اثنا عشر عاماً من الحرب والحصار الاقتصادي على سورية كانت كفيلة بظهور مشكلات عديدة، لم يسلم منها قطاع الصحة والغذاء اللذين شكلا عماد قيام المجتمعات الصحية، واليوم بعد تعرض الكثير من الأسر السورية لتحديات طالت أمنها الغذائي، لا بدّ من الوقوف أمام تبعات هذا الخطر الذي يهدد الكثير منها وفق إحصاءات متداولة، إلّا أن الوضع بات أكثر تعقيداً مما ترويه الدراسات، التي أكدت تراجعاً حاداً في ميدان الاقتصاد بكل أشكاله، ما استدعى قرع أجراس الإنذار من قبل المعنيين والمختصين في مجال الصحة والتغذية، أمام ظهور مشاكل صحية وصلت حدّ تسجيل وفيات لأطفال ويافعين نتيجة سوء التغذية والعوز الكبير للغذاء، أجراس إنذار مدوّية لعلّ المنظمات الدولية المتخصصة تسمع أكثر.
عوارض صحية
فقدان الشهية والشعور بالتعب الشديد وعدم التركيز والانتباه، إضافة لخسارة الدهون وغيرها من الأعراض الأخرى تمثل إنذارات بحصول هذا النوع من الخلل الوظيفي في عمل أجهزة الجسم وفق توصيف رئيس مجلس إدارة الباحثين في علم التغذية والعلاج الطبيعي الدكتور هيثم زوباري، للحالات المسجلة لديه، والتي شملت أطفالاً تم قياس نسبة تعرضهم لسوء التغذية عبر قياس الوزن بالطول ومقارنتهم بمتوسط الوزن والطول الذي يجب أن يكون عليه الطفل في هذا العمر.
الامتناع عن تناول وجبات طعام لمدة أسبوع أو أقل وربما أكثر تصنف تحت بند سوء التغذية
الامتناع عن تناول وجبات طعام لمدة أسبوع أو أقل وربما أكثر، تصنف تحت بند سوء التغذية الشديدة والخطيرة، والتي لا بدّ من التعامل معها وفق زوباري بإجراء اختبارات للتأكد من عدم وجود أي مشاكل صحية في الجهاز الهضمي أو المعدة، وعند إثبات وجود حالة سوء تغذية يتم علاجها باستخدام الأساليب العلمية الحديثة التي تساعد بالتخلص من المرض والوقاية منه.
و تعد فترة الشباب والمراهقة فترة نمو وتحوي الكثير من التغيرات الهرمونية والجسدية والنفسية والفيزيولوجية، وبالتالي تزداد فرصة الإصابة بالمرض، لذا من الضروري حسب تأكيدات زوباري اتباع الأنظمة الغذائية الصحية التي تحوي القدر الكافي من العناصر الغذائية اللازمة للجسم، المتمثلة بالكربوهيدرات والفيتامينات والبروتينات والدهون والمعادن وغيرها، بالتزامن مع استشارة طبيب مختص بالتغذية، واستخدام المكملات الغذائية الطبية الآمنة أيضاً.
خطر عام
يواجه نظام التغذية في بلدان عدة مخاطر كثيرة، تمثلت بنظام غذائي فقير عدّه المختصون من الأسباب الرئيسة لزيادة معدلات الاعتلال والوفيات في جميع أنحاء العالم، وفي سورية على وجه الخصوص أصبحت المخاوف بشأن التغذية في ذروتها، بعد مرور ” 12 سنة” من عمر الأزمة على خلفيات الحرب والحصار، حيث أشارت تقديرات وزارة الصحة الى أن حوالي 13.4 مليون شخص يحتاجون إلى الحماية والمساعدة الإنسانية، مع وجود 6 ملايين شخص هم في حاجة ماسة، والذي يعود وفق تأكيدات الوزارة على لسان رئيسة دائرة برامج الصحة الداعمة الدكتورة هلا داوود لمجموعة عوامل منها فقدان القدرة الشرائية، وصعوبة تأمين الخدمات الصحية وخدمات الحماية الحيوية، عدا عن آثار وباء كوفيد 19 على المدى القصير والبعيد.
تدخل فوري
ما نحتاجه اليوم هو خطة شاملة متعددة القطاعات تضمن استمرار المساعدات التغذوية، ولاسيما الوقاية من جميع أشكال سوء التغذية، بما في ذلك عوز المغذيات الدقيقة، والقزامة وسوء التغذية الحاد، والسمنة حسب رؤية داوود، التي أكدت في تصريحها لـ “تشرين” أنه منذ بداية الأزمة تم تنفيذ تدخلات غذائية في سورية.
للأطفال دون الخمس سنوات مؤشرات للإصابة أيضاً، وذلك عبر إجراء مسح سمارت 2016 تقييم محيط منتصف الذراع، ومسح سمارت 2019 سوء التغذية الكلي GAM، الوزن بالنسبة للطول أقل من – 2، بنسبة 1.7%، 0.63%، 3%، وهو ضعيف جداً، سوء التغذية الحاد الشديد SAM (الوزن بالنسبة للطول أقل من – 3 Z-scor) بنسبة 0.4%،0.11%،0.7%.
وبناء على تصنيفات منظمة الصحة العالمية للقزامة التي أوضحت أن المعدل أقل من عتبة 20%وأكثر من 10%، أما عن الوزن الزائد فالمعدل أقل من عتبة 5% وأكثر من 2.5%..
تطمينات بالأرقام
على الرغم من الظروف الراهنة، لا تزال قدرة الحفاظ على مستوى مقبول ممكنة نسبياً وفق داوود، ولاسيما الحالة التغذوية للأطفال والحوامل والمرضعات، وخاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها، فيما تبقى التوقعات بتدني المستوى التغذوي لمناطق يتعذر الوصول إليها أكبر لأسباب واضحة، إلّا أن المعلومات الموثوقة للتأكد من الحالة لن تكون متاحة إلّا عند إجراء تقييم لهذه المناطق .
وعن نتائج تقييم للوضع الأسري التغذوي في SMART2019 استعرضت داوود بعض النتائج التي شملت: سوء التغذية الحاد العام بنسبة 1.7%، نقص الوزن بنسبة 4.9%، التقزم بنسبة 12.6%، زيادة الوزن بنسبة 4.6%، فقر الدم بنسبة 27.4%، الرضاعة الطبيعية بنسبة 28.5%.
رصد تغذوي
تتركز أولويات برنامج التغذية في وزارة الصحة ضمن عيادات الترصد التغذوي في المحافظات بتقديم خدمات قياسات جسمية وسريرية للاطفال دون 5 سنوات، بغية مراقبة نموهم والوقاية والرصد لحالات سوء التغذية وتحويلها لمراكز العلاج حسب داوود، كما يتم تسجيل حالات المراجعة ضمت جداول إلكترونية بشكل شهري على مستوى المناطق، ومن ثم تجميعها على مستوى كل محافظة ومن ثم على المستوى المركزي، ليتم تحليلها ومتابعة البيانات شهرياً وربعياً وسنوياً.
تتضمن خطة العلاج بروتوكولاً علاجياً بين شهرين لـ 4 أشهر، ومراقبة المؤشرات التغذوية مع إعطاء المواد العلاجية زبدة فستق تكميلية لحالات سوء التغذية الحاد المتوسط SFP، وزبدة الفستق العلاجية لحالات سوء التغذية الحاد الشديد OTP، بالإضافة للبسكويت عالي الطاقة وبودرة الفيتامين والمعادن وفيتامينA.
وعن أحدث إحصاءات الوزارة في مجال الرصد التغذوي، سجل التقرير الصادر عن وزارة الصحة خلال الشهر الأول والثاني من عام 2023 حالات عدة من المصابين بسوء التغذية الحاد الشديد 797 بنسبة 0.48%، وعدد من المصابين بسوء التغذية 2381 بنسبة 1.45%، والمجموع الكلي لعدد حالات سوء التغذية الحاد العام 3178 بنسبة 1.93%، أما نسبة سوء التغذية الحاد العام على المستوى الوطني وحسب آخر مسح على مستوى القطر 2019 نسبة 1.7%.
عناية خاصة
لا بدّ من الانتباه جيداً، توصيات أطلقتها رئيسة دائرة برامج الصحة الداعمة في وزارة الصحة الدكتورة هلا داوود، تزامنت مع شهر رمضان، ببدء الصيام بعد عمر 10 سنوات، والسبب أن أول خمس سنوات من عمر الطفل هي طور النمو ويحتاج وجبات على مدار اليوم، لذا لابدّ من التدرج معه بفترات صيام قصيرة ضمن فترات الظهيرة والعصر بما يعادل 3 ساعات فقط، والتركيز على شرب العصائر خوفاً من نقص السكر إثر احتياجه للطاقة، والأفضل أن تتم هذه العملية في يوم العطلة.
أما وجبة السحور فيفضل تأخيرها للفجر، بحيث يأخذ المغذيات اللازمة من البروتينات والنشويات المعقدة، كالخبز والمعكرونة، كي لا يشعر بالجوع خلال فترة طويلة على الإفطار، والبعد عن عصائر تحوي مُحليّات بالسكر واستبدالها بالسكر البسيط كالتمر.
لتبقى مؤشرات وزارة الصحة ثابتة من دون أي تأثر بدخول شهر الصيام وعدم تسجيل فروقات جديدة ضمن إحصاءاتها حتى اليوم
سيريا ديلي نيوز
2023-04-08 17:42:39