على سطح منزلها العربي، تمد أم مصطفى شرشفاً على الأرض، وتضع عليه ما تريد تجفيفه من مواد للمؤونة الشتوية، وتجد هذه الطريقة “صحية أكتر” من وضعها في الثلاجات.
ورغم أن طريقة تجفيف المواد تعد قديمة، اعتمدت عليها الجدات في الماضي، اليوم عادت هذه الطريقة مرة أخرى مع بداية الأزمات المتراكمة منها  ساعات التقنين الكهربائي الطويلة في الأرياف
عناقيد تشبه عقد اللؤلؤ
تقول  الخمسينية لـ ” تشرين” اليوم عندنا إلى الماضي الجميل الذي كانت البركة تعم فيه، تعلمت طريقة تجفيف المؤونة أو ما يعرف محلياً باسم “التيبيس”  من والدتي وجدتي ولم استغني عنها منذ زواجي قبل ثلاثين عاماً رغم أن الكهرباء في ذلك الوقت كانت متوفرة 24 ساعة يومياً، ولكن حالياً الوضع اختلف بشكل كبير فالكهرباء تأتي نصف ساعة  مقابل خمس ساعات قطع وهو ما دفع بالكثير من السيدات في منطقتنا  للاعتماد على تجفيف المواد.
اشترت أم مصطفى علبة إبر والعديد من الخيوط السميكة وقامت بتعقيمها ووضعها بعلبة بلاستيك صغيرة كتب عليها ممنوع اللمس فهي مخصصة لتحضير عناقيد الباميا والباذنجان والتين لتجفيفها في الشمس، فهي تعتبر منظر العناقيد المتدالية المعلقة على جدار المطبخ يشبه عقد اللؤلؤ الذي تتباها فيه بعض النساء ضمن حفلاتهم الفاخرة التي تقام ضمن قاعات الفنادق ذات الخمس نجوم .
لا تعتمد وزارة الكهرباء  برنامجاً ثابتاً في التقنين، ولكن ساعات التغذية تقل أكثر خلال فصلي الصيف والشتاء، وتحتاج المؤونة إلى التبريد ضمن الثلاجات بكهرباء متواصلة حتى لا تتلف، ولكن برنامج التقنين “الجائر” كما تصفه أم مصطفى، جعل خيار التجفيف هو الحل المناسب عوضاً عن تفريزها في الثلاجات.
اختلفت العادات..
كان تموين المواد الغذائية فيما سبق وسيلة اقتصادية وعملية لحفظ الطعام وتوفير تكاليفه خلال الشتاء، مع استغلال موسم نضج الخضار وانخفاض أسعارها في الصيف.
واختلفت عادات حفظ الطعام عموماً في ظل ظروف الحرب ووضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه جميع السوريين ومع انقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار اتجه الناس لأساليب الحفظ القديمة، من تجفيف البازلاء والملوخية والباميا والمقدد وهو ” الباذنجان المجفف” وحفظ ورق العنب بالماء والملح.
ولا سيما أن “المونة” تعد  خزان العائلات في فصل الشتاء ولكنهم قللوا من الكميات المعتادة، كحال “ سناء “حيث قامت بتجفيف 8 كيلوغرام من البازيلا , و10 كيلوغرام من الثوم و10  كيلوغرام من الفول وحوالي 50 باقة من النعناع وقريباً ستبدأ بتجفيف البندورة والبامية والمولوخية فهي  تعد من أبرز المواد التي يتم تجفيفها.
عمل منفرد
وبلهجتها القروية تتحدث الأربعينية لـ”تشرين”  عن ذكريات بيت المونة الذي كانت تتفاخر به جدتها ، فهو يشبه ” المول الصغير ” الخاص بالعائلة تجد به ما لذّ وطاب نتيجة العمل الجماعي لنساء القرية أو الحارة القديمة ففي الماضي كان هناك يوم للفول ويوم للبازلاء ويوم للملوخية ويوم للمربي ويوم تنظيف البرغل، حيث يتحول البيت لخلية نحل تلعب الجدة فيها دور الملكة، فتحصل العائلة على العسل طوال السنة.
اليوم عادت النساء لهذه العادات القديمة ولكن بشكل عمل منفرد وبكميات قليلة جداً بسبب ارتفاع الأسعار، فتحضير المؤونة يحتاج لأكثر من مليوني ليرة، وهذا الرقم يصعب تأمينه في ظل الظروف الاقتصادية لذلك فإن أكثر من 50% من نساء القرية لم يجهزن أي نوع من المونة بسبب الفقر واقتصار المونة بالوقت الحالي على الضروريات بحسب قول “سناء”.
تقسم المونة في الأرياف إلى عدة أنواعها وأهمها: المونة الحامضة والمالحة كالألبان والأجبان والمخللات بأنواعها، والمونة الحلوة كالمربيات بمختلف أنواعها (تين، عنب، قرع، تفاح، خوخ، مشمش، كرز) والخضار المجففة مثل الباذنجان، الملوخية، القرع، البامياء، البندورة.
لا فرق بين الصيف والشتاء
كنا نجتمع جميعًا في أرض ديار لـ(تفصيص) الفول والبازلاء في مطلع أيار، وتقطيع الفواكه لصنع المربى صيفًا، ونجتمع حول المدفأة في أواخر تشرين الأول لـ(تجريح) الزيتون”، تستذكر نجيبة لمة عائلتها استعداداً للمؤونة في كل موسم.
تقول السبعينية  وهي أم لعشرة شباب  لـ”تشرين”  المنزل الذي لا يحتوي على مونة فقير، تعبيراً على أهمية صنع المونة لما يحقق لهم اكتفاءً ذاتياً في الشتاء فهي من العادات القديمة المتوارثة جيل بعد جيل، تحرص عدد من السيدات السوريات على المحافظة عليه رغم ظروفهم الصعبة فالبرادات لا تعمل، ولا تحتفظ بالثلج في الثلاجات، وهذا يحولها إلى ما يشبه “النملية”، التي كانت تستخدم قديماً في حفظ الطعام لحمايته من الحشرات.
تضحك وهي تخبرنا أنه لا فرق بين ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة في سورية، فمشكلة انقطاع التيار الكهربائي ذاتها، ففي فصل الشتاء يغيب التيار الكهربائي بسبب زيادة الأحمال على الشبكة باستخدام المدافئ الكهربائية وسخانات المياه، أما في الصيف فإن ارتفاع درجات الحرارة تجعل المحطات والمحولات الكهربائية عرضة للانفجار، عدا عن نقص الفيول والغاز وهذا ما نسمعه منذ عشرة سنين لذلك أصبحنا نشبه التماسيح لأننا سمعنا الكثير من التبريرات
انخفاض الإنتاج 50%
بدوره أكد عضو لجنة تجار سوق الهال أسامة قزيز في تصريح لـ ” تشرين” أنه بات لدى الجميع تخوف من وضع المونة في الثلاجات نتيجة الكهرباء فالكثير من العائلات خفض من كميات المونة التي يضعونها في البرادات لأن هذا التدبير لا ينجح مع انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، ما يؤدي إلى تلف مونة الأهالي، ويسبب خسائر مالية لم تكن في حسبانهم وكان الحل البديل استغلال الشمس والاستعانة بطرق الأجداد في الحفاظ على ما يسد رمقهم في أيام البرد
مبيناً، أن سبب ارتفاع سعر العديد من المواد الخاصة بالمونة، نتيجة قيام المزارعين بتخزينه لبيعة في الشتاء بأسعار مرتفعة، مثل الفول والبازلاء، حيث يقوم الفلاحون بتجفيفه، لبيعه إلى البزوريات التي تتداوله وتبيعه بشكل يابس.
وأضاف القزيز: تراجع الموسم هذا العام للنصف مقارنة بالعام الماضي بسبب العديد من الصعوبات التي تعترض الفلاح منها مادة المازوت، لذلك يصل إلى سوق الهال بدمشق يومياً نحو 100 طناً من الفول والبازلاء قادمة من الساحل ودرعا، و30 طناً قادمة من ريف دمشق ونحو نصف هذه الكميات تذهب للمعامل لتخزينها وطرحها في الأسواق وقسم منها للتصدير.