الدراسات والوقائع الاقتصادية تؤكد  أن ليرتنا السورية هي إحدى مرتكزاتنا الوطنية, أي بمقدار اعتزازنا بها ومحافظتنا على قيمتها (الشرائية) بمقدار ماتبادلنا الاعتزاز, ولذلك فإن تعاملنا معها يجب أن يكون ضمن ضوابط رفع قيمتها بين العملات الأخرى, وهذا يعني عدم اعتماد التعويم لها وخاصة في ظل التداعيات الاقتصادية للحرب على سورية المترافقة مع عقوبات وحصار اقتصادي جائرين مفروضين من طرف واحد ومخالفين للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة, ويعد التعويم من أهم الأدوات المستخدمة من قبل السياسة النقدية لدولة ما بهدف تحديد قيمة العملة الوطنية (الليرة السورية مثلاً) مقابل العملات الأخرى في السوق المالية الداخلية والخارجية, وتظهر أهمية التعويم بمقدار مشاركة الدولة المعنية في التجارة الخارجية أي (الصادرات والمستوردات), وانطلاقاً من هذا, فإن سياسات الدول تختلف تجاه التعويم حسب عدد من العوامل ومنها مثلا درجة التحرر الاقتصادي وكفاءة أدائه ومرونة الجهاز الإنتاجي وتطور الإنتاجية وحجم الاحتياطيات النقدية والمديونية الخارجية وقيمة ونوعية الصادرات والمستوردات ..الخ , ولكن عملياً لاتوجد أي دولة تترك أمور السوق النقدية فيها لقوى العرض والطلب فقط , بل  تتدخل وتكون درجة الخلاف بين الدول بمقدار (نوع و درجة التدخل) والتأثير في قوى العرض والطلب, ويمكن أن يكون التدخل مباشراً عن طريق بيع وشراء العملة الأجنبية أو الوطنية عن طريق البنك المركزي لتقليل الفجوة بين العرض والطلب بين العملة الوطنية والعملات الأخرى, كما حصل في سورية في السنوات الماضية  حسب تشرين وترافقت بالفشل, كما يمكن أن يكون أيضاً عن طريق تحريك معدل الفائدة وسعر الخصم سواء بالزيادة أو النقصان كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية حالياً, أو عن طريق سياسة تحديد قيمة ونوعية الصادرات والمستوردات والانفتاح على العالم الخارجي كما تفعل الصين.. الخ, وتالياً فإن مستوى التعويم يرتبط بآلية وهدف تحديد سعر الصرف وهنا نجد /3/ حالات أساسية للسياسة النقدية وهي:
-اعتماد سعر صرف ثابت أي اللاتعويم: وهنا يقوم البنك المركزي بتثبيت سعر الصرف, سواء تجاه عملة ما أو مجموعة عملات, ويتم هذا عندما يتم فك الارتباط بين العملة الوطنية والعملات الأخرى أو سلعة ما كما كانت في مرحلة العمل بقاعدة الذهب(Gold Standard).
– التعويم الحر أو التعويم الخالص أو التعويم النظيف : وجوهره يتجلى في تحديد سعر العملة اعتماداً على قوى العرض والطلب فقط, أي عدم تدخل البنك المركزي في السوق النقدية, سواء عن طريق البيع أو الشراء, واعتمدته في عام 1973, أي بعد سقوط اتفاقية (بريتون وودز) بسنتين, وفي هذه الحالة تتحرك أسعار الصرف بكل حرية, ولذلك فإن بعض الاقتصاديين يطلقون عليه اسم التعويم النظيف.
التعويم المدار أو الموجه أو القذر: وفي هذه الحالة يترك سعر الصرف حراً بشكل نسبي, أي إن البنك المركزي مثلاً للتقليل من انحرافات سعر الصرف سواء بالزيادة أو النقصان, يعمل على توجيه أسعار الصرف وليس تحديدها, ويتم هذا من خلال التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية, وانطلاقاً من هذا فإن بعض الاقتصاديين يطلقون عليه اسم (التعويم القذر), أي تدخل الحكومة والبنك المركزي عندما يختل نظام الصرف بشكل كبير, وبشكل عام يمكن القول إن سعر الصرف الموجه يجمع بين السعرين الحر والموجه.
فهل نسعى في سورية لاعتماد نظام نقدي لدعم ليرتنا يساعد قيمتها داخلياً وخارجياً, وهذا يساعدنا في إعادة الإعمار والبناء, ويمكن أن يتحقق هذا عن طريق توسيع دائرة سلة العملات الدولية (الروبل الروسي واليوان الصيني والروبية الهندية وغيرها) أي مع الدول الصديقة ,وهنا تجدر الإشارة إلى أن العملة الصينية انضمت منذ تشرين الثاني عام 2015 إلى سلة حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي, وأصبحت إلى جانب العملات الأربع المدرجة من قبل وهي (الدولار الأمريكي واليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني) من حقوق السحب الخاصة, وهذا مفيد لنا لأن حق السحب الخاص هو أصل احتياطي دولي استحدثه صندوق النقد الدولي في عام 1969 ليصبح مكملاً للاحتياطيات النقدية الرسمية الخاصة بالبلدان الأعضاء, ولذلك يمكن لسورية أن تستفيد من العملة الصينية في تمويل الاستثمارات كمقدمة لربط الليرة مع سلة العملات ومنها عملات دول مجموعة البريكس.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات