«إذا بقي الوضع على حاله قد نلجأ لاستقطاب أخصائيين من الخارج»، بهذا التصريح عبر إحدى وسائل الإعلام أوضح نقيب أطباء ريف دمشق حجم الكارثة التي يعاني منها القطاع الطبي في البلاد، مشيراً إلى غياب بعض الاختصاصات وإلى الاستنزاف المستمر في عدد الأطباء الذين يهاجرون البلاد بحثاً عن فرصٍ أفضل، حتى إن كانت هذه الفرص في بلدانٍ غير آمنة كاليمن والصومال.
وضمن الوسيلة الإعلامية نفسها أشار نقيب الأطباء د.خالد موسى إلى أنّ «النقابة لديها 2428 طبيباً مسجلاً، يضاف إليهم 499 طبيباً مغترباً خارج القطر أي ما يمثل خمس أطباء المحافظة، وفي كامل المحافظة لا يوجد سوى طبيب جراحة أوعية، بينما المحافظة تحتاج بالحد الأدنى 10-12 طبيباً بهذا الاختصاص، وكذلك لا يوجد أي جراح صدرية في المحافظة».
وفي السياق نفسه أكد عضو الفريق الاستشاري لمواجهة وباء كورونا الدكتور نبوغ العوا أن «هجرة الأطباء مستمرة، ولإقناعهم بالبقاء يجب تأمين مراكز للعمل لهم، ودخل مناسب، خاصة أن المعاش لا يكفي الأطباء أكثر من خمسة أيام»، منوهاً إلى أن هناك تخوفاً كبيراً من عدم وجود أطباء لإجراء عمليات جراحية بسيطة بعد فترة!.
تدهور يقود إلى المزيد من التدهور
لا تكمن المشكلة فقط في نقص أعداد الأطباء وغياب بعض الاختصاصات وتردّي الخدمات في المشافي العامة، وفي بعض المشافي الخاصة أيضاً، بل تتعدّاها إلى فقدان ثقة الناس بالكادر الطبي الموجود، وإحجامهم عن الاستطباب إلّا في الحالات الإسعافية، ولذلك أسبابه المفهومة.
فمعظم الأطباء الموجودين حالياً هم أطباء مقيمون، أي لم يكتسبوا بعد الخبرة المطلوبة، إضافةً إلى تردّي القطاع التعليمي المسؤول عن إعداد أطباء ذوي خبرات جيدة، ولا سيّما في السنوات الأخيرة التي ازدادت بها هجرة الأخصائيين وعانت المشافي من نقصٍ في المواد الأولية.
يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار المعاينة في العيادات الخاصة، وكذلك أسعار التحاليل الطبية والتصوير الشعاعي وغيره من الأمور الإجرائية المطلوبة للتشخيص، طبعاً بما يتضمّن ذلك من مشكلات في توفّر المواد والكهرباء والأدوية وغيرها من المستلزمات التقنية الضرورية.
ماذا في جعبة الحلول الحكومية؟
إن كانت التصريحات أعلاه تحاول بطريقةٍ ما تصوير هول الكارثة الصحية التي تمرّ بها البلاد، فإن التدهور الصحي بات أفصح من أيّ كلام، ولا سيّما أن الكلام هذا ليس جديداً!
فقد تمّ إطلاق صفّارات الإنذار بوجود الخطر منذ زمنٍ بعيد، وحتى حينه لم يتم اتّخاذ أي إجراء حقيقي يستطيع وضع حدّ لأزمة الاستنزاف المستمرة، بل كلّ ما تمّ فعله هو زيادات بسيطة وأجزاءٌ بسيطة من حقّ الأطباء تمّت تقدمتها بصفتها «مكافئات».
وبالعودة إلى التصريح حول استيراد أخصائيين من الخارج بهدف تعويض النقص المرعب الموجود، فإن هذا الطرح يضع إشارة استفهام أمام مجمل عملية البحث عن الحلول التي تجري في الكواليس، إذ إنّ استيراد أطباء من الخارج لن يتم دون محاولة إغرائهم بمقابل ماديّ جيد!
فإن كانت الإمكانيات المادية لتحسين الوضع الصحّي متوفرة، فما الذي يمنع أصحاب القرار من اتّخاذ إجراءات جدّية تحدّ من هذا النزيف المستمر؟
وإن بقيت هذه الحلول هي الوحيدة المتوفّرة، فإن جعبة الحكومة من الحلول المتعلّقة بأزمة القطاع الصحّي ما هي إلّا حلولٌ مبسترة وترقيعية لا تستطيع مجاراة حجم الكارثة، ما يفتح الباب واسعاً لاستمرار النزيف، واستمرار الأزمة وتعمّقها ما لم يتمّ إيجاد حل إسعافي سريع للكوارث المتلاحقة التي تنهش بعظم ولحم الأطباء والمواطنين السوريين عموماً.
وبهذا الصدد يجدر التذكير برقم تم تداوله مؤخراً عن أعداد الأطباء السوريين العاملين في ألمانيا، والبالغ بحسب أحد التقارير 5000 طبيب، وهو رقم تأشيري محدود ليس إلا، حيث لا يعبر حقيقةً عن حجم ما هو موجود من كادرات طبية سورية في ألمانيا، أو في غيرها من بلدان اللجوء الأخرى، ومع ذلك فالتطفيش والتجريف مستمر!
فكم جرس إنذار يجب أن يقرع كي تلتقطها آذان الحكومة لتحل المشكلة؟
أم إن واقع الاستنزاف والتطفيش المستمر مرغوب ومطلوب، وعملية استيراد الأطباء، كما غيرها من عمليات الاستيراد الجارية، لن تبقى عبارة عن فكرة مرمية في الهواء عبثاً، بل ربما سيكون لها حيتانها والمستفيدون منها لاحقاً، ولم لا؟!

سيريا ديلي نيوز


التعليقات