خاص - سيريا ديلي نيوز

من الصعب أن تحتويه من الجلسة الأولى؛وليس ذلك هو المطلوب؛ ومن الصعب أن تفهم كل فكره، إذ يبدو نافراً لأول وهلة، ذلك أنّ الفنان مصطفى العقّاد المخرج السوري العالمي عاش في الولايات المتحدة الأمريكية وتنشّق تقنيّات سينما الغرب فصار يفهم مايريده الجمهور العالمي، لكنّه مع ذلك تحدّاه عبر أفلام غَزَتْ دياره ومن بينها فيلم / الرسالة ../ وفيلم / عمر المختار ../.

 

بهذا الكلام قَدَمتُ المخرج العالمي مصطفى العقاد لقراء مجلة ألوان عندما أجريت معه مقابلة صحفية على هامش مهرجان دمشق السينمائي الرابع عام 1985..

التقيته يومها في سهرة خاصة بشيراتون دمشق بحضور ضيوف مهرجان دمشق السينمائي. وأذكر منهم من مصر الفنان نورالشريف ونبيلة عبيد وإيناس الدغيدي وغيرهم وباقة من نجوم سورية وعلى رأسهم الفنان دريد لحام صديقه الحميم والمُقرّب جداً.. واتفقنا أن نلتقي في اليوم الثاني خلال الندوة الصحفية في سينما الشام بدمشق..

 

كنت فخوراً جداً وأنا أسمع مُخرجاً سورياً عاش ثلثي عمره في الولايات المتحدة الأمريكية ومازال حنينه وقلبه عربياً وسورياً بامتياز، ويتحدث عن الفن والأدب العربي..

وأذكر جلساته المميزة؛ وغليونه المتميز؛ وأحاديثه الطويلة التي كانت أغلبها حول هموم واقعنا العربي والعقبات التي اعترضت طريقه وهو يحاول أن يذللها ليوصل وجهة نظرعربية في عالم يسيطر عليه الإعلام اليهودي.

 

ولكني أريد أن أقول شيئاً: بكل ما كان يتميز به هذا الفنان العالمي ... كان يحب العيش بالفنادق، ويطيب له الجلوس في بهو الفندق

 

وقلت له عندما التقيته في بهو فندق الشام: لم أرَ في حياتي فناناً مشهوراً وعالمياً مثلك، يجلس ويتحدث مع نُزلاء الفندق بتواضع وبدون أيّ تكليف..

 

فضحك وقال: إذا كنت أنت أو غيرك يرى ويفهم ذلك تواضع أوكي ماعندي مشكلة؛ أما أنا أفهمها تواصل.. أنا باختصار ياعزيزي أحب الناس والحديث معهم والإختلاط بهم ..أنا لاأتحمل فكرة أن أكونَ وحيداً في شقةٍ أو فيلا خلال سفري؛ أُحبّذ الفندق لأنه يوفر لي الاحتكاك مع الناس.. الحب شيء رائع.. وأنا أحب الحياة والناس.. والغريب أنّه توفى في المكان الذي كان يحب أن يجلس فيه في بهو فندق بعمان أثر تفجير انتحاري إرهابي.. رحمه الله ...

 

وأعود لأتوقف عند سؤالين فقط من حديثنا الطويل آنذاك..

 

قلت له: هل تعتقد فعلاً بأن للأفلام تأثيراً كبيراً؟..

 

قال: سأروي لك حادثة صغيرة جرت مؤخراً في الهند منذ حوالي الشهرين تقريباً.. عُرضَ فيلم / عمر المختار / هناك وبالتحديد في منطقة كشمير؛ ولاقى نجاحاً رائعاً حيث أقبلت جموع غفيرة من القرى والمناطق لمشاهدة الفيلم لأنه في الهند لايوجد سينما في كل منطقة أو حي؛ وبعد الانتهاء من عرض الفيلم خرجت الجموع بمظاهرات تندّد بالمُستعمر فأحرقوا الأعلام التابعة للدول الإمبريالية لأن الفيلم ذكّرَهُم ببطل هندي اسمه/ محمد عبدلله / وكانت النتيجة أنّ الحكومة الهندية منعت عرض الفيلم فغضب الشعب وأحرق دار السينما، ثم اعتدل بجلسته وقال مازحاً: يبدو أن الفيلم أثّر في الشعب الهندي أكثر من تأثيره على الشعب العربي.

 

وسألته: مَنْ من الفنانين تعتقد بأنّ له تأثيراً في نفوس الناس؟؟

 

فأجاب مباشرة: دريد لحام.. له تأثير كبير، واستطاع أن يصل إلى كل الناس؛ وإلى كل البيوت، حتى أصبح فناناً خطيراً.. دريد فنان ملتزم، وتربطني به صداقة ومودة، وأحترم آراءه وأعماله وأفكاره.

 

هذا كان جواب المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد عن تأثير الفنان والفن في وجدان الناس.. وهذا هو الشيء المشترك مابين الفنان دريد لحام والمخرج مصطفى العقاد.. بحيث أصبحا وجهان بقلب واحد؛ أحدهما حمل رسالته الفنية محلياً وعربياً، والآخر حمل الرسالة العربية عالمياً..

 

الفنان دريد لحام عربياً؛ استطاع أن يصل للناس؛ كل الناس وبامتياز حتى استقرت أفكاره وأعماله وحركاته في قلوبهم من المحيط إلى الخليج؛ وتجاوزت الحدود لتصل للمغتربين العرب في جميع أنحاء العالم، وفي مختلف المناسبات صاروا يرددون كلماته وحركاته ومقاطع من مسرحياته لأنها تداعب أحلامهم وأمنياتهم لأنّه يتحدث بلسانهم عن معاناتهم وهمومهم وأحلامهم، ولهذا قال عنه بأنه أصبح فناناً خطيراً... وهذا ماعرفناه من خلال مواقفه الوطنية والإنسانية.

 

والفنان مصطفى العقاد استطاع عالمياً أن ينجح؛ في وقت كان من الصعب جداً أن يتقدم فناناً عربياً داخل هوليود ويُخرج أفلاماً أمريكية لاقت نجاحاً طيباً جعلت له إسما عالمياً..

 

استطاع فيما بعد أن يفرض أفكاره وهويته العربية من خلال فيلم / الرسالة / وفيلم / عمر المختار/ وكان لديه مشروع فيلم صلاح الدين الأيوبي.. لكن رحيله المأساوي في التفجير الإرهابي لم يُمهله ليُكملَ مشروعه..

 

الصديقان دريد لحام ومصطفى العقاد وجهان عربيان حملا إسماً سورياً عربياً وعالمياً، وحصدا الجوائز والتقدير؛ والأهم حب الناس؛ كل الناس.. ونحن كسوريين نفتخر بهم وبأمثالهم، ولن ننساهم أبداً.. سيبقيان علامة فارقة في مسيرة الفن السوري والعربي، كما نفخر بكل سوري يعتز بأصله ويكون خير سفيرلبلده..

 

تحية حب للفنانين السوريين الأوائل الذين أسّسوا لنهضة فنية سورية أصبحت اليوم متميزة..

 

تحية حب للفنان الكبيردريد لحام أطال الله بعمره ليبقى خير سفير للفن ولسورية..

 

وتحية حب للفنان الكبير مصطفى العقاد الذي رحل عنا , وترك بصمات فنية وانسانية لن ننساها , ولن ننساه ابدا.

 

يعقوب مراد ـ السويد

 

مع المخرح العالمي مصطفى العقاد وعائلته في شيراتون دمشق 1985

 

مع الفنان دريد لحام وزوجته في مهرجان دمشق السينمائي 1985

 

 

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات