أطلقت وزارة الاتصالات والتقانة مؤخراً خدمات الدفع الإلكتروني واضعة نصب عينيها انتشار ثقافة الدفع الإلكتروني والتخلي عن الدفع كاش، والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً هل باتت البنية التحتية لهذا المشروع مؤمنة بالكامل؟ وهل سيكون لضعف تغطية الإنترنت في بعض المناطق وخصوصاً في الأرياف البعيدة ومناطق إعادة الإعمار تأثير على نجاح هذه الخدمة وانتشارها؟ وهل سيساهم تطبيق هذه الخدمات في الحد من الفساد والرشوة وتوفير الوقت على المواطن عبر قيامه بتحويل الأموال من خلال شركات الخلوي لقاء خدمات يحتاجها من دون مراجعة مؤسسات الدولة؟ وهل سيقف انخفاض دخل المواطن عائقاً في طريق انتشار هذه الخدمات بين شريحة واسعة من المواطنين وخصوصاً الموظفين الذين لا يحتمل راتبهم القيام بعمليات دفع وتحويل مبالغ أحياناً تكون أكبر من أجره الشهري؟
وفي سياق الاستفسار عن أهمية خدمات الدفع الإلكتروني والحاجة الملحة لها في العصر الحالي والمعوقات التي من الممكن أن تقف في طريق انتشار هذه الخدمات، تواصلت مع وزير الاتصالات والتقانة الأسبق محمد الجلالي الذي أكد أنه ليس هناك أي مشكلة في تأمين البنية التحتية لخدمات الدفع الإلكتروني لدى وزارة الاتصالات ومؤسسات الدولة، إنما هناك مشكلة حالياً في الاقتصاد كله التي من الممكن أن تقف عائقاً في نجاح هذه الخدمات.
ولفت إلى أن أول مشكلة تم مواجهتها بالنسبة للدفع الإلكتروني عدم وجود حسابات مصرفية لدى شريحة واسعة من أفراد المجتمع وعدم وجود ثقافة التعامل مع المصارف لدى المواطنين، مشيراً إلى أنه منذ نحو السنة تم إجبار المواطنين على فتح حسابات مصرفية من أجل بيع سيارة أو عقار وحينها صدر قرار من رئاسة مجلس الوزراء بهذا الخصوص وكانت الغاية من القرار دفع المواطنين من أجل أن يكون لديهم حسابات مصرفية.
وأشار الجلالي إلى أن موظفي الدولة لديهم حسابات ومعظمهم موطنون رواتبهم لكن هناك مشكلة كبيرة كانت تواجه إطلاق المشروع هي عدم وجود حسابات مصرفية لدى معظم المواطنين، واليوم قسم كبير من المواطنين بدؤوا بفتح حسابات مصرفية ورغم ذلك لم يفلح هذا الموضوع وخصوصاً أنه لا يمكن حالياً إجبار كل المواطنين على فتح حساب منهم فلاحون في الأرياف على سبيل المثال ليس لديهم ثقافة التعامل إلكترونياً.
وأفاد بأنه تم إطلاق خدمات الدفع الإلكتروني في الدول المتقدمة بشكل طبيعي كتحصيل حاصل وخصوصاً أن دخول المواطنين هناك مرتفعة ولديهم خدمات مصرفية متميزة وبالتالي من الأسهل أن يتعامل هناك المواطن مع البنوك، ومن مصلحته أن يكون لديه حساب مصرفي إذ إنه بإمكانه ألا يصرف أجره الشهري بالكامل خلال شهر ويستطيع الادخار منه، موضحاً أن الموظف في أي شركة في هذه الدول لا يتقاضى راتبه كاش.
وبيّن أنه في سورية تم إطلاق خدمات الدفع الإلكتروني لكن لم تعالج بعد مشكلة تدني الأجور والرواتب، والموظف الذي يتقاضى راتباً قدره خمسون ألف ليرة سيسحبه من الصراف الآلي كاملاً عند بداية الشهر مع أن فكرة التعامل مع الصراف الآلي هي سحب مبالغ معينة عند الحاجة، وهذا ما يتم في الدول المتقدمة وليس كامل المبلغ، لافتاً إلى أن الخطوات التي يتم القيام بها بالنسبة للدفع الإلكتروني بالمحصلة تعتبر مفيدة وجيدة.
وأوضح أن هناك إشكالية بالنسبة للدفع عبر الجوال وهي اشتراط وضع مبلغ 100 ألف ليرة لدى حساب الشخص في شركات الخلوي من أجل الدفع، لكن هذا المبلغ يعتبر رقماً ضعيفاً ولا يفي هذا المبلغ بالغرض المطلوب، والمشكلة أن المواطن بسبب ضعف المبلغ بات بحاجة إلى أن يذهب عدة مرات من أجل وضع هذا المبلغ في حسابه لدى شركات الخلوي، مبيناً أن الحساب يجب أن يكون في المصرف وتغذية الحساب في المصرف ويجب أن يكون الجوال عبارة عن وسيلة لإجراء عملية التحويل.
وبين أن الهدف من الدفع الإلكتروني أن يصل المواطن لدرجة بات فيها ليس بحاجة إلى التعامل بالكاش كما يحصل في كل دول العالم المتقدمة التي فيها دخل المواطن أعلى من المصروف الشهري ولديهم حسابات مصرفية.
وأشار إلى أن التعامل بالدفع الإلكتروني عبر الجوال يعتبر سهلاً لأن نسبة كبيرة من المواطنين يمتلكون جوالات، وتجربة الدفع عبر الجوال منذ إطلاق الخدمة تعتبر مقبولة حتى تاريخه.
ولفت إلى أن تغطية الإنترنت موجودة وسورية تحصل اليوم على 400 غيغا من البوابة الدولية والبنية التحتية بالنسبة لمشروع الدفع الإلكتروني متوافرة وقادرة أن تحمل التطبيقات وذلك في مراكز المدن، لكن هناك صعوبة بالنسبة لمناطق إعادة الإعمار وفي الأرياف بسبب ضعف تغطية الإنترنت.
وأشار إلى أن المواطن في سورية عندما يصبح دخله مرتفعاً من المؤكد أن يقوم بفتح حساب وعندما يطلب منه البنك أن يدفع فاتورة الكهرباء أو غيرها من حسابه عبر الجوال سيقوم بذلك طوعاً من دون إجباره على ذلك لكن عندما يتم كبح السيولة وعدم السماح للمواطن بسحب مبلغ معين سيبتعد عن فتح حساب في البنك.
وأكد أن سورية تعتبر آخر دولة بالنسبة لدول المنطقة أطلقت خدمات الدفع الإلكتروني وهذه الخدمات موجودة في الأردن ومصر ودول الخليج، وإيران متقدمة في هذا المجال.
ولفت الجلالي إلى أنه من أجل انتشار خدمات الدفع الإلكتروني نحن بحاجة إلى زيادة الدخل وأن يبقى جزء من هذا الدخل في القطاع المصرفي من أجل الاستفادة منه في خدمات الدفع ويجب أن يكون هناك تغيير ثقافي عند الناس بالنسبة لهذا الموضوع.
وختم بالقول إن موضوع الدفع الإلكتروني في سورية ليس جديداً وبدأ العمل به منذ عام 2008 ومن ثم جاءت خطوات أخرى منها إحداث الهيئة الوطنية لخدمات الشبكة، وتبعها إحداث الشركة السورية للمدفوعات الإلكترونية، وهذه الخطوات هي للتحضير للبنية التحتية لخدمات الدفع الإلكتروني، لكن الأزمة أدت إلى تأخر إطلاق هذه الخدمات وعطلت بعض خطوات إطلاق هذا المشروع، مبيناً أنه لا يمكن إنكار أن وزارة الاتصالات تعمل على مسار بهذا الخصوص ضمن توجه إستراتيجي وما دام هناك توجه إستراتيجي على الرغم من التأخر أو وجود بعض العراقيل القليلة، لكن الصورة في ذهن الوزارة بخصوص هذه الخدمات باتت واضحة، مبيناً أنه ما دام قد تم إنشاء شركة المدفوعات وتم الربط بين البنوك رغم وجود بعض العراقيل بسبب إجراءات معينة لكن بالمحصلة عندما يتوافر التمويل وتتحسن الظروف الاقتصادية في سورية بشكل عام من المؤكد أننا سنرى هذه الخدمات بشكل أفضل.
وعن آلية الدفع بيّن الجلالي أن ذلك يتم من خلال قيام الشخص بفتح حساب لدى أي شركة جوال بحيث يكون هناك مجموعة من التجار والباعة يتعاملون مسبقاً مع الشركة ومن ثم يذهب الشخص ليشتري بضاعة ما من التجار المتعاملين مع الشركة فيتم إعطاؤه رمز معين ومن ثم يقوم بإدخال هذا الرمز عند التاجر وبالتالي تتم عملية التحويل من شركة جوال إلى رصيد التاجر.
سيريا ديلي نيوز
2021-06-18 10:52:32