لم يعد مفيدا التلويح أكثر بإنذارات وإجراءات التهديد والوعيد بحق الغارقين في سبات استثماري، طالت سنواته الضائعة هباء منثوراً ممن تهربوا من مواثيق عقود لمشروعات استثمارية سياحية، وغيرها من استثمارات بمساحات شاطئية واسعة، ولم يحركّوا ساكناً منذ عشر سنوات لينكشف زيف لبوسهم الاستثماري الذي ظهروا فيه في ذلك الوقت  برساميلهم الموعودة لدفع عجلة الاستثمار السياحي التي لا تزال في طور الإقلاع، قياساً على تواضع حجم الاستثمار الجدّي الفعلي، مقارنة مع مساحات محجوزة لمشروعات لم تبصر النور،  ويبدو أنّ عدوى الزحف البطيء للاستثمار السياحي انتقل إلى غيره من الأنماط الاستثمارية في مجالات وقطاعات مختلفة، لأن واقع الحال يكشف المسافة الشاسعة بين الرؤى الاستثمارية الواعدة، وبين تواضع المشروعات التي تغرق في تفاصيل وجزئيات تدوّر من عام لآخر في وقت  طال فيه أمد الانكفاء عن الفرص الاستثمارية المتنوعة في اللاذقية والتي طالما جرى تداولها في مؤتمرات ولقاءات، بلغ مداها الأكبر في إحدى جلساتها منذ عشرة أشهر  بإطلاق حزمة مشروعات استثمارية، تمّ اختيارها، والاتفاق عليها بين محافظة اللاذقية، وهيئة الاستثمار السورية للانطلاق بهذه المشروعات،  وعددها عشرة مشاريع، اعتبرها المعنيون حينها  أولوية لمحافظة اللاذقية من بين 14 مشروعاً مطروحاً، جرى تدارسها أنّه تمّ الاتفاق على المشروعات والموافقة عليها  بعد  إجراء دراسات وافية ومعمّقة، والتأكيد حينها على إيجاد مستثمرين لتلزيم هذه المشاريع التي تعود بالنفع العام، وعلى التنمية في محافظة اللاذقية وللقطر، وإسهامها  في إيجاد فرص عمل جديدة إلّا أن أياً من هذه المشروعات لم يبصر النور، ولاسيما أن من هذه المشروعات يتركز في مجال الحمضيات،  والمسامك الشاطئية، وإنتاج الإسفلت، وفرز، وتوضيب، وتشميع الحمضيات والمسامك البحرية، وتقطير النباتات العطرية والطبية، وإنتاج البيض والدجاج والفطر، وصالات الموز، ومنشآت تخزين وتبريد الحمضيات والتفاحيات، وتعدّ مثل هذه المشروعات المطروحة بالغة الأهمية للقطاعات الإنتاجية والزراعية والاقتصادية في المحافظة.
ولذلك فإنه من شأن تأمين ودعم المقومات المحفّزة للاستثمار أن يدفع بهذه المشروعات نحو السوق الاستثمارية من أوسع أبوابها، وإذا كان من الضروري الأخذ بعين الاهتمام ما يطرحه المستثمرون، ويقترحونه لتطوير، وتوسيع الاستثمارات، وتنشيطها، وتذليل صعوباتها كتأمين الحماية للصناعة الوطنية، وتحقيق التوازن بين الإعفاءات الممنوحة للصناعيين، وبين التزاماتهم بالشروط البيئية، والإطار الاجتماعي في عملية الاستثمار لجهة التشغيل، وفرص العمل، وأولويات السلامة المهنية، ومختلف مقومات تحقيق المتطلبات الاجتماعية، ومطالبتهم  بتوفير مادة المازوت للصناعيين، وحصر التقنين الكهربائي بساعات محددة خارج أوقات العمل الرئيسية،  وتنمية ودعم احتياجات تحفيز المناخ الاستثماري في المحافظة، والفرص الاستثمارية المتاحة التي يمكن تنفيذها بما يسهم في دعم الاقتصاد الوطني في ظل الأزمة، ومرحلة إعادة الإعمار، ووضع خطة عمل ومعايير للاستثمار في المحافظة، تعتمد على نتائج الدراسات والتقييم للاستثمارات القائمة، ومراعاة متطلبات التنمية المحلية وفق احتياجات المستثمرين، ومتطلبات الاستثمار، وخصائص البيئة المحلية في المنطقة الساحلية، وشكل الحيازة وحجمها، والغطاء النباتي، والطبيعة الاجتماعية، والمنتج الزراعي فيها لتكون المشاريع الاستثمارية  ثابتة، وليست آنية، فإنه في مقابل هذه المطالب كلها التي يبحث عن تحقيقها المستثمرون، فمن المنطقي والضروري أن تكون المعادلة الاستثمارية متوازنة بين حق المستثمر وبين واجبه تجاه المؤسسة والجهة المتعاقد معها على مشروع استثماري وفق شروط وضوابط واجبة التنفيذ عند الإخلال بأي منها، وبالأخص في التقيد بالمدة الزمنية العقدية الملزمة له في إنجاز المشروع، ووضعه في الخدمة والتشغيل.
وقد كان لمجلس مدينة اللاذقية موقف صارم مؤخراً، ولو أنه جاء متأخراً، حيث لم يجد مجلس مدينة اللاذقية سبيلاً لمعالجة التهاون الاستثماري من قبل بعض المستثمرين إلّا بإلغاء تراخيصهم وعقودهم بعد أن نفد صبره من اللامبالاة، وعدم الجدية من قبل أصحاب هذه المشروعات، فعمد إلى حسم هذا التهاون والتأخير بإلغاء عقود لمشروعات استثمارية سياحية، كان من المفترض عقدياً تنفيذها على شاطئ مدينة اللاذقية. وذكر الدكتور أحمد وزان رئيس مجلس مدينة اللاذقية أن مجلس المدينة ألغى التراخيص والموافقات الممنوحة لـ 5 مشروعات سياحية، مبيّناً أن هذه المشروعات الاستثمارية السياحية المرخّص لها تتوضع في منطقة الكورنيش الجنوبي والشاطىء الأزرق بمدينة اللاذقية، وأوضح د.وزان أنه تمّ إلغاء عقودها بسبب عدم التزام المستثمرين بشروط العقد الموقع مع مجلس المدينة، وعدم البدء بهذه المشاريع، وأكد الدكتور وزان أن  قرارات الإلغاء حاسمة ونهائية، وقد تم إرسالها إلى وزارة السياحة لاستكمال الإجراءات القانونية المتبعة،  ويعوّل د.وزان كثيراً على تصويب مسار الاستثمارات السياحية والصناعية والتجارية في دعم عائدات وإيرادات مجلس المدينة، حيث يعزو رئيس مجلس مدينة اللاذقية تحقيق زيادة مضاعفة في إيرادات مجلس المدينة التي قاربت لغاية تاريخه 1,4 مليار ليرة إلى الإجراءات المتخذة لتصويب الاستثمارات في العديد من الأملاك العائدة لمجلس المدينة بالتوازي تماماً مع التحسّن الكبير الحاصل  حالياً في التحصيلات.

وأكد  د.وزان أن توسيع الاستثمارات لدعم العائدات يجري حالياً على أكثر من صعيد وفي محاور عدة، مبيّناً أن هناك دراسة أولية يجري العمل عليها حول السماح ببناء طابق ثان في المنطقة الصناعية الجديدة، وهذه الدراسة تأتي في إطار الأفق الاستثماري المنظور للمنطقة الصناعية الجديدة، مؤكداً أن العمل يتم حالياً للمباشرة ببناء سوق تجارة السيارات بكلفة إجمالية تقارب 1,6 مليار ليرة، ولفت إلى أن مجلس المدينة بصدد بناء مقاسم حرفية لبيعها وإنجاز عقود لعدة مشروعات استثمارية في المنطقة الصناعية الجديدة، منها مشروع المول الصناعي الذي سيتم التعاقد عليه، ومشروع إنشاء محطة وقود وفرن احتياطي،  وبناء 30 مخزناً تجارياً، وأن مجلس المدينة يعكف على توزيع دفعة من مقاسم الصناعات الحرفية بعد أن شارفت هذه المقاسم على التجهيز النهائي إيذاناً بتسليمها إلى الصناعيين والحرفيين لتضاف إلى المقاسم المستثمرة حالياً، وعددها 2200  مقسم مستثمر،  وإنجاز المشروعات والخدمات المقدمة للصناعيين والحرفيين لتوفير الخدمات الأساسية التي تسهم في تطوير وتحسين واقع المنطقة، وتوفير كافة الاحتياجات والخدمات للمنشآت الصناعية والحرفية، وإنجاز مقاسم المنطقة الحرفية،  موضحاً أنه سيتم نقل مكاتب السيارات من وسط المدينة، ما سيخفف من ازدحام الشوارع وإشغالات الأرصفة، وسيكون هناك مركز لشحن البضائع، وأوضح أن أنفاق المشاة التي أعيد فتحها، تحوي  46 مخزناً ومحلاً تجارياً، تتوضع داخل الأنفاق، وتم عرض  المحال والمخازن للاستثمار عن طريق المزايدات.
أما في مدينة جبلة فيؤكد رئيس مجلسها المهندس أحمد قناديل أنّ هناك إعادة نظر بكل الاستثمارات في الأملاك العائدة لمجلس مدينة جبلة، كاشفاً عن تضاعف بدلات إشغال الأملاك المطروحة للاستثمار التجاري والسياحي في مدينة جبلة وكورنيشها بعد سنوات طويلة من استثمارها، وإشغالها بتعرفة زهيدة سببت حرماناً حقيقياً من عائدات وإيرادات توازي قيمتها الفعلية التي تتناسب مع موقعها وإطلالتها وقيمتها السوقية، إضافة إلى جدواها الاستثمارية، وأوضح  قناديل أنه بناء على التوجه الحكومي الذي يقضي بإعادة النظر بقيمة بدلات الاستثمار لتكون هذه البدلات واقعية وموازية للقيمة والجدوى، فإن مجلس مدينة جبلة وضع تعرفة جديدة لـ 100 مخزن تجاري بعد أن تمّ الانتهاء كلياً من تجهيزها، وإزالة إشغالاتها، ومعالجة جميع المخالفات المحيطة بها، وقد أخذت هذه المخازن التجارية طريقها إلى الاستثمار التدريجي تباعاً وفق أسس ومعايير محددة، تكفل استثمارها وفق مؤشرات الجدوى الاقتصادية.
وأشار  قناديل أنه تمّ طرح 4 مواقع للاستثمار على كورنيش جبلة بتعرفة استثمارية جديدة، حيث وصلت قيمة إيراداتها إلى 20 مليون ليرة.

ونوه  قناديل  حسب البعث بأن مجلس المدينة يقوم حالياً بإعداد ووضع خريطة استثمارية متكاملة وشاملة لكل المواقع القابلة للاستثمار، سواء الاستثمار التجاري، أو السياحي، وغيرهما، ومن خلال هذه الخريطة سيتمكن مجلس المدينة من تحديد كافة المواقع ذات القيمة الاستثمارية، والجدوى الاقتصادية إيذاناً بتجهيزها وتهيئتها لعرضها وطرحها على الاستثمار بقيمة مناسبة، مبيّناً أنه تمت تسوية المحال التجارية الملاصقة للمول الجديد التابع لمجلس مدينة جبلة، حيث تم تخصيص نحو 60 محلاً في الطابق الأرضي من المول للمكتتبين الذين قاموا بتجهيز محلاتهم، وافتتاح البعض منها، وأكد أن البلدية تتابع تأهيل القسم المتبقي من المحال ضمن المرحلة الثانية، على أن تستكمل المرحلة الثالثة في نهاية الشهر الجاري بإنجاز تأهيل وتجهيز تلك المحال لوضعها في الاستثمار والتشغيل.

وفي موازاة ذلك كله لم يعد خافياً أن المشروعات الاستثمارية الكبيرة باتت مثقلة بمشكلاتها، واحتياجاتها، ومعيقاتها العارضة كالإشغالات، والاستملاكات، وفروق الأسعار، وحتى تسويق المنتج نفسه، وغيرها من إشكالات، ولاسيما المشروعات السياحية ذات الخمس نجوم وما فوق، وعلى هذا الأساس لم يعد اجتراح الحلول لمعالجة المشروعات الاستثمارية الكبيرة المتعثرة في ظل الظروف الراهنة أولوية، لأن ما تتطلبه المعالجة المطلوبة بات متعذراً لجهة الاحتياجات والتكاليف والأولويات، وهذا ينبغي أن يدفع نحو فلترة الاستثمارات، بما يوازي الإمكانات والاحتياجات، مع التركيز على المشروعات الصغيرة القابلة للتنفيذ، الأسرع والأقرب على غير ما كان الرهان عليه منذ سنوات.
لم تأخذ العقود المبرمة للعديد من المشروعات السياحية الاستثمارية الكبيرة طريقها إلى التنفيذ رغم ما أشاعته من تفاؤل كبير عند التعاقد عليها بأرقام قياسية في تكاليفها المليارية، إلا أن السنوات مرت دون أن تبصر، وهذا حال الكثير من المشروعات الاستثمارية السياحية، وكذلك الحال بالنسبة لمشروعات قطاع النقل البحري كالحوض البحري العائم لإصلاح السفن، ومشروع ميناء البسيط السياحي، وإعادة تأهيل الحوض القديم للمرفأ، واستثماره سياحياً، وصولاً إلى مشروع توسيع المرفأ، ولا يتسع المجال هنا لذكر الكثير من المشروعات في مختلف القطاعات التي تم إطلاقها لتولّد الإيرادات، وفرص العمل، ولتدعم الخزينة بالعملة الصعبة، على قاعدة سابقة مفادها: عدد قليل من مشروعات كبيرة، ولا عدد كبير من مشروعات صغيرة أو متوسطة.
وما يدعو للتساؤل المشروع والمبرر أن تحريك عجلة الاستثمارات لم تُطلق صافرته رغم كل العناوين الاستثمارية التي يتم تداولها من حين لآخر، كما لم  تلح في أفق الاستثمارات السياحية الكبيرة التي تشغل مساحات واسعة من شاطئ اللاذقية بارقة أمل تبشّر بإقلاع مرتقب في المدى المنظور سوى مشروع وحيد غرب المنتجع الذي تم خلال الموسم السياحي الحالي، وهو مشروع كبير نسبياً، ودون ذلك فإن المشروعات الباقية لاتزال في مرحلة السبات، ولم تُطلق بعد صافرة إقلاع رحلة التشييد، وهذا ما علمته “البعث” من مصدر مطلع، كما لم تجد نفعاً كل المراسلات والكتب والاتصالات التي لم تنقطع مع المستثمرين على مدى سنوات، وفي كل مرة تتجدد الوعود بقرب الإقلاع بهذه المشروعات، ولكن كلها بقيت وعوداً بأعذار تجددت وتعددت قبل الأزمة وخلالها، وإذا كانت المرجعية المؤسساتية لهذه القضية محيطة بجوانبها وظروفها، وهذا ما نعتقده تماماً، فإن ذلك لا يمنع مطلقاً من التعاطي معها بلغة الجدوى الاقتصادية البحتة، والبت بالمبررات والأسباب، وحسمها عقدياً، لأن الواضح أن حسابات المستثمر التجارية لم تلحظ التسهيلات الكبيرة الممنوحة له، ولا يمكن التفصيل  أكثر من ذلك في هذه المسألة، وإلا بماذا نفسر إنجاز مشروع سياحي رغم الظروف الراهنة بكلفة تخطت المليار ونصف مليار ليرة، وبات قيد الاستثمار، وعدة مشروعات استثمارية في قطاعات أخرى لم تعر اهتماماً لحسابات تجارية بحتة، ولا بظروف، بل التزمت بالعقود المبرمة، والمدد المحددة؟!.

ومن حق الكثيرين أن يتساءلوا عن البدائل المعقولة الممكنة في مثل هكذا حالات، أو على الأقل الاهتمام بالسياحة الشعبية التي باتت مناطقها تحتضن العديد من المنشآت التي تشهد ارتياداً كثيفاً، كونها تستقطب شرائح واسعة، ولعل مؤشرات الموسم السياحي الحالي عكست إقبالاً ملحوظاً، وجاءت المؤشرات والمعطيات محفّزة بكل المقاييس نحو زيادة الاهتمام بمنشآت السياحة الشعبية، كونها تحقق تنوع أنماط النشاط السياحي بجدوى متكاملة اقتصادياً، وسياحياً، وتنموياً، ما يعيد التوسع بمثل هذه المنشآت إلى واجهة الاهتمام الذي بات مطلوباً لتحقيق التدرج والتنوع في الخدمات، والاحتياجات، ولاستثمار البنى التحتية، والمقومات الطبيعية، والسياحية المتاحة في المناطق الشاطئية من خلال تهيئة المواقع المخصصة للسياحة الشعبية، وتجهيزها للنهوض بالقطاع السياحي، مع التركيز على استثمار مواقع للسياحة الشعبية، ووضعها في الخدمة، كون هذه المواقع تستقطب أعداداً كبيرة من مرتادي الشاطئ بخدمات واسعة، وبأسعار تشجيعية، كما أن السياحة الشعبية تلبي احتياجات شرائح واسعة، ولذلك فإن التركيز على المشروعات الصغيرة في القطاع السياحي بات ضرورياً لزيادة عدد المقاصد السياحية المفتوحة على الشاطئ، بالإضافة إلى ما تحققه المشروعات والمنشآت الصغيرة من جدوى متكاملة ومتلازمة اقتصادياً، واستثمارياً، ووظيفياً مع حركة السياحة الشعبية في المناطق الريفية الجبلية، وهذا يحقق التنوع المطلوب في المنتج السياحي.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات