لا تزال أغلبية القرارات الاقتصادية تدور في فلك السياستين النقدية والمالية لخدمة سعر الصرف وحجم النقد، وهما اللتان دائماً ما يعرفهما الاقتصاديون بـ “أدوات السياسة الاقتصادية” التي يفترض أن تطوعهما لخدمة أهدافها، حيث يعمد أساتذة وخبراء الاقتصاد في كلّ لقاء أو تصريح للتأكيد أنه لا مخرج من الواقع المتأزم طالما أن الهدف الوحيد للحكومة والمركزي هو سعر صرف لا ينعكس بأي أثر، حتى عندما نجحا بتثبيته أو استقراره النسبي، فيما بتنا نلمس كلّ يوم نتائج غياب، أو تغييب السياسة الاقتصادية الفاعلة عبر تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار وتراجع التصدير وحتى الاستيراد، إذ أصبح الاقتصاد أداة وسعر الصرف غاية!
الأستاذ في كلية الاقتصاد بحلب، الدكتور حسن حزوري، استغرب الإصرار على التعامل مع سعر الصرف كهدف، وهو في الاقتصاد وسيلة لضبط الأسعار، مؤكداً أن السعر لن يشهد استقراراً طويلاً طالما أنه غير خاضع لقانون العرض والطلب، فكلما ضيّقنا على الأموال وحركتها، كلما كان التأثير سلباً على النشاط الاقتصادي، معتبراً أنه لو استطاعت الحكومة تثبيت سعر الصرف وانعكس ذلك على الأسعار لكانت خطوة إيجابية، لكن سعر الصرف حتى عندما يستقر مؤقتاً ترتفع الأسعار بسبب الاحتكار وغياب المنافسة، والتضخم العالمي، وأجور الشحن، وغياب التناسب بين العرض والطلب، فالعرض لا يرقى لمستوى الطلب في معظم الأحيان.
وأوضح حزوري أن الوضع الطبيعي هو السماح بالمنافسة، وتبسيط قيود تمويل المستوردات، والسماح لأكبر شريحة بالاستيراد، وفي الوقت نفسه دعم الإنتاج المحلي، لأن أي منتج هو تحسين لقيمة الليرة، وكلما دعمنا الإنتاج المحلي أصبح سعر الصرف تحصيل حاصل، آملاً أن تكون الحكومة جاهزة على سبيل المثال لشراء القمح بالسعر الذي يستحق، وليس كما العام الماضي الذي أدى لعزوف الفلاحين عن التسليم، كما أن دعم سعر القمح يدعم الإنتاج المحلي ويخفّف فاتورة الاستيراد، مشدداً على أن القطاع الزراعي بحاجة دعم كبير لما له من تأثير مباشر على أمننا الغذائي.
وفيما تنفي الجهات الحكومية وترفض ادّعاءات الاحتكار وغياب المنافسة، معللة بأن القانون يتيح المنافسة للجميع، رأى حزوري أن القانون يسمح، لكن صعوبة الشروط هي التي حيّدت كثيرين عن العمل الذي أصبح حكراً على كبار رجال الأعمال والمستوردين، وأصحاب الملاءة المالية العالية فقط، موضحاً أن المنصة تزيد تكلفة رأس المال وتنعكس بزيادة الأسعار، وأصبح صغار المستوردين غير قادرين على متابعة عملهم.
وفيما يشهد سعر الصرف حالياً استقراراً نسبياً مقارنة بالسابق، أكد حزوري أنه لا يضبط بشكل مطلق، لأنه مهما كان سعر المركزي سيبقى الطلب في السوق السوداء لتلبية احتياجات السفر، أو حتى بسبب التهريب الذي يستنزف كميات كبيرة من القطع.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات