يعاني المرضى من صعوبة كبيرة في تأمين أصناف كثيرة من الدواء نتيجة فقدانها من الصيدليات، في الوقت الذي تتوفر في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، ومن الواضح أن شركات الأدوية خرجت عن جميع القوانين المعهودة في طريقة تعاطيها مع الدور الإنساني الذي ينبغي أن تؤديه، وخاصة في هذه المرحلة الحساسة من عمر الحرب التي تعانيها البلد بحكم الحصار والعقوبات الغربية الجائرة التي طالت معظم مفاصل الاقتصاد السوري.
العمل إنساني وليس تجارياً
العمل في صناعة الدواء لا ينبغي أن يكون تجاريا بالدرجة الأولى كما يفهم بعض أصحاب معامل الأدوية، بل ينبغي أن يكون هناك جانب إنساني، وخاصة فيما يتعلق بأدوية الأمراض المزمنة أو النادرة، ولا يجب الاكتفاء بالدور التجاري فقط، ولكن الأمر تجاوز ذلك إلى ممارسة تجارة غير شريفة في مسألة توفير الدواء في الصيدليات، وذلك حسب إفادة بعض الصيادلة.
ابتزاز فاضح!
إن سياسة الابتزاز التي تمارسها بعض مستودعات الدواء تجاوزت الحد المعقول بمراحل بعيدة، فهي تمارس ابتزازاً مزدوجاً في هذا الجانب، الأول تجاه الحكومة لإجبارها على رفع أسعار الدواء بحجة ارتفاع أسعار المواد الأولية وأسعار الصرف، والثاني تجاه المرضى الذين يعانون كثيراً في تأمين بعض الأدوية، ويضطرون في نهاية المطاف إلى تأمينه عبر السوق السوداء بأسعار مضاعفة من خلال وكلاء معينين لهذه المستودعات، أو الموزعين أنفسهم، بالإضافة إلى ابتزاز الصيادلة عبر إجبارهم على شراء أصناف كاسدة أو صلاحيتها شارفت على الانتهاء، مقابل تأمين بعض العبوات من الأدوية الأساسية المفقودة.
الأدوية النفسية مثالاً!
والمثال الواضح والصريح على هذا النوع من الابتزاز الأدوية النفسية والعصبية التي رغم الارتفاعات المتتالية في أسعارها خلال العام الحالي، لا تزال تغرد خارج سرب المنطق، فعلى سبيل المثال لا الحصر، مجموعة كارباتيك، كما يسمونها، وهي أدوية اكتئاب، تمارس مستودعات الأدوية ابتزازاً واضحاً من أجل تأمينها، وحتى بعد رفع أسعارها رسميا إلى سعر خيالي، لا تزال مستودعات الأدوية تكتفي فقط بتوريدها عبر السوق السوداء، أما الصيادلة الذين يمتلكون دفتراً نفسياً يستطيعون من خلاله الحصول على هذا الدواء، فهم مضطرون أحيانا لتسليم الدفتر مختوما سلفا حتى يتمكنوا من الحصول على بضع عبوات.
شهادة على الأرض
إحدى الصيدلانيات في دمشق أكدت أنها تضطر أحيانا لشراء فاتورة بمبلغ سبعة ملايين ليرة من الأدوية غير الأساسية كالمكملات الغذائية حتى تحصل على بضع عبوات من الدواء النفسي لا يتجاوز ثمنها خمسين ألفا، الأمر الذي يدفعها إلى الإقلاع نهائيا عن طلب هذا النوع من الأدوية.
ظاهرة التحميل هذه تتم ممارستها بشكل مستمر من أغلب مستودعات الأدوية، سواء أكانت هذه المستودعات وكيلا حصريا لشركة الدواء أم كانت متعاقدة مع عدة شركات، وهذا على حد قول الصيدلانية التي أكدت أن اثنين فقط من بين عشرين مستودعا للأدوية يقومان باستبدال الأدوية المنتهية الصلاحية، بينما الآخرون لا يلتزمون بذلك.
الصيدلانية أكدت أن ارتفاع أسعار الأدوية النفسية تراوح بين سبعين ومئة في المئة، وأن الأسعار الجديدة تجاوزت كثيرا كل ما يتعلق بارتفاع أسعار الصرف، وما يترتب على ذلك من ارتفاع المواد الأولية، فسعر دواء كارباتيك مثلا عيار 400 تجاوز 26 ألف ليرة بالسعر الرسمي وهو غير متوفر، بينما يتوفر في السوق السوداء بسعر مضاعف، متسائلة هل كان سعره سابقا بالقياس إلى سعر الصرف متناسبا مع السعر الحالي، ومؤكدة أن السعر العادل له يجب ألا يتجاوز عشرة آلاف ليرة سورية.
رفع الأسعار هو الحل
نقيب الصيادلة بدمشق حسن ديروان، أكد أن أسعار بعض الأدوية ارتفعت مؤخرا ولاسيما أدوية الأمراض العصبية والنفسية، حيث صدرت نشرة أسعار جديدة خلال الأسبوع الماضي رفعت بعض الأصناف بنسب وصلت إلى 50%، وهذا الأمر ساهم إلى حد كبير في تأمين الأصناف المفقودة لارتفاع تكاليف تأمينها، فكان رفع سعرها سببا في عودتها تدريجيا إلى السوق، على حد قوله.
ديروان أشار إلى أن الأسعار الجديدة طالت بعض أصناف المضادات الحيوية وغيرها من الأدوية الأخرى، وصرح بأن وضع الدواء جيد ويتم تباعا تأمين الأصناف المفقودة.
هل توفر الدواء
وفي جولة على عدد من الصيادلة في دمشق وريفها، أكدوا عدم توفر أصناف أساسية من الأدوية النفسية، وخاصة مجموعتي كاربتك ورالفيككرونو، وهي أدوية اكتئاب شهيرة، وأن موضوع هذه الأدوية وغيرها من الأدوية المزمنة خارج عن السيطرة، ووجهوا انتقادا حادا في هذا الجانب إلى الصيدلية المركزية التي ينبغي أن تتوفر فيها جميع هذه الأدوية.
خلاصة القول
الدواء صار كغيره من السلع الاستهلاكية التي يتحكم بها تاجر السوق تحت عنوان صعوبة توفر المادة الأولية وارتفاع أسعار الصرف والحصار والعقوبات، وبالتالي لم يعد مستبعدا أن نراها معروضة في المحلات التجارية أو على البسطات، لأن الناظم الأساسي هو الربح ولا شيء غيره.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات