يبدو أن الفلاح هو الحلقة الأضعف من سلسلة العملية الانتاجية والأسعار التي يتحصل عليها من الحكومة عند مبيع محصول ما، فمع الدعوات المتكررة التي أطلقها الفلاحون فيما يخص أسعار “القمح” وبعض المحاصيل الأخرى، تبرز مشاكل البيع هذه المرة عند مزارعي القطن.
الذهب الأبيض الذي يطلق على تلك الزراعة، بات محصولاً أسوداً “مجازاً” بعد المبلغ الذي حددته رئاسة مجلس الوزراء لشراء الكيلو غرام من القطن الفلاحين.
وبلغت القيمة التي قدرتها رئاسة المجلس “عشرة آلاف ليرة سورية”، واصلاً إلى أرض المحالج ومراكز استلام المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان.
واعتبرت الحكومة أن هذا السعر يحقق الاستقرار لزراعة القطن ويشجع الفلاحين على زراعته من خلال العائد المجزي الذي يتوافق مع دعم المحاصيل الاستراتيجية، رغم تأكيدات الفلاحين والتي تتحدث عن أن السعر غير مناسب تماماً، في وقت عزف البعض الآخر عن زراعة القطن ليتوجهوا إلى زراعة الشعير كونه أكثر جدوى، وذلك بحسب وصف المزارعين أنفسهم.
وذكر العديد من الفلاحين أن تسعيرة رئاسة المجلس قليلة جداً وخاسرة لهم، كما أنها “تكسر” الفلاح، لأن إرواء خمس دونمات من القطن يكلف مليون ليرة، ناهيك عن التكاليف الأُخرى والخسارات في محاصيل الشوندر السكري، فضلاً عن تكاليف السماد والبذار.
وعن انتاج القطن، أوضح المهندس الزراعي “أمجد الحمد” خلال تصريحات صحفية أنه انخفض بشكل كبير وبخاصة في محافظة الحسكة، بسبب الحرب أولاً، ولاحقاً بسبب الآفات الحشرية من الديدان وتقلبات الجو وخاصةً بعد عام 2018، وحتى محافظة الحسكة التي يبيع الفلاحون نتاجهم فيها لـ”قسد” تأثرت بالحشرات التي تقاوم المبيدات الحشرية.
وذكر المهندس الزراعي أنه بعد عام 2018 أنتج الدونم الواحد خمسين كيلو فقط مما أدى لخسارات فادحة للفلاحين، بسبب الآفات التي قضت على الإنتاج، مرجحاً مقاومة الديدان الحرشفية للمبيدات وظهور سلالات جديدة من الديدان نتيجة الرش العشوائي للمبيد من قِبل الفلاحين.
ولفت الحمد إلى أن التسعيرة التي وضعتها “قسد” غير كافية أيضاً والتي تقدر بـ 14 ألف ليرة للكيلو غرام، لأن الدونم الواحد يكلف ما يعادل استهلاك برميل من المحروقات، وثمنه مليون ليرة في السوق الحرة والمزارعين غالباً ما يضطرون لشراء الديزل من السوق السوداء، مشيراً إلى أن الإنتاج الوسطي للدونم الواحد 250 كيلو غرام يكلف ما يعادل ثلاثة ملايين ونصف المليون ليرة ما بين محروقات وعمالة وحراثة وسماد وغيرها من المستلزمات.
وأشار الحمد إلى أن الكثير من الفلاحين في الحسكة أحجموا عن زراعة مساحة مئة دونم من القطن التي كانوا يزرعونها بشكل وسطي سابقا، مكتفين بعشرين دونم فقط مما سيؤثر سلباً على المساحات المزروعة، في حين يوجد بعض المزارعين المقتدرين مادياً ويستطيعون إنتاج كميات كبيرة، غير أن معظم الفلاحين في الحسكة متعبون مادياً ومديونين ولا يستخدمون السماد أو البذار الجيد.
مدير زراعة محافظة الرقة محمد الخذلي تحدث خلال تصريحات صحفية بأن السعر الذي حددته الحكومة مناسب بالنسبة للفلاح مقارنةً مع تكاليف الإنتاج، مشيراً إلى إلى أن المساحة المزروعة بمحصول القطن في المحافظة يقدر بـ 523 هكتاراً، وانتاج الدونم الواحد ما بين 200 إلى 220 كيلو غرام.
وأوضح “الخذلي” أن المحافظة تعمل على إرشاد الفلاح للزراعة وخاصة محصول القطن الذي لا يحتاج لأكثر من خمسة ريّات في المحافظة، ولكن بعض الفلاحين بسبب الأسلوب الخاطئ المتبع من البدء يروون ما بين 15 إلى 20 رية مما ينجم عنها خسائر مادية كبيرة للفلاح.
يذكر أن سوريا كانت تحتل، قبيل الحرب، المرتبة الثانية عالمياً في سوق المنتجات النسيجية القطنية العضوية، إذ شكّل انتاج سوريا من القطن عام 2010، نسبة 8,3 % من الإنتاج العالمي، لتحتل المرتبة الثانية خلف الهند، وكانت ضمن المواد المصدرة التي تضيف مورداً جيداً للدولة السورية آنذاك بعد النفط، في حين أن القطن المحلوج والخيوط القطنية أصبحت الآن من ضمن المواد المستوردة.
سيريا ديلي نيوز
2023-09-21 15:19:03