خاص سيريا ديلي نيوز - موسى حاج عبدو

معروف أن البدايات الناقصة خواتيمها مشوهة، والبذرة الفاسدة لاتنتج شجرة مثمرة، والطفولة الخديجة من حيث الرعاية والعناية، لاتقدم للمجتمع إلا مواطنين منحرفين لايعيرون أدنى اهتمام للقوانين المرعية، ولا يكترثون بالأعراف والعادات الاجتماعية.

ويقول علماء النفس إن سنوات الطفولة ولاسيما في مراحلها الأولى -تشكل  نواة شخصية الإنسان ونمط تفكيره وطريقة تعامله مع الآخرين- فلو مال سلوك الإنسان في تلك المرحلة المصيرية نحو المحرمات والتابوهات، ستكون العاقبة وخيمة حتما.

هل يعيشون طفولتهم حقا؟

تتعدد المشاهد المخيبة للآمال بوقتنا الراهن في مجتمعنا، حيث تلمح مقلتاك أطفالا بعمر الياسمين محرومين من التعلم، منهكين في سوق العمالة الرخيصة وبأجور بخسة، ومنهم من يتسكع في الشوارع ولفافة التبغ تعانق أصابعهم الغضة، ولعل الحالات والصور كثيرة، لكن النتيجة واحدة ”أطفالنا في خطر المحظورات،والعادات المشينة”.

إن سار سائر بجولة قصيرة على الساحات والحدائق العامة، يلحظ مراهقين    يعاكسون الفتيات بكلمات وحركات تخدش الحياء، أو يدخنون ظنا منهم أنهم يثبتون رجولتهم، والأنكى أنك تجد في المقاهي يافعين في أعمار (15 - 17) سنة وهم ينكبون على شرب النارجيلة ويتباهون بنفث دخانها وابتلاعه؟!، وماذا لو ذكرنا أفعالهم في صالات (X-BOX )!.

الأزمة ودورها في خلق الآفات الاجتماعية

لاشك أن الأزمة التي حلت ببلدنا الحبيب سورية، نتيجة الإرهاب القادم إلينا من دول الجوار، ودعم سعودي- قطري- تركي، وتخطيط صهيوأمريكي، أثرت بشتى مناحي حياة المواطن السوري (الاقتصادية، الاجتماعية،...).، فبالتالي الحياة الأسرية نالت نصيبها من تبعات هذا العدوان المستعر على بلدنا، وأثرت بشكل كبير في تصدع الروابط الأسرية والخروج على الأعراف الموروثة ولاسيما الجيل الناشىء في ظل الأزمة، فكثير من الأسر فقد معيله، أو نزح من دياره أو ترك أحد الأبوين الوطن، قاصدا الدول الأوربية بهدف نيل إقامة أو لجوء فيها، على أن يلم شمل عائلته فيما بعد، ليعيش حياة مرفهة، وهذا على حد تفكيره، كون ”أوروبا” هي ”جنة الأحلام” ناسيا حقيقتها المقززة!؟.

وامتدادا للعدوان السافر من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة، وبدعم من الدول الراعية للإرهاب، لم تسلم الصروح التعليمية، فهي الأخرى نالت نصيبها من تدمير وتخريب ممنهج، ويعلم القاصي والداني بالعدد الكبير من المدارس التي دمرها الإرهابيون عمدا، وهذا الإجرام بحق تلك الصروح، أدى لنشوء جيل شاب ترك الدراسة، وقصد أسواق العمل لتأمين دخل لأسرته، يعينها على تأمين ضروريات الحياة اليومية، وخاصة أن الأسعار حلقت أصعافا مضاعفة ولاننسى استغلال بعض التجار وجشعهم فيما يخص مسألة الأسعار والاحتكار.

 

عصافير الجنة في جحيم الحيتان

إذا ضرورة العمل كان ملحا لدى بعض الأطفال لإعالة أهاليهم، ولكن الشيء الداعي للحزن، أن أطفالا لم يتجاوزا ربيعهم السابع موجودون في سوق العمل، يعانون قسوة الاستغلال دون رحمة، ويمكن من يهمه الأمر تقصي الحقيقة، فالأماكن الصناعية التي تعج بالأطفال ”معروفة”، وهؤلاء يعملون في الورشات بشتى اختصاصاتها، وهناك حرف خطيرة على أجسادهم الغضة، وقد يضع البعض في مسألة تشغيل الأطفال مبررات مثلا ”للضرورة أحكام” و ”الضرورات تبيح المحظورات”، نعم هي حجج مشغليهم سواء أكانو من أهل الطفل أو أصحاب الورشات الصناعية.

تشغيل الأطفال وسيلة تربية ناجعة!!؟

لهناك أمر يستدعي العجب، ولعله شيء مضحك مبكي، حيث هناك فئة في مجتمعنا تعتقد أن زج الأطفال في سوق العمل يعتبر وسيلة من وسائل التربية السليمة تضاهي تربية المنزل والمدرسة، وعلى هذا المبدأ الخاطئ وتطبيقا له؟ لاتجد معملا أو ورشة خياطة أو محل حرفة إلا ويعمل فيه أطفال، والشيء المثير للدهشة أنه ماذا يفعل هؤلاء في الصيدليات، فحتى الصيدليات لم تنأى بنفسها من تشغيل الأطفال!.

كيف ينحرف سلوك الطفل؟

ومعلوم أن هذا الطفل الذي ينال ”جمعيته” الزهيدة في آخر الأسبوع، سيصرف على ملذاته ومايظنه إكمالا لرجولته، ولاسيما إذا افتقد الوجيه المرشد، والناصح الخائف على حياته ومستقبله، أو إذا أصحب أقرانا سيئين.

وهنا تقع الطامة الكبرى، فتراه يجرب مع رفاقه تدخين ”سيجارة” أو أخذ نفس نارجيلة، وقد يشرب علبة من مشروب الطاقة، ومن ثم كأسا من الجعة ”البيرة” أو غيرها من المشروبات الروحية، ومن ثم يقتني ”موبايل” ويسعى جاهدا أن يكون أفضل مما لدى رفاقه من حيث الجودة والحداثة، ويتنافسون على دخول المواقع الإباحية، وقد يمارسون ما يرونه فيها لإكمال رجولتهم وإثبات فحولتهم، فالفاحشة والرذيلة تصبح لديهم نافذة لدخول عالم النضج والبلوغ.

حديث الواقع.. فئة من أطفالنا في خطر

من المؤسف أن ما قد أسلف، هو الواقع فعلا وليس محض خيال أو مشاهد درامية مقتبسة، فالنقطة الأساسية لمعالجة هذه المعضلة الاجتماعية، هي أن تدرك مؤسساتنا الاجتماعية والتربوية المعنية، أن هناك فئة من أطفالنا مستقبلهم في أوج الخطر، ولاننسى أن هناك دور أساسي للأهل، ولكي لانبرئ الأهل مما تؤول إليه أوضاع أولادهم، فالمسؤولية الكبرى في تربية أطفالهم تقع على عاتقهم بالدرجة الأولى، وتأتي دور المكمل من قبل المؤسسات التربوية.

سورية عائدة بقوتها.. أعيدوا أطفالنا

وفي الختام أود الإشارة إلى نقاط تساهم لمعالجة واقع الأطفال المشوهين تربويا وتعليميا، منها تطبيق إلزامية التعليم في العام الدراسي القادم، وإعادة الأحداث خاصة إلى مقاعد الدراسة، ووضع قوانين صارمة أو تطبيق الموجودة أصلا للمخالفين سواء الأهالي أو أصحاب الورشات والمعامل.

فالوقت فعلا بات مناسبا لتطبيق القوانين كون سورية تنتصر وستنتصر وهذا ما ستؤكده القادمات الأيام، حيث عاد الأمن والاستقرار إلى أغلب مناطق وطننا الغالي بفضل سواعد وتضحيات الجسام لأبطال جيشنا العربي السوري، فبالتكاتف والإصرار والعزيمة والعمل المشترك الدؤوب ستعود سورية كما كانت وسترقى للأفضل، وسيتحقق ذلك تيمنا بالمقولة المحببة لدينا نحن السوريين ”سوا منعمرها” المستوحاة من أقوال سيد الوطن الدكتور بشار الأسد

التعليقات