تحقيق الأمن الاقتصادي يأتي في مقدمة الأهداف، نظراً لكونه يحقق الكفاية من الغذاء والمأوى اللائق والرعاية الصحية الأساسية والتعليم ويظهر التحدي واضحاً في إيجاد المقومات المتمثلة بـالأمن الغذائي وسبل العيش والاستقرار والصحة والتعليم.
وتؤكد العديد من الدراسات للأبحاث وعن واقع الأمن الغذائي في سورية إن القطاع الزراعي في القطر كان يوفر خلال السنوات الخمس التي سبقت الأزمة السورية مستوىً جيداً من مقومات الأمن الغذائي، وذلك بالرغم من انخفاض الاهتمام الاستثماري الذي ظهر بسبب تراجع الإنفاق فيه.
وأوضحت الدراسات أن القطاع الزراعي في سنوات الحرب عاد ليشكل نوعاً من الحصانة للسوريين، وليوفر أحد أهم مقومات صمود الدولة السورية، فبعد أن تراجع إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي، عاد هذا الإسهام إلى الارتفاع وليوفر جزءاً جيداً من مقومات الأمن الغذائي.
انتقادات!
وانتقدت الدراسات الخطط الزراعية وقالت إنها لم تكن على مستوى التحديات التي أفرزتها الأزمة، وبينت أن القطاع الزراعي بقي يمارس أدواره كالمعتاد في الخارطة الزراعية على اعتبار أنها الخطة الأهم في القطاع الزراعي لأنه يُفترض أن توجه النشاط الزراعي نحو المنتجات الأكثر أولوية بسعيها لإيجاد بدائل جغرافية لتغطية القصور الحاصل في خروج مناطق واسعة من الإنتاج الغذائي الزراعي، حيث تشير بيانات الخارطة الزراعية وفق ما بينت إحدى الدراسات إلى عدم وجود تغير في نسب الأراضي المزروعة لكل نوع من أنواع المنتجات، وبالتالي لم تلحظ هذه الخارطة الاحتياجات الوطنية المتعلقة بترتيب الأولويات الكلية، بل شهدت نسبة الأراضي المزروعة ببعض المنتجات الهامة في سلة الاستهلاك السوري تناقصاً، بمعدلات أكبر من تناقص معدلات الأراضي بشكل عام، ومن هنا أكدت الدراسة أنَّ أولوية الأمن الغذائي -كهدف من أهداف الاستجابة لاحتياجات المجتمع السوري في مدة االحرب – لم تستجب لها الأدوات (الخطط والمشاريع)، وما يؤكد هذه الحقيقة انخفاض المساحات المزروعة بالمنتجات الغذائية الأساسية.
خطط بعيدة
ومن الواضح أنه رغم اشتداد الحاجة إلى المنتجات الصناعية الغذائية، فإن خطط التصنيع الغذائي للقطاع العام بقيت بعيدة كل البعد عن الأزمة، فالإنفاق العام على الصناعات الغذائية كان شبه معدوم، كما أنه لم يجر تحفيز القطاع الخاص للتوجه نحو التصنيع الغذائي، حيث أن طول مدة االحرب لم تنفذ مشاريع جديدة في مجال الإنتاج الغذائي.
المنتجات السورية
والجميع يعلم إلى أين وصلت المنتجات السورية وانتشارها في كثير من الدول قبل الحرب، وانحصرت فيما بعد في أسواق محلية ومناطقية لكل منها محدداتها ومؤشراتها الخاصة، من حيث توافر المواد والمنتجات الغذائية والأسعار، مما شكل خللا في جغرافية الاقتصاد السورية.
لقد أدت الحرب وتداعيات الحصار وما رافقها من صعوبات في نقل المواد الغذائية المتأثر بارتفاع التكاليف واحتمالية المخاطر إلى فائض من المنتجات الغذائية في بعض المحافظات وعجز في أخرى، ورغم التدخلات الحكومية التي تمثلت في دعم بعض أوجه نشاط الأمن الغذائي، إلا أن هذه الجهود ما تزال تصنف في طور الخطط الآنية محدودة التأثير على المدى الزمني البعيد.
وتشير الدراسات إلى تبني الحكومة السورية وضمن بياناتها الوزارية الأمن الغذائي كهدف يحظى بترتيب متقدم ضمن الأولويات الوطنية، إلا أن الخلل الأساس تمثل في ضعف ترجمة ذلك إلى تدخلات مناسبة بوساطة برامج مشاريع ملائمة وكافية.
ومن اللافت وجود خلل انعكس على مقومات الأمن الغذائي وشكل ارتفاع في أعداد الأسر المعرضة لانعدام الأمن الغذائي، والتي دخل قسم منها في دائرة الفقر المدقع، ورغم تكثيف جهود الحكومة ومنظمات المجتمع الأهلي والمنظمات الدولية في إطار الاستجابة للاحتياجات الإنسانية، قالت الدراسة التي أعدها أحد مراكز الأبحاث: إن هذه الجهود –وإن كان دورها إيجابيّاً في تخفيف تأثيرات الأزمة- تُعَدُّ مُستهلكةً، وغير قابلة للاستدامة لازدياد الحاجة المقترنة بمحدودية الموارد.
تحديات كثيرة
وهناك تحديات كثيرة تعترض طريق الأمن الغذائي المتمثل في العمل الزراعي والماء والثروة الحيوانية فالقطاع الغذائي (الزراعي والحيواني والموارد المائية) تعرض لتدمير كبير نتيجة لسيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة على كثير من الأراضي، التي تشكل بدورها المناطق الرئيسة للإنتاج الزراعي والحيواني.
كما تعرضت البنية التحتية لهذا القطاع خلال السنوات الماضية للاستهداف، فقد دمرت الجسور والطرق والآبار وقنوات الري، وعانى القطاع من نقص كبير في الكهرباء و المحروقات، وبرزت ظاهرة هجرة الأيدي العاملة في الزراعة (نزوح، هجرة داخلية، لجوء) نتيجة تدهور الوضع الأمني في الأرياف، وصعوبة وصول المزارعين إلى مزارعهم بسبب انعدام الأمن، وتدمير مؤسسات البحوث المهتمة بالقطاع الزراعي مثل (مراكز للبحوث العلمية الزراعية، ومؤسسات إكثار البذار والمزارع الإنتاجية، ومشاريع الري والإرشاد الزراعي) والنقص الشديد في مستلزمات الإنتاج الأساسية (البذار، الأسمدة، المبيدات الحشرية، المحروقات)، وذلك بسبب الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية. كما أدت الحرب الظالمة على سورية إلى خسائر جسيمة في الثروة الحيوانية، بسبب تضرر المراعي والنقص الحاد في الأعلاف، وانعدام الخدمات البيطرية.
سيريا ديلي نيوز
2023-09-23 11:25:55