أثار القانون رقم (10) لعام 2018، المتضمن إمكانية استحداث مناطق تنظيمية ضمن المخططات التنظيمية، نقاشاً مكثفاً، وجدلاً واسعاً، حول طبيعة القانون وتوقيته وغاياته. ويبقى الأبرز في هذا السياق، هو أن ذلك النقاش أسس في الواقع لمناقشة قضية جوهرية، وبالتالي لطرح تساؤلات ضروريّة لجهة ما يتعلق ببعض الجوانب الفنية ذات الصلة بالمضمون العملاني والتطبيقي للقانون المذكور. لكن اللافت في الوقت ذاته هو أن النقاش الدَّائر، لم يخلُ في كثيرٍ من حيثياته من محمولات إيديولوجية، وكيديات سياسية، أخلّت إلى حدٍّ كبير بصدقيّة الطرح، وموضوعية الغايات، وحسن النوايا. ويبقى الأبرز في هذا الإطار هو أنه ما من قانون أو تشريع، سبق له أن صدر في سورية، كان قد استحوذ على اهتمام الصحف والمواقع الإعلامية في الدول الغربية، تحليلاً وتفسيراً، كهذا القانون ( 1)، ما يدفع لطرح تساؤلات جِدِّيّةٍ حول الدوافع والأسباب، من قبيل هل أن الهدف والغايات نبيلة وإنسانية، أم أن الهدف هو إثارة التشويش وتحفيز التشكيك واللغط، ما يمكن أن يساعد في تعقيد المسألة الاجتماعية في سورية؟ تساؤل مشروع، لكن بالمقابل، وفي سبيل الارتقاء إلى مستوى نقاش تنمويٍّ موضوعيٍّ بنّاء ومتوازن، كان لابد للمهتمين بالمسألة، أن يطرحوا تساؤلات جوهرية من قبيل: كيف يمكن أن نفسر ظاهرة تشكل العشوائيات، والسكن العشوائي؟  ولماذا حصل التعدي على الأملاك العامة في سورية؟ وفي أي سياق تاريخي، وضمن أي ملابسات سياساتية وتنموية، تشكلت العشوائيات وحصل التعدي على الأملاك العامة؟ وهل أن رغبة الدولة السورية في معالجتها والتعاطي معها جاءت عاجلة ومستحدثة، أم أنها قديمة وتاريخية، وقد أُجريت محاولات عديدة في هذا الإطار، إذ تم استصدار تشريعات وقوانين ذات صلة بذلك؟  وهل يمكن أن يشكل هذا القانون مدخلاً عملياتيّاً علاجيّاً يساعد في القضاء على هذه الظاهرة واستئصال أسبابها؟ هل يمكن الرهان أو التأسيس عليه في مرحلة إعادة الإعمار؟ ..........الخ
أولاً: حول الإطار العام لمشكلة العشوائيات والسكن العشوائي
لقد سيطر الطابع العشوائي على صورة غالبية المدن السورية، حيث تتجاوز نسبة المناطق غير المنظمة حدود (50ـ60%) من إجمالي الحيز الجغرافي والديموغرافي في بعض المدن السورية، تحديداً دمشق وحلب. فضلاً عن الطابع العمراني التقليدي والنمطي (غير النوعي)، الذي سيطر وحدد المعالم العمرانية في مساحات كبيرة من الأجزاء المنظمة من المدن والمناطق والقرى السورية.
وفي الواقع إن ظاهرة العشوائيات ومظاهر السكن العشوائي (غير المنظم) وأحزمة المخالفات، التي طوقت المدن والمناطق، تحديداً في حلب ودمشق، عكست كلّها بصورة جلية أزمة النموذج التنموي التاريخي السوري، الذي وصل إلى أفق مسدود، وحالة من العجز الهيكلي/البنيوي، ظهرت تجلياته بوضوح في الهجرة الكبيرة من الريف إلى المدينة، وبالتالي تراجع مستوى حجم الخدمات ونوعيتها، وفي مقدمتها خدمات السكن والإسكان، ما انعكس بصورة مباشرة على قطاع الزراعة، والإنتاج الزراعي، في الوقت الذي تسبب فيه الزحف السكاني ــ المرافق لارتفاع معدلات النمو السكاني ــ نحو المدن في تزايد الضغط على قطاع الخدمات، ما أدى إلى تشويه صورة المدينة، والإخلال بالمعايير والمواصفات المدينية / الحضرية.  إذ تراجعت نوعية خدمات البنى التحتية في المدن من كهرباء ومياه وتعليم واتصالات وغير ذلك، في الوقت الذي هيأت فيه أحزمة المخالفات والعشوائيات التي طوقت المدن، كل الظروف الموضوعية لخلق البنى الحاضنة للفئات المنحرفة، والعناصر الشاذة، التي اعتادت الإدمان وتعاطي الكحول والمخدرات، كما شكلت في الوقت ذاته ملجأً آمناً للخارجين عن القانون، والفارين من وجه العدالة.
وإذا كانت الحرب الدَّائرة في سورية، قد عكست في بعض جوانبها صور المأساة الكبرى التي ألمّت بالإنسان السوري، وفتكت به موتاً وفقراً، وعصفت به تهجيراً ولجوءاً، فإن المطلوب في مرحلة إعادة الإعمار، هو استخلاص الدروس، وأخذ العبر، والسعي بقوة نحو تحويل المحنة / النكبة / المأساة الكبرى إلى فرصة حقيقية، ليس من مدخل إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب، لأن ذلك إن حصل فهو الطامة الكبرى. فسورية التي نخرها الفساد، ودمرها سوء التخطيط، والعبث بالمال العام، وتجيير الدولة والمؤسسات للإثراء الخاص على حساب المصلحة العامة، تحتاج حقاً لإعادة الإعمار، من مدخل التغيير وإعادة البناء على أسس ومداخل سياسية واقتصادية وثقافية وبشرية حديثة ومعاصرة، وليس من مداخل استعادة الماضي أو استحضاره، أو إعادة بناء العشوائيات والسكن العشوائيّ.
إن أهم ما تحتاج إليه سورية في اللحظة التاريخية الراهنة هو ابتكار نموذج تنموي بديل برهانات وبغايات مختلفة، وأدوات وروافع نوعية، تساعد في استعادة هيبة الدولة والمؤسسات، وتساعد في تسهيل نفاذ القانون، وتعزز مبدأ تكافؤ الفرص، وتوطد أسس الاستدامة التنموية، سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وحضرياً وعمرانياً.
 ثانياً: حول أسباب مشكلة العشوائيات والسكن العشوائي
    إنَّ تشكل العشوائيات، واتساع مساحات السكن العشوائي جغرافياً وديموغرافياً، لا يمكن أن يُفسّرا، إلا من منظور الفشل والإخفاق الذي مُني به النموذج التنموي السوري، الذي أنتج بدوره الظروف الموضوعية، والأسباب الجوهرية، لتشكل ظاهرة العشوائيات. وهي بالمجمل أسباب يمكن الإشارة إليها وفق الآتي:
•ضعف مؤسسات الدولة، وغياب القانون وضعف نفاذه.
•الفساد الذي أباح الإتجار بأملاك الدولة وحقوقها.
•عدم محاسبة القوى والمافيات التي أثرت على حساب الدولة والمجتمع، ما جعل المال العام مُستباحاً، وأملاك الدولة وعقاراتها هدفاً للقاصي والداني، بأهون السبل وأبسط الممارسات.
•تقصير الدولة في إنجاز المخططات التنموية والحضرية والعمرانية والتنظيمية.
•الفشل الذي مُني به النموذج التنموي السوري الذي كان قد غلب على الكثير من جوانبه الطابع الطفروي والريعوي والرعوي، ما أفقده الرؤية والإمكانية لتوليد ديناميات إنتاج تنمية ذاتية الدفع، تمتلك القدرة على الارتقاء بمستوى نوعية الحياة بصورة مُستدامة.
 ثالثاً: استجابة متأخرة وقاصرة
ثمة استجابة لمعالجة مشكلة العشوائيات والسكن العشوائي، قامت بها الدولة السورية بصورة متأخرة  نسبياً، بل وكانت مجتزأة ، ذلك عن طريق استصدار القانون رقم 59 في تاريخ 24/9/2008 والذي كان قد تضمن في كثيرٍ من  موادّه و فقراته الإطار التشريعي والقانوني الناظم لشروط السكن، وخصائص البناء، ومواصفات المباني في سورية، ذلك كإطار للتكيف الإيجابي، والاستجابة لمشروع أهداف التنمية الألفية هذا من جانب، و للحد من ظاهرة العشوائيات، والحيلولة دون انتشارها وتوسعها من جانبٍ آخر، وقد تضمن القانون عقوبات نوعية للمخالفين بما فيها الهدم والتغريم .
وفي الواقع إن القانون رقم (59) لعام (2008) له الأسباب الموجبة، والمبررات الموضوعية من الناحية التنموية، ويعد من القوانين الهامّة التي جاءت في سياق عملية إعادة النظر في أسس ومداخل التنمية والتنظيم العمراني في سورية.  لكنه كان يعاني في الوقت ذاته من نقاط ضعف كثيرة، أفرزها الفضاء العام الذي كان يحدد معالم السياسة العامة للدولة السورية، التي لم تكن ترقى عملياتياً (أي السياسة العامة) إلى المستوى المطلوب لتوفير الشروط الموضوعية لنجاح برنامج الإصلاح والتغيير، بما في ذلك نجاح القانون ذاته، الذي كان يتطلب وجود حزمة متكاملة من الخطط والبرامج والسياسات، كان من المفترض أن تنفذها الدولة، بالتوازي والتزامن مع استصدار التشريع. لقد وضع القانون (59)  قسماً كبيراً من الفلاحين والمزارعين والمواطنين (أصحاب الحيازات)  أمام مشكلة حقيقية، إذ إنَّ المواطن (الفلاح أو المزارع أو المالك لمساحات كبيرة وهامة من الأراضي)، قد لا يسمح له القانون المذكور، أن يبني مسكناً أو بيتاً في أرضه، أو أي عقار من عقاراته، بدعوى أنّها تمثل أراضٍ زراعية، أو متنفسات خضراء، لا يجوز له تغيير مواصفاتها أو تصنيفها أو تغيير وظيفتها، في الوقت الذي لم تقدم له، أو لم  تتقدم الدولة ببدائل أو خيارات لجهة ما يتعلق بتوفير السكن البديل، ما ولّد مشكلة حقيقية أمام شريحة واسعة من الشباب السوريين، الذين كان يدفع بهم انفتاح النافذة الديموغرافية  بأعداد كبيرة إلى سوق العمل وسوق السكن، وأسواق الخدمات الاجتماعية المختلفة، ذات الصلة المباشرة بحياة الإنسان، ما أنتج ظروفاً قاسية ومهددة بصورة دراماتيكية لشروط ومتطلبات الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
رابعاً: حول بعض الجوانب الفنية والتقنية في القانون (نقاط القوة والضعف)
لقد جاء القانون (10) مستوفياً الشروط من الناحية الفنية والإجرائية، ذلك حسب الأصول الدستورية، إذ مرّ عبر مختلف اللجان والمؤسسات ذات الصلة، ليتمّ إقراره في مجلس الشعب بالتصويت على فقراته ومواده، ليتحول بعد ذلك إلى قانون. وقد تضمن القانون في الواقع مجموعة كبيرة من النقاط الجوهرية، التي يمكن أن تجعل منه أداة تنفيذية ورافعة يمكن الرهان عليها في عملية إعادة الإعمار، بما فيها تلك التي تتعلق بحقوق المواطن دون استثناء أو تمييز، سواء كان مقيماً أم غير مقيم (مهاجراً أم لاجئاً)، وهذا يبرز بوضوح على أساس تضمين القانون الآتي:
الطلب إلى جميع المواطنين في المناطق التي قد يشملها المرسوم، التقدم بتصريح عن حقوقهم في مدّة أقصاها (30) يوماً، مرفقاً بالوثائق والثبوتيات الداعمة للتصريح، حول كل ما يتعلق بنوع الملكية القانوني والشرعي والحدود والحصص (الفقرة أ من المادة 6).
سمح المرسوم في المادة 6 منه لصاحب العقار تقديم ما يثبت إقامته (ملكيته) إما بوثائق رسمية مصدقة أصولاً، أو بصورة عن الأصل فقط. وفي حال عدم وجودها يمكن للمالك أن يتقدم بطلب خطي يذكر في طلبه المواقع والحدود والحصص والنوع الشرعي والقانوني للعقار أو الحقوق التي يدعي بها وجميع الدعاوى المرفوعة له أو عليه. وهذا نوع من التساهل الكبير الذي قدمه المشرع للمالك الذي فقد ثبوتياته القانونية، ما يعني عدم وجود أية نيات مبيتة خلف المرسوم كما تدعي بعض الجهات الخارجية.
بخصوص المهاجرين واللاجئين، أو مَن لديهم ظروف قاهرة تحول دون إمكانية قيامهم بالتقدم بالتصريح المطلوب، ومتابعة الإجراءات اللاحقة ذات الصلة بإثبات الحقوق والملكيات، فقد أجاز القانون، بصورة واضحة لا لبس فيها ولا تأويل، لأقارب الأصيل، حتى الدرجة الرابعة، النيابة عنه في جميع الحقوق والوجبات التي حددها القانون بالنسبة للأصيل، ذلك، بموجب وكالة قانونية، وفق الأصول (الفقرة ب من المادة 6).
بخصوص ضمان الحيادية والتوازن والعدالة والنزاهة، فقد تضمن القانون الآتي (المادة 9):
عدم ارتباط أعضاء اللجنة المختصة بالدراسة والتقييم والتوصيف، بأي قرابة حتى الدرجة الرابعة مع أصحاب الحقوق والملكيات.
حق الاعتراض من قبل أصحاب العقارات والملكيات على قرار اللجنة وتقاريرها.
حق التقاضي أمام الجهات القضائية المختصة.
إلا أن القانون يعاني في الوقت ذاته من بعض نقاط الضعف، التي يمكن الإشارة إليها وفق الآتي منها:
•يجوز إحداث مناطق تنظيمية بناء على اقتراح تقدّمه وزارة الادارة المحلية والبيئة (المادة 1)، ما يعني أن المسألة تقديرية وتخضع لتقديرات الوزير، وهذا لا يجوز، فالمسألة لا تتحدد بإرادة وزير؛ بل تحتاج إلى تقديرات وقرارات مجالس عليا، تتمتع بالخبرات والكفاءات والرؤى، ما يعني ضرورة وجود نواظم وضوابط محددة لابد من وضعها بوساطة لوائح تنظيمية / تنفيذية، تضعها لجنة متخصّصة ذات كفاءة ونزاهة وبإشراف هيئات عليا.
• يجب أن يتضمن القانون صيغة مختلفة لجهة ما يتعلق بإمكانية إحداث مناطق تنظيمية ضمن المخططات التنظيمية. فبدلاً من عبارة يجوز .... الخ ...... وبناء على اقتراح الوزير ... الخ. كل ذلك يجب أن يُستبدل بمادة جديدة تنص صراحة على ما يأتي: “تُحدث مناطق تنظيمية في جميع الوحدات الإدارية من الجمهورية العربية السورية التي تنتشر فيها مظاهر العشوائيات والسكن العشوائي وظاهرة التعدي على أملاك الدولة والأملاك العامة والمساحات الزراعية والمتنفسات الخضراء..."
•بخصوص اللجان، يتضمن القانون في الفقرة ج من المادة 5 ما ينصُّ على أنّه: بقرار من رئيس الوحدة الإدارية ( 2 ) ، في مدّة أقصاها شهر من تاريخ صدور مرسوم إحداث المنطقة التنظيمية، يتم تشكيل لجنة أو أكثر لحصر وتوصيف عقارات المنطقة وتنظيم ضبوط مفصلة بمحتوياتها. وهنا يمكن أن تبرز مشكلة كبيرة، إذ إنَّ تبعية اللجنة لرئيس الوحدة الادارية، قد يؤثر في استقلاليتها وحيادها، وقد يجعلها تتأثر بالضغوط التي يمارسها رئيس الوحدة الإدارية أو مراكز القوى الكبرى المؤثرة في المنطقة، ما يعني ضرورة إعادة النظر في هذه المادة، وجعل تشكيل اللجنة يتم بقرار من جهات أعلى من كوادر وكفاءات متخصصة وتقنية ومشهود لها بالنزاهة، ويجب الإشارة إلى ضرورة أن تقدم تقاريرها بصورة شفافة وعلنية قابلة للنشر والتداول.
•لم يحدد القانون عدد أعضاء اللجنة، ولا الأسس ولا الخصائص ولا المعايير التي يجب أن يتمتع بها أعضاؤها. 
•ينص القانون في المادتين 12 و17 على أن المتضرر يمكن أن يدّعي على المتسبب بالضرر أو يقاضيه أمام القضاء العادي، كما أنّ الطعون بقرارات اللجنة، يتم البت بها من قبل محكمة الاستئناف، لكن الطعون في الوقت ذاته كما ينص القانون، لا توقف إجراءات التنفيذ. والسؤال ما فائدة الطعن، وكيف سيُبتُّ بها وعلى أي أساس سيتم البت بواقعة جرى عليها التغيير، أو بموضوع متغير ومتحول في خصائصه العمرانية والاقتصادية والهندسية، ألا يؤكد ذلك بأن المالك سيصبح أمام أمر واقع، وستحول الحق بالطعن إلى حق شكلي، ما يعني ضرورة وجود أو استصدار لائحة تنفيذية/ تنظيمية تحدد الآليات وتفسر الملابسات.
•لم يحدد القانون الجهات التي ستبني ولا طرق التعاقد ولا شروط الاستلام والتسليم بصورة واضحة. 
•يقول القانون في المادة 19 منه: تقوم الوحدات الإدارية بإعداد الدراسات وتنفيذ البنى التحتية والمرافق والتكاليف حتى تصبح المنطقة جاهزة للبناء. والسؤال هل هي تتحمل الكلف دون ترحيل؟ أم أنها سترحلها إلى حسابات الصندوق المقترح تشكيله ضمن الوحدة الإدارية لتمويل البناء؟ أم أنها سترحل وتحتسب كجزء من التكلفة الإجمالية النهائية للمتر الطابقي؟ كل ذلك غير واضح، ما يعني ضرورة وجود لائحة تنفيذية تنظيمية للقانون المذكور.
•لم يوضح القانون ما إذا كان سيُطلب من المالكين والمستفيدين سداد دفعات، إذا ما اقتضت الضرورة ذلك أم لا؟
خامساً: ما وراء اللغط السياسي والتجييش الإعلامي
تحوّل النقاش بمضمون القانون (10) وغاياته، إلى مادة للإتجار والمزايدات، والتوظيف السياسي. وهذا منطق مرفوض، لأنه غير علمي ومبتذل بكل الأحوال، إذ النقاش والجدل الإعلامي الخارجي على مسألة التوأمة بين القانون والنيّة أو الرغبة المبيتة لتنفيذ عملية تغيير ديموغرافي هيكلية/ بنيوية. وهو إصرار بكل الأحوال غير بريء وخبيث، يهدف إلى استحضار العصبيات وتحفيز عناصر القلق والتشويش، وغير ذلك من العوامل التي يمكن أن تصب الزيت على النار في عملية تعقيد المسألة السورية، من مدخل القانون الدولي الإنساني ومنظومة حقوق الإنسان، اللذين يرفضان، ولا يجيزان سبل الإكراه على تغيير الموطن ومكان الإقامة.      
 ويُفيدُ التذكير هنا بأنّه طوال سنوات ما قبل الحرب، تحديداً طوال سنوات التفاوض مع الاتحاد الأوربي حول إمكانات انضمام سورية للشراكة عبر المتوسط (الشراكة مع الاتحاد الأوربي)، كان الأوربيون (خبراء ومسؤولون رسميون) ينتقدون بشدة النموذج التنموي السوري الذي كان له دور كبير في إنتاج العشوائيات والسكن العشوائي والذي استنزف (بحسب تقديراتهم) الموارد البيئية والطبيعية، وتسبب في إنتاج الكثير من الأمراض الاقتصادية والاجتماعية. وأكثر من ذلك تقدمت عروض متعددة من قبل الكثير من الشركات (العربية الخليجية والأوربية) لهدم وإعادة إعمار الكثير من العشوائيات ومناطق السكن العشوائي، وقد تريث (خطأً كما نعتقد) الجانب السوري في الاستجابة، وهم أنفسهم الآن يتباكون ويندبون وينبهون إلى المخاطر والتداعيات الإنسانية والأخلاقية و..... وغير ذلك المترتبة على القانون (10) لعام 2018. وهنا يُعَدُّ هامّاً التوجُّه إليهم كدعاة ورعاة الحداثة والبيئة هل من المنطق والمعقول في مرحلة إعادة الإعمار أن نعيد تعمير أو بناء العشوائيات والسكن العشوائي.
إنَّ الموقف من القانون (10) يجب أن يتجاوز حدود أو نطاق التجاذب أو التوظيف السياسي. ما يعني ضرورة التعاطي معه كإحدى المقاربات الاستراتيجية العملية في مرحلة إعادة الإعمار ــ التي لا نستطيع أن نحدد بدايتها، لكنها ستبدأ ــ ذلك للتخلص من ركام تاريخي، لا يجوز التساهل به أو التعاطي معه كأمر واقع. إن تبسيط المسألة والتعاطي معها بمنطق غير مسؤول، سيساعد دون شك في توسع العشوائيات والسكن العشوائي بطريقة سرطانية، ستحوّل سورية برمتها إلى ركام بيتوني كبير، ينتج البيئات الحاضنة للإدمان والمخدرات والجرائم والفارين من وجه العدالة والخارجين على القانون، ويلتهم في الوقت ذاته الأراضي الزراعية وغير الزراعية، ويستنزف الموارد والإمكانيات بصورة غير مُستدامة على حساب الأجيال السورية القادمة.
من هنا نعتقد بأن القانون (10) ينطوي على أهمية كبيرة، لأنه يمكن أن يساعد في عملية البناء والتنظيم، نظراً لما قد يتضمنه القانون من مرونات وتسهيلات، تساعد في عملية التنفيذ، لا يمكن للمنطقة المنظمة (المُستهدفة) أن تحظى بها، فيما لو جرى التعاطي معها كجزء من المخطط التنظيمي الشامل للوحدة الإدارية بكاملها. وعليه إن القانون (10) يمكن أن يشكل أحد المداخل العملانية لتحويل المحنة أو المأساة التي أنتجتها العشوائيات إلى فرصة، تساعد في إعادة تشكيل المشهد السوري تنموياً وعمرانياً ومدينياً.
سادساً: من أين نبدأ ــ شروط النجاح ومتطلباته
إنَّ نجاح القانون رقم (10) إضافة لضرورة الأخذ بما كنا قد أشرنا إليه في ما تقدم، يتطلب وجودَ إرادةٍ حقيقيةٍ وإصرارٍ قويٍّ من قبل الدولة والأجهزة التنفيذية على توفير الشروط الموضوعية اللازمة لنجاحه، والتي يندرج في مقدمتها الآتي:
تطبيق القانون في جميع المحافظات والمناطق والأقضية السورية دون استثناء أو تمييز واعتماد معايير حوكمية في التعاطي مع العملية تخطيطاً وتنظيماً وتعاقداً وتمويلاُ وتخصيصاً وإشرافاً....... الخ.
الإسراع في إنجاز المخططات التنظيمية بحيث تطال المدن والمناطق والأرياف والقرى والمزارع، وهذا سيساعد في خلق وتوليد مصادر تمويل وتأمين إيرادات كافية.
الاعتماد على شركات تطوير عقارية حقيقية منظمة، والعمل على ابتكار مصادر تمويل قادرة على تأمين الموارد.
استصدار التشريعات والقوانين التي تقيد الهجرة الداخلية، وتضع حدّاً للرغبة في الانتقال للسكن في المدن الكبرى، تحديداً دمشق. وهذا يستلزم بالتزامن والتوازي إعادة النظر في الخطط التنموية والبرامج الإنمائية، وإعادة النظر في استراتيجيات التنمية وسياسات تخصيص وتوزيع الإنفاق العام على الوحدات الإدارية والبرامج والخطط وأولويات الموازنة العامة للدولة. بمعنى ضرورة التحول نحو استراتيجيات تنموية تأخذ بالحسبان مسألة توفير الشروط الموضوعية اللازمة للقضاء على أسباب الهجرة الداخلية.
قمع المخالفات والضرب بيد من حديد على أيدي المعتدين على أملاك الدولة البرية والبحرية، وحرمات الطرق الرئيسة والفرعية والمخططات التنظيمية، ذلك بالهدم والتغريم، إضافة إلى العقوبات والملاحقة المدنية والجزائية، وعدم التساهل مع المرتكبين والمتجاوزين تحت أي ذريعة أو مبرر. وهذا يمكن أن يساعد في تعزيز هيبة مؤسسات وأجهزة الدولة، وتحسين صورتها، والمراهنة على دورها وحضورها في عملية إعادة بناء الدولة السورية المعاصرة.
حوكمة القضاء وإصلاحه بصورة جذرية، ليكون ملاذاً آمناً وحقيقياً للمظلومين والمتضررين.
إعداد لائحة تنفيذية لمشروع القانون (10)، كي لا تبقى بعض نقاطه غامضة أو ملتبسة قابلة للتأويل والتوظيف.

 

الدكتور مدين علي

مركز دمشق للأبحاث والدراسات

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات