قصورٌ فاخرة وسياراتٌ حديثة وماركات شهيرة، كلها عناصر أساسية عند صنّاع المحتوى المعروفين في منصة يوتيوب. فلطالما دفعنا فضولنا لمشاهدة عدة دقائق من فيديو ما، لنجد أنفسنا منوَّمين مغناطيسيًا ومذهولين بالبذخ اللامنطقي على أمور غريبة ومبالغ بها في كثير من الأحيان. فهل حقًا يمكن أن أصبح مليونيرًا من منصة اليوتيوب؟

حسنًا؛ قد يصدمك الجواب. لكن الحقيقة تقول: منصة اليوتيوب لم تعد المارد السحري. إذ تعاني مؤخّرًا من انخفاض كبير في الأرباح، مما دفع العديد من مستخدميها إلى اللجوء لمنصات أخرى مثل تيك توك وتويتش وغيرها لتحقيق أموال أكثر. فما الذي حصل للمنصة في الفترة الأخيرة؟

ما سبب تراجع الأرباح في منصة يوتيوب؟

يحصل مستخدمو يوتيوب على أموالهم بشكل أساسي من الإعلانات والترويج لبعض العلامات التجارية Brand Sponsorship وعضوية القنوات Channel Memberships. وكلما زادت المشاهدات لديهم، زاد طلب الشركات على ترويج الإعلانات بهدف وصولها إلى أكبر شريحة من العملاء. وبالفعل؛ فإن الكثير من صناع المحتوى والعاملين في مجال الترفيه اعتمدوا بشكل أساسي على قنواتهم كمصدر دخل رئيسي. إلا أن تراجع أرباح المنصة جعل مالكيّ القنوات في حيرةٍ من أمرهم. يزعم بعض اليوتيوبرز أن خللاً في المنصة تسبب في خسارتهم حوالي 50 إلى 90 % من دخلهم وهذا بالتأكيد عبٌء كبير قد لا يستطيع البعض تحمله وقد يهدد وجودهم كمبدعين على هذه المنصة. فما الذي يحدث بالضبط مع أشهر منصة ربحية؟

استنادًا إلى قاعدة بيانات أجريت عبر موقع فوربس،  تبين الرسم البياني أعلاه إحصائيات لعدة أشخاص مشهورين على المنصة، نلاحظ انخفاض الرسم البياني الخاص بالدخل من 16 نوفمبر 2022، إذ انخفضت الإيرادات لكل ألف مشاهدة فيديو بنسبة 70-90% بين ليلة وضحاها، في حين برر المسؤولون في المنصة أن ذلك يعود إلى خلل مؤقت في اليوتيوب وانتشار المشاهدات المزيفة، حيث يقوم بعض اليوتيوبرز بشراء مشاهدات (قد تكون روبوتات تحاكي أشخاصًا يشاهدون فيديو) من مصادر مشبوهة بهدف رفع نسبة المشاهدات وبالتالي زيادة الأرباح. لكن في الحقيقة فإن هذا النوع من الخدع يمكن اكتشافه عن طريق مقارنة عدد المشاهدات مع عدد الإعجابات، في حال وجود فجوة كبيرة بين الرقمين فمن المحتمل أن الشخص قد استعان بأحد المصادر المشبوهة.

تمكن المسؤولون من إصلاح الخلل، كما قاموا بحذف جميع التعليقات المسيئة المتعلقة بالموضوع. على الجانب الآخر استنكر الكثيرون جهود المسؤولين وعدم قدرتهم على احتواء المشكلة التي تزال سبب انخفاض دخل الكثيرين.

سياسات يوتيوب الجديدة.. هل هي صارمة أم ظالمة؟

في الحقيقة فإن واحدة من أهم أسباب انخفاض الأرباح هو تغيير سياسات اليوتيوب، والتي يبدو أنها تفضل النجوم والمشاهير على دعم منشئي المحتوى الصاعدين. إذ بدأت المنصة في فرض قيود على المحتوى المتكرر، واتخذت خطوات جديدة لتحديد المستفيدين من المشاهدات، وذلك بسبب الانتقادات اللاذعة وانتشار المحتوى المسيء والمخالف للقوانين بالإضافة للمشاهدات المزيفة وعمليات الاحتيال. وأعلنت المنصة عن مجموعة جديدة من القوانين التي تنص حرفيًا على التركيز على صناع المحتوى المشهورين، الذين يملكون عشرات ملايين المشتركين ويكسبون أرقامًا كبيرة سنويًا بطبيعة الحال، بالإضافة إلى منع المعلنين من دعم المحتوى المنسوخ أو المثير للجدل أو غير اللائق.

لم تكن هذه السياسات الصارمة الجديدة سوى تكملة لما بدأته يوتيوب عام 2018 حيث منعت القنوات من عرض الإعلانات إلا في حال تمكن منشئ المحتوى إلى الوصول إلى 1000 مشترك و4000 ساعة مشاهدة خلال 12 شهرًا، في حين كانت الشروط تنص على 10000 مشاهدة منذ ولادة القناة، بالإضافة إلى فحص كل مقطع فيديو من خلال Google Preferred وهو برنامج إعلاني يضمن الربح لأفضل 5% من المبدعين المنتشرين على اليوتيوب، وبفضل ذلك تمكنت المنصة من إزالة اليوتيوبر المشهور "لوجان بول" الذي يمتلك أكثر من 15 مليون مشترك بعد نشره مقطع مثير للجدل يحتوي جثة رجل مشنوق على الشجرة.

أمثلة لصناع محتوى صُدموا بتراجع أرباحهم على يوتيوب
فيديو يوتيوب

ظهر اليوتيوبر عبدلله الحربي في مقطع فيديو مُفاجئ، أوضح من خلاله الفجوة الكبيرة بين عدد المشاهدات والمردود المادي لصنّاع المحتوى، فعرض أرباحه مقابل 60 مليون مشاهدة ليصدمنا بأنها 100 دولار فقط. فبعد بدء منصة يوتيوب في تقليل عدد الإعلانات التي يمكن عرضها على المحتوى، قلّت أرباح العديد من اليوتيوبرز بسبب قيود المنصة، وأبرز الأمثلة:

بيو دي بي

 يعد بيو دي بي واحدًا من أشهر صناع المحتوى على يوتيوب في العالم. في العام 2019 أعلن بيو دي بي أنه لاحظ انخفاضًا في إيراداته من يوتيوب، وقد تم ذلك بعد تطبيق تغييرات في سياسة الإعلانات والتحكم في المحتوى.

شين داوسن

 شين داوسن هو صانع محتوى ومخرج أفلام وثائقية شهير. تعرضت قناته عام 2020 لتأثير سلبي بعدما تم توقيف الإعلانات على بعض مقاطعه وسط اتهامات للعنصرية والسلوك غير الملائم.

مصطفى حجي

مصطفى حجي صانع محتوى عربي مشهور يعمل في مجال الألعاب الإلكترونية. تأثرت أرباحه بعد تطبيق قواعد جديدة من قبل يوتيوب بشأن محتوى الألعاب، مما أدى إلى تقييد بعض إعلاناته وتحديد الدخل المتوقع.

عبدلله الجرياني

 يعد عبد الله الجرياني أحد أشهر صناع المحتوى السعوديين. إلا أنه أعلن عام 2021 عن تأثر إيراداته من الإعلانات على يوتيوب بسبب تغييرات في سياسة الإعلانات والتحكم في المحتوى.

أنس وأصالة

يشكل هذا الثنائي الزوجي فريق لطيف مع ولديهما من خلال نشر محتوى ترفيهي ومرح على قناتهما. وقد تأثرت أرباحهما بسبب قيود على المحتوى وتغييرات في السياسات التي تؤثر على إعلاناتهم.

 من تيك توك إلى تويتش وغيرهم.. كيف وضعت تلك المنصات يوتيوب في الظل؟

يبدو أن التعب والجهد المبذول على مقاطع يوتيوب لم تعد تؤتي ثمارها، وبدأ الجميع يبحث عن منصات سريعة الربح لتعويض الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم. فبالرغم من أن منصة يوتيوب قد حققت أرباحًا تزيد عن 29 مليار دولار عام 2022 في الإعلانات مقارنة مع تيك توك (11مليار دولار) إلا أن سرعة نمو الأخيرة أكبر في الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات إلى توقف ازدهار منصة يوتيوب منذ عام 2022.  فنحن في عصر السرعة والتطور التكنولوجي، وعلى المنصات تسهيل عمل صناع المحتوى ومعاملتهم بمرونة، على عكس يوتيوب التي قدمت العملاء لمنافسيها على طبقٍ من فضة.

كشف تحليل الإيرادات السنوي عن لائحة المنصات الأكثر ربحًا وعلى رأسهم منصة تويتش وتيك توك بينما كان فيسبوك في أسفل القائمة، في حين انخفضت عائدات إعلانات يوتيوب إلى الربع، وشمل الانخفاض مبيعات الإعلانات بنسبة 2.6% في الربع الأول من عام 2023.عند إلقاء نظرة على جيل المستقبل والأطفال دون سن 18 عامًا والتي تشكل الشريحة العمرية الأكبر، نجد أنهم يقضون ساعة ونصف على تيك توك مقابل ساعة أو أقل على يوتيوب وهذا يعني مشاهدات أكبر لصالح تيك توك، وبالتالي أرباح أعلى. كما يدفع صندوق Creator Fund التابع لـ تيك توك للمبدعين المؤهلين استنادًا إلى مقاييس الأداء والمشاركة، دون وجود قيود على نوع المحتوى.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات