يواجه التحول الرقمي في الخدمات الحكومية العديد من العوائق والثغرات بحسب ما كشفته خطة التحول الاستراتيجية.
وبينت الحطة أن قلة الموارد البشرية المهيأة، ووجود نسبة قليلة منها يعمل في الجهات الحكومية، إضافة إلى عدم استثمار تلك الموارد الاستثمار الأمثل، والبيئة الوظيفية غير المحفزة، تمثل أهم الثغرات التي تواجه تنفيذ الاستراتيجية.
كما رصدت مؤشرات الواقع الراهن ضعف تنفيذ المشروعات الخاصة بالتحول الرقمي، وتباين إنجازها بين الجهات الحكومية، وانعدام نماذج تبسيط الإجراءات، وضعف القدرة على الاستفادة من التكنولوجيا، مؤكدة وجود عوائق قانونية ومالية وبشرية وغيرها، تواجه تنفيذ التحول الاستراتيجي الجديد.
وفي وقت اعتبر خبراء في هذا المجال بحسب "صحيفة البعث" أن الواقع يرصد ضعفاً في إدارة التخطيط الأساسية، التي لابد أن تبدأ في حلّ العقبات من دون انتظار إطلاق الخطة أو اعتمادها أو غير ذلك من الإجراءات الإدارية، لافتين إلى أن الاستراتيجية لم ترصد كامل العوائق كما لم تقدّر المدة الزمنية اللازمة لحلها، ما سيؤخر بدوره تنفيذ الخطة الاستراتيجية فيما لم تحصل على الجدية والأولوية في حلّ عوائقها.
ووصفت معاون وزير الاتصالات والتقانة لشؤون الحكومة الإلكترونية، فاديا سليمان، العقبات التي تواجه عملية التحول الرقمي بالطبيعية، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يواجه التغيير الجديد عقبات نوعية خصوصاً في ظل الظروف الحالية، مبينة أن الوزارة تنظر إلى تلك التحديات بوصفها فرصاً نوعية لتحقيق المزيد من التقدم في هذا المجال.
وأوضحت سليمان أن التحول الرقمي عملية تغيير جذريّ في الإجراءات، والنظرة إلى الإجراءات، وطريقة التفكير نفسها، فضلاً عن وظيفة الأتمتة التي تشكل بدورها مشكلة للعديد من الجهات على الرغم من كونها ربما من أبسط الأمور معالجة، ودعت الجهات المعنية إلى المضي باتجاه التحول الرقمي، ومحاولة الاندماج مع مخرجات هذا التحول، لافتة إلى أن التحول الرقمي بات توجهاً لابد منه للبقاء ضمن الإطار العالمي، وأن الأمر لا يمكن إنجازه من دون الشراكة والقناعة الكاملة من القطاع الخاص والمجتمع بأهمية التحول والاستعداد للسير فيه.
وكانت الخطة الاستراتيجية التي أقرّتها الوزارة، قد رصدت بوضوح جملة من الثغرات والمعوقات التي تواجه التحول الرقمي، حيث بيّنت الدراسة التحليلية لواقع الخدمات الإلكترونية انخفاض نسبة تنفيذ المشروعات المتعلقة بعملية التحول الرقمي، خصوصاً تلك المشاريع التي تقع خارج إطار عمل وزارة الاتصالات والتقانة.
وأظهر التقييم اختلاف نسبة تنفيذ المشاريع لدى الجهات العامة عن تلك المخطّط لها، ويعزى ذلك لعدم توفر دراسات واضحة عن هذه المشاريع وعدم وجود نظام حوكمة واضح يحدّد الأولويات ويضمن تكامل المشروعات، وكشفت الاستراتيجية ضعف القدرة على الاستفادة من التطور التكنولوجي المتسارع، وعدم مواءمة أنظمة العقود الحالية لمتطلبات التطور التكنولوجي لهذا النوع من المشاريع والخدمات، كما اعتبرت الدراسة أن مركزية آلية رصد الاعتمادات لا توفر المرونة الكافية، الأمر الذي أدى لعدم القدرة على تتبع تنفيذ المشروعات، وانعكس سلباً على تكامل الخدمات الإلكترونية، وبالتالي ضعف وعدم توافر خدمات متكاملة للمستفيدين.
كما يشكل غياب النماذج المعيارية لتبسيط الإجراءات للخدمات الحكومية عائقاً إضافياً في الوصول للخدمات المتكاملة إلكترونياً.
ومن ناحية ثانية، أفاد التقييم بأن التمويل المطلوب لتنفيذ مشروعات الاستراتيجيّة كان يعتمد أساساً على المصادر الحكوميّة المحدودة دون النظر في إيجاد نماذج تمويلية تعتمد على الشراكة مع القطاع الخاص، أو نماذج للتمويل الذاتي.
وتظهر الدراسات الحالية أنه بالرغم من توفر عدد لا بأس فيه من خريجي الموارد البشرية التخصصية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذكاء الصناعي، إلا أن عدداً قليلاً منهم يعمل لدى القطاع العام، وهم على الرغم من قلتهم لا يتمّ توظيفهم بالشكل الأمثل، وذلك بسبب غياب بيئة العمل المحفزة، بالإضافة لغياب الرؤى الواضحة لأهمية دور تكنولوجيا المعلومات في عملية تحسين جودة الخدمات والإنتاجية لدى المؤسسات.
كما أكدت الدراسة تدني مستوى التدريب والتأهيل في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخصوصاً في ظل سنوات الحرب، ما أدى لتراجع واضح في مؤهلات الموارد البشرية العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات لدى القطاع العام، وعدم قدرتها على متابعة التطورات والمستجدات العالمية في هذا المجال.
ويبقى الاستثمار في الموارد البشرية قاطرة التنمية في المجتمعات، وفي ظل الخطوات الملموسة والمتسارعة التي تنتهجها الدولة في ملف التحول الرقمي يجب ألا تتوقف المساعي عن تنمية وصقل الكفاءات الرقمية، باعتبارها العنصر الفعال في دعم استراتيجية الدولة نحو التحول الرقمي، وبناء الإنسان.
وأمام ذلك أفادت سليمان بأن الوزارة بدأت بسدّ العديد من الثغرات ومواجهة مواطن الضعف منذ فترة وفقاً للإمكانات المتاحة، خصوصاً من حيث زيادة وتيرة التدريب والتأهيل والعمل على توفير الكادر البشري المؤهل القادر على تنفيذ الاستراتيجية خصوصاً في بقية الجهات الحكومية.
كما عملت الوزارة -وفقاً لسليمان- على تعديل النصوص القانونية كي تسمح بمزيد من المرونة في توفير التمويل المطلوب، وعقد الشراكات والعقود مع الجهات المختلفة، وغيرها الكثير من الإجراءات التي ستظهر نتائجها تباعاً للمواطن.
وكانت وزارة الاتصالات أعلنت أن سورية ستكون دولة رقمية في عام 2030، كما أطلقت مؤخراً استراتيجية التحول الرقمي في الخدمات الحكومية، وعملت على إطلاق العديد من الخدمات الإلكترونية وتوسيع وسائل الدفع الإلكترونية في خطوات متتالية تعزز التوجه لهذا التحول.
ومن جانبه، اعتبر الخبير في إدارة المخاطر ماهر سنجر أن عدم وجود حلول واضحة ومدى زمني لمعالجة الثغرات يجعلها مفتوحة أمام المبررات الأخرى، والتي أهمها ما يتعلق بالتشعب، مشيراً إلى وجود ضعف في إدارة التخطيط وعدم شمولية الخطط، والتي لا تتمخض عن نتائج حقيقية قابلة للقياس، وإنما نتائج وجدانية.
واعتبر سنجر أن إزاحة المخاطر والعقبات وإيجاد الحلول الملائمة لها يمثل أولوية للانطلاق، لافتاً إلى أن معالجة العوائق تحلّ عشرات الثغرات في قطاع الاتصالات في الدولة بمعزل عن وروده في استراتيجية التحول الرقمي من عدمه، فضلاً عن إطلاق الاستراتيجية من دون إيجاد مصادر تمويل واضحة، والتي تعتبر أحد أساسات التخطيط، وترك الموضوع مفتوحاً. ودعا سنجر إلى شمولية التخطيط، والاعتماد على خطط قصيرة الأجل تحقق غايات أساسية ضمن الأهداف الاستراتيجية، وأن تكون الأهداف واضحة ومدروسة وقابلة للقياس، للتمكن من البناء على تراكم إنجاز الغايات وربطها بالوصول إلى الأهداف المنشودة، معتبراً أن تحديد عام 2030 لإنجاز التحول الرقمي موعد طموح للغاية في ظل الظروف الحالية.
ومن جانبها، قالت الباحثة الأكاديمية رشا سيروب، أن تأخير إطلاق الخطة الاستراتيجية أمر طبيعي في حال رصدت التحولات المطلوبة على مدار عشر سنوات، والتي من الممكن تحقيقها في حال وجود جدية وعمل حقيقي ونوعي للوصول إلى التحول الرقمي، بالابتعاد عن الطرق والأساليب التقليدية والغرق في البيروقراطية والاجتماعات، وأكدت سيروب أن التحول الرقمي يتواءم مع خطط التنمية الوطنية، والتي تتماشى بدورها مع المتطلبات العالمية، ولذلك فإن إنجاز التحول لم يعد نوعاً من الترف، بل هو متطلب أساسي في عملية البناء، مبينة أن استمرار الظروف الراهنة يعتبر عائقاً حقيقياً في تأمين متطلبات التحول الرقمي، غير أن الواقع يشير إلى انحسار التداعيات السلبية والحصار الجائر قريباً.
واعتبرت سيروب أن الوصول إلى الإنجاز المطلوب يتطلب حل المشكلات بشكل شامل، والتخلص من كافة الأعباء التي تؤخر التوجه المطلوب للتحول الرقمي من خلال الوصول إلى حلول متكاملة، وعدم تضييع الجهد والوقت في تعديلات أو حلول جزئية لا تلبث أن تصطدم بعوائق جديدة بفعل انعدام الرؤية الشاملة والتكاملية.
وأشارت سيروب إلى أنه من المتوقع أن تكون الوزارة جاهزة لتوفير الحلول المطلوبة، والعمل على تجهيز الكوادر وفق خطة مدروسة قبل إطلاق الاستراتيجية، وإلا ستكون النتائج غير مرضية في حال كان الأمر متروكاً للظروف والحلول الآنية، وما يمكن أن يظهر من تداعيات جديدة.
سيريا ديلي نيوز
2021-09-17 11:40:05