خاص سيريا ديلي نيوز

لم أكن أعلم بأنّ قاتلاً سيتأثّر بعبارتي الشهيرة / ..يا أولاد عمّي ..سأقولها لكم بملئ فمي , إن سامحتكم بدمي لن أسامحكم بقتل وطني ويرمي سلاحه ويعترف بقتل أمه, ويندم على كل مافَعَله بحق وطنه وأهله , / المفاجأة الأولى : استغاثة قاتل كنتُ على وشك أن أُغلق جهاز الكمبيوتر , حينَ فوجِئتُ بشاب يكتب لي على موقع التواصل الاجتماعي / شات الفايسبوك .../ : أستاذ دخيلك أنا قتلت أمّي وبحاجة إلى مساعدتك,,,؟ لجمتني العبارة !!! واندهشت فعدت قرأتها من جديد لأتأكّد وأصدّق ما تراه عيني ,,,,, وكتبتُ له مستفسراً ما هذا الكلام الذي تقوله؟؟؟ الوقت متأخّر جداً ولا أريد أكاذيباً ولا مزحاً ثقيلاً ,,,,, فعاد يكتب لي : أرجوك أستاذ أن تُعطيني بعض الوقت وتسمعني الموضوع مهم جداً , وأنا أكاد أقتل نفسي لأنني منهار تماما وضائع ومحتار ولا أعرف ماذا أفعل...!؟ وبحاجة أن تنصحني , لأنني فعلا تسببت بقتل الكثيرين ومنهم أمي و إصابة خطيبتي ... .فطلبتُ منه أن يهدأ , ووعدته بأنّي سأسمعه للنهاية وسأعمل جهدي لمساعدته بشرط أن يكون صادقاً ... وبعد أن عرفت بأنّه اختارني لأنه يقرأ لي باستمرار , لأننا من منطقة واحدة تقريباً وأنه قرأ عبارتي /.. يا أولاد عمي أسامحكم بدمي ولكني لن أسامحكم بقتل وطني ../ فكر أن يلجأ إليّ وإن رفضتُ سماعه سينفذ ما فكّر به ألا وهو الإنتحار!!! فنصحته أن يُلغي فكرة الإنتحار أولاً, ثم يروي لي كل شي بالتفصيل الممل ..... وبدأ يروي لي حكايته الغريبة . المفاجأة الثانية : سلاح الشيطان في قرية صغيرة جداً من قرى سهل الغاب يعيش فيها مع أسرته ,, ولظروف خارجة عن إرادته لم يكمل دراسته بعد مرحلة الإعدادية فلجأ لمساعدة والده في / طرطيرة / صغيرة لنقل الخضار والفواكه من مدينة محرده لبعض القرى القريبة مثل حلفايا و اللطامنة و شيزر وخربة وغيرها ... وحين أصبحَ في الثامنة عشر من عمره أجبره والده على كتب كتابه على ابنة عمّه , وكانت حياتِه تسير بهدوء وروتين شديد ولم يكن ينقصه إلا قلة المال ... ومنذ ثلاثة أشهر تقريباً وبالتحديد صباح السابع من أيلول أوصل نقلة خضار لضيعة حلفا يا والتقى رجل حدثه عن إمكانية أن يكون رجلاً وطنياً يُقدّم خدمة لوطنِه ويكسب مالاً كثيراً لو ساعدهم بنقل بعض الأسلحة لبقية الثوار في القرى المجاورة مع الخضار والفواكه لقاء مبلغ ألف ليرة مقابل كل مرة ... في البداية رفض العرض ولكن تحت إلحاح الحاجة المادية لإتمام زواجه بأسرع وقت ومن أجل الثورة المباركة , وافق وبدأ بنقل أسلحة إلى قرى مجاورة . وكانت الصعوبة هي في البداية فقط ثم ما لبثت أن أصبحت عاديّة مع كثرة المال الذي أصبح بيديه , وأن إسمه سيكون من الأبطال الذي صنعوا الحرية في سوريا . وما كاد يمر شهر أيلول وتشرين الأول حتى أصبح يعرف كل الرجال الذين يستلموا الأســلحة وعـرف بأنهم يتقاضون مبلغ 1500 ليرة ســورية لقاء كـل عملية , ومبــلغ ألفين ليرة سورية مقابل كل عبوة ناسفة يزرعونها في الأماكن التي يتم اختيارها . وبدأ يحسبها بشكل مادي فهذه فرصة جيدة حتى يجمع المال اللازم للزواج !!! وخرج وشارك مع مجموعة من الشباب بنصب كمائن لسيارات خاصة أو باصات نقل , في البداية كان المطلوب أن يزرعوا الخوف والرعب , وأن يشعرَ الناس بأن هناك مقاومة , ولم يكن الهدف القتل !!! ولكن مع تضيّق الجيش عليهم بمساعدة بعض الأهالي الذين بدأوا في تشكيل مجموعات لحماية الحارات والأماكن الخاصة . وصلتهم أوامر بقتل الجيش أو آي هدف يكلّف به ... المفاجأة الثالثة : إغراء المال يقول بأنّ أمّه كانت تسأله عن مصدر المال الذي يضعه بين يديها فكان يكذب عليها بأنّه يعمل كثيراً من أجل الاستعداد لتجهيز ابنة عمه وبأنّه يريد إتمام الزواج قبل نهاية العام . وفرح أبيه كثيراً لنشاطه وعمله وكان يقول له دائما : قل دوماً يا رضى الله و رضى الوالدين وحياتك ستكون بألف خير . وفي صباحية إحدى الأيام الخريفية الجميلة حيث أشجار الزيتون والمواسم والقطن في الأراضي مثل ندف الثلج خرج الشاب من منزله وتمنى له والده التوفيق والنجاح في مشواره..وبعد ساعة تقريبا التقى المجموعة وتم تشكيل مجموعتين وكل مجموعة سبعة أشخاص المجموعة الأولى تكون على الطريق القريبة من قرية مجدل مهمتها إطلاق الرصاص على السيارات المارة في كلتا الجهتين والمجموعة الثانية يقودها هو وقد كُلِّفت بزرع سبع عبوات ناسفة تحت جسر محرده.. وفي الوقت المحدّد انقسمت المجموعتين وذهب مع مجموعته وزرعوا سبع عبوات ناسفة تحت جسر محرده .. وبينما كان عائداً تعرّض لإصابة خفيفة فنقله الجيش لمشفى في محرده لاعتقادهم بأنّه مواطن مدني عادي , ولكنّه شعر لأول مرة بالخجل والعار كيف كانوا يقتلون المدنين والجيش وهاهو الجيش الآن يُسعفه بكل محبة . وبينما كان الطبيب المحردواي المناوب يضمد جروحه ويخبره أنْ ينتبه لنفسه لأنّ هُناك من يغرّر بالشباب . ولكن ما أثار دهشته حين قال له : تصوّر بأنّ هناك من يفجر ويقتل لقاء مبلغ ألف أو ألفين ليرة سورية وهذا أقل بكثير من ثمن غماز سيارتي فهل أصبح الإنسان أرخص من لمبة سيارة ...!!! .. ولم ينقذه من ارتباكِه سوى صوت صراخ في قسم الإسعاف بانّ هناك إصابات وجرحى فطلب منه الطبيب الخروج وإفساح المجال للحالات الصعبة وخرج الطبيب مسرعاً وهو يركّز نظراته بيديه فلحقه خِلسة وغادر المشفى وفي طريقِه سَمِع بأنّ بولمان الأهلية لرحلة محرده تعرّض لإطلاق نار وأنّهم مازالوا محتجزين في قرية المجدل لا يستطيعون المرور , فاتصل بهاتف عمومي بالأمن وأخبرهم بأنّ هناك سبعة عبوات ناسفة تحت جسر محرده . ثم أكمل طريقه لضيعته مُصمّماً بأنّه سيتوقف نهائياً عن المشاركة بمثل هذه الأعمال القذرة المفاجأة الرابعة : قتلت أمي . فأسرع إلى قريته ليفاجأ بأنّ خطيبته تعرضت لإصابة بالغة وهي ترقد في مستوصف الضيعة فهرع لهناك وراحت تُخبره وهي تبكي بأنّها كانت مع والدته في مدينة حماه واشتروا بعض الذهب وحاجيات العرس , وفي طريق عودتِهم تعرّضوا لإطلاق نار كثيف . فحضنتها أمّه لتحميها فكان نصيبها رصاصتين بالرأس وبالقلب فماتت فوقي وهي تتمتم اللعنة عليهم , اللعنة عليهم , وأصيبت خطيبته برصاصة في كتفها .... فارتمى يبكي في حضن أبيه الذي كان يشتم الإرهابيين الذين زرعوا الرعب والموت باسم الحرية . وعرف وتأكّد بأنّه السبب بقتلها ومن شدّةِ ندَمِه وغضبِه بدأ يضرب رأسه بالجدار حتى سال دمه فتم إسعافه... المفاجأة الخامسة : التفكير بالإنتحار في اليوم الثاني تمّ دفن أمّه وفي قلبه نار لا يعرف بها أحد غيره و وثمّة أفكار تعصف في رأسه وقلبه تكاد تقتله ..باسم الحرية ولأجل المال نقل الأسلحة بيديه ... وزرع عبوات ناسفة هنا وهناك ... وشارك بسفك الدماء والرعب والموت ... وتمنّى للمجموعة الثانية التوفيق بمهمتهم التي كانت سبباً بقتل أمــه وتشـويه خطيبته . فأستحقّ غضب السماء ولعنة والده الذي كان يفتح يده دائماً للسماء ويتمنّى القصاص من الارهابيين والقتلة , لهذا جهّزَ مسدّسه وقرّر الانتحار , ذهب ليتجول ويودع محرده هذه المدينة المسالمة والطيبة جدا التي احتضنته ووفرت له عملاً وشاهد بأم عينيه كيف أحتضنوا الذين هربوا اليها من حماه وقت الشدة وفتحوا لهم بيوتهم والديرالكنسي ليكون لهم مكاناً أمناً وأمنت لهم الأكل والشرب والملبس بغض النظر عن إنتمائهم الديني أوالفكري بل تصرفت من منطلق إنساني وماتفرضه الجيرة في مثل هذه الأوقات العصيبة ... هذه المدينة التي تتكئ على نهر العاصي وهي تغني الأوف والميجانا والفرح ومركز التجاري لكل المنطقة .. وعاتب ولام نفسه كثيراً كيف استطاع أن يشارك بحرق سيارة أو موتوسكل أو يساهم في رعب سكانها الطيبين هذه مدينة غادة شعاع البطلة العالمية والاطباء والمهنسين والأدباء مثل محفوض أيوب ومفيد نبذو ويعقوب مراد الذي سامح الذين حاولوا قتله مقابل أن لايقتلوا الوطن .. فوقف حزينا يلعن نفسه وقرر أن يضع حدأ لما يفعله وأن يُخبرني لأعرف القتلة وأكشف حقيقة ماحدث, ومايحدث . المفاجأة السادسة : صحوة ضمير استغرق حديثنا حوالي خمسة ساعات , ولكنّه أعطى نتيجة إيجابية حين أقتنع بأنّ انتحاره لن يحلّ المشكلة أبداً , وسيبقى القتلة يمارسون هوايتهم .,وسيبقى هناك غيره ومثله مازالوا يقبضون ويقتلون ويزرعون الرعب . ولهذا وبما أنّه قرّرَ الموت فليمت بشرف ويكون لموته قيمة ومعنى, ولهذا نصحتَه أن يتصل بالأجهزة الأمنية ويسلم نفسه ويعترف لهم بكل ما يعرفه ويدلّهم على المجرمين الذين يغررون بالشباب لأنه إذا كان يشعر فعلاً بأنه سبباً بقتل أمّه فعلى الأقل لا يكون سبباً بقتل أمِّه سوريا وواجباً علينا كلنا أن نحميها... وشكرني المفاجأة السابعة : العين الساهرة في اليوم الثاني سلّم نفسَه وبناءً على اعترافاته توجّهت مجموعات عسكرية وأمنية إلى كل من حلفا يا والخربة واصطدمت في اشتباكات عنيفة مع المطلوبين تمكن على أثرها الجيش والأمن من السيطرة على الموقف وقتل ستة من المجرمين وقبض على مجموعة كبيرة من المطلوبين وصودرت كميات كبيرة من الاسلحة. المفاجئة الثامنة : كلمة أخيرة يوم الجمعة صباحا تلقّيتُ رسالة بالبريد الالكتروني , عرّف عن نفسِه بأنّه الضابط الذي أشرف على التحقيق مع الشاب الذي سلم نفسه بناء على نصيحتي وأنه يشكرني جداً ويريد أن ينقل لي رسالة شفهية من الشاب المذكور يقول لي فيها / بأنّه الآن يتمنى أن يسامحه الله أولاً., وأهله ثانياً., وبلده ثالثاً ... وأن أكتب حكايته لتكون عبرة للآخرين وأمنيته الأخيرة أن تكون أمه الكبيرة سوريا بألف خير.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات


فائز مظلوم
يعقوب أبدعت الوصف والقول وأصبت الهدف بالفعل.

ياسر شيخاني
كلام جوهري ورائع فعلا قصة مؤثرة لتكون عبرة لمن يعتبر شكرا لجهودك أستاذ يعقوب

ياسر شيخاني
كلام رااائع وقصة مؤثرة فعلا تستحق القراءة لتكون عبرة لمن يعتبر شكرًا لجهودك العضيمة أستاذ يعقوب