن تحركات شبه أرضية جرت في العقود الماضية أخذت تفرض طبوغرافية اجتماعية وبشرية جديدة".

وبعد توجيهه انتقادات للسياسة الإسرائيلية التي لم تستطع تركيز نشاطها وتدخلها في سورية، إلا لتحقيق أهداف تكتيكية، ولم تستطع تحقيق أيَّ هدف استراتيجي يبين البحث أن: "إسرائيل ستتعرض لفشل تاريخيّ إذا اكتفت بالرد التكتيكي على أعدائها، لذلك ينبغي عليها المبادرة بالرد على كل ما يجري ضدها ورؤية أن التحديات بالغة الأهمية والفرص المتوافرة لإسرائيل كثيرة".

 

 

 


"مقابلة مع قائد جبهة الشمال الإسرائيلية حول الجولان"

 

 

وفي مقابلة خاصة أجرتها مجلة "يسرائيل هايوم"[3] مع قائد جبهة الشمال الإسرائيلية العميد "آشير بن لولو" في 23 آب 2018 حول الجولان ما بعد مرحلة الحرب في سورية تحت عنوان: "إسرائيل تتطلع إلى أن تكون الحرب المقبلة آخر الحروب مع الشمال".

يرى العميد بن لولو أنه "بعد سيطرة الأسد من جديد على حدود الجولان يبدو أن المنطقة كما تظهر لنا على الأرض عادت إلى حالتها القديمة التي سادت أربعين عاماً على حدود الجولان، لكنه رغم ذلك ما زال الجيش الإسرائيليّ في ذروة استعداداته، وما تزال قيادة جبهة الشمال الإسرائيلية تؤكد على عدم وجود أي ضمانة لسيادة الهدوء على تلك الجبهة. فالنظام السوري عاد إلى الحدود، لكنه ليس النظام نفسه، وإن كان الأسد هو نفسه، فالجيش السوري لحق به ضرر كبير، وفقد جزءاً كبيراً من قدراته.

هذا، ومع عودة النظام السوريّ إلى الحدود، بدأ الأسد بإعادة تنظيم قواته، وبإنشاء المتاريس والتحصينات من أجل تشكيل دوريات وتقديم مساعدات للمدنيين هناك، لكن إسرائيل طرحت من جانبها مطلباً؛ ذلك لإعادة الوضع إلى ما كان عليه، وتطبيق صلاحيات اتفاق فصل القوات لعام 1974 بدقة. وفي هذا الإطار قدمت إسرائيل في الأيام الماضية للأمم المتحدة طلباً بإعادة نشر قوات الأندوف في مواقعها في منطقة الحدود السورية بعد أن تخلت هذه القوات عن ثلثي مواقعها عند تلك الحدود أثناء الحرب في سورية في منتصف عام 2013، فقد سحبت النمسا من حدود الجولان مئات من جنودها خوفاً على حياتهم، وفي عام 2014، وقعت ثلاثة أحداث خطف وهجوم على معسكرات أندوف في حدود الجولان السورية، فتقرر في أعقاب ذلك سحب معظم القوات من تلك المنطقة إلى مناطق داخل المنطقة الإسرائيلية. وفي الثلث الشمالي لهذا القطاع، أي في منطقة جبل الشيخ السورية، بقي جنود الأندوف في منطقة كان النظام السوري هو الذي يديرها. ومنذ انسحاب قوات الأندوف من المنطقة السورية، ذكرت تقارير الأمم المتحدة أن الجيش الإسرائيلي قام بتحركات على طول الحدود مع سورية شاهدنا بعضها قبل أسبوع، وأن الذي كان يجري على الجانب الآخر، أي السوري توقف، وإسرائيل أصبحت معنية الآن بإعادة قوات الأندوف على طول حدود الجولان من الجانب السوريّ؛ بل طلبت إسرائيل من الأمم المتحدة زيادة قوات الأندوف بعدة مئات إضافية بعد أن انخفض عددها إلى ألف من الأفراد، فإسرائيل تتطلع إلى إعادة فاعلية وعمل معبر القنيطرة الذي كان ينتقل عبره مدنيون ومنتوجات زراعية من قرى الجولان إلى داخل سورية".

ويضيف العميد ابن لولو أن: "الجيش السوري يواجه الآن عملية ترميم نفسه. كما أن التغيير الذي تعرض له لم يكن التغيير الوحيد الذي ولدته الحرب الأهلية في سورية الدولة المجاورة، ففي سنوات الحرب الماضية انضمت إلى قوات الأسد قوات من حزب الله وميليشيات وقوات إيرانية قاتلت كتفاً إلى كتف مع الجيش السوري، وشكلت عاملاً هامّاً في نجاحه. وإسرائيل تخشى الآن من انتشار قوات لحزب الله مع قوات الأسد على طول حدود الجولان، فتهدد قوات حزب الله إسرائيل من جبهة أخرى غير جنوب لبنان. كما تخشى إسرائيل كثيراً بالقدْر نفسه أن تحاول إيران استغلال هذا الظرف الجديد لمصلحة تمركزها في سورية، وإنشاء قاعدة متقدمة لها في منطقة حدود الجولان، فقد أعلن المسؤولون عن السياسة الإسرائيلية والقادة العسكريون في مناسبات عديدة أن إسرائيل تعد أي تمركز إيراني من هذا النوع خطاً أحمر. وإسرائيل كما يعلم الجميع قامت بعمليات وما تزال تقوم بذلك بشكل غير قليل في سورية من أجل منع هذا الأمر تحديداً حين نسبت مثل هذه الأعمال لإسرائيل في مناسبات كثيرة دون أن تعترف بها بشكل رسمي، فالجيش الإسرائيلي نفّذ في سورية عشرات العمليات المتنوعة، وهاجم فيها مواقع كانت تشكل خطراً على إسرائيل. وينبغي على الجيش السوري أن يعود إلى منطقة الحدود دون اصطحاب حزب الله وإيران. ونحن نتابع بشكل دقيق كل ما يجري في سورية، ونتابع التدقيق في هُويّة القوات: من هو سوري ومن هو من حزب الله أو إيران في هذه المرحلة. ونحن الآن لا نرى وجوداً لحزب الله أو إيران على طول حدود المنطقة، وربما لن يأتوا إليها رافعين أعلامهم؛ بل قد يأتوا بغطاء بريء على ما يبدو؛ لكننا رغم ذلك نواصل متابعة هذا الأمر. ومن ناحيتنا ما زال الجيش الإسرائيلي في حالة الاستعداد بشكل قوي جداً على طول حدود الجولان مع سورية، ولن نحوّل سيوفنا إلى سكة المحراث، ولن نضع الورود على فوهات مدافع دباباتنا، ونحن لدينا قوة وقدرات مخابراتية وهجومية. ونريد ألا نرى عدم ظهور شيء آخر هنا تحت عنوان سوريّ، وسوف يشكل ذلك امتحاناً كبيراً لنا، لأن الرسالة المركزية دقيقة وحادة. وأن يتمركز جيش سوري في تلك المنطقة نقول: نعم؛ أما حزب الله وإيران فكلا. وسيحتفظ الجيش الإسرائيليّ لنفسه بحق العمل والرد من أجل منع وضع كهذا".

 

 

وفي التحليل والاستنتاج

يُعَدُّ واضحاً أنَّ البحث يشبه تماماً في عرضه للأهداف الإسرائيلية وفي توصياته للقيادة الإسرائيلية خطة شبه تفصيلية لثاني وثيقة يعلن فيها مصدر إسرائيلي هو سكرتير مجلس الوزراء الإسرائيلي السابق "تسفي هاوزر" وبقلمه عن ضرورة قيام إسرائيل بتجزئة سورية والعراق للتخلص من أخطار مباشرة قريبة وبعيدة المدى على إسرائيل من الجبهة الشمالية والجبهة الشرقية، ويُقصد من ذلك مشاركة العراق مع سورية في هذه الجبهة، فالوثيقة الأولى حول خطة تجزئة وتقسيم سورية والعراق ومعهما لبنان ومصر –وهي الدول المحيطة بفلسطين المحتلة– كانت قد صدرت  في بداية الثمانينيات عن عوديد يينون[4] موظف في الخارجية الإسرائيلية، وجرت متابعتها، عمليّاً، منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

ويثبت هاوزر وزميله في بحثهما الذي يعد وثيقة تفصيلية إسرائيلية لتقسيم وتجزئة سورية والعراق في هذه الظروف أن هذه الخطط بقيت جزءاً من مشروع أول رئيس حكومة إسرائيلية عام 1949 وهو ديفيد بن غويون الذي وضع خطة (تحالف إسرائيل مع الأقليات) منذ ذلك الوقت. وهذا يعني أن القيادة الإسرائيلية لا يمكن أن تتوقف عن متابعة هذه المشاريع ضد الدول العربية المجاورة لها منذ الإعلان عنها؛ بل هي جزء من استراتيجية المحافظة على بقائها والوسيلة التي تسهل لها تحقيق توسع إقليمي لاستكمال المشروع الصهيوني الاستعماري في المنطقة وتحويله إلى أكبر قوة عسكرية في المنطقة لكي تضمن إسرائيل وجودها.

ويُلاحظ من السجل الإسرائيلي لتنفيذ هذا المشروع التقسيمي الدائم على جدول العمل السياسي والعسكري الإسرائيليّ، أن سورية نجحت في عرقلته وإحباطه في مراحل ومحطات تاريخية عديدة حين نجحت هي ومصر في شن حرب مشتركة في تشرين عام 1973 إلى أن انتكست نتائج الحرب وآفاقها باستفراد إسرائيل بمصر في اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 وتعطيل دورها المشترك مع سورية، ورغم ذلك تمكنت سوريا أثناء مواجهتها للاجتياح الإسرائيلي للبنان وتحالف المقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية معها على الأراضي اللبنانية من إحباط المخطط الإسرائيلي لتقسيم لبنان، وحافظت بفعل هذه الشراكة على سلامة سيادته ووحدة أراضيه.

وفي أعقاب الاحتلال الأميركيّ-الغربيّ للعراق وتغيير دستوره وأُسس نظام الحكم فيه، بما يخدم تسهيل تنفيذ مخطط تقسيمه، تعرضت سورية لأخطر التهديدات الأميركية-الإسرائيلية بعد عام 2003، بهدف تقسيمها وتفتيت سيادتها فوق أراضيها، ولكنها تجاوزت كلّ هذه التهديدات، وتوافرت لها وللعراق فرص لتعزيز وحدة وسلامة أراضي الدولتين بعد صمودهما وانتصارهما على المجموعات الإرهابية التي اجتاحت أراضيهما منذ عام 2011.

ومع ذلك لا أحدَ يمكن أن يتوقع أن تتراجع إسرائيل وحلفاؤها عن العمل على تقسيم سورية ولبنان والعراق؛ بل ومصر والأردن. كما لا يمكن أن يزال هذا الهدف من جدول أعمال إسرائيل السياسي والعسكري والاستخباراتي، لأنَّ أحداً لا يمكن أن ينكر أن إسرائيل ولدت بقوة الاحتلال في ظروف حربين عالميتين انتصر فيهما حلفاء الحركة الصهيونية ثم توسع كيانها الإسرائيلي عن طريق الحروب التي شنتها على جوارها بعد عدوان حزيران عام 1967، وهي ما تزال تحتل منذ ذلك الوقت الضفة الغربية، وتحاصر قطاع غزة، وتواصل احتلالها لمرتفعات الجولان السورية التي حملت عنوان هذا البحث  الذي يستنتج بشكل مكشوف أن نجاح إسرائيل في المحافظة على ضم الجولان تحت السيادة الإسرائيلية لا يمكن أن يتحقق إلا بأحد حلين: إما أن تتنازل عنه سورية مقابل سلام تفرض فيه إسرائيل شروطها  أو أن تستمر إسرائيل في العمل على تنفيذ مخطط تقسيم سورية بكل الوسائل الممكنة إلى كيانات مذهبية وأثنيّة وقبلية، بموجب ما يُبيِّن البحث، فيتحقق لها عندئذ التخلص من وحدة القدرات السورية السياسية والوطنية والسيادية  والاحتفاظ به وتوسيع حدودها على حساب ضم المزيد من الأراضي المتاخمة لحدود الجولان، وهذا الهدف لا يعد نتاجاً لرغبة انتقائية بقدر ما هو هدف مصيري إسرائيلي يرتبط، ديناميكياً ووظيفياً، بوجود إسرائيل نفسه وبقائها في المنطقة.

ولذلك تصبح أي تسوية سلمية مع سورية أو لبنان في الجوار حتى لو تضمنت انسحاباً إسرائيلياً من جزء مما احتلته عام 1967 أو معظم ما احتلته مجرد مرحلة تكتيكية لن تتوقف إسرائيل عن استغلالها، من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي النهائي وهو تفتيت قدرات وسيادة أراضي أي دولة مجاورة، ومصادرة قرارها الموحد بعد تحويلها إلى كانتونات متنازعة فيما بينها، وليس ضد إسرائيل بموجب ما ينص البحث. وبهذا الإنجاز النهائي والحاسم فقط تعتقد القيادة الإسرائيلية أنها تضمن حياة وبقاء "دولة إسرائيل"، وتستكمل من هذا طريق مشروعها الصهيوني من ناحية استراتيجية، والأدلة على ذلك كثيرة:

  1. نجحت القيادة الإسرائيلية في تقسيم وتفتيت منظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو عام 1993، وفرضت معظم شروطها اللاحقة بقوة الأمر الواقع على الأراضي المحتلة، وتخلت عن غزة لصالح وضعها تحت الحصار وراهنت على تنفيذ خطة إقامة دويلة فلسطينية خارج أراضي الضفة الغربية والقدس، ونشرت المستوطنات في الضفة الغربية والقدس؛ ذلك تمهيداً لضمهما نهائياً، فكان اتفاق السلام الإسرائيلي الفلسطيني مجرد مرحلة تكتيكية على طريق تحقيق الهدف الاستراتيجيّ.
  2. نجحت القيادة الإسرائيلية في فرض نزع سلاح شبه جزيرة سيناء بعد الانسحاب منها مقابل السلام مع مصر وفتح قناة السويس، وبعد 32 سنة تحولت منطقة سيناء إلى منصة عمليات إرهابية ضد مصر وبهدف إسقاط الحكم حتى لو أدت هذه الحرب الإرهابية على مصر من سيناء إلى تقسيم مصر، وتحويل سيناء إلى مشروع دويلة منفصلة قرب حدود إسرائيل، فمنطقة سيناء لم تتحول إلى جبهة حرب ضد إسرائيل؛ بل إلى جبهة حرب إرهاب مكثف ضد الجيش المصري ومؤسسات الحكم المصرية منذ عام 2012 حتى الآن. كما أن نشر مراقبين عسكريين من قوات متعددة الجنسيات فيها لم يتم برعاية قرار من الأمم المتحدة؛ بل تحت رعاية أميركية غربية.

كما فرضت اتفاقية كامب ديفيد تخفيض عدد أفراد الجيش المصري إلى 450 ألفاً بشكل قوات نظامية و600 ألفٍ في الاحتياط، ولا يمكن زيادتها إلا بموافقة الطرفين[5]، علماً أن عدد سكان مصر أصبح 95 مليوناً، في حين أنه كان في وقت اتفاقية كامب ديفيد 43 مليوناً فقط. كما لا يسمح لمصر بإدخال آلاف الجنود ومعداتهم وطائراتهم لمحاربة إرهاب داعش والقاعدة في سيناء إلا بموافقة إسرائيل.

وتدرك القيادة الإسرائيلية أنها قادرة على ابتزاز أي دولة عربية تعقد معها اتفاق سلام عن طريق ممارسة الضغوط عليها في موضوع تطبيع العلاقات بشكل علني وموسع أمام الجميع لكي تحرج قادة هذه الدولة أمام جمهورهم الذي تعرف أنه يرفض هذا التطبيع فتنتقص بهذه الطريقة من درجة احترام قادة الدولة، وتؤثر سلباً في استقرار سياستها.

وتثبت تجارب التسويات التي عقدتها مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية أن جمهور كافة هذه الأطراف يرفض ممارسة أي نوع من التطبيع، فبعد 39 عاماً ما تزال مصر تعيش دوامة هذه الحقيقة، وتدفع المسؤولين إلى النظر إليها بحسابات كثيرة في السياسة الخارجية والداخلية.

ويُتوقّع أن تدفع أطماع إسرائيل في الجولان السوري حكومة نتنياهو إلى فرض شروط تعجيزية تشبه شروط شعار "السلام مقابل السلام" وليس السلام مقابل الانسحاب من كامل الجولان، وإعادته دون أي تنازلات سورية تمس سيادة واستقلال القرار السوري الوطني والأمني.

وتدرك إسرائيل أكثر من أيّ وقت مضى أن سورية بعد صمودها وانتصارها في مواجهة حرب السنوات الثماني تتمتع بقدرة عسكرية متزايدة وتحالفات سياسية أثبتت جدواها على المستوى العسكري والسياسي في أدق الظروف التي مرت بها في تلك السنوات، إضافة إلى الموقع الإقليمي الذي تتبوأه في المنطقة في هذه الأوقات؛ بينما تسلم إسرائيل بما رفضت التسليم به تجاه سورية أثناء سنوات الحرب التي شهدتها. وهذا ما أجبر نتنياهو على الاعتراف به[6] حين قال في 12 تموز الماضي بعد يوم من عودته من اجتماع مع الرئيس بوتين في موسكو: "لا مشكلة لنا مع الأسد، ولن نتدخل إذا تمت المحافظة على الاتفاقات". وربما يكون المقصود اتفاقية فصل القوات وعودة قوات الأندوف إلى منطقة حدود الجولان.

وربما يشير ذلك إلى أن نتنياهو يعرف الآن أن استحقاق استعادة الجولان بكل الوسائل القانونية والشرعية والدفاعية الممكنة أصبح على جدول عمل سورية وبدعم من كل من يقف إلى جانب الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

 

 


[1] https://kohelet.org.il/wp-content/uploads/2018/03/KPF075_eGolan_290118.pdf

[2] تسفي هاوزر عمل سكرتيراً لحكومة نتنياهو منذ عام 2009 حتى عام 2013 وخدم في الجيش الإسرائيلي في كلية تطوير القيادات، وكان سكرتيراً لمجلس الوزراء المصغر لشؤون الأمن في الوقت نفسه.

 

[3] https://www.israelhayom.co.il/article/581811

http://rotter.net/forum/scoops1/496847.shtml

[4] https://www.globalresearch.ca/greater-israel-the-zionist-plan-for-the-middle-east/5324815

[5] https://www.haaretz.com/1.5408311        

[6] https://www.haaretz.co.il/news/politics/1.6268138?utm_source=App_Share&utm_medium=iOS_Native

 

مركز دمشق للابحاث والدراسات *مداد*

سيريا ديلي نيوز


التعليقات