بينما وصل التضخم وارتفاع الأسعار في سورية الى مستويات مقلقة للغاية , تصر الحكومة والإدارات الاقتصادية الحالية على تقديم مقاربة غريبة تجعل من تثبيت سعر الصرف هدفا أساسيا ومتقدما لها ولو على حساب النمو ؟
وأمام خياري: إما أن تتم المحافظة على سعر الصرف وتجميد الانتاج .. وإما إطلاق الانتاج , فإن الحكومة والادارات الاقتصادية الحالية يبدو واضحا أنها قد ذهبت مع الخيار الأول باعتباره هدفا وتدافع عنه بشراسة على اعتبار أنه الخيار الأسلم في هذه المرحلة ؟ ..
لانعرف إن كان الذهاب مع خيار تثبيت سعر الصرف كهدف ولو على حساب الانتاج " في مطرح ما " سيؤدي فعلاً الى إراحة الناس والاقتصاد وحتى سعر الصرف نفسه , ولانعتقد أنّ الإصرار على التضحية بالانتاج مقابل سعر الصرف يبدو خيارا صائباً , بل لن تؤدي سياسة الحفاظ على سعر الصرف المتبعة حالياً الى استدامة الحفاظ على سعر الصرف نفسه , فكيف سيستقر سعر الصرف في ظل غياب الانتاج ... وبالتالي فإنّ الأسعار ستستمر بالارتفاع و التضخم سيمضي قدما بقضم ما تبقى دخول النسبة العظمى من السوريين وستدخل البلاد في حالة من الركود التضخمي , هذا ولا نعلم الى أين سيصل سعر الصرف نفسه أيضاً ؟ وفي كل ذلك يبدو ويتأكد أنّ النمو في خطر حقيقي ؟
يقول الدكتور الياس نجمة استاذ السياسات النقدية والمالية في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق وصاحب الخبرة الواسعة :
" إنّ سعر الصرف هو أداة لتنفيذ سياسات معينة تتعلق بجوانب مختلفة كالتجارة و الميزان التجاري و الموازنة وغيرها
أما النمو فهو هدف لجميع السياسات التي يجب أن تتكامل وتقوم لتحقيق النمو الذي هو هدف نهائي , متسائلا من قال أن سعر الصرف هو الهدف وكيف أمكن للإدارات الإقتصادية الحالية إهمال النمو والانتاج لصالح سعر الصرف , بل كيف اقتنعت أن ما تسلكه هو الطريق السليم .. ألم تقرأ النتائج التي ستغمرنا بمزيد من الغلاء والتراجع والبؤس ؟ .. "
مؤكدا في حديثه لسيرياستيبس : "أنّ النمو هو الذي يرفع الاقتصاد ويحقق التوازن ويؤمن استقرار سعر الصرف ويحقق الرفاه للناس ويخرجهم من واقعهم الصعب وبالتالي يجب أن يكون الهدف من كل السياسات المتبعة تحقيق النمو بل وتسخير كل شيء من أجله, .
مؤكداً أنّ النمو يؤدي الى النهوض الاقتصادي الذي يمكن في ظله السيطرة على سعر الصرف وادارته بكفاءة عالية وبأدوات سليمة ودون تضحيات كبيرة وكارثية وبالتالي يمن الخطأ أن يكون سعر الصرف هو الهدف وأن يكون الثمن الانتاج .
نجمة قال : " النمو هو الهدف الذي تسعى إليه كل السياسات وبالتالي اقتصاد النمو هو اقتصاد الكبار .. وكبار الاقتصاديين الأمر الذي لايملك ناصيته من لايتمتعون بالعلم والمعرفة والكفاءة الاقتصادية العالية "
وضوحا فإنّ واقع الاقتصاد السوري وحال الانتاج وما نشاهده في أسواقنا اليوم لايوحي على الاطلاق بنجاح سياسة الميل الى الحفاظ على سعر الصرف خاصة مع توالي موجات ارتفاع الاسعار بشكل مقلق ومرعب حتى مع انخفاض سعر الصرف الحالي , بينما يتراجع الانتاج المحلي بكافة قطاعاته , بما يُنبأ بآثار كارثية على حياة الناس والأسعار والانتاج وبالمحصلة النمو .. وحيث ستكون النتيجة خسارة طرفي المعادلة معاً أي لن يكون هناك ثبات وحفاظ على سعر الصرف و ستخسر فرصة النهوض بالانتاج وكل ذلك سيجعل النمو غبر متحقق ..
أليس الانتاج هو الذي يعزز قيمة الليرة ويفتح المجالات بشكل حقيقي أمام النمو ودوران رأس المال وتحسين الدخل وتوفير فرص العمل ..
هناك من يقول وهو محق بأن الاستثمار الخارجي لن يأتي في هذه الظروف الصعبة حيث الحصار والعقوبات وما تفرضه من قيود على رأس المال والشركات , ولكن هناك من يقول أيضاً بل ويؤكد أن رأس المال المحلي والمهاجر قادر على امتلاك ناصية العمل والنمو والانتاج وهو بدوره قادر على التشارك مع المال الاجنبي , والاهم هناك اليوم اتفاقيات مع دول مهمة باقتصاديات كبرى ويمكن قيادتها وادارتها بذكاء وبشكل يمكن معه ضخ أموال ضخمة في عملية الاستثمار داخل سورية , فلماذا لا يتم الاعلان عن الخيار الطبيعي وهوالنمو كهدف للبلاد وحيث يتم التعامل مع ادارة سعر الصرف كأداة لتنفيذ السياسات المختلفة ؟
سيريا ديلي نيوز
2023-10-17 15:26:58