أصبحت تنمية المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة خياراً استراتيجياً حتمياً لدعم القدرة الاقتصادية والنمو والتكيّف مع التغيّرات الناتجة عن الأزمة، ومن هذا المنطلق وفي هذه الأجواء الشديدة الصعوبة، وضحت أهمية منظومات العمل المستحدثة التي تعمل على تطوير وتحديث مفهوم دعم ورعاية المؤسسات الصغيرة.
وفي هذا المجال تعتبر آلية حاضنات الأعمال من أكثر المنظومات التي يجب ابتكارها لأنها الأكثر فعالية ونجاحاً في الإسراع في تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والتكنولوجية وإيجاد فرص عمل جديدة، وقد تمّت الاستعانة بها في الكثير من دول العالم.
كما أن الأزمة بمفرزاتها الاقتصادية والمالية التي رفعت معدّلات البطالة بشكل غير مسبوق، توجب استخدام الصناعات الصغيرة بفنونها الإنتاجية البسيطة نسبياً، المتميزة بارتفاع كثافة العمل، وهي تعمل على خلق فرص عمل تمتصّ جزءاً من البطالة وتعمل في الوقت ذاته على الحدّ من الطلب المتزايد على الوظائف الحكومية، وهذا يساعد الدولة على مواجهة مشكلة البطالة دون تكبّد تكاليف رأسمالية عالية، وتوفر هذه المشروعات فرصاً عديدة للعمل لبعض الفئات، وبصفة خاصة الإناث والشباب والنازحين من المناطق غير المستقرة، وأخيراً هناك مساهمة مؤكدة للمشروعات الصغيرة في التخفيف من حدّة الفقر ورفع المستوى المعيشي للفئات الأكثر فقراً عن طريق فرص العمل التي توفرها للعمالة غير الماهرة والفقيرة وتوليد دخل إضافي لهذه الطبقة.

تنشيط الاستثمار
وقد تكون هذه المشروعات الاستراتيجية هي الوحيدة الملائمة والمطلوبة في عمليات التنمية بمفهومها الشامل نتيجة تراجع النمو من + 5% قبل الأزمة إلى نمو سالب خلال السنوات الثلاث من الأزمة، ولاعتبارات مهمة منها: أن المشروعات الصغيرة من أهم الآليات الفعّالة في تنويع وتوسيع قاعدة المنتجات والصناعات، وكذلك الخدمات التي تكون بدورها الهيكل الاقتصادي، حيث تمثل إحدى حلقات التوازن في الهياكل الاقتصادية بما تتميز به من مرونة وسرعة استجابة لمتغيرات الأسواق المحلية، كما أن المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر تساهم في استخدام واستثمار المدّخرات ورؤوس الأموال المحلية وتلبي بذلك الطلب على تنشيط الاستثمار الإنتاجي والتصنيعي، حيث تتسم عادة بصغر حجم الاستثمارات ما يتيح لأكبر عدد ممكن من المستثمرين الإقدام على إقامتها، إضافة إلى انخفاض حجم الخسائر المالية وتوجيه الاستثمارات بشكل مباشر إلى عمليات الإنتاج فقط.
نخوض بالتفاصيل للحثّ على الانطلاق فعلياً في تفعيل المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر ليس فقط لما تتيحه من فرص عمل جيدة للعاطلين عن العمل لم تكن موجودة من قبل، بل أيضاً لكونها تساعد على تلبية احتياجاتهم من السلع والخدمات البسيطة والمنخفضة التكلفة، وللحدّ ما أمكن من تنقلات السكان ودورها المهم في تقليل مخاطر وعواقب الهجرة من المناطق الأقل نموّاً إلى المناطق الأكثر نموّاً في الدولة نفسها، بل إن هذه المشروعات ربما تعتبر أداة فعّالة في تحقيق نوع من الهجرة العكسية الهادفة إلى تحقيق التنمية المتوازنة، ناهيك عن أن هذه المشروعات تعتبر بمنزلة معامل وورش عمل لتدريب وإعداد الكوادر البشرية في جميع التخصصات.

قيود إجرائية
إذاً التداعيات الإيجابية هي التي تفرض تذليل العقبات ومن أهمها الناحية التنظيمية‏، حيث ما زلنا نلاحظ أن هذه المشروعات ترتبط بجهات مختلفة كالوزارات المعنية كوزارة الصناعة والتجارة والغرف الزراعية والصناعية والتجارية والجمعيات التعاونية والبلديات مع غياب العلاقة التنظيمية المباشرة بين تلك الجهات المتعددة لتكوين رؤية شاملة حول مصير هذه المشروعات، وبصفة عامة تشير التقديرات إلى أن نسبة 40% إلى 60% من تكلفة القيام بالأعمال في سورية، تأتي من القيود الإجرائية حيث تكثر الشكاوى من اضطرار المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى التعامل مع المسؤولين الحكوميين والمكاتب الحكومية المركزية والمحلية وعدم توافر المعلومات وعدم الرغبة في تقديم المساعدة.
ومن الناحية القانونية نرى أن التشريعات والقوانين الناظمة لهذه المشروعات ما زالت في وضع لا يسمح لنا بالقول: إنها وسيلة تحفيز لنشاط هذه المشروعات وخاصة تلك التي وضعت منذ فترة طويلة.
ومن الناحية المالية‏، العلاقة بين البنوك والمشروعات الصغيرة والمتوسطة فيها الكثير من الإشكالات فيما يتعلق بالضمانات، وفترات السداد، والإجراءات البيروقراطية، وغياب خدمة تمويلية تلبي احتياجات قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة الآخذ في النمو.

أسواق جديدة
ومن الناحية التسويقية‏ التباين الشديد في أسعار المواد الأولية كالارتفاع المفاجئ في أسعارها بسبب عوامل السوق ما يؤدّي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج لديها وبالتالي عدم القدرة على المنافسة السعرية، وتعدّد الوسطاء التجاريين والمنافسة الشديدة من شركات كبرى يقودها رجال أعمال يحتكرون السوق منذ سنوات،‏ وضعف القدرة التنافسية لهذه المشروعات ولاسيما عندما تعمل بشكل أفراد كما هو واقع الحال، وضعف القدرة الرأسمالية اللازمة للترويج والمشاركة في معارض ومهرجانات التسوّق الداخلية والخارجية ومحاولة الدخول إلى أسواق جديدة.
‏ومن أجل التغلب على الصعوبات يجب متابعة التحوّل من الاقتصاد المركزي إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، حيث تلعب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دوراً فعّالاً في عملية التحوّل هذه، ويتطلب هذا الدور وضع وتنفيذ استراتيجية تشجّع على نموّ المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وقدرتها التنافسية، كما أنه يتطلب استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار الفرص والمخاطر التي تواجهها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سورية من الاقتصادات المجاورة ومن المناخ العالمي المحيط، وقد أدركت الحكومة في الآونة الأخيرة هذا الواقع من خلال إعداد وتطوير استراتيجية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

سيريا ديلي نيوز - البعث


التعليقات