لا تتوقف الأبراج عند البعض لكونها وسيلة للتسلية فقط، بل لتكون طقساً من طقوس عاداتهم اليومية، تأخذ جزءاً كبيراً من وقتهم وتصل بهم إلى مرحلة «الهوس»، فيسقطون ما يذكر فيها على واقع حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، فتنعكس على حالتهم النفسية وتصبح البوصلة المسؤولة عن تحديد تحرّكاتهم.
تضاد بالأبراج
ناريمان (طالبة جامعية)، وإيمانها بالأبراج شيء مطلق في حياتها وتصدقها تصديقاً كلياً، لدرجة أنه حين تقدّم شاب لخطبتها أول ما سألت عنه هو برجه لمعرفة مدى مطابقته لبرجها، ووصل بها الأمر إلى رفض الخطبة لعدم توافق البرجين.
أما لبنى- ربة منزل- ومن كثرة تصديقها لعالم الأبراج، يصل الأمر بها إلى حد البقاء في المنزل، إن أخبرها برجها أن يومها سيكون معاكساً، معبرة عن اعتقادها بأن كل ما تقوله الأبراج يحدث في الواقع.
مجرد تسلية
سومر (موظف)، أبدى رأيه بأنه من المهتمين بالأبراج لمجرد التسلية فقط، مشيراً إلى أنه لا يؤمن بها ولا يجعلها تسيطر على حياته، بل هي مجرد إضاعة للوقت وقال: إيماني أقوى من أن تسيطر عليّ أفكار أشخاص يدّعون علم الغيب والله وحده هو من يعلم بهذه الأمور.
إقبال على كتب الأبراج
أبو مروان صاحب مكتبة في منطقة الحلبوني متخصصة ببيع الكتب والقواميس، أنه ومنذ بداية الشهر ١١ وحتى الآن زادت نسبة مبيعات كتب الأبراج والحظ بنسبة ٣٠% ومعظم من يشتريها شباب جامعيون يتراكضون وراء ما تقوله الأبراج.
وعن سعر الكتاب، أوضح أنه يبدأ من ٣٠ ألف ليرة، حسب مؤلفه، فكلما كان كاتبه مشهوراً يرتفع ثمن الكتاب.
وللجمعية الفلكية رأي
رئيس الجمعية الفلكية السورية د. محمد العصيري، بيّن أنه ومع اقتراب نهاية العام يزداد عمل المنجمين وتزدحم القنوات الفضائية بتنبؤاتهم، وكلّ يتنبأ “على هواه” وحسب ميول واتجاهات القناة التي تستضيف ذاك المنجم، مشيراً إلى أن (المنجّم) يغير كلامه من قناة إلى أخرى.
فمن الناحية العملية، وبحسب د. العصيري، فإن الأبراج عبارة عن نجوم وصلها البابليون قبل ٤٠٠٠ عام بخطوط وهمية، شكّلت ما يعرف باسم “أشكال تخيّلية”، كانت موجودة في أذهان البابليين عندما وضعوا الأبراج قبل ٤٠٠٠ سنة، ونشأت عنهم الأبراج الـ(١٢)، والبابليون لم يكونوا على معرفة بأسماء الأشهر المعروفة والمتداولة كشهر كانون الثاني وشباط واتخذوا من أسماء تلك الكائنات بدايات لأشهرهم، حيث كانوا يقيسون على الأشهر تلك الأبراج، ولكن في ذلك الوقت نشأ ما يعرف باسم التنجيم بـ١٢ برجاً، وبعد وجود التليسكوبات أصبحنا من خلالها نرى أن البرج الواحد نجومه ليست على استقامة واحدة، وأن البرج الواحد فيه مئات آلاف النجوم التي لم تكن مشاهدة بالعين المجردة، ومن خلال العلم اليوم نحن نعلم أن الشمس تمرّ من خلال ١٣ برجاً، وليس ١٢، أي هناك برج ناقص لدى المنجمين هو برج (الحواء) الذي يبدأ في كانون الأول ويعتبر من الأبراج التي تمر بها الشمس خلال مدارها الظاهري ليرصد على الأرض، وفعلياً الأرض تدور حول الشمس، إضافة إلى ذلك لا يوجد أي برج مدته (٣٠) يوماً، الأبراج تتراوح ما بين ٨ أيام للعقرب و٤٨ يوماً للعذراء.
فمن خلال الفيزياء ونظرية نيوتن، نستنتج بسهولة مطلقة أن النجوم لا تحمل أي تأثير على الأرض، وتأثيرها ضعيف، والكواكب أصغر من النجوم بملايين المرات وبالتالي الكواكب تأثيرها أضعف.
وأضاف د. العصيري: لا ننكر تأثير الشمس والقمر بسبب ارتباط حياتنا بالشمس من خلال الطاقة أو الحياة والقمر، الذي يمارس عملية المدّ والجزر، أما باقي الكواكب والنجوم فلا تأثير لها على الأرض إطلاقاً.
وأشار إلى أن ما يقوله المنجمون عبارة عن تخمين وتنبؤات وإيحاءات تنبىء عن الحالة النفسية للمشاهد، وبالتالي يتلقاها بشغف بسبب حبه لمعرفة الغيب، أما الأبراج فهي من الناحية العلمية غير حقيقية.
فالمنجمون بحسب د. العصيري، يعتمدون على المصادر المفتوحة، وبالتالي لا يعلمون ولا يدرون ولا ينتبهون إلى عملية انزياح الأبراج فيخطئون بالتنجيم الذي هو كذب ويخطئون بالأبراج التي هي من الناحية العلمية منازل للشمس والقمر، ولا يميزون بينها وبين الواقع الفعلي والحقيقي المرصود من خلال التليسكوب والمتابع بشكل دائم.
قدرة على الإقناع
فيما اعتبرت اختصاصية الصحة النفسية د.غنى نجاتي، أن من يمتهنون مهنة التنجيم والأبراج لديهم نسبة عالية من الذكاء الاجتماعي والعاطفي، لأن لديهم قدرة على إقناع الآخرين بأن لديهم معلومات عن حياتهم المستقبلية ومعلومات شخصية وهي في الحقيقة عبارة عن ترنيم على الحالة النفسية للأشخاص الذين لديهم قدرة على التصديق أكثر من غيرهم.
وبينت د. نجاتي، أن هناك أشخاصاً يصدقون الأبراج ويقتنعون بها وآخرين يسمعونها على سبيل التسلية والدعابة، والأشخاص الذين يتابعون الأبراج بشكل كبير نطلق عليهم (تأثير بارنو) وهو العالم الذي أطلق ظاهرة ميل الأشخاص إلى التصديق والاعتقاد.
وبينت أنه في ظل هذه الظروف الاقتصادية السيئة، الكلّ يميل إلى سماع أي خبر يدعو للتفاؤل مع علمهم المسبق بأنها غير حقيقية.
حالة غير صحية
الباحثة الاجتماعية أسمهان زهير، بيّنت أن متابعة الابراج والشغف بها حالة غير صحية على جميع فئات المجتمع الذين يرغبون بمعرفة مستقبلهم، فما يعانيه الشباب على وجه الخصوص من أزمات في العمل والعاطفة والتواصل على سبيل المثال، سبب في الإرهاق اليومي الذي بدوره يدفعهم للهروب لقراءة الأبراج بدافع التسلية والترفيه، وقد يترافق معه شعور نفسي لا شعوري سلبي، يجعله يعتمد على ما يقال فقط في برجه وعلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تتناول برامج تتعلق بالأبراج لمدة سنة، وبالتالي يسيّر حياته اليومية انطلاقاً مما يقال.
ومنه تتعدّد الأسباب النفسية للاستماع للأبراج، على الرغم من إدراك البعض بأنها ليست وسيلة لمعرفة المستقبل، ومنها الخوف – الأمل -الاطمئنان- تضميد الجراح الداخلية.
وأخيراً
الأبراج خرافات، وإن حدث بالصدفة تطابق بين المتوقع اليومي لصاحب برج معين مع أحداث يومه، فهذا لا يعني الإيمان به، فكل شيء عائد لإرادة الله وهو من يعلم الغيب.
سيريا ديلي نيوز
2023-12-31 11:48:20