قال الباحث الاقتصادي منير الحمش خلال ندوة بعنوان "الاقتصاد السوري بين الأزمات المحلية والدولية" نظمتها جمعية العلوم الاقتصادية في المركز الثقافي بأبو رمانة أن هناك تراجعاً واضحاً في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بعد تلك السنين من الحرب على سورية التي أدت إلى ضياع جيل كامل من السوريين وأحدثت تأثيراً مدمراً على البشر والحجر والاقتصاد، تجلى في تلك الأعداد الهائلة من الشهداء والجرحى والنازحين واللاجئين داخل وخارج البلاد، وفضلاً عن ذلك فقد أسفرت الحرب عن خفض كبير في النشاط الاقتصادي بسبب تآكل التماسك الاجتماعي وتدهور الحكومة وتقسيم البلاد، وزاد من حدة النتائج الكارثية للحرب العقوبات الاقتصادية المفروضة من جانب واحد (الأمريكي والأوروبي) .

واضاف خلال المحاضرة : كان واضحاً أيضاً في المجتمعات السورية المختلفة في المدن والريف الأرتفاع المستمر لمستويات الفقر فقد أدى انهيار الأنشطة الاقتصادية إلى جانب العوامل الأخرى إلى تدهور فرص كسب العيش والاستنفاذ التدريجي لقدرة الأسرة على التكيف ، وقد تجلت الأزمة الاقتصادية في جميع المناطق السورية في انهيار متسارع ومتواتر في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي ، والارتفاعات المتوالية والمتسارعة لأسعار المواد والسلع الاستهلاكية الحياتية ، هذا إلى جانب الارتفاع في أسعار المشتقات النفطية والكهرباء وانعكاسات ذلك كله على أسعار الخدمات (خاصة النقل والانتقال) وعلى الفاتورة النهائية لتكاليف المعيشة التي أوصلت أعداد متزايدة من الأسر إلى حالة المجاعة.

الحمش اعتبر أن الاقتصاد السوري دخل نطاق الأزمة مبكراً مع خروج مناطق عديدة عن سيطرة الدولة في أثر اندلاع حركات الاحتجاج وتوجيه الدولة مواردها لخدمة المجهود العسكري وبحسب قوله أصبحت النفقات العسكرية تشكل المكون الرئيسي للإنفاق العام على حساب الجانب التنموي ، وتحول الاقتصاد إلى (اقتصاد نزاع) يجري من خلاله تدمير موارد البلاد وتحويل المقومات الاقتصادية إلى مصادر لاستدامة العنف وخسارة الأفراد لأعمالهم ووظائفهم ومنازلهم ، فانتشرت أعمال العنف جنباً إلى جنب الاعمال غير المشروعة من استغلال واحتكار وتهريب .

مشيرا الى  أنه من أهم أسباب تدهور سعر الصرف هو تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي الوطني و الحاجة إلى القطع الأجنبي لتأمين احتياجات البلاد الضرورية من الخارج في مقابل انخفاض كبير في التصدير وبالتالي الخلل في الميزان التجاري (الاستيراد والتصدير) ونتيجة لتراجع النشاط الاقتصادي فقد تم إنهاك الاقتصاد الوطني فتراجعت الإيرادات العامة وبالتالي تم استنزاف هذه الموارد وتصاعدت ارقام العجز في الموازنات العامة .

الحمش أكد أنه من المتوقع أن يستمر تدهور الأوضاع الاقتصادية في سوريا ، بسبب تعدد وتشابك العوامل المؤثرة في المسألة السورية ، فهناك إلى جانب العوامل الذاتية المتوارثة ، العوامل الداخلية المستجدة منذ اندلاع حركات الاحتجاج (آذار 2011) وهناك السياسات الاقتصادية والتخبط في القرار الاقتصادي فضلاً عن الفساد ودور تجار الأزمة وأمراء الحرب ، وتشابك علاقاتهم مع الخارج و يأتي فوق ذلك طبعاً استمرار تقسيم البلاد وفقدان سيطرة الحكومة المركزية على كامل الأراضي السورية مع وجود الجيوش الأجنبية والفصائل المسلحة ، وإلى جانب العوامل الداخلية ، هناك العوامل الخارجية وأبلغها تأثيراً ما يجري في دول الجوار خاصة لبنان وتركيا والأزمة الاقتصادية في كلا البلدين وهناك التدخلات الخارجية وخاصة من دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة.

الباحث قدم في ختام الندوة مجموعة اقتراحات لحل  مشكلة البلاد الاقتصادية والانطلاق نحو مرحلة جديدة من التعافي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية تتثمل ب إجراء مراجعة موضوعية للسياسات ما قبل الأزمة وخلالها وحتى الآن و وضع الأساس النظري والإطار العملي للسياسات المقترحة لمرحلة التعافي وما بعدها واتخاذ خطوات جادة بالابتعاد عن التوجهات الليبرالية التي كانت السبب الأساسي للأزمة.

وتابع : يجب السير بثبات نحو الحل السياسي للأزمة السورية وتحقيق الجلاء الشامل للجيوش الأجنبية غير الشرعية والقضاء على جميع الفصائل الإرهابية والتحقيق العملي لوحدة التراب السوري ( 185 الف كم 2 ) ووحدة الشعب السوري (27 مليون نسمة على أرضه) ويجب توطيد ثقة المواطن السوري باقتصاده وعملته الوطنية ومؤسساته.

واضاف : " كما يجب أن تشمل عملية مراجعة السياسات أولاً القرارات المالية المتعلقة بالضرائب وخاصة في جانبها المتهافت على زيادة الإيرادات وكذلك القرارات الخاصة بالتخلي عن بعض أصول الدولة من المباني والارضي والمؤسسات ، تحت عناوين تشاركية أو من خلال عقود خاصة ويجب مواجهة علمية سريعة وإسعافية لتدهور الحالة المعيشية ومعالجة حالة عدم تناسب الرواتب والأجور مع تكاليف العيش الكريم ومواجهة الفقر والجوع في سورية بالإرادة والإدارة "واقصد بالإرادة وجود قرار سياسي ملتزم للجميع  أما الإدارة ، فهي الحكومة بمؤسساتها المختلفة ، بأن تكون نزيهة وعلمية وموضوعية تمتلك الأفق وتتحكم بمفاصل وتفاصيل المشكلة وتمتلك القدرة على التخطيط والمتابعة والتنفيذ" بحسب قوله.

ونوه إلى التفاصيل المتعلقة بقضايا الإنتاج (الزراعي والصناعي والحرفي) والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية ، والانتقال من حالة الاقتصاد الريعي إلى حالة الاقتصاد المنتج والسير قبل ذلك كله  على طريق الحل السياسي للأزمة.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات