قال الدكتور إلياس نجمة أستاذ مادة السياسات المالية والنقدية في كلية الاقتصاد : يعتقد البعض ان ارتفاع الاسعارفي سورية  ناجم عن ارتفاع سعر صرف الدولار ؛ في حين ان سعر صرف الدولار يتأثر ويرتفع بالتوازي مع ظاهرة ارتفاع الاسعار الناجمة بشكل اساسي عن عجز الموازنة  الذي يتم تمويله مع الاسف عبر الاصدار النقدي .
مشيرا الى أنّ : هذا الحل السهل في تمويل عجز الموازنة  يؤدي الى اغراق السوق بتدفقات نقدية لا يقابلها عرض موازي وكاف من السلع والخدمات لامتصاصها  فترتفع الاسعار جميع الاسعار  بنسب متفاوتة طبعا وخصوصا  اسعار السلع القابلة للتسييل بيسر وسهولة ؛ كالذهب والعملات الاجنبية واهمها الدولار .
الدكتور نجمة لفت الى أنه  في السنين الاولى من الدراسة الجامعية علّمونا اساتذة المالية والاقتصاد الحقيقين ، ان النقد داخل بلده يمثل قوة شرائية ؛ ولكن عندما يكون خارج بلده يصبح سلعة ؛ يخضع سعرها وتداولها لقانون العرض والطلب .  

 لذلك نأمل أن لا يغيب عن الحكومة أن التضخم يأكل الموارد المالية للدولة أكثر مما يأكل موارد الأفراد، بسبب طبيعتها النقدية. وعدد كبير من مواردها يتضاءل لعدم تمكنها من التكيُّف والتماشي مع ارتفاع الأسعار. علماً أن السلع والخدمات التي تقدمها الدولة فقدت قسم كبير من قيمتها النقدية في السوق، وهي لن تستطيع معالجة هذا الأمر بزيادة أسعار ما تُقدمه من سلع وخدمات إلى ما لا نهاية. ومع الأسف استمرت الحكومة في التعاطي مع ظاهرة التضخم بعقل إداري وبيروقراطي، وعبر إجراءات لا تُطبَّق إلا بقوة السلطة، وليس عبر الآليات الاقتصادية. في حين أن التضخم هو ظاهرة مالية اقتصادية بامتياز، والمطلوب التعامل معها عبر سياسات مالية ونقدية، لا تستند فقط على إجراءات التقييد الكمِّي، وإنما تستخدم أدوات التحليل الاقتصادي والنقدي التي تستجيب للخصوصيات الاقتصادية المحلية، والإقليمية أيضاً. وربما كانت الإجراءات التي عمدت لها الحكومة في الآونة الأخيرة لزيادة إيراداتها من خلال رفع أسعار المواد التي تتحكم بها، سبباً أساسياً في زيادة الكلف والمزيد من صبّ الزيت على النار على صعيد التضخم ككل. كما ساهمت التضييقات المالية والمصرفية والبيروقراطية في رفع الكلف أيضاً، علماً أن فوائدها مؤقتة وأضرارها دائمة، ومن المفيد تجنُّب ذلك حتى في أصعب الظروف، نظراً لإسقاطاتها النفسية والاقتصادية والاجتماعية
 
وفي المجمل يتابع استاذ السياسات النقدية حديثه : إن إصرار الحكومة على التعاطي مع التضخم على أن مصدره زيادة التدفقات النقدية يهمل جانباً كبيراً من الأسباب الأكثر خطورة، التي جعلت منه تضخماً جامحاً لا تستجيب له   محذؤرا من أنّ  التضخم يجرّ التضخم ، وانه يفتك بالجسم الاقتصادي ، كما يفتك السرطان بالجسد البشري . وأنه يأكل موارد الدولة المالية أكثر مما يأكل موارد الأفراد . وأنه ضريبة ظالمة يدفعها الفقراء إلى الأغنياء .
كما أن قيام الدولة باتخاذ الاجراءات ذات الطبيعة التضخمية ، كتمويل عجز موازنتها عبر الاستدانة من المصرف المركزي ، الذي يقوم بدوره بالاصدار النقدي لتلبية حاجات الحكومة ، و قيامها بزيادة أسعار المواد التي تتحكم بها الجهات العامة ، هذا كله يصب الزيت على النار ، ويؤجج التضخم ، ويفجر الاقتصاد من الداخل ، كما يضعف القوة الشرائية للنقد الوطني ويؤدي إلى تراجع سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الاجنبية. كما يخشى أن تضعف القوة الشرائية للموازنات  نتيجة للتضخم الجامح الذي يعاني منه القطر حاليا
 
 في تقديرنا بعد هذا العرض الموجز يقول رئيس لجنة الموازنة في مجلس الشعب سابقا   :  أنه آن الأوان لأن تقوم الجهات المختصة في بلدنا ، بمراجعة عامة لسياساتها وممارساتها المالية والنقدية ، وأن تبادر لاتخاذ اجراءات تصحيحية فاعلة و بنيوية ، تواجه بها الحقائق نفاذاً إلى الجوهر ، و لا تدور حولها حفاظاً على الشكل : الدعم اذا تم" تمويله تضخميا"؛ عبر عجز الموازنة اوالاصدار النقدي ؛ يدفع تكلفته بالكامل الفقراء ؛ وهم بذلك يدفعون ثمن دعمهم ودعم غييرهم  .
 نرجو من الحكومة يقول " نجمة " :  في هذه الظروف الاستثنائية والصعبة ؛ ان تضيق دائرة الممنوعات ، وأن توسع دائرة المسموحات ؛ وأن تنتقل من منطق كل شيء ممنوع ما عدا المسموح به ؛ الى منطق كل شيء مسموح به ما عدا الممنوع .  واكبر اعداء الفلاحين الفقراء هم الفلاحين الذين استحوذوا على الار ض عبر تخصيصات الاصلاح الزراعي او غيره
 ويتساءل الدكتور الياس نجمة : هل يستحق تثبيت سعر صرف الليرة السورية الذي تمَّ بقرار إداري ووسائل تطبيق إلزامية، وبمستوى لا يمكن الدفاع عنه في أية سوق مفتوحة، تعطيل الاقتصاد بأكمله؟ علماً إن الإجراءات والقرارات التي رافقت صدوره لم تفلح في تخفيف وتيرة التضخم، بل على العكس ازداد التضخم جموحاً!
 ألا تعتقدون أنه من الواجب إعادة النظر بالإجراءات التي لم تنجح في تحقيق الأهداف المنتظرة منها ؟ وهل زيادة أسعار الفائدة بنسب كبيرة يشجع على الاستثمار؟ ألا يؤدي ذلك إلى استبعاد جميع الاستثمارات ذات الربحية المتوسطة وما دون من النشاط الاقتصادي! حيث لا يبقى ممكنا سوى الاستثمارات ذات الربحية المرتفع

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات