خاص - سيريا ديلي نيوز

سمعت صوتاً يقول : ألم أقل لك برفسور فريدريك لاتمتحنه في معرفه سوريا فهي عشقه الابدي .

وهتفت بسعادة : رباه .. اني اعرف هذا الصوت .,

التفت ورأيتها ., وصرخت بأعلى صوتي : اليزابيت .. أكاد لا أصدق عيني ..,

ركضت باتجاهي وحضنتي وهي تضحك وأنا أبكي فرحاً لأنني وجدتها بعد أن فقدتها منذ مشاركتها في قافلة الحرية ,,,

اقترب مني البروفسور فريدريك , وطلب مني أن ندخل سوية لغرفة الاعتراف , ومن هناك فتح باباً ضيقاً لندخل قاعة كبيرة جداً لأجد مجموعة من الرجال يجلسون حول طاول طاولة مستطيلة وطويلة وفي عملية تعارف بيني وبينهم تحدث البرفسور فريدريك وطلب مني ان اشرح للجميع حكايتي مع اليزابيت ثم همس بأذني قائلاً :

ـ هذه الهيئة هي التي ستسمح بتزويدك بكل الحقائق التي تبحث عنها , ولكن يهمهم جداً أن يعرفوا حقيقة اليزابيت ان كانت محل ثقة ..

حسناَ .. فتحت باب غرفة الاعتراف , وادخلت اليزابيت وقلت : اسمحوا لي أن أعرفكم على فتاة ٍ سويدية ٍ اسمها إليزابيث ، تعرفت عليها في بداية عام 2003 ، حين أنهت دراسة الثانوية العامة , وقررت ترك المدرسة ، لأنها تعبت ، كما قالت ، وجاءت إلي تطلب عملا ً في المطعم الذي كنت أملكه في ذلك الوقت .

أعطيتها عملا ً بنصف دوام ٍ يوميا ً ، كانت سعيدة ً بعملها في المطعم رغم أنها كانت تجلي وتمسح وتساعد بكل شيء.

ذات يوم سألتها أن كان هذا هو كل طموحها ؟ فاستغربت السؤال لان والدها لم يسألها، وترك لها حرية الاختيار، لأنها أصبحت بالغة وتجاوزت الثامنة عشرة من عمرها .

أجابت : لا .لكن ما هو البديل ؟

وأي فرع ٍ في الجامعة يتطلب أربع ، أو خمس سنوات ٍ من الدراسة ، وبعدها البحث عن عمل بدون فائدة .إذا لماذا التعب ووجع الرأس؟

قلت لها : ـ لماذا لا تدرسين اللغة العربية ؟ نظرت إلي., وكأنني فاجأتها بشئ ٍ لم تك تتوقعه أبداً ، ثم مطت شفتيها باستغراب : العربية ؟

وماذا سأفعل باللغة العربية ، وأنا سويدية , ومقيمة في السويد؟

قلت : تعملين الكثير ، تستطيعين أن تعملي في مجال الترجمة، أو معلمة ، في السلك الخارجي ، مجال العمل سيكون كبيراً ومهما ً , وأنت تجيدين اللغة العربية إلى جانب السويدية والانكليزية ، وأنهيت كلامي بالقول :

وأي مساعدة تطلبينها أنا جاهز .

بعد أسبوعين جاءت إلي تقول بأنها تريد ترك العمل لأنها سجلت في (جامعة اوبسالا ) القريبة من استوكهولم، لدارسة الأدب العربي, فرحت كثيرا ً ، و شعرت هي بفرحتي ، فحضنتني شاكرة ً ومودعة ً , فتمنيت لها التوفيق.

لقاء وتعارف

بعد ثلاثة أشهر ٍ تقريبا ً علمت بان رجلا ً سويديا ً سأل عني, وترك بطاقة ً تحمل اسمه، ورقم تلفونه ، متمنيا ً أن اتصل به بخصوص إليزابيث .اتصلت حينها ، و تعرفت على الرجل وهو الصحفي هنريك وزوجته معلمة المدرسة, وعلمت أن إليزابيث هي ابنتهما وأنهما مرا بالمطعم من أجل أن يشكراني ، وبعد أيام ٍ التقينا ، ومن يومها أصبحنا أصدقاء جداً .

2005 إليزابيث في العراق

أنهت ا إليزابيث عامها الأول, وجاءت إلي وهي تضحك , قالت إنها ستمضي صيف هذا العام في العراق ، لتتعرف على الشعب العراقي عن قرب ، وهو تحت الإحتلال ، وطلبت مني أن أزودها بما أعرف عن العراق ، وقبل أن تنصرف طلبت منها أن تكون حذرة ً جدا ً ، لأن الأوضاع صعبة ٌ جداً , ومخيفة.

مرة ً ثانية ً حضنتني بقوة ، همست بأذني : لا تخف علي .

بعد شهرين تقريبا عادت من العراق , ولم تتمكن من زيارتي، بل اكتفت بحديث ٍ تلفوني ٍ طويل ٍ ، أخبرتني من خلاله بكل ما جرى معها في العراق ، الويلات والخوف والرعب وكره الشعب العراقي للاحتلال الأمريكي ، وتطلع هذا الشعب إلى لحرية والعيش بكرامة .

2006 إليزابيث في أفغانستان

أنهت إليزابيث سنتها الثانية ، وجاءت برفقة والديها ، أخبرتني بأنها ستغادر إلى أفغانستان ، بعد ثلاثة أيام، وحين بدت علامات الاستغراب على وجهي ، سارعت بقولها :

اعرف "انتبهي إلى لنفسك و و" مثلما قلت لي في المرة السابقة ، وأنا سأقول لك شكرا وأحضنك وأقول مرة ً ثانية ً : لا تخف علي ، وغادرت .

بعد شهر تقريبا وصلني كارت لصورة ٍ التقطتها ، لأولاد أفغان فقراء، يجلسون على الأرض، وإليزابيث تعلمهم الأحرف ، فرحت كثيراً ، واتصلت بوالدها ، فرد ضاحكا ً بأنه استلم أيضاً صورة ًمشابه ً ولكنها لنسوة ٍ أفغان .

2007 إليزابيث في غزة

مرة ً أخرى، عادت إليزابيث إلى جامعتها ، لتبدأ سنتها الثالثة ، وكانت تتصل بي باستمرار ، وتسألني عن الأخبار، أو عن معلومة ٍ ما تتعلق بأصل كلمة ٍ أو بلد ٍ أو نظام حكم ٍ .

مرت الأيام والأسابيع والشهور ، وبدأت أشعر كأنها ابنتي ، التي لم يرزقني الله مثلها ، فكانت هي .

وحين أنهت دراستها للعام الثالث ، جاءت لزيارة عائلتها ، فذهبت إليهم برفقة زوجتي ، قلت لها :

عراق وأفغانستان والآن ، إلى أين.؟

اتجهت نحو التلفاز ، وقالت : انظر إلى مدينة غزة إنها تحت النار والحصار, وسأذهب إلى هناك .

نظرت إلى والدها فأشار بيديه وكأنه يقول : "ليس بيدي شي اعمله " .

ودعناها بحرارة وقبل أن تقول شيئا ً قلت لها : ستعرفين حين تعودين ، مشوارك إلى غزة مختلف ٌ تماما ً عن مشاويرك السابقة يا ابنتي ، احرصي على عينيك وقلبك . نظرت إلي بدهشة وكأنها تستفسر عن شيء ٍ ما .

وذهبت إليزابيث إلى غزة عام 2007 ،

وعادت بعد خمسة أسابيع، اتصلت بي تبكي، قالت بأنها منهارة ٌ تماما ً ، وأنها عرفت لماذا أوصيتها بعينيها وقلبها ؟

لأنهما بكيا كثيرا ً ، ومازالا يبكيان وأنها محتاجة ٌ إلى طبيب ٍ نفساني ، لكثرة ما شاهدت من أهوالٍ فظيعة ً لأهل (غزة )تحت الحصار وقالت :

اعتقد أن العام القادم سيكون أسوأ بكثير .

إليزابيث في دمشق 2008

أكملت إليزابيث عامها الرابع بتوفق, وجاءت إلي كالعادة تطلب شيئاً رائعاً ، قالت :

ـ أنت الذي شجعتني لدراسة اللغة العربية , وقلت لي بأنك جاهزٌ لأي شئ ٍ أطلبه ، أتذكر؟

قلت : نعم اذكر ذلك , ماذا تريدين ؟ قالت : لتكتمل لغتي بشكل ٍعملي ٍ أفضل, واقوي ، نصحني البعض بالذهاب إلى جامعة دمشق لمدة ستة أسابيع , وهذا حلمي ، لسببين :

الأول أن الشام بلدك أنت، يا من أخذت بيدي منذ البداية., وفتحت عيني على لغة ٍ رومانسية ٍ جميلة , وعالم ٍ عربي ٍ طيب ٍ وكريم ، ومظلوم ٌ كثيرا.

والسبب الثاني أن دمشق هي أقدم مدينة ٍ مأهولة ٍ في التاريخ ومازالت حتى اليوم , حلم ٌ أن أراها ، فهل ستساعدني ؟ .

قلت لها : اطمئني سيكون كل شئ ٍ جاهزاً خلال أيام. اتصلت بالصديق والممثل عباس الحاوي ، والصديقة الدكتورة صافية الحسن ، فرحبوا بالفكرة وابدوا استعدادهم باستقبالها سافرت إليزابيث إلى دمشق, والتقت بأخي الروحي عباس وصافية اللذين أبدعا وأكرما ضيافتها, وكنت كلما اتصل بعباس تلفونيا ً ترد إليزابيث قائلة ً :

أنا في جبل قاسيون ، أو أنا في مقهى أدخن النرجيلة ، وتخبرني أنها أكلت بوظة عند بكداش في سوق الحميدية, وزارت( باب توما) و( وباب الجابية )، (باب شرقي ) و(صيدنايا ومعلولا) .

في 23 كانون الأول 2008

عادت اليزابيت من دمشق مباشرة ً إلى بيتي برفقة أهلها، محملة ً " بقلاوة وبرازق ومعمول" وبدأت تتكلم باللغة العربية :

هذه البرازق من الدكتورة صافية, وهذه البقلاوة من أعز صديق عباس ، وهذا المعمول مني أنا، كانت ليلة ً لا تنسى وهي تروي ذكرياتها عن بدمشق بلغة ٍ عربية ٍ جميلة .

إليزابيث في السفارة

بعد اقل من أسبوع اتصلت بي باكية ً ،وهي تقول :

انظر إلى التلفزيون ، إنها الحرب على غزة، اجتياحٌ لجيش ٍ كامل ٍ على مدينة ٍ ليس لديها ما تأكل وتشرب ، إنه عارٌ على كل القيم والأخلاق ، وانهارت تبكي . بعد شهرين وقفت أمامي في المطعم تضحك، سألتها، ما بك ؟

قالت : أنا سعيدة ٌ جدا ً ، وارتمت في حضني تضحك ، عدت اسألها من جديد قالت :

تم تعييني سكرتيرة مساعدة للسفير السويدي في مصر ، وهذا كله بفضلك ، وراحت تضحك وأنا اضحك ، كاد كلانا يبكي فرحا.

ذهبت إلى مصر ، وبقيت عدة أشهرٍ ، ولم تستمر لأنها في أوقات فراغها ،كانت تذهب إلى معبر رفح ،وتلتقط الصور ولم تقو على الانتظار والعمل بشكلٍ روتيني ٍ في مكتبها .

الناشطة اليزابيت عادت إلى لسويد

وأقامت معرضاً لصورها في معبر رفح وغزة , ونشطت مع والدها وأمها في حشد مسيرات ٍ ضخمة ٍ ، توجت بالأكبر في مدينة ( بورس )، للتنديد بجرائم إسرائيل الوحشية , وكم كان منظرهم رائعاً وهم يرتدون الشماخ الفلسطيني , ويتقدمون المسيرات , وفي المساء كانوا يجمعون الأخبار , وينسقون المواقف, ومن أهم ما فعلته اليزابيث وعائلتها :

ـ أولا ً كشف عملية تزوير البرتقال الإسرائيلي، من خلال وضعه في صناديق كتب عليها( اسبانيا ) فأجبرت الحكومة على إتلاف البرتقال الإسرائيلي, وأوقفت استيراده .

ـ ثانيا ً: تم جمع آلاف التواقيع ، لدعم أهل غزة بقرارٍ بالتبرع بإجرة يوم ٍ كامل ٍ من جميع وسائل النقل الداخلي لصالح أهل غزة .

ثالثاً : أقام والدها معرضاً للصور يقارن بين الإسرائيلي اليوم ، والألماني النازي ، وبين الفلسطيني اليوم ، واليهودي قبل أيام هتلر النازي متسائلاً : كيف يمكن أن تقنعوننا بأنكم تعرضتم للإبادة والظلم ، وأنتم تمارسون اليوم أبشع منه .

المفاجاة

ذات مساء قلت لوالد ليزا : أشكركم كثيرا لأن ما فعلتموه أكثر بكثيرٍ مما كنت أتوقع, وأكثر بكثيرٍ من دولٍ عربية ٍ وقفت للأسف الشديد تتفرج. نظر إلى زوجته، ثم نظر إلي وقال :

أريد أن أصارحك: نحن الذين يجب أن نشكرك ، لأنه لولاك لبقيت ابنتي بدون أي شهادة، أو موقف ٍ ايجابي ٍ في حياتها ، ولما أصبحت ناشطة ً كبيرةً في مجال حقوق الإنسان، ولبقيت طيلة حياتها تجلي وتمسح في المطاعم و الحانات., ولبقينا مثل غيرنا لا نعرف حقيقة ما يجري في العالم عامةً والشرق الأوسط خاصة ً ، واليوم صار عندنا قضية , وهي نشر حقيقة ما يجري وكل هذا أيضا ً بفضلك .

أريد أن أشكرك كثيرا ً نيابة ً عن كل عائلتي، فأنت في نظري خير سفير ٍ لبلدك الكريم.

خرجت وأنا أحمد الله ، أنني والممثل عباس الحاوي، والدكتورة صافيه ، وكل الشرفاء الطيبين ، استطعنا أن نشكل لوبي ايجابي يفهمنا كمغتربين أولا ً , ويفهم قضيتنا , ويتعاطف معنا لعل وعسى يكبر هذا اللوبي شيئا ً فشيئا ً ، ويصبح قوة ً فاعلة ً , ومؤثرة..

وبعد مشاركتها اللوجستيه مع الفريق السويدي المشارك في قافلة الحرية انقطعت اخبار اليزابيت وتضاربت الاراء فلم نجد لها اسماً بين الذين اعتقلتهم اسرائيل بعد الهجوم الاسرائيلي على سفينة مرمرة المشاركة في قافلة الحرية المتجة الى غزة لكسر الحصار في اواخر شهر ايار 2010 ...

ومرت السنوات ونحن نبحث عنها في كل مكان ولكن دون جدوى , وكنت أرفض الاعتراف بحقيقة ان اختفائها يعني موتها ..

وهاأنا اليوم أراها .. أرى تلميذتي التي افتخر بها ..

هذه هي اليزابيت التي احب اناديها ليزا .. ومرة ثانية حضنتي ولكن هذه المرة كانت دموع الفرح وسط تصفيق الحاضرين ...

/ ــــــــــــــــ . يعقوب مراد . ـــــــــــــ

في الحلقة القادمة .........

هل سيفصح البروفسور فريدريك بالحقيقة ..؟ .

سيرياديلي نيوز - يعقوب مراد


التعليقات


osam slam
المحبة تنبت في جميع حدائق الانسانية