مع بدايات الواقع الاقتصادي والخدمي الصعب أشهرنا العجز الفكري في وجه العاصفة القادمة بكل عزم و تحدي ، تحت عنوان : نرجعها كما كانت .. كان الكلام أشبه بتمتمات حلاوة الروح .. و فيه ما فيه من افلاس فكري لو أنه أعتمد كمنهج عمل .. إنما هو مجرد كلام بحدود ما تراه عقولنا المحددة خياراتها بتجربتنا . و لم تكن التجربة على ذاك المستوى من الأبداع .. بل كانت تعاني و كثيراً ما عانت .. و فشلت عدة محاولات للهروب بها من تحديات لم تتوقف عند حدود أنها لاحت في الأفق .. بل إن معانيات التجربة و اشكالاتها شكلت الداعم الأساسي لحالة الانهيار الذي لا يتوقف الآن .. لكن ... كان واقعنا كافٍ لتحقيق الرضى .. و ليس من الضروري اليوم الاسهاب في تشريح الماضي .. أبداً .. لأن العودة إليه مستحيلة تماماً .. و لا بد من البديل .. تحديد هذا البديل نظرياً ، أو البدء بعبوره عملياً هو القضية اليوم .. فإن اتجهنا للعبور لا بد من ازالة الركام كركام .. و عدم إضاعة الوقت في نبشه و البحث عن اللقى فيه .. هذا لا يعني رمي التجربة بكل ما حوته من فشل إلى الفناء .. إنما يعني .. أن لا نضيع الوقت لاستنباط المستقبل من الماضي . اليوم و فيما يمكن للعين ان ترى و للعقل أن يكتشف .. نحن نحتاج أدوات أخرى مختلفة تماماً غير تلك التي استخدمناها في تجربتنا التي أوصلتنا... و وصلنا بها ... إلى هذا الواقع الصعب  .. لعل أهم الأدوات التي لا بد من تغييرها هي الأداة المتمثلة بدور الدولة . فنحن في كل ما أنجزناه في هذا البلاد قام على دور الدولة المركزي و الأكبر و الأشمل .. في جزء منه نفذته بمؤسساتها و بشكل مباشر .. و عبر السيطرة على كل منابع الثروات ، و على مفاصل القرار الاقتصادي التجاري و المالي و الزراعي و الصناعي .. و في جزء آخر نفذته قوى العمل و التجارة من خلال شقوق و طرق رسمتها لها الدولة نفسها . و بالتالي كان للدولة دائماً الدور الرئيسي و التحكم الكلي بنصوص القانون لدرجة أن رأس المال السوري الخاص .. بمعنى الثروة المالية الخاصة المعاصرة .. تأتت في جزء منها من خلال شطارة الموظفين الحكوميين و المال الخاص و أصحابه و شركاؤهم في الحكومة في الاستثمار في القانون و تكييفه و فق المصلحة ..و وضعه في خدمة الفساد المتمثل في النفاذ من أحكام القوانين و التهرب منها ..
اليوم في ظل الواقع الذي نعيشه و اسهاماً في محاولة خلق الأمل .. نحتاج دوراً هاماً و ضرورياً للدولة .. و نحتاج ابتعادها بشكل مدروس عن دور قوى العمل و التجارة و تحريرها من سيطرتها  لتي لا يبدو من مهرب منها غير بالفساد المتمثل بفرض الموظف الحكومي بأي مستوى كان نفسه شريكاً للمستثمر الخاص كي ينفد به و ينفده من أحكام القانون الذي يوضع كمصيدة .. !!؟؟
كثيرة هي الأعمال التي على الدولة أن تنسحب منها .. و أن تتركها لأصحابها .. أو أن تعيدها لهم .. كي نتصور بداية جديدة لبناء جديد .. ولا نفكر في " نرجعها متل ما كانت " و دائماً سنحتاج حكومة مختلفة .. في الشكل و المضمون .

سيريا ديلي نيوز- أسعد عبود


التعليقات