عبارات مختلفة يبدأ بها السوريون يومياتهم على وسائل التواصل الاجتماعي تشبه النواح على أطلال مدينة لم يبقَ فيها سوى بومة تنعق وغراب ينعب في فضاء من الخراب والدمار , لكن هناك الكثير من الأسئلة المهمة التي يجب أن يسألها كل سوري لنفسه قبل أن يتساءل بها أمام العامة والخاصة , فالمنطق رؤية الواقع قبل وبعد، دون (بريستيج) يتوافق مع الحالة وأختها، ويبقى للكواليس تفاصيلها الغامضة وراء ما يجري على الأصعدة كافة.

العقول تغزوها شهوة النفوس

سؤال مهم جداً على كل سوري أن يسأله لنفسه: هل استطاع خلال هذه السنوات الست أن يتحرر من شهوات النفس والخوف التي غلف بها نفسه، أم زادت الحالة لتصبح مرضاً مستعصياً يصعب الشفاء منه؟ فوفق الواقع ومقاييس المنطق بات السوريون اليوم مجرد دمى متحركة لا أكثر، يلتهون بالثرثرات الفيسبوكية واللغو بالكلام المنحل أخلاقياً وغيره والذي لا جدوى منه , متناسين حال واقعهم المعيشي  السيئ، غير مطالبين بأدنى حق لهم نص عليه الدستور والقانون , مفرغين غضبهم وبؤسهم وراء الكواليس وفي الشوارع أو على صفحات التواصل الاجتماعي بالمسبات والشتائم , ومن جانب آخر، ما الخطوات التي قام بها المواطنون السوريون للتخفيف من الأزمات الاجتماعية التي خلفتها الحرب ؟؟

سوى أنهم باتوا أكثر خصاماً وعداءً حتى على مستوى الحي الواحد وفي البيت نفسه أيضاً , واسترخاء الجيل في المقاهي و الكافيتريات التي تزداد عدداً يوماً بعد يوم بسبب ازدياد روادها , وارتفع معها معدل التدخين والنرجيلة وانتشار المخدرات والأدوية النفسية بين الجيل، بسبب غياب الروادع الأسرية وتخلخل الثقافة الاجتماعية بحلول ثقافة النت المنحلة أخلاقياً والموجهة  لمجتمعاتنا الهشة في بنيتها التأسيسية, إضافة إلى البعد الاجتماعي الذي خلفته المنظومة الاجتماعية المعولمة الجديدة التي تعتمد وسائل التواصل الاجتماعي كالواتس والفيس بوك وغيرهما، والتي خلفت حتى الجفاء والبعد بين الإخوة والأبناء والمجتمع ككل , مما يجعلنا نتساءل: هل يسأل الناس أنفسهم عن الغرق الذي يعيشونه؟؟  هل يعيشون حقاً ويمارسون حياتهم طبيعياً؟؟ قبل أن يُسقطوا الحق على الآخر؟ لماذا لا تكون المبادرة بالإصلاح والتحسن من ذاتنا؟

فالإصلاح يبدأ من الفرد ذاته لتليه الأسرة والمدرسة والقرية والمجتمع. من هنا يمكننا القول  بأننا نعيش في شهوات النفس الخارجة عن منطق العقل، في ظل ما نراه اليوم من ظواهر مجتمعية تعيش انحطاطاً أخلاقياً واستهلاكاً لثقافات منحلة لا تحمل القيم المجتمعية والبناءة , بل تحمل التهديم والتخريب أكثر مما نعانيه من حرب السلاح , فالحرب المجتمعية التي تستهلك النفس الإنسانية وتعمل على تدميرها وتغيير منهجها وسلوكياتها القيمية لتصبح منحرفة ومنساقة نحو الشهوات واللذة هي أصعب من حرب الإرهاب والسلاح نفسها , لأن إعادة بناء جيل وإنسان يحتاج إلى سنوات طويلة، أما بناء جدران وأبنية فلا يحتاج إلى وقت طويل .

منهجية إدارية بموت سريري  

ست سنوات من الحرب ومازلنا نعاني مشكلة كارثية في التشكيلات الإدارية لمؤسساتنا الخدمية والحكومية التي باتت أشبه بكهوف مظلمة لا تستطيع أن ترى نور الشمس والتطور , فالمجتمعات البدائية كانت أكثر تطوراً بما يواكب تطور الحياة وآليات العمل، من مؤسساتنا اليوم وبرامجها الإدارية غير المفعّلة، بسبب تحكم البعض بها وأغلبهم من التجار الذين كثروا في سنوات الحرب , فلم نرَ حتى اليوم خطة إدارية لمسؤول وزاري أو مؤسساتي لها هدف واضح في خدمة البلد بشكل إيجابي وخصوصاً في القطاعات المنتجة التي كان يجب أن تفعّل كما فُعّلت في سنوات الثمانينيات والتسعينيات، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاكتفاء الذاتي للشعب, كذلك الأمر أيضاً بالنسبة للإدارات الاجتماعية التي يجب أن يكون لها التأثير الأكبر في خلق مُناخ توعوي وثقافي أكبر بالنسبة للجيل والأسرة وغيرها، وأهمها الثقافة والتربية التي غاب عنهما المعنى والجوهر الأساسي ليبقى فقط الاسم براقاً يحفظ شكلها.

قبل أن تكون الحرب عسكرية وحرب جيوش هي حرب ثقافة ووجود، وخصوصاً بالنسبة لبلادنا التي تعتبر الأساس في تكون ثقافات الشعوب العالمية وانطلاق العلوم من أرضها, ولا نغفل أيضاً غياب الإعلام بسبب سوء إداراته المتبعة أو لأسباب أخرى كالكوادر والقوانين وغيرها , فيبتعد عن دوره البناء في تأسيس المجتمع بتعبئة الجماهير ونشر ثقافة التنمية التي تستثمرها دول العالم المتقدم في تطورها, بل بات الإعلام أكبر كارثة اليوم بسبب الضعف الذي يعانيه كالطرح وإدخال المنهج غير الأخلاقي حتى في كلماته المكتوبة، إذ تضع الدراما والفنون البصرية والإذاعية يدها بيده معاً نحو تدمير أكثر للمجتمع وانفلات اجتماعي أكبر لمجموعات البشر التي بقيت.

كما لم تقف أمور الاستقصاء عند حد معين بل  أصبحت أكثر تعسفية في استقصاء الخبراء والعاملين بجد في المؤسسات، ليحل محلهم من هم أقل خبرة وأحياناً ممن لا يفقهون بالعمل الوظيفي والإداري , كذلك يجري تهميش مشاريع ومقترحات لشباب وخبراء تقدموا بها لدراستها وتفعيلها عملياً, فنحن في بلد الإنسان والعقل، والغرب مازال يستفيد من خبرات شبابنا الذين نعمل على تهجيرهم بالسلوكيات الإدارية المتبعة والأكثر من سيئة، والتي همها جمع ثروة من وراء المنصب بالسرقة والاستفادة دون النظر إلى تقدم البلد وقيمة العمل برفع الفرد والإدارة التي يعمل بها, فهي كما قلنا ثقافة غير متشبعين بها بسبب منهجية خاطئة جرى تطبيقها وتفصيل كل شيء على مقاسها, فما نعانيه منذ سنوات ليس سوى موت سريري لمؤسساتنا الإدارية ولحكومتنا التي ليس لديها أي برنامج عمل واضح لصالح البلد وتطويره من خلال تطوير أجهزته الإدارية وموظفيها .

والسؤال يبقى برسم القادم: متى تتغير منهجية الفرد والعمل إلى مستوى يرتقي معها المجتمع ويتطور البلد حتى لو كنا ضمن ظرف الحرب؟ فالحروب يجب أن نتعلم منها البناء والتطور والتحدي، لا الموت السريري والاختباء وراء الأصبع.

صحيفة النور

 

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات