في كل مرة تتحدث فيه الحكومة عن  "الدعم " فإنّ السؤال الذي يبرز ويطفو على السطح ويشغل بال كل السوريين هو مدى توفر البيانات والاحصاءات التي يتم بناء القرارات على أساسها  .. كيف والحكومة هذه المرة طلبت من كل حملة البطاقة الذكية ان يقصدوا مصارف البلد لفتح حسابات مصرفية  دون أن تكلف نفسها الخروج للناس وشرح ما تخطط له .. إن كان لديها خطة      ..
الدكتور شفيق عربش الاستاذ الجامعي والباحث الاقتصادي  ومدير سابق  للمكتب المركزي للإحصاء رأى أنّه لابد من الإقرار أولاً أنّ ماصدر عن رئاسة مجلس الوزراء بدعوة أصحاب البطاقات  الذكية  لفتح حسابات مصرفية ، قد خلط الأوراق ووضع الناس بحيرة من أمرهم ( خاصة لمدى تأثير تحويل الدعم إلى نقدي ) ، واصفاً الدعم في سورية بأنه  مشكلة بسيطة ومعقدة في آن معاً   .. قديمة وليست جديدة ، و في السنوات الأخيرة وبسبب بعض الإجراءات و القرارات  التي اتخذت صارالدعم مشكلة وهاجس يومي.  
 يقول الدكتور عربش : أتمنى أن يتصدر المشهد السيد رئيس الوزراء أو من يكلّفه  لشرح ما هي خطة الحكومة فعلا لتحويل  الدعم من عيني إلى نقدي ومن أسعار الى مقابل مادي ، و إلى أين ستصل بنا ألأمور ؟

برأيي الشخصي يقول عربش : إن هذه الحكومة لا تعرف ماذا تريد .. أو انها ترغب دوما في إقلاق الناس واشغالهم وإلهائهم في قضايا  وأمور حياتية جديدة و "إذا افترضنا جدلاً ان الحكومة تعلم ماذا تريد فإنها لا تعرف كيف تحقق ما تريد"  ..

وأضاف  : منذ مطلع عام 2022  بدأنا بإجراءات إيصال الدعم لمستحقيه ، لكن للأسف هذا كان العنوان ، و لكن في التفاصيل  فالذي حدث أننا أخرجنا  فئة معينة من الأسر السورية من تحت مظلة الدعم وفق معايير غير سليمة ، و لم ينعكس الموضوع إيجابا على  تحسين معيشة الناس مستحقي الدعم ، في الحقيقية  نحن لا نعرف من يستحق الدعم ، و رأينا حجم الأخطاء التي حصلت والتصويبات التي حدثت ,  و حتى معاون وزير الاتصالات الذي كان مسؤول عن هذا الملف.. اعترف بأن البيانات لم تكن مكتملة  , و لكن يبدو أنّ المهم  أن نعمل "شغلة  "وهذا يلي "عملناه " وفشلنا  به حسب تعبيرعربش ؟

برأي المتواضع  يتابع الاستاذ الجامعي حديثه : عندما نقدم  دعما ( او مايسمى بالدعم ) لغالبية المواطنين ، طبعاً لايجوز بحال من الأحوال ان نطلق على مايقدم    " دعم " ، مشيرا الى أنّه جرى قبل فترة  الحديث عن برامج الحماية الاجتماعية ,  ثم توقف  وكأنها موضة ؟ إن هذه البرامج جميلة و مهمة و حضارية ، و لكن لا يكفي أن يكون العنوان حضاريا و جذابا ، بدك " جسم لبيس إلها  "  ..  " مو اي واحد بتلبسو شغلة فاخرة بتلبقلو "  حسب تعبيره .. فعندما نريد أن نؤسس شبكات حماية اجتماعية  فإن الهدف منها محاربة الفقر ,  ويبدو أننا استغنينا عن الموضوع لأنه تبين أننا عاجزون عن وضع هذا المفهوم حيز التطبيق بشكل سليم , طبعا  كل الشبكات فيها خروقات ,  والدول اثناء التنفيذ بيطلع معها  الكثير من جوانب النقص وتقوم بمعالجتها  ,  وكما هو معروف فإنّ شبكات الحماية الاجتماعية تهدف الى محاربة الفقر ، و يبدو أننا جمدنا إن لم نقل استغنينا عن الحديث عن  هذا الأمرلأننا فعلا نحن غير قادرين على وضع هذا المفهوم حيز التطبيق بشكل سليم كما هو مطبق  في كل دول العالم  ..

فالدول التي فيها شبكات حماية اجتماعية و ضمان اجتماعي فعال ، تستطيع أن تحدد لكل  برنامج يتم إطلاقه الهدف منه ويكون مؤقت زمنيا وترمي  من خلاله الحكومة لتحقيق غاية واضحة  .  مثال : تشجيع الولادات , الاسر التي لديها  "اكس "  من الاولاد  و مازالوا  قصر تحصل على دعم حكومي  شهري بدون أي تعقيد لأن الدعم يتم وفق  قواعد بيانات  ..
 وللأسف نحن ليس لدينا قواعد بيانات لنقوم بمثل هذا الدعم .. يقول الدكتور شفيق عربش ..
 
 الآن اذا اعتبرنا الدعم شكل من اشكال الحماية   ، فما هي غاية الحكومة من تقديمه ، الغاية طبعاً هي الحد من الفقر ، هذا المشروع  ينجح عندما تكون نسبة الفقر معقولة  10 أو 15 % ، اما  عندما نتحدث عن بلد فيه  اكثر من 90  % من الناس فقراء ونريد تحويل الدعم النقدي اليهم ,  فنحن امام سؤال كبير ولابد من الإجابة عليه وهو : من هو المسؤول عن إيصالنا إلى هذا الحد من الفقر ؟

وهنا يضيف عربش   :  ما حدا يزاود علينا  ولا يطلع   " هلاْ " مسؤول ويقلنا أنّ الحصار و العقوبات الاقتصادي هي السبب , برأي هي أحد الأسباب  ،   ولكن السؤال الأهم هو : من الذي أوصلنا الى هنا ؟  علماً أنّ   سيادة الرئيس كان واضحا بهذا المجال عندما قال أن اجراءاتنا في تطبيق سياسة الدعم ادت إلى إفقار الفقراء ، إذا المشكلة عند الحكومة يقول الاستاذ الجامعي المشهور بجرأته في الطرح

إذاُ : أن كل الإجراءات القسرية تؤدي الى نتائج معكوسة ، مثال: سياسة الولد الواحد في الصين منذ 3 عقود هي التي انتجت الشيخوخة  


لكن ماذا عن التفاصيل الفنية
 
  يقول عربش : هذا المشروع سيفشل مع اجراءاته  كما  فشلت اجراءات كثيرة ، ونحن دائما نتحدث عن اجراءات جديدة وكثيرا ما نفشل .. "نظام الحوافز مثال " .. وهنا يحق لنا أن نسأل  ماهو سبب فشل المشروع ؟

مشيرا الى أنّ "السيد الرئيس اصدر مرسوما قبل عيد الاضحى بمنح مبلغ 300 الف ليرة  للعاملين و المتعاقدين ، والسيد وزير المالية قدّر أن تكاليف هذه المنحة هي 900 مليار ل.س ، يعني ان لدينا  3 ملايين مستفيد من هذه المنحة ، و 3 ملايين مستفيد يعني 3 ملايين حساب بنكي ، لا يعني هذا ان هناك نقص في  عدد الحسابات يساوي الفرق مابين عدد الحسابات المفتوحة حالياً وعدد بطاقات الموزعة .. لأن هناك الكثيرمن الأسر السورية لديها اكثر من شخص  يمتلك حساب مصرفي بسبب عمله  ,   تقديراتي يقول عربش :  أننا  بحاجة على الأقل إلى مليون و نصف مليون  حساب جديد ، هذا الرقم مخيف بينما تبدو بنيتنا التحتية خاصة المصرفية لا تتحمل كل هذا العدد  ، فعدد الفروع المصرفية  في سوريا حوالي 350 فرعا  ، يعني كل فرع من الفروع إذا وزعنا الحسابات عليها فإنّ كل فرع سيكون عليه فتح من 10 الى  12 ألف حساب بالحد الأدنى ، و هذا حساب نظري علماً أنّ هناك عدة مناطق في سوريا غير مغطاة بالفروع المصرفية ، ففي المناطق الريفية النائية البعيدة عن مراكز المدن ، كيف سيقوم أرباب الأسر المقيمة بالأرياف بالحصول على أموال الدعم التي ستحول له ( الدعم ) ، كما أنّ هناك مجموعة كبيرة من السيدات الأرامل يعيشون وحدهم كيف ستستطيع كل واحدة منهن تحصيل اموالها  , إذاً هنا لدينا مشكلة كبيرة ؟  .

من رأى  واقع طوابير الناس أمام الصرافات  بأول يوم دوام في الاسبوع الذي تلى العيد ، سيلاحظ أنه لايوجد صراف إلا وهناك 25 الى 30 مواطن أمامه    ، فإذا اخذنا بعين الاعتبار معاناة العاملين  بأجر لدى القطاع العام الذين يتقاضون رواتبهم شهريا عن طريق الصرافات  , وحيث الموظف يذهب من مرة الى خمس مرات الى الصراف وينتظر  بالساعات حتى يستطيع   سحب راتبه ، إذا اضفنا مليون و نص حساب ، "يعني مليون و نصف شخص سيسحبون  اموالهم  والسؤال :كيف سيصبح الواقع  " في الحقيقية سيكون الأمر صعباً جداً وستحدث  الخلافات والخناقات  " تخيلوا فقط تخيلوا " يقول عربش ؟ .

هذا ولم نتحدث عن  كتاب رئيس مجلس الوزراء ، فيما يتعلق بتسديد أقساط الجامعات الخاصة  و المدارس الخاصة و الرسوم  الجامعية والتعليم الموازي  الرواتب و الأجور في القطاع التعليمي  أن تتم عن طريق الدفع الالكتروني ، يعني ضغط هائل ، و البنى التحتية وشبكاتنا  كلها بوضع مزري ، صرافتنا قلة منها تعمل والكثير منها معطل و خارج الخدمة وأنا أتحدث على مستوى العاصمة دمشق  , وهي لايتم إصلاحها وصيانتها  بسبب العقوبات , لكن  بالمقابل  تدخل سيارات حديثة موديل 2024 الى البلد رغم العقوبات  " لأن  الليكزس ما عاد ناسبت مقاماتنا"  .

هل يسد البدل النقدي فارق ثمن الخبز

الآن النقطة الاهم  يتابع عربش حديثه : ماهو المبلغ الذي سيُدفع لكل اسرة ، بكل تأكيد الدعم لا يجوز بأي حال أن يكون متساويا للجميع ، لأن الفقر يختلف بدرجاته   ، لنأخذ بعين الاعبتار ارقام موازنة 2024 حيث اعتمادات الدعم فيها 5500  مليار ل.س ، وهذه الاعتمادات  نظرية  , و الحكومة سوقت ارقامها وقالت أن  الدعم  يكلف أكثر من 40 او 50 ألف مليار ليرة سنويا ,  طبعا كيف ومن أين جاءت بهذه الأرقام ..  "ماحدا بيعرف " ؟
الآن إذا وزعنا ال 5500 مليار ليرة على كل حملة البطاقة الذكية  يكون نصيب الواحد بحدود مليون و 300  ألف ليرة  ،  وإذا بعنا اي مادة على الأقل بسعر التكلفه  , فإنّ  الأسرة بحاجة لأكثر من ضعف هذا المبلغ اي من يحصل على  مليون و200  الف  ليرة  يحتاج  أكثر من 2 مليون و نص مليون  ليغطي فرق سعر الخبز الجديد عن السعر المدعوم  ، لانه كلفة ربطة الخبز  تبلغ 6400  ليرة  حسب التصريحات وهناك من يسوق أكثر من ذلك ؟
لنعتمد تكلفة 6400 لربطة الخبز وبالتالي إذا أخذت الأسرة فرق الدعم عن كامل العام أصبحنا نتكلم ب 2 مليون ونصف المليون  ، و هذا يعني أن من  نعطيه مليون و 200 ألف  ، يحتاج  فرق للخبز فقط مليون وربع المليون  لربطة واحدة وكلنا يعلم  أن  الكثير من الاسر لاتكفيها ربطة خبز يومياً ، وهذا يعني "رجعنا وقعنا بفقر اكثرومزيد من الافقار"

 الدكتور شفيق عربش يرى أنّ الحكومة تهرب الى الامام , لأنّه هكذا قرار مرتجل يحتاج الى  تمهيد ، كما يحتاج الى  شرح ،ويلزمه توضيح للناس
 

إذا هذا القرار أي  "البدل النقدي " إذا تم وضعه موضع التنفيذ  سيؤدي الى دخولنا بدوامة تضخمية كبيرة جدا , فهل ستبقى المبالغ ثابتة ام ستتغير وتربط بمعدل التضخم وهل الحكومة قادرة فعلا على صرف هذه المبالغ .. سؤال نتمنى أن يتكرم مسؤول في هذه الحكومة سواء رئيس الحكومة أو ريئس اللجنة الاقتصادية او وزير التجارة ويوضح لنا اللغط والغموض الذي يكتنف هكذا مشروع ؟

وقال: إن كان الفريق المسؤول عن الأمر يعتقد أن هذا الإجراء سيخفف الفساد برأي أن ذلك لن ينجح في التخفيف منه لأن الفساد سببه الخطأ في احتساب التكلفة وهذا سوف يستمر، معتبراً أن هناك هدراً في مبالغ الدعم التي سوف توزع لأن كل البطاقات مدعومة ستأخذ نصيبها رغم أن الكثير من المواطنين ولأسباب متعددة لا يقفون على منافذ البيع وإنما يشترون مخصصاتهم أمام الأفران من البائعين المتواطئين مع عاملين في الأفران.

 عربش رأى أنّ الحل بالنسبة لموضوع الدعم يقوم على شقين الأول عبر إصلاح سياسة الرواتب بحيث تصل الرواتب إلى الحد الذي يلبي متطلبات المعيشة الكريمة، فيصبح العامل غير محتاج للدعم، والشق الثاني يخص مجموعة الفقراء الذين لا يعملون في الدولة، ورأى أن الحل بمنحهم لقروض صغيره من دون فوائد ومساعدتهم على إطلاق مشاريعهم بحيث تصبح متطلباتهم الحياتية ممولة عملهم وإنتاجهم، وهذا أفضل بكثير ويشعر المواطن بكرامته عندما يعيل أسرته من تعبه، كما أنه يوفر بشكل كبير من الهدر وبهذه الطريقة يتم القضاء على الفساد.
وتابع قائلاً: ذلك يحتاج من الحكومة التقيد بالقوانين الاقتصادية في إدارة شؤون البلاد، معتبراً أن الحكومات المتتابعة منذ اختلت المنافسة ودخلت الحكومة من خلال قطاع العام ومارست الدور الاحتكاري عبر تحديدها كميات ومخصصات المواطن والأسعار التي تبيع بها المواطن والتي تشتري بها منه كالقمح والقطن.. دمرت الاقتصاد،

سيريا ديلي نيوز


التعليقات