تعرض السوريون خلال الأسابيع الأخيرة، لما يمكن تسميته بـ"صدمة الانفتاح العربي"، إذ أن الآمال التي علقها اقتصادهم على الانفتاح السياسي حطمتها حرب خفية على الليرة السورية، خلفت تضخما يوازي 170% في النصف الأول من العام "وفقا لما يؤكده خبراء اقتصاديون"، وهذا بدوره كرّس تراجعا غير مسبوق في القدرة الشرائية للرواتب والأجور.
يؤكد خبراء اقتصاديون سوريون أن الانفتاح العربي على سوريا مرهون بالإجراءات الأمريكية، مؤكدين أن الشعب السوري علذق آمالا عريضة على تحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي، عقب الزيارات الرسمية المتبادلة مع مسؤولين في ممالك وإمارات الخليج العربي، إلا أن (العصي) الأمريكية سارعت إلى عرقلة (عجلات) العمل العربي، لتتبخر الآمال بقدرة المنطقة على صياغة استراتيجيتها الخاصة.
وبعد سنوات من التطلع إلى العمق العربي، والقطع مع ماضٍ دموي عايشوه في ظل الحرب الإرهابية على بلدهم، فالأسوأ الذي يواجهه السوريون اليوم، هو التراجع الحاد والمتراكم في قدرتهم المعيشية جراء إصرار الجانب الأمريكي على دفن نوايا "الانفتاح العربي" إلى أجل غير مسمى، وما نجم عن ذلك من واقع اقتصادي يزيد قسوة بأضعاف عما كان عليه خلال أسوأ سنوات الحرب، بسبب تراكم البيئة المتشائمة التي تطوق اقتصادهم.
وقال الدكتور شفيق عربش، المدير السابق للمكتب (المركزي للإحصاء) في سوريا، لوكاله "سبوتنيك"، إن "الانفتاح الخليجي على سوريا اتخذ طابعا إنسانيا بعد الزلزال الذي ضربها وتسبب بدمار كبير في العديد من المحافظات التي أصبحت مصنفة كـ"منكوبة"، ومن ثم تطور هذا الانفتاح ليأخذ طابعا سياسيا من خلال عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية وتبادل العديد من الزيارات الرسمية، إلا أن هذا الانفتاح لم يمر عبر البوابات الاقتصادية التي كان الجميع يعلق آماله عليها".
المدير السابق للمركز الإحصائي، الذي يعد أعلى سلطة مخولة بجمع وتحليل المعلومات الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد القومي، لفت إلى أن للولايات المتحدة دور في ذلك، فهي دولة معادية لسوريا منذ عشرات السنين، وتحاول مرارا وتكرارا زعزعة الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في المنطقة منذ عقود، ولن تسمح لأي دولة بتطوير علاقتها الاقتصادية مع سوريا، لذلك فإن الانفتاح الاقتصادي مرهون بالإجراءات الأمريكية.
الاستثمار... (سياسي)
وأضاف الدكتور عربش: "هنالك أسباب أخرى للأزمة الاقتصادية، تتجلى بعدم توفر الضمانات الاستثمارية الكافية، والمخاوف من التعرض للعقوبات الغربية التي أثرت بشكل كبير على تدفق الاستثمارات، تبعا لشغف رأس المال الدائم بالمطارح المريحة للعمل، وهو ما يفسر عدم وجود الكثير من أشكال الاستثمار في سوريا، لأن الأمر ينطوي على "بعد سياسي" دون تجاهل، علما أن الانفتاح الخليجي من شأنه أن يفّعل الحركة التجارية والاقتصادية في سوريا.".
تضخم خطير
وأشار المدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء إلى أن الاقتصاد السوري يحتاج اليوم، وبشدة، إلى الاستثمارات الأجنبية والتمويل الخارجي، وخاصة بعدما ارتفعت معدلات التضخم ووصلت لشهر تموز من هذا العام إلى 170%، وفي حال استمرارنا على الوتيرة ذاتها، فمن المتوقع أن نصل إلى 300% في نهاية 2023، إضافة إلى انخفاض قيمة العملة بشكل كبير، حيث أصبح اعتماد معظم السوريين حاليًا على الحوالات المالية، فضلا عن اضطرارهم إلى العمل في وظيفتين وثلاثة على الأقل.
قرار عربي... حصار أمريكي
تعرض الاقتصاد السوري إلى خسائر مرعبة خلال فترة الحرب، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022، أقل من ثلث قيمته في عام 2010، وتجاوز إجمالي الخسائر الاقتصادية، بما فيها الفرص الضائعة، خلال 12عاما، نحو 700 مليار دولار أمريكي، أي أكثر من 35 ضعف الناتج المحلي لعام 2022.
الخبير الدكتور علي الأحمد، أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين في اللاذقية، يؤكد في تصريح لـ" سبوتنيك"، أن "عودة العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج هو فقط عنوان تصدّر معظم الصحف الرسمية في سوريا".
ويضيف الأحمد: "سمعنا أيضا عن إعادة فتح مسار التعاون الاقتصادي واستئناف الأنشطة والفعاليات التجارية والاستثمارية بين الجانبين، وتمكين المستثمرين من الفرص الاستثمارية المتاحة، وإقامة الملتقيات الاقتصادية لرفع الميزان التجاري البيني، بالتزامن مع انفتاح سوريا على محيطها العربي".
و تابع: "لكن في الحقيقة، فإن الانفتاح كان سياسيا فقط، على خلفية اكتشاف هذه الدول أن مصلحتها مع سوريا".
وبحسب الأحمد، فإن "عودة العلاقات السياسية مع الدول العربية لا تعني عودة الاستثمارات، لأن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، تخيف رأس المال، وهي المسؤول الأول عن منع عودة سوريا إلى خارطة الاستثمار العربية والدولية".
وكما عربش، يؤكد الأحمد بأن ثمة مسؤولية موازية ملقاة على عاتق الحكومة السورية، إذ أن العقوبات تتطلب مزيدًا من الجهود والوقت بهدف عودة الاستثمارات إلى سوريا للمشاركة في إعادة الإعمار، ودفع الأموال والاستثمارات العربية في شرايين الاقتصاد السوري، وتنشيط بيئة التشغيل وخلق الوظائف للشعب السوري والعربي.
وختم الخبير الاقتصادي حديثه: "الانفتاح العربي حاليا لا يتعدى المساعدات الانسانية، لذلك لا بد من العمل على فكر اقتصادي ورؤية صحيحة واستراتيجيات وخطط سليمة، واستثمار المتاح بشكل جيد لترتقي العلاقات السورية العربية، من السياسية إلى الاقتصادية".

سيريا ديلي نيوز


التعليقات