ليست الأسعار المحلية هي الوحيدة التي تهدّد المنتج الصناعي بعد أن زادت تكلفته أضعافاً مضاعفة، بل أصبحت المنافسة في الأسواق التصديرية اليوم تشكل تحدياً حقيقياً للصناعيين، بعد أن خسروا جزءاً كبيراً من حضورهم في الأسواق المجاورة إثر عوامل عديدة، منها المحلية ومنها الخارجية.
مقاربة لنظيراتها
معارك عديدة يخوضها بعض الصناعيين يومياً للحفاظ على وجود المنتج السوري في الأسواق العربية والعالمية، ولاسيما بعد أن تراجعت المنافسة السعرية إثر ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج بشكل كبير، مما جعل أسعار المنتجات المحلية مقاربة لنظيراتها في الدول المجاورة، فضلاً عن صعوبات الشحن والتعاملات النقدية، ولجوء معظم الدول اليوم لتقليص مستورداتها تحسباً لنتائج الحرب الأوكرانية على المدى القريب والبعيد.
جودة فقط
رئيس منطقة العرقوب الصناعية تيسير دركلت بيّن أن المنتج السوري يفقد ميزة المنافسة بالسعر، لتبقى المنافسة بالجودة فقط، مما جعل الأسواق الخارجية تبتعد تدريجياً من متناول اليد، فارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج محلياً ومن ضمنها حوامل الطاقة يرفع سعر المنتج النهائي، إذ تواجه الصناعة اليوم مرحلة عدم توازن وهناك صعوبات كبيرة لتخفيض سعر المنتج.
الهندسية أكثر ضرراً
الحديث هنا ينطبق على كلّ المنتجات، لكن بنسب متفاوتة بحسب نسبة الاعتماد على حوامل الطاقة، حيث أوضح الصناعي دركلت أن في مقدمة المتضررين تصديرياً تأتي الصناعات الهندسية، والتي تراجع تصديرها لدى البعض إلى 50%، فيما كانت العراق والأردن ولبنان ودول الخليج تشكّل أسواقاً مهمّة لها، يليها مباشرة الصناعات النسيجية التي تأثرت بشكل كبير بحوامل الطاقة، لتأتي بعدها الصناعات الكيميائية والأدوية.
علاقات شخصية للدفع!
وفيما باتت معظم صادراتنا اليوم خضاراً وفاكهة، رأى دركلت أن الصادرات السورية تحولت لمواد أولية وليس صناعة، فحتى الخضار والفاكهة تصدّر خاماً ليتمّ تصنيعها وتعبئتها في الخارج، وهو أمر خاطئ لكن لا بد منه لتأمين القطع الأجنبي، مضيفاً أن إشكاليات التصدير تتعلق أيضاً بالطرقات والأجور والمعابر، التي تزيد جميعها من تكلفة المنتج النهائي، فضلاً عن مشكلات التضخم وارتفاع الأسعار التي تواجهها الدول المجاورة، وصعوبة استرداد ثمن البضاعة في ظل العقوبات الاقتصادية، فالصناعي لا يمكن أن يتعامل مع البنوك بل يعتمد على العلاقات الشخصية المتضمنة مخاطر كبيرة في الدفع.
أثر ضعيف
وأوضح دركلت أن هيئة دعم الصادرات تعمل وفق مشروع مهمّ جداً، لكن أثره المباشر ضعيف، لأن الآلية لتطبيقه تحتاج إعادة نظر، فمثلاً الهيئة لا تعترف حتى الآن بالشحن الجزئي، أي إن صدّر الصناعي آلة أو كمية بسيطة من المنتجات لا تشغل إلا حيّزاً بسيطاً من “الكونتينر”، فلا تصدّر هنا باسمه بل تكون باسم “الشحّين” ولا يستفيد المصدّر من أي دعم.
من جهة أخرى إذا صدّر الصناعي حاوية كاملة باسمه يمكنه أن يسترد 10% كدعم من الهيئة، لكنها لا تدفع نقداً بل تحوّل كفواتير كهرباء أو هاتف، مما يحتّم أن تكون المنشأة وساعة الكهرباء والمياه والهاتف كلها باسم المصدّر، علماً أن المشكلات الإدارية بالمعامل والشراكات المتعدّدة معروفة للجميع ويصعب ضبطها بسهولة، معتبراً أن المشروع بحاجة لإعادة نظر بما يتناسب مع الواقع أكثر من أن يكون نظرياً فقط.
وأشار دركلت إلى ضرورة إعادة النظر بأسعار حوامل الطاقة، فالكهرباء الصناعية أصبحت مع رسومها تكلف 550 ليرة للكيلو واط الواحد، مقترحاً أن يكون دعم الصادرات عبر دعم الكهرباء الصناعية.
خارج المنافسة
بدوره اعتبر الصناعي عماد قدسي أن أسعار المحروقات والكهرباء هي الأكثر تأثيراً على الصادرات والمنافسة بالأسواق الخارجية، فالصناعي اليوم تقريباً خرج من المنافسة، وجميع المنتجات تضرّرت بلا استثناء، فالأسواق التصديرية الأساسية والتي هي البلاد المجاورة تراجع طلبها على المنتج السوري، مؤكداً ضرورة تأمين مخصّصات الصناعيين من المحروقات بأسعار مقبولة ومنافسة، وبعيدة عن السوق السوداء، لتبقى الصناعات السورية حاضرة في الأسواق العربية والعالمية.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات